عرض مشاركة واحدة
  #27  
قديم 09-29-2012, 11:20 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي


تحذير العلماء من التلبيس العقدي
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي الكرام تكلمنا في الحلقة الماضية عن الأضرار العقدية التي نتجت عن الأخطاء في العمل السياسي الإسلامي. وقلنا أن هذه المفاسد شر من كل مصلحة يرتجيها من قدموا التنازلات.

تُرى هل تنبأ علماء من قبل باحتمالية حدوث هذه الأضرار؟ نعم، وإن كان هؤلاء العلماء قلة. بيَّن هؤلاء العلماء أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم.
لكن أين المشكلة؟ المشكلة أنه بعدما وقعت ممارسات سياسية في غاية الخطأ وأدت إلى هذا التلبيس بأشد أشكاله، توقعنا أن يطبق هؤلاء العلماء قاعدتهم وينادوا بتحريم هذه الممارسات وينأوا بالناس عنها ويوجهوا ممارسيها علنا لأنها وقعت في العلن وآثارَها عمَّت. لكن مشايخنا بدلا من ذلك دعوا إلى تأييد وانتخاب من يمارس هذه الممارسات المنحرفة! فاجتمع على الناس ثلاثة عوامل تسهم كلها في التلبيس عليهم في أمور دينهم: الممارسات الخاطئة، ودعوة المشايخ إلى انتخاب من يمارسونها، ثم في المقابل عدم إنكار المشايخ لهذه الممارسات الحديثة.


فكانت مفسدة التلبيس التي، وبتقرير هؤلاء العلماء أنفسِهم فيما مضى، تفوق كل مصلحة مرجوة من دعوة الناس إلى انتخاب أصحاب هذه الممارسات.
ما نطالب به هؤلاء العلماء هو أن يطبقوا قاعدتهم التي نادوا بها من قبل، أن أي تحرك سياسي يجب ألا يؤدي إلى التلبيس على الناس في أمور دينهم. فانظروا يا مشايخنا إلى الواقع لتعلموا أن هذا التلبيس حصل فأنكروه وعالجوه.
سنأخذ مثالا من علماء السلفية ومثالا من العلماء المعتبرين لدى الإخوان.

الداعية العلامة الدكتور محمد إسماعيل المقدم شيخ السلفية في الإسكندرية، ومن كبار مشايخ السلفية في مصر...وهنا أقول للدكتور المقدم ومشايخ الدعوة السلفية في مصر: نحن الآن نعتب عليكم في العلن مع أننا أحببناكم واستفدنا منكم في الماضي ونافحنا عنكم ونشرنا محاضراتكم ومحاسنكم. لكن الحق أحب إلينا منكم. ووالله ثم والله لرجوعكم إلى الحق أحب إلينا من الأرض وما عليها، ونحن حينئذ لدعوتكم خدم. وما بنا إلا رجاء المساهمة في استرعاء انتباهكم لهذه الأمور وإنقاذ الأمة التي نخشى أن يكون عليكم كفل منها. فاللهم إن كان ادعائي هذا حقا فانشر هذا الكلام وتقبله وانفع به، وإن كان باطلا فاقبره في مكانه ولا تحملني وزر الكذب فيه.

الشيخ المقدم كان قبل الثورات العربية يرى بحرمة دخول المجالس النيابية، ومع ذلك يرى دخولها أمرا خلافيا. لكن لاحظ الشرط الذي وضعه حتى تعتبر المسألة خلافية:
قال الدكتور المقدم: (فلا يصح أن نضحي بعقيدتنا في سبيل مقعد في مجلس الشعب, فالشرط الأساسي للرخصة عدم التنازل, وعدم استخدام التقية؛ لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة، يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)) (المائدة:49)، ثم انظر ماذا بعدها: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. فالتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين, نعم قد يحصل تنازل بصورة عملية في بعض الظروف الضاغطة على المسلمين, لكن في قضايا عملية وليس في قضايا علمية أو اعتقادية. قد يضطر المسلمون مثلاً أن يبذلوا الأموال في سبيل فكاك أسرى المسلمين, وهذه الأموال سينتفع بها الكفار ويتقوون بها، لكن نحن نضطر أن ندفعها لهم في سبيل مصلحة أهم، وهي استنقاذ المسلمين من أيديهم)...كلام من أوضح ما يكون تظهر فيه حراسة التوحيد منه حفظه الله.
تعالوا نستنبط الدروس من هذه الكلام:
1) أكد الشيخ حفظه الله على عدم جواز استخدام التقية.
التقية مثل ماذا؟ مثل التصريح بكلام يلبس على الناس في قضايا العبودية والحاكمية ويجعل الشعب صاحب الحق في أن يقر ما شاء من القوانين ويرفض ما شاء، بحجة أن هذه تصريحات سياسية، وبالتالي فهي معفاة من الضوابط الشرعية، لأنه يراد بها كسب الشعب ومراوغة العدو.
أكد الدكتور أن ذلك كله لا يجوز. لماذا؟
قال: (لأن التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس، فتلتبس عليهم الأمور, وتختلط عليهم مفاهيم أساسية تمس العقيدة).
2) سمى د. المقدم التلبيس على الناس في أمور العقيدة (جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين).
البعض يلومني عندما أقول أن ممارسات الأحزاب "الإسلامية" ليست اجتهادا مقبولا ولا خلافا سائغا. انظر إلى كلام د. المقدم الذي –وإن رأى أصل المشاركة البرلمانية أمرا خلافيا- إلا أنه اعتبر التلبيس على الجماهير جريمة كبرى وانحرافا خطيرا يمس بأصل الدين....وليس أمرا خلافيا.
الآن ماذا نتوقع منك موقفا يا دكتور محمد إسماعيل، بعدما "فاز" المرشح الذي حشدتم الناس إلى تأييده فكان مما جاء في أول خطاب له:
(الإخوة والأخوات الأبناء والبنات أيها المسلمون في مصر أيها المسيحيون في مصر ...إلى أن قال:
أيها الشعب العظيم جئت اليكم اليوم لأنني مؤمن تماما بانكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلوا عليها شرعية. أنتم أهل السلطة ومصدرها وأنتم الشرعية وأقوى ما فيها).
ثم قال:
جئت إليكم لإنكم مصدر السلطة والشرعية التي تعلو على الجميع. لا مكان لأحد ولا لمؤسسة ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة. الأمة مصدر السلطات جميعها وهي التي تحكم وتقرر وتعقد وتعزل من أجل ذلك.
ثم قال: لا سلطة فوق هذه السلطة أنتم اصحاب السلطة أنتم أصحاب الإرادة أنتم مصدر هذه السلطة لكم ما تشاؤوا وتمنعوا عما من تشاؤوا
ذكرني هذا بقول ابن هانئ الأندلسى فى مديح الخليفة العبيدي المعز لدين الله:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فإنك أنت الواحد القهار
والعياذ بالله.
ثم قال بعد أن أكد على رفضه انتزاع سلطة الشعب والصلاحيات الموكلة إليه باسم الشعب:
(ولا يعني ذلك أننا لن نحترم القانون أو لا نعلي من قيمة الدستور والقضاة)...
وختم بقوله: (نحترم ارادة الشعب والقانون والدستور والأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ).
(نحترم إرادة الشعب والقانون)...طبعا القانون الوضعي، (والدستور)...طبعا الذي ينص في مادته الثالثة على أن: (السيادة للشعب وحده و هو مصدر السلطات) و(الأحكام التي تصدر من قضاء مصر الشامخ)...طبعا الذي يقضي بغير ما أنزل الله.
خطاب يؤله الشعب ويعطيه حق التشريع ولا تُذكر فيه الشريعة مرة واحدة...طبعا تتلى الآيات كما يتلوها كل رئيس عربي حالي أو ممن سقطوا. لكن ليس العبرة بتزيين الخطاب بالآيات بل بالعمل بها.
يُذكر "المسيحيون" نصا في مطلع الخطاب، وتُجعل السلطة والشرعية والإرادة لهم مع المسلمين، ولا تُذكر الشريعة لا تصريحا ولا تلميحا.
ولا يَقُل قائل: فرق بين السيادة والسلطة، فها قد نص المتحدث باسم رئاسة الجمهورية ينص على أن رئيس الجمهورية مسؤول عن تأكيد سيادة الشعب واحترام الدستور وسيادة القانون. وتصريحات الجماعة عبر العقود الماضية تصب في المفهوم ذاته، مفهوم سيادة الشعب. وفي المقابل لا تُذكر سيادة الشريعة من قريب ولا بعيد...كل هذا يكرس في الأذهان أن للشعب الحق في أن يسن ما شاء من القوانين فهو صاحب السيادة والشرعية.
قبل الثورة ماذا قال الدكتور المقدم في مثل هذا الكلام؟ قال حفظه الله في سلسلة: (السيادة للقرآن لا للبرلمان):
(خلاصة الكلام في هذه القضية : أن القضية قضية مبدأ ، فإما أن تكون السيادة للشرع وإما أن تكون السيادة للأمة.
إما أن يكون الحق في التشريع لله خالصا لله وحده، وينحصر دور الأمة في التخريج على أصول الشريعة والاجتهاد في تطبيق أحكامها على النوازل لتكون حينئذ على دين الله وذلك هو الإسلام.
وإما أن يكون الحق في التشريع المطلق لأحد غير الله كالبرلمان أو غيره يحل به ماشاء ويحرم به ماشاء ويعطل به من الأحكام الشرعية ماشاء ويمضي به منها ماشاء، ويسبغ الشرعية على ماشاء، وينزع الشرعية على مايشاء.
فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة -يعني: إجماع، ليست مسألة خلافية- فذلك هو المسلك الذي اتفقت الأمة قاطبة على رده على مدار القرون، وهو باطل بطلانا أصليا لا تَقبل الأحكامُ معه التصحيح ولا الإجازة...(وأذكركم هنا بقصة عجلان الذي كان زواجه بسليمة باطلاً بطلانا أصليا لا يَقبل التصحيح)
ثم قال:
فكل سلطة تقوم على أساسه (أي: على أساس أن التشريع للبرلمان) فكل سلطة تقوم على أساسه فهي منعدمة وكل قانون يصدر بناء عليه فهو باطل. أرأيت لو أن دولة من دول الكفر في أروبا أو أمريكا أصدرت صلاحية بعض الحدود الإسلامية في قطع دابر الجريمة من مجتمعاتها فقررت اقتباسها من الحضارة الإسلامية لتصلح بها الخلل في بلادها، أتصبح بذلك دولة إسلامية ؟
إن تطبيق الشريعة الذي يعتد به في هذا المجال لا يبدأ من اختيار بعض الأحكام الشرعية وتقنينها وفرضها على الناس، ولكنه يبدأ من إصلاح هذا الخلل الأكبر الذي تفشَّى روحه الدنسة في كل مرابط الأمة وهو مبدأ سيادة الأمة بالمصطلح الغربي وما يعنيه من الإقرار لممثليها بحق التشريع المطلق ونزع السيادة عن الشريعة الإسلامية.
إنه يبدأ من الإجابة على هذا السؤال : لمن الحكم اليوم للبرلمان أم للقرآن؟ للقرآن والسنة أم لإرادة الأمة؟
وبدون الجواب على هذا السؤال وحسم هذه النقطة في البداية، سوف يظل الناس في غبش وعماية ، ولا يعدو مايأتي بعد ذلك من الإصلاحات إلا ترقيعا جزئيا لا تصلح به دنيا ولايقبل في دين)...انتهى كلامه حفظه الله...كلام دقيق محكم واضح مؤيد بالأدلة.
فنقول للدكتور محمد إسماعيل: يا دكتور، تأييد من خطاباتهم تؤكد على سيادة الأمة بهذا الشكل، يكرس المفسدة العقدية التي لا تعلوها مفسدة كما علمتمونا. فالاستدراكات والتأكيدات أن تأييدكم هذا من قبيل ارتكاب أخف الضررين...هذه الزيادات كلها تضيع ويبقى في الأذهان وفي التاريخ أن مشايخ السلفية يؤيدون هذا الرئيس...عندما تكلمنا عن حرمة المشاركة في الانتخابات كان المخالفون يعترضون علينا بقولهم: ها هم مشايخ السلفية يؤيدون فلانا...هكذا يبقى في الأذهان: أنكم تؤيدون أصحاب هذه التصريحات. فالخطاب الرئاسي السابق الذي ليس فيه لله نصيب، هذا الخطاب في نظر الناس مدموغ بختمكم.
طيب حصل ما حصل وأيدتموه، نتوقع منكم الآن يا دكتور أن تستنكروا هذه التصريحات وتبرأوا إلى الله منها وينتشر ذلك عنكم ليعلم الناس أنكم ترفضون هذا الكلام.
الآن نتصفح المواقع الإسلامية ومواقع العلماء فلا نكاد نجد إنكارا لمثل هذه التصريحات. وهذه ظاهرة غريبة حقا.
طبعا هذا كله ناهيك عن الموقف المستغرب جدا من مشايخ الدعوة السلفية من الحزب الذي يتسمى بالسلفية ثم هو يدور حول المفهوم ذاته من حق الشعب في اختيار ما يريد ويستخدم عبارات ملفقة ما بين الشريعة وحق المجتمع والديمقراطية والشورى، وينص في برنامجه على (حق المجتمع في تحديد الإختيارات السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية للدولة عبر مؤسسات تمثيلية له)... وهي عبارات تكرس لدى الناس المفهوم الفاسد من سيادة الشعب وحقه في اختيار ما يريد أنت يُحكم به.
ثم مع ذلك يؤيد عامة مشايخ الدعوة السلفية هذا الحزب ويضفون عليه الشرعية ويصفونه بأنه أقرب الأحزاب إلى مبادئ السلفية النقية. ثم لما جسد هذا الحزب مبدأ سيادة الشعب بتقديم أسماء شخصيات يسمونها توافقية ليشتركوا في كتابة الدستور، وعندما أقر المادة الثانية بشكلها المهترئ، بحيث لم يدع مجالا لمتعذر له، نكاد لا نسمع من علماء الدعوة السلفية استنكارا وتبرؤا وتراجعا عن تأييد هذا الحزب.
أليس في هذه الممارسات ثم سكوتكم يا دكتور محمد إسماعيل ومشايخ السلفية، أليس فيها ما حذرت منه سابقا من التلبيس العقدي؟
خلاصة الحلقة هما عبارتان للدكتور المقدم نفسه: التقية في قضايا العقيدة والقضايا الجوهرية يترتب عليها تلبيس الحق على جماهير الناس. والتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسُها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0

رد مع اقتباس