عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 09-29-2012, 11:29 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب-نصرةً للشريعة26

السلام عليكم ورحمة الله،
إخوتي الكرام، رأينا في الحلقة الماضية أن الشريعة جاءت بمراعاة الألفاظ بما يحفظ سلامة العقيدة حتى لو كان قصد قائلها صحيحا.
سيادة الشعب عبارة فاسدة المبنى فاسدة المعنى تدل في أيامنا على تشوش العقيدة وعطبها في أهم مفاصلها.

ما معنى السيادة؟ السيادة هي الأحقية في الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ، والحكم على المبادئ والأفكار بالصحة والبطلان، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لفاعل الصواب، والعقوبة الدنيوية لفاعل الخطأ. سيادة جهة ما تعني أنها لا تُسأل عما تفعل، لأنها هي التي تحاكم الأفراد. السيادة تعني أنه لا جهة تعلو هذه الجهة وتخضعها لإرادتها. السيادة تعني الحاكمية العليا.
والسيادة بهذا التعريف ربوبية، وهي لله وحده لا شريك له.

راجع الكلام لترى أن السيادة بهذا التعريف أصبحت تنسب إلى الشعب! وعلى ألسنة من يُفترض أنهم "إسلاميون".
فسيادة الشعب دين جديد، الحكم فيه على الأفعال والمبادئ بالصحة والبطلان للشعب، والعقوبة فيه تقع على الفعل الذي حكم عليه الشعب بالخطأ، وإرادة الشعب فيه لا تحاكَم إلى إرادة الله، بل شرع الله يُخضع فيه لإرادة الشعب. فالشعب السيد في هذا الدين هو الشعب الرب.

تعالوا نرى سيادة الله في دين الله ثم نرى في المقابل سيادة الشعب في دين الديمقراطية.
وعبارة "سيادة الله" ليست مبتدعة. ففي الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني أن وفد بني عامر قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أنت سيدنا)، فقال: (السيد الله تبارك وتعالى). إذن فالسيادة المطلقة لله تعالى.

قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ))
هذا أسلوب حصر، يعني ليس الحكم إلا لله، الحكم بكافة أشكاله: فالحكم على الأفعال والأقوال والأفكار بالصواب والخطأ هو لله وحده لا شريك له، والحكم بأن افعل أيها المكلف ولا تفعل هو لله وحده لا شريك له، والحكم بعد ذلك بالمكافأة الدنيوية لمطيع أحكام الله والمعاقبة الدنيوية لعاصيها هو لله وحده لا شريك له. هذا كله متضمَّن في قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ)).

ماذا قال رب العزة بعدها؟ قال حكاية عن يوسف عليه السلام: ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه))
إذن فرد الحكم في أيٍّ من هذه الأشياء إلى غير الله عز وجل هو عبادة لهذا الغير. إعطاء أي أحد أحقية الحكم على الأفعال بالصواب والخطأ هو عبادة له، إعطاء أي أحد أحقية العقاب لمخالف أحكامه هو عبادة له.

قارن هذا بدين سيادة الشعب الذي تقول الآية الثالثة من آياته الشيطانية: (السيادة للشعب وحده).

قارن هذا بالتصريحات التي تطفح بها مقولات المنتسبين للعمل الإسلامي ممن ارتضى الديمقراطية مسلكا. وأنا هنا لن أذكر أسماء ولا أحزابا. ما يهمنا في النهاية أن نصحح المفاهيم. نريد أن يتنبه المسلمون إلى هذه التصريحات فيرفضوها ويرفضوا العمل بها أيا كان قائلها. قارن ((إن الحكم إلا لله)) بقول أحدهم:
(نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل، ولا نعترض على تعدد الأحزاب، فالشعب هو الذي يحكم على الأفكار والأشخاص).

قارن سيادة الله تعالى القائل: ((إِن الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ))
فالفصل في الأمور كلها إلى الله تعالى. كلمته تعالى هي الفصل بين الحق والباطل. وهذا من مقتضيات الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا.

قارن ذلك بدين سيادة الشعب الذي قال أحد سدنته: (سيكون قرار شعبنا هو الفيصل الذي نرجع إليه، والشعب يقضي ما يشاء أو يرفض ما يشاء، فهو وفق كل الأعراف الدولية ووفق مبادئ الديمقراطية، هو صاحب الحق في هذا المجال).

قارن سيادة الله القائل:
((والله يحكم لا معقب لحكمه))...فليس لأحد أن ينقض حكمه أو يرفضه.
وفي المقابل دين سيادة الشعب، الذي قال أحد معتنقيه: (فنحن دائما وأبدا نبقى مع إرادة الشعب وسنقبل بما تفرزه صناديق الاقتراع مهما كانت النتيجة لأن صناديق الاقتراع والديمقراطية هي الطريق الصحيح والسليم)...إذن لم تعد الديمقراطية مطية للوصول إلى تطبيق الشريعة في نظرهم، بل "هي الطريق الصحيح والسليم"! إذ لا يجوز أن يعقب أحد على حكم الشعب!


فيا مَن رضيتم بالله ربا وبالإسلام دينا...ألا تحمل هذه التصريحات معنىً واحدا: الرضا بالشعب حَكَما (وبالتالي ربا) وبالديمقراطية منهج حياة؟ ((أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)).


قد يتعذر متعذر لهذه التصريحات بأن (الشعب في عمومه مسلم، ولن يختار غير الشريعة، فسيادة الشعب تؤدي إلى تطبيق الشريعة). يعني يريد أن يتوصل من خلال تسييد الشعب إلى سيادة الله. وهذا يساوي عند التحقيق القول بالتوصل إلى ربوبية الله من خلال ربوبية الشعب! ويذكرنا بقول مَن قبلهم ((ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)). وهؤلاء يقولون ما نحتكم إلى الشعب إلى ليقربنا إلى تحكيم دين الله!
وقد بينا بطلان هذا الطرح في حلقة (قصة عجلان وسليمة) بيانا وافيا.

وقد يتذاكى علينا من اعتاد صياغة جمل هلامية يحفظ فيها خط الرجعة لنفسه أمام جميع الأطراف فيقول أتقصد من كلامك أن الشعب ليس له سلطة في تولية وعزل الحاكم؟ وهنا لا بد من التنبيه إلى أننا نفرق جيدا بين السيادة التي لا حق لأحد من البشر فيها، وفي المقابل سلطة الشعب المسلم في اختيار الحاكم المسلم ليحكمه في ظل سيادة الشريعة، وسلطة الشعب المسلم في عزل هذا الحاكم إن ظلم شعبه أو خرج على سيادة الشريعة. فهذه السلطة للشعب نقر بها ونعتبرها من حق الشعب بل ومن واجبه. وهذه السلطة منضبطة بأحكام الشرع من حيث كيفية اختيار الأمة للحاكم الذي جعل له الشرع شروطا يتم اختياره بحسبها، ومن حيث كيفية عزله إن خرج عن أحكام الشرع. فسيادة الله تعالى أعطت الشعب المسلم الحق في أن يولي ويعزل ويراقب ويحاكم الحاكم على أساس الشريعة وما تكفله من حقوق للرعية.
كلامنا عن سيادة الشعب، فنحن نعارض تسييد الشعب على أنه وسيلة مرحلية لنزع السيادة من السلطات الدكتاتورية المعادية للشريعة. نعارضه حتى لو قال قائل: أنا لا أقر بسيادة الشعب لكننا نتخذها وسيلة لتطبيق الشريعة.
لكن الخطير في الموضوع أن التصريحات المذكورة، والتوجه الذي انبثقت عنه تصحح مفهوم سيادة الشعب في ذاته، لا أنها تبرره بشرعية هدفه فحسب...أصبح يكرس في النفوس أن الشعب هو صاحب الحق في الحكم على الأشياء، وأن حكمه محترم أيا كان، إذ أنه يمثل "الشرعية الشعبية"، والتنقص من إرادة الشعب والعمل بخلافها خروج على "الشرعية" و رِدة عن الديمقراطية والحرية! صار يُروَّج لفكرة أن إرادة الشعب مقدسة في ذاتها حتى لو اختار غير شرع الله!

لهذا فإن الحاكم في الإسلام لا يبايع من قبل الأمة كأجير عندها لينفذ لها ما تريد كما في الديمقراطية وانما يبايع من الأمة لينفذ الشرع فلو خرج الناس الذين بايعوه عن الشرع قاتلهم حتى يرجعوا

هذا المفهوم الفاسد، وهذا الدين الجديد المسمى "سيادة الشعب"، أفسد عقائد كثير من المسلمين وتصوراتهم، وأحدث اضطرابا في أحكامهم ومواقفهم وتصرفاتهم. وسنرى أمثلة لذلك في الحلقة القادمة بإذن الله.

خلاصة الحلقة: سيادة الشعب تعني ربوبية الشعب، فالسيادة تعني الحاكمية العليا, والحق في التصويب والتخطئة للأقوال والأفعال والمبادئ والأفكار، والحق في الأمر والنهي, والحق في المكافأة والعقاب الدنيوي على الصواب والخطأ. وهذه كلها لله.

والسلام عليكم ورحمة الله.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس