عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-30-2010, 03:24 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

حتى يقع في ورطة لذلك لا أحد يتصور أنه بعبادته يستطيع أن يستقيم ويعتصم ، يمكن يبتلى وهو عابد .
أَبُوْ مُوَسَيَ الْأَشْعَرِيُّ وَصَاحِبُ الْرَّغِيفِ:مثل قصة أبو موسى الأشعري التي رواها بن أبي شيبة في المصنف وبن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وإسنادها صحيح ، لما أبو موسى الأشعري أغشي عليه فأولاده حوله ، أبو برده وعبد الله وغيرهم ، فقال لهم يا بني أذكروا صاحب الرغيف وأغمي عليه ، لما أفاق قالوا له يا أبانا من صاحب الرغيف ؟ فحكي لهم قصة رجل مثل جريج ، لكن أنظر كيف زل هذا الرجل ؟رجل من بني إسرائيل عبد الله سبعين سنة ، عابد وكان ينزل مرة كل سنة إلى البلد ، ففي مرة من المرات التي نزل فيها رأى امرأة جميلة قلبت لبه خطفت عقله فكان معها سبعة أيام في الفاحشة ، ثم انكشف عنه الغطاء فهام على وجهه في البرية ، صار يمشي من هول ما انكشف عنه الغطاء ، كيف بعابد سبعين سنة كيف يواقع الفاحشة ، ونزوله البلد يجعله يعمل هذا فصار يمشي ، كلما يخطوا خطوة يسجد سجدة ، ثم يقوم يخطوا خطوة يسجد سجدة ، كل هذا وهو يريد أن يكفر عن الذنب الذي عمله ، وظل على ذلك حتى وجد جماعة من المساكين يجلسون جميعهم على ، مكان مرتفع وكان قد تعب جدًا ماشي لا طعام ولا شراب و يخطوا خطوة يسجد سجدة ,فلما وجدهم هكذا ألقي بنفسه بينهم ، وكان فيه واحد راهب يرسل لهؤلاء الإثني عشر مسكيناً ، يرسل لهم اثنا عشر رغيف كل يوم ، فأصبح هؤلاء الجماعة ثلاثة عشر ، وكان الرجل كالعادة يرمي له الأرغفة واحد اثنين حتى اثني عشر ، وهذا رمى نفسه بينهم ، فلما ألقى الأرغفة فتبقى آخر واحد دون رغيف ، فقال له أين رغيفي ، فقال له أنا لم أكتمك شيئًا ، فقال له أنا لم آخذ رغيف ، فقال هل أحد أخذ رغيفين ، ولم يخطر بباله أن يعد الرؤوس ، فقال أنا لم آخذ وحلف عليه بالله أنه لن يعطيه أي شيء اليوم ,الراهب سمع الحوار وعرف أنه أخذ الرغيف الذي يأخذه كل يوم فرماه له ثم مات من ليلته ، فوزنت عبادة سبعين سنة بالسبع ليالي فرجحت السبع ليالي ووزن السبع ليالي بالرغيف فرجح الرغيف ، لذلك كان أبو موسى الأشعري يقول: ( يا بني أذكروا صاحب الرغيف وهذا مما يدل على أن العبد قد ينجوا بأهون شيء : فالعاقل لا يحتقر شيئًا من عمله ممكن الشيء الذي تفعله عفوًا بدون أن تجمع قلبك وغير ذلك يكون أبرك من كثير من عملك الذي تعتز به ,لأن هذه مسألة لا يعلم حقيقة أوزان العباد إلا الله- سبحانه وتعالي- قد يعتز الإنسان بالعمل ثم يفشل ، أنت تعرف مع بعد الشقه ، أنت تعرف الطالب في الامتحان عندما يرسب في مادة ويقول لك أنا مجاوب جيد جدًا جدًا ومذاكرها جدًا والدكتور ظلمني ، وعندما تأتي لتصحح ورقته أو يرفع قضية ليصحح الورقة يجد أنه أخطأ ظل يدور حول السؤال وهو لم يجاوب على السؤال ، وهو يعتقد في حقيقة نفسه أنه أجاب إجابة قاطعة يستحق بها الدرجة .
إِذا لَا تَحْتَقِرْ أَيُّ شَيْءٍ يَقْرَبُكَ مِنَ الْلَّهِ- عَزَّ وَجَلَّ- تعرفون قصة المرأة البغي التي دخلت الجنة في كلب سقته ، لو قلت لك بميزان الأعمال والنصوص امرأة زنت خمسين مرة وسقت كلاب الأرض ، فما رأيك هل ممكن سقيا كلاب الأرض تكفر زنا خمسمائة مرة ؟ أو زنا عشرين سنة ، أنت أمام النصوص لا تعرف تقولها ومع ذلك عندنا النص في الصحيحين دخلت الجنة في كلب سقته ، والمرأة التي دخلت النار في هرة حبستها ، لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ولا هي أطعمتها ,إذًا لا تحتقر أي شيء يقربك من الله- عز وجل- فالإنسان ممكن يكون عابد وزاهد ويقع ، فاحذر.
لَا ترَتَكّنَ إِلَىَ عَمَلِكَ وَلَكِنَّ دَائِما ترَتَكّنَ إِلَىَ فَضْلِ الْلَّهْ أَنْ يَعْصِمُكَ:وأن يبلغك وهذا جريج حاله عابد زاهد ، اتهم ، الراهب الأول وقع وزل سبع ليالي ، جريج لم يفعلها إنما بسبب معصية فعلها عوقب ، وأنا أريد أن أقول لك أنه أحيانًا أنت تقدم الإحسان إلى إنسان فيسيء إليك ، فيصعب ذلك عليك جدًا كيف أحسنت إليه وأساء ، اعلم أن هذا الذي أصابك إنما هو بذنب آخر ، ولا يلزم أن تكون عملت الذنب في هذا الإنسان ، أنت عملت الذنب في إنسان آخر .
مَرَارَةُ الْجُحُوْدِ لَا تَعْدِلُهَا مَرَارَةُ:لكن حتى تكون المرارة مضاعفة يأتيك السوء ممن أحسنت إليه وأنت تعرف مرارة الجحود لا تعدلها مرارة ، فأنت تحسن وتحسن وتحسن ويساء إليك دعوة أمه هي الذي فعلت فيه ذلك ، وذهب جريج كما تعلمون إلى ملك القرية ، ويحك يا جريج كنا نراك أعبدنا حتى أحبلت المرأة ، قال لهم ائتوني بوضوء ، فأتوا له بالماء ثم توضأ وصلى ركعتين وقال ائتوني بالولد ، أين الغلام فأحضروا الغلام فضربه بإصبعه وقال يا غلام من أبوك ؟ قال: الراعي ، وهذا فوق كل حسبان أن ينطق ابن يوم ، وهل كان يعلم جريج عندما عمل هذه القصة أن الولد كان سينطق ؟ أنا لا أظن ، لكن صدق رجائه بالله هو الذي جعله يفعل ذلك ، لأنه لم تجري في العادة أن ينطق ابن يوم ,فطبعًا اعتذروا له وقالوا يا جريج نبني لك صومعتك لبنة من فضة ولبنة من ذهب ، قال أعيدوها طينًا كما كانت ,كيف كان حاله ؟ مفضوح والمومسات على قوارع الطرق يتفرجون عليه وفضيحة عظيمة ، ولولا أن تداركته رحمة الله- عز وجل- .كيف كان مآله ؟ ازدادوا محبة له وزادت حشمته برغم هذا البلاء العظيم الذي وقع به ، أنظر مسألة الحال والمآل .
القصة الثالثة: لكي نقف على ركني الحال والمآل كيف يستفيد الواحد منهما في نفس الحديث قال:." وبينما امرأة ترضع ولدها إذا مر رجل له شارة عظيمة " رجل من كبار الوجهاء ، وكان في القديم كان ممكن يكون راكب فرس ووراءه بعض الحمير وأمامه بعض الحمير ، على حسب الزمان ، والعظمة كانت كذلك ، كانت تحتاج ذلك وأنت تعرف الخيل وهو أعظم أنواع الخيل المتكبر ، ولا ترى شيئًا فيه من الكبر في الحيوانات إلا في الخيل ، هذا هو الذي فيه الكبر ، إنما أي حيوان آخر ليس عنده هذه القصة ، لذلك الخيل هو الذي ينفع في القتال انظر أبو دجانة لما ,أخذ السيف وأخذ يتبختر به فقال النبيهذه مشية يبغضها الله إلا في هذا ، مشية الكبر والخيلاء وغير ذلك ,فالخيل هو الحيوان الوحيد الذي أعلمه في حدود علمي الذي فيه كبر، ولذلك النبي- صلى اله عليه وسلم- قال:" الكبر والبطر في أهل الخيل والسكينة والوقار في أهل الغنم " ، الغنم تجدها مسكينة وتنزل أذنها وتمشي في حالها مسكينة على الآخر إنما الخيل لا ، لذلك تجد الذي يركب الخيل تحس أنه سينفجر من الكبر ، وهذا يشبه السيارات الفارهة هذا الزمان ، تجد واحد يركب سيارة بثماني مائة ألف ، وآخر يركب سيارة بمليون وغير ذلك ، وهو يركب السيارة أو ينزل منها تشعر أنه يلبس الفلوس ، لا يقدر أن ينزل من السيارة ، تجد صدره ينتفخ أمامه ، هم مساكين لو يعرفوا هذه القصة ، وعندما يقف بهذه السيارة أمام واحد فكهاني سيضحك عليه ويأخذ منه فلوس بزيادة ويقول له أن كيلو الموز ثمنه اثنا عشر جنيهًا فقط لأجلك أنت ، ضع السيارة بعيد وانزل على رجلك ن حتى لا يبتزك أحد ، فهذا الجبار الذي له شارة ، أي بهاء وعظمة وغير ذلك , فالمهم المرأة ترضع ابنها فوجدت كعادة الأمهات والآباء أنهم يتمنون الخير لأبنائهم أكثر من أنفسهم ،الأب لا يحب أحد يطلع فوقه ، لما الابن يطلع فوقه يكون مبسوط وسعيد ، لأن الابن امتداد طبيعي للأب ، وفخر للأب فقالت:( اللهم اجعل ابني مثله ، فنزع فمه من ثديها وقال: اللهم لا تجعلني مثله ، ثم أقبل على ثدي أمه يمصه )قال أبو هريرة ووضع النبيأصبعه في فمه يمثل إرضاع الصبي .(ثم مروا بفتاة تضرب ويقولون لها: سرقت ، زنيت وهي تقول حسبي الله ونعم الوكيل ، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها فنزع فمه من ثديها وقال: اللهم اجعلني مثلها ، فقالت له: مه) ، مثل الشريك المخالف ، ما هذا يا بني أقول كذا وأنت تقول كذا ، فقال:إن هذا الرجل ظالم جبار عنيد أحد الظلمة وهذه التي تقول حسبي الله ونعم الوكيل مظلومة ، أم هذا فجبار عنيد﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا(طه:72) يقول ابن الجوزي رحمه الله: ( وبيان هذا في المستقبل ، يتبين بذكر الماضي وهو أنك لا تخلو ، أن تكون عصيت الله في عمرك، أو أطعته فأين لذة معصيتك ؟ وأين تعب طاعتك ؟ هيهات رحل كل بما فيه ).﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ(الشعراء:205 -207) ليكن هو ملك الدنيا كلها والناس كلها تسجد له وتعبده ومات ودخل النار﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ليس الدنيا والآخرة ، لتكن الدنيا فقط ، الأمس كان سليم مائة بالمائة واليوم وقع على رقبته فأصابه شلل ، هل يعتقد أن أمس كان في عافية لا ، هيهات رحل كل بما فيه الذي فات مات ، مثل صحيح مائة بالمائة ، الذي فات مات ، أمس فات كنت سليم تمام ، اليوم أنت مريض فأنت لست سليم ، إنما أنت ابن اللحظة التي تعيشها ، مثل أي متعة تقع تحت الحواس ، إنما هي متعة اللحظة .أنظر مثلاً الطعام الذي تأكله والذي كل الناس تقول إذا ترك الصلاة يقول لك أكل العيش مر ، كله يأكل العيش ، يعمل الحرام لأنه يأكل العيش ، يترك الصلوات لأنه يأكل عيش ، يأخذ الرشوة لكي يأكل عيش ، فما هي قدر متعتك عند أكل العيش ، كم أقل من ثلاثين ثانية ، لماذا ؟ لأن مدة لذتك بالطعام هي مدة بقائه في فمك ، أم إن الإنسان عندما يكون مستمتع بالطعام يجعله في فمه ولا يبلعه ، لا ، هو لا يقدر أن يجعلها في فمه أكثر من ثلاثين ثانية ، لأنه إذا قعد يمضغ في اللقمة دقيقة ممكن يقرف أو يتقيأ مع أنها في فمه ، وليست في فم واحد آخر ، أول ما يهضمها يبلعها فورًا هذه مدة بقاء الطعام في فمك ثلاثين ثانية .والمثل الذي عندنا ونعرفه الذي مرَّ من على اللسان صار نتان ، والرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول:" ضربت الدنيا لابن أدم مثلاً بطعامه لئن قزحه وملحه فانظر كيف يخرج" ، هذه هي الدنيا ، فأي إنسان عاقل هو الذي يراها على حقيقتها ، لا يعطيها أكبر من قدرها ، وفي رمضان وهؤلاء الذين يصلون بالعافية ثم يخرج يجري ليجلس أمام التليفزيون وغير ذلك ، والجماعة العباد الذين قاموا رمضان إيمانًا واحتسابًا ، انتهى رمضان والاثنين يجلسون بجوار بعض البلطجي والرجل المجد ، هل البلطجي زاد عمره ، صحته زادت لما نام زيادة عن القائم مثلاً الذي لم يصوم رمضان وهتك حرمة الشهر ، ما الذي زاد عليه عن الذي صام وعطش وكادت أن تندق عنقه من العطش وظل صابرًا حتى المغرب وشرب .هيهات رحل كل بما فيه ، فليعرف الإنسان العاقل أن مدة اللذة محدودة وهذا كلام بن الجوزي- رحمه الله- ، فهنا الولد الذي علمنا الحال والمآل ما حال هذا ذو الشارة والناس تعظمه وتقبل يده وغير ذلك ، ما نهايته ،والأمة التي ظلمت وتقول حسبي الله ونعم الوكيل ما مآلها ؟
إِذَا كَانَ الْحَالُ مُراً فَكَيْفَ يَصِلُ إِلَىَ الْمَآلِ الْحَسَنِ ؟ بشيئيين قلناهما في أول الكلام أمس:-الإيمان: هو الذي يثبته على الصبر على مرارة الحال ، والنظر في تجارب الأمم والنظر في تجارب الصالحين وأحوالهم وعلى رأس الصالحين أنبياء الله كيف كان حالهم ؟ ما وجد نبي إلا مضطهد ، لا يوجد نبي أرسله الله إلى قومه إلا عاندوه وقاوموه وافتروا عليه ، ولكن الأمر كما قال النبي- صلي الله عليه وسلم-:" كذاك نحن معاشر الأنبياء نبتلى ثم تكون العاقبة لنا " وكما قال تعالى:﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(الأعراف:128).
قَارُوْنَ مَثَلا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ أَنَّهُ كَانَ أَكْبَرَ رَأْسُمَالِيٍّ فِيْ الْتَّارِيْخِ :كان من أفتاء الناس ليس له قيمة ، ليس له أي ذكر ، واحد من الناس ، لم يرث الغنى عن أهله حتى يكون الغني شيء طبيعي عنده ، واحد فقير جدًا وفجأة اغتنى ، أصابه سعار ، بخلاف الناس الغني بن الغني تجده شبعان ، الذي يرث الغني تجده شبعان عنده مروءة داء الخيانة ليست عنده ، قد يكون فيه شواذ ، لكن الشاذ لا يقاس عليه ، لكن العادة أنك تجد الإنسان الذي ورث الصفة من قديم تجدها مؤثرة فيه ، الجينات كما يقولون واحد غني بن غني بن غني تجد الجينات شبعانة ، تجد واحد عالم بن عالم بن عالم ، تفرق معه، غير أن يطلع عالم ، لأنه كل ما تضمه لمن وراءه وتستشعر عراقتك تحترم نفسك .
فقارون أموال ليس لها آخر ، لما وعظه قومه أخذته العزة بالإثم ، وافترى على الله- عز وجل- ولم يقل أن هذا من فضل الله ، قال: لا ، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾(القصص:77)، أنا كنت عبقري وذكي وحسبتها صح وحساباتي دقيقة وكنت عارف أن الجنيه كم سيكسب ، ولم يرجع الأمر إلى الله ، وليس ذلك فقط أنما خرج على قومه في زينته ليكسر قلوب الفقراء وأخرج كل الذي عنده من المراكب وأدوات العظمة ، وخرجت الدنيا كلها لتشاهد قارون كما خرجت المياميس تتفرج على جريج .أهل الدنيا غايتهم ما فيه قارون ، أهل الدنيا كلهم قالوا:﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾(القصص:79)، لكن أهل العلم قالوا:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّه خَيْرٌ﴾ ،ثواب الله هو الجنة ﴿ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ
أَنْوَاعِ الْصَّبْرِ :الصبر هنا وأنتم تعرفون أن الصبر ثلاثة حاجات : الصبر على والصبر عن، 1-الصبر على المقدور ، 2-والصبر على الطاعة ،3- والصبر عن المعصية ﴿ وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ عن المعصية أو الصابرون عن الدنيا ، فأهل العلم هم الذين أبصروها على حقيقتها ، ماذا كانت النتيجة ؟﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ﴾ (القصص:81) ، الجماعة الذين كانوا يتمنون ويقولون يا ليتنا مثله ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ (القصص:82) .
أنظر العوام يقولون:﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ ، أي أن العملية عنده ليست أكيده, ﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا(القصص:82) ، هذا العامي عندما يتحرك لا يتحرك باعتقاد لذلك نقول لكل الأخوة ولكل المتبنين لدعوة الإصلاح في الدنيا لا تعتمدوا على العوام لأن الذي يتغطى بالعوام عاري ، يتركوك في أحلك اللحظات ، هم وراءك صحيح ، أنت تتكلم وستذهب في داهية ، لا مشكلة ، المهم أنك تعبر عما يتضايقون منه , لما تجد واحد ينتقد ويتكلم ويأتي ويصرخ وغير ذلك ، كله يقول أنه رجل شجاع وهذا الذي يقول كلمة الحق ، هو ماذا فعل معك ، أخرج الضيق الذي في صدرك صحيح لكنه هو الذي سيدفع .
لِذَلِكَ أَهْلٌ الْإِصْلاحَ يَنْبَغِيْ أَلَّا يَنْظُرُوَا إِلَىَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَوَامّ :أحمد بن حنبل- رحمه الله لما حدثت فتنة خلق القرءان من الذي كان بجوار أحمد ، ولا واحد ، العوام الذين كانوا بالألوف المؤلفة بالمحابر والأوراق ويعرفون حشمة أحمد وأنه على الحق وغير ذلك ، ليس لهم شيء ، وأنا قرأت حكاية الجماعة في مرو لما احتاجوا لحم عملوا مظاهرة أو احتجاج أو تجمهر عند قصر المأمون ، ماذا يحتاج هؤلاء ؟ قالوا يحتاجون لحم فأرسل إلى بغداد وأحضر اللحم ، وانتهت الحدوتة ، هؤلاء الذين تجمهروا من أجل اللحم لما حدثت فتنة خلق القرءان وهذا الكلام من الذي ثبت ؟ أهل العلم وخذلهم الجماهير إلا من الدعاة يدعو له صحيح ، لكن لا يستطيع أن يقف بجانبه أبدًا بل لما الإمام أحمد- رحمه الله- ناظره المعتصم وأحمد بن أبي داود وكانت مناظرة علنية ، قال: ألاف المحابر يقفون بالأقلام والأوراق ليروا ماذا سيقول أحمد ليكتبوه .لكن لا يوجد أحد من العوام يستطيع أن يقف أمام سلطان الدولة نهائيًا .
فأي إنسان متقدم للإصلاح يعتبر نفسه فردًا لا يعتمد إلا على ربه :لا الناس ينفعوه ولا المظاهرات تنفعه ، يارب يكون كل واحد منهم يحمل معه مدفع رشاش ولا يعملون له شيء ، العوام ليس لهم مذهب إلا مصلحتهم فقط ، هؤلاء العوام لما خسف الله بقارون الأرض قالوا الحمد لله أننا لسنا مع قارون ، انظر هذا حال قارون العظمة والجاه والمجد والدنيا كلها تقبل له وتتذلل له . كيف كان مآله ؟ خسف الله- عز وجل- به الأرض .
فالمؤمن حتى يتجاوز مرارة الحال لابد من إيمان يثبته وعلم يبصره :وهذا العلم هو العلم بتجارب الأمم والكلام الذي ذكرناه في أول مرة تجارب الأمم وهي قصص الأنبياء الماضيين ، تفتح القرءان وتقرأ قصص الأنبياء الماضيين تجد أن الأنبياء كانوا على أسوأ حال مع قومهم ، ولا يزالون يتدرجون حتى يصل النبي إلى آخر مدي فيدعوا على قومه ، فيستأصل الله شأفتهم ويقر عينه بهلاكهم ، فما من نبي إلا رأي هلاك قومه بعينيه إلا النبيلأنه دعا ربه- عز وجل- ألا يهلك أمته ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(التوبة:33) فهذه الأمة هي الأمة التي لم يهلكها الله- عز وجل- في حياة نبيها وهذه بشارة خير ، لكن ما من أمة إلا وأهلكها الله في حياة نبيها .
يقول ابن الجوزي: ( والبصيرة هي رؤية الشيء على حقيقته بلا مخادعة ولا مُوارَدة )وأنظر إلى قول ربنا- عز وجل-:﴿ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾(القيامة:)15،14 )الشاهد: أن الإنسان يعرف نفسه جيدًا ، حتى إذا أظهر من العذر ما أقنع به الناس فهو يعرف الحقيقة ، يعرف من الداخل أنه مخادع أم لا ، صح هو قام لكي يترافع ويبين أنه برئ أو يترافع ليبين أن موكله بريء وهو يعرف أن موكله قاتل وهو الذي قتل وربما يكونوا متعاونين مع بعضهم ، ويطلع لأنه يعلم كيف يجهز الأدلة ويعلم كيف يضع المقدمة والنتائج وغير ذلك ، وطلع منها كالشعرة من العجين كل إنسان يعلم في حقيقة نفسه من هو حتى لو ألقى معاذيره أو جعل بينه وبين الناس من العذر ما يقنع الناس به من العذر ، فالبصيرة هي رؤية الشيء على حقيقته .
يقول بن الجوزي-رحمه الله- يقول: ( وهو أنك لا تخلو، أن تكون عصيت الله في عمرك ، أو أطعته ، فأين لذة معصيتك ؟ وأين تعب طاعتك ؟ هيهات رحَل كلٌ بما فيه ! فليت الذنوب إذ تَخلَت خلتِ ). أي ليتها إذا انتهت لذتها ارتاحت النفس لكن الأمر ليس كذلك ., يقول: (وأزيدك في هذا بياناً: مثل ساعة الموت ، وأنظر إلى مرارة الحسرات على التفريط ، ولا أقول: كيف تغلب حلاوة اللذات ، لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلاً، فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم) يقول هب أن ملك الموت جاء إليك ليقبض روحك فاستمهلته يومًا أو شهرًا أو سنة فأمهلت وقد عاينت ، هل إذا رجعت إلى حياتك كنت جادًا على مستوى فزعك الذي كنت تخاف منه أم سترجع إلى غفلتك ، وبن الجوزي يقول هنا مثل ساعة الموت وأنت ترى ملائكة الله- عز وجل- وليس هناك رجعة ، لو قيل ترجم حسرتك بقلم لا تستطيع ، وأنت الآن تعيش فجد ، وهذا كلام بن الجوزي .
يقول: (أتراك ما علمت أن الأمر بعواقبه ؟)أي أن المسائل بخواتيمها ، وهذا فيه حديث سهل بن سعد ألساعدي في الصحيحين قال-:" إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع أو قال قيد شبر عمل بعمل أهل النار فدخل النار " وهذا هو الحال والمآل ، " عمل أهل الجنة حتى إذا ما كان بينه ونبينها قيد ذراع أو قال قيد شبر عمل بعمل أهل النار فدخل النار ، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع أو قال قيد شبر عمل بعمل أهل الجنة فدخل الجنة " ،طبعًا في حديث سهل بن سعد يقول:" وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس " ،
إِشْكَالَ وَحَلُّهُ: لأن هذه المسألة ربما تعمل مشكلة للمستمع ، كيف يعمل الزمن الطويل ولنفترض أنه سيعيش ستين سنة ، يعمل خمسة وخمسين سنة أو تسعة وخمسين سنة بعمل أهل الجنة وسنة بعمل أهل النار يدخل النار ، هذه التسعة والخمسين سنة أخرج منهم خمسة عشر سنة حتى يبلغ ويجري عليه القلم والتكليف ، العمر الطويل كله أين ذهب ، قال فيما يظهر للناس ، كان مرائيًا ولم يكن مخلصًا في عمله ، أي صلاة يصليها ، أي عمل يعمله ، أي نفقة ينفقها أي حج يذهب إليه وهذا الكلام ، فيما يظهر للناس ,الذين كان يعمل لهم أعطوه الأجر من الثناء والجوائز ، أخذ جائزة نوبل ، أخذ جائزة الدولة التقديرية ، عملوا له مؤتمرات ، قعدوا يصفقون له ، وعملوا فيه الأشعار وألفوا فيه الكتب ، والمذيعين عملوا معه تراجم والدنيا كلها تتكلم عنه ، وتفتح صفحات الجرائد تجد صورته حتى أنك مللت من كثرة ما تراه ، كل هذا من الجزاء ، أنت كنت تعمل لذلك فأخذت ذلك وزيادة ، لكن والآخرة عند ربك للمتقين كما قال الله- عز وجل- فهذا أيضًا الحال والمآل ,فهو يقول أن الأمر بعواقبه ، الرسولفي الحديث قال:" إنما الأعمال بالخواتيم " واحد صام حتى قبل آذان المغرب بدقيقة وشرب فاليوم كله ضاع عليه ، واحد صلي وقبل أن يسلم أحدث ، راحت الصلاة كلها عليه ، هذه هي بالضبط أختها ، يعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار أو بعمل أهل الجنة حتى إذا كان بينه وبينها قيد ذراع عمل بعمل أهل النار أو عمل بعمل أهل الجنة ، إنما العمال بالخواتيم .(فراقب العواقب تسلم، ولا تمل مع هوى الحس فتندم .)
انْتَهَى الْدَّرْس الْثَّالِث
رد مع اقتباس