عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 09-29-2012, 02:49 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

15 ) العمل الإسلامي وفقدان البوصلة!






إخوتي الكرام من المعلوم أن من أهم أسباب النجاح لأي مشروع وضوحَ هدفك ومعرفةَ حجم قدراتك ومتابعة الإنجاز ثم التعديل في وسائلك وتخطيطك بحسب هذا الإنجاز.


ولذا فقد ختمت الحلقة الماضية بأسئلة ستة موجهة للإسلاميين المنخرطين في العمل البرلماني الانتخابي الدستوري ولمن يؤيد مسلكهم لنعرف إلى أين يسير هذا العمل.
دعونا الآن نتعاون معا في مناقشة الأسئلة الستة:
السؤال الأول: ما هو هدفكم تحديدا من الدخول في العملية الديمقراطية؟

المتتبع لتصريحات الإسلاميين البرلمانيين يلاحظ ارتباكا في تحديد الهدف. فمرة يكون الهدف المعلن "إعادة الخلافة الإسلامية التي ستكون عاصمتها القدس الشريف، وأن نعيد للأمة هيبتها". ومرة يكون الهدف "تقليلَ الشر والمحافظة على بقايا الهوية الإسلامية ومنع فلول الأنظمة الفاسدة من استلام الحكم مجددا لأنها إن استلمت فلن يعبد الله في الأرض".

مرة يكون الهدف "إقامة الشريعة وأسلمة مؤسسات الحكم ومؤسسة الجيش" ومرة يكون مجرد "الصدعِ بالحق في البرلمان وتدريب الكوادر الإسلامية على العمل السياسي وتخفيف الضغط على الدعوة وأخذ حصتنا من الكعكة مع إقرارنا بأن البرلمان ليس هو الطريق إلى إقامة الشريعة".
فهل الهدف فعليا هو إقامة الشريعة والخلافة أم مجرد إصلاحات جزئية؟

الحاصل أن كثيرا من الإسلاميين البرلمانيين إذا ما أرادوا حشد التأييد الشعبي لهم فإنهم يبرزون ويرفعون الشعارات الرنانة والأهداف العظيمة (كالخلافة وتحكيم الشريعة).


ثم عندما يواجَهون بالحقيقة المرة أنكم قد أضعتم أوقاتكم وشتتم جهودكم وميعتم قضيتكم بسلوككم طريق البرلمانات والانتخابات يكون ردهم: نحن لم ندَّع أصلا أننا نريد تحكيم الشريعة من خلال هذا الطريق، إنما نريد تقليل المفاسد وإتاحة مساحة من الحريات لدعوتنا.

هذه الازدواجية غير مقبولة. عليهم أن يحددوا الهدف من البداية بدلا من دغدغة مشاعر الناس بشعارات وطموحات يقرون هم أنفسهم أحيانا أنها لا تنال من خلال الديمقراطية.



ثم لا يُقبل من صاحب المشروع الإسلامي أن يكون كمن يخرج من بيته ويسير هائما على وجهه لا يدري إلى أين يتجه...((أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)). فلا بد ابتداء من تحديد الهدف، لأسباب، منها:

أولا: أن الارتباك في تحديده يمنع الإسلاميين من مراجعة حساباتهم ومعرفة مدى نجاحهم المرحلي في تحقيق هدفهم، إذ أن هذا الهدف الذي يريدون تحقيقه غير محدد.
ثانيا: أن كثيرا من الذين قعدوا وأصلوا للمشاركة البرلمانية اشترطوا لجوازها أن يكون الهدف منها تحقيق مصلحة عامة كبرى شمولية ووضعوا ضوابط للتنازلات التي يمكن أن تقدم في المقابل. وإذا بنا نرى الإسلاميين الذين يحتجون بفتاوى هؤلاء العلماء يتحللون من الضوابط ويقدمون التنازلات دون حد ولا قيد، وفي مقابل ماذا؟ في مقابل مصالح –أي أهدافٍ- جزئية ثانوية مظنونة، لا عامة ولا كبرى ولا شمولية.

إذن مطلوب من الإسلاميين البرلمانيين الإجابة بوضوح عن هذا السؤال: ما هو هدفكم تحديدا من الدخول في العمل البرلماني الرئاسي الدستوري؟
وهذا السؤال ينبني عليه ما بعده.

السؤال الثاني: ما هي التنازلات التي قدمتموها في البداية، أو بلغة البعض المفاسد التي قبلتم بها؟
لا يخفى أن العمل الإسلامي البرلماني قدم تنازلات ذريعة كالاعتراف بقواعد اللعبة الديمقراطية واحترام دساتير تجعل حق التشريع لغير الله تعالى وإشراك العلمانيين ورهن تطبيق الشريعة بموافقة البرلمان والتأكيد على أنها لن تطبق دفعة واحدة، إلى غير ذلك مما سيأتي بيان عدم مشروعيته بالتفصيل إن شاء الله.

يأتي السؤال الثالث: ما هي المكتسبات أو المصالح التي من أجلها رضيتم بهذه المفاسد؟
في الواقع، حتى يبرر الإسلاميون البرلمانيون لأنفسهم ولمؤيديهم ولخصومهم التنازلات المذكورة فإنهم كثيرا ما أعلنوا أهدافا أو مكتسبات ومصالح عامة شمولية كبرى كتطبيق الشريعة وأسلمة نظام الحكم وإعادة عزة الأمة، إلى غير ذلك.

ومع قناعتنا بأن الأهداف العظيمة لا تنال بالتنازلات إلا أن عظم الهدف برر في أنظار الإسلاميين البرلمانيين عظم التنازلات، فأصبحت التنازلات صغيرة نسبيا ومسوغة في أنظارهم. واجتهدوا في التقليل من شأن هذه التنازلات والاستهانة بخطورتها وحاديهم في ذلك: عظم الهدف. كالاستهانة بالقسم على المحافظة على دستور يجعل التشريع لغير الله ما دام الهدف إقامة الشريعة؟!

مرت الأيام ولم تبدُ أية بادرة لتحقق الأهداف، لكن بقي الأثر المشؤوم وهو الاستهانة بالتنازلات...فتكرس هذا الاستخفاف في نفوس الإسلاميين البرلمانيين ومن يؤيدهم في مسلكهم. وهذا ينقلنا إلى:

الرابع: هل لا زالت المكتسبات التي رجوتموها في البداية قائمة أم أنها بدأت تتساقط والطموحات تضيق؟
طبعا عندما نرى أن العمل البرلماني فشل في فرض أية إرادة على مؤسسة الجيش، وأن البرلمانيين لم يستطيعوا بالطرق الرسمية ولا حتى إخراج أخواتنا النصرانيات الواتي أسلمن من جدران الحبس الكنسي في بلادهم فإنه يصبح من الهراء والهزل والضحك على النفس أولا ثم على الناس أن يُتكلم عن إقامة الخلافة الإسلامية وإعادة الهيبة إلى الأمة وإخراج الأمة باكملها من سجن التبعية للغرب بالطرق الرسمية ذاتها! إذن فالواقعية تقتضي منهم أن يعترفوا بأن المكتسبات تتساقط والطموحات تضيق.

فنتوقع من الإسلاميين البرلمانيين أن يقولوا الآن هدفنا هو إتاحة بعض الحريات للدعوة، وعدم ترك مؤسسة الحكم للعلمانيين والفلول، ومنع الفساد الإداري والمالي وإجراء بعض الإصلاحات الاجتماعية. وهذه مكتسبات جزئية ثانوية مظنونة غير قطعية، تنقلنا إلى:

السؤال الخامس: هل عدلتم في التنازلات بما يتناسب مع حجم المكتسبات الجديدة الثانوية نسبيا؟
نذكر الإسلاميين البرلمانيين: أنتم عندما قدمتم التنازلات الكبرى بداية، قدمتموها من أجل أهداف كبرى. بعبارة أخرى: رضيتم بمفاسد كبرى من أجل مصالح كبرى.

تدنت المصالح جدا، فهل قللتم التنازلات جدا في المقابل؟
للأسف، ما نراه هو العكس: زيادة التنازلات جريا وراء هذا السراب المسمى بالمكتسبات والمصالح. وكلما انتبه الإسلاميون إلى اختلال التوازن الذي افترضوه بين المكتسبات والتنازلات خدر شعورهم أمران:
الأول هو الاستهانة التي تكرست في نفوسهم بالتنازلات التي قدموها، فبعد أن كانت تنازلات صغيرة نسبيا أصبحت صغيرة بشكل مطلق.

والثاني: هبَّات الادعاءات غير الواقعية بأنه لا زال من الممكن تحقيق الهدف العظيم (إقامة الشريعة) بهذا الطريق الذي سلكوه. وهذه الهبات ناتجة عن التخبط والارتباك المذكور آنفا في تحديد الهدف.

بل العجيب أنه بعد ظهور فشل التنازلات في تحقيق حتى هذه الأهداف الجزئية الثانوية استننتج كثير من الإسلاميين البرلمانيين أن ما عليهم فعله هو زيادة التنازلات!! كمن يشرب من ماء البحر ولا يرتوي. بانَ لهم أن عدوهم لن يسمح لهم بالتغلغل في أجهزة الحكم وهم يحملون أية صبغة إسلامية فكان الاستنتاج: إذن فلنتخفف من حِمل الهوية الإسلامية حتى نشارك في الحكم، فباعوا الهدف من أجل الوسيلة وفعلوا كما فعل صاحبنا الذي أراد أن يكسو الأيتام كما ذكرنا في الحلقة الماضية.

وصدق الله تعالى إذ قال: ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان)).
إذن كما رأينا ازدواجية وارتباكا في تحديد الهدف، فهنا أيضا ازدواجية وارتباك في الموازنة بين التنازلات والمكتسبات:

عندما يُعترض على التنازلات الخطيرة التي يقدمها الإسلاميون البرلمانيون يبررونها بأنها تُبذل من أجل أهداف عظيمة، ثم عند مواجهتهم بعدم جدوى المسلك البرلماني يتمسكون باحتمالية تحقق الأهداف الجزئية الثانوية!

أخيرا: السؤال السادس: هل تعتبرون أنفسكم كإسلاميين في العمل السياسي حاليا ممكنين أم مستضعفين؟

وهنا نرى ازدواجية أيضا! فعند الحديث عن المكتسبات المرجوة من الخوض في العمل البرلماني, يتكلم الإسلاميون البرلمانيون بنبرة الممكَّن...فهم يتكلمون عن انقلابة في الدستور وأسلمة مؤسسات الحكم وتغيير القيادات الفاسدة في الجيش...وهذه جميعا لا يقوم بها إلا ممكَّن. وعند لومهم على التنازلات وعلى تصريحاتهم بعدم نية تطبيق الشريعة من اللحظة الأولى يتعذرون بالاستضعاف. فلنحدد قدراتنا وإمكانياتنا كإسلاميين، هل نحن ممكنون أم مستضعفون؟ الممكن له دوره و واجباته ووسائله. والمستضعف له دوره و واجباته ووسائله، ولا ينبغي الخلط بين الوضعين. لا ينبغي أن تخوض هذا المخاض البرلماني زاعما أنك ستحدث انقلابا كبيرا في الأوضاع ثم إذا بك تضفي شرعية على النظام الجاهلي وتنفذ أجندته وتفقد هويتك وتميزك ثم تتعذر بالاستضعاف.

لا يخفى أن ما سبق جميعا يمثل حالة من الارتباك وفقدان البوصلة التي أصابت العمل الإسلامي كانت بدايتها القبول بتقديم تنازلات عن ثوابت منهجية باستدلالات غير منضبطة كما سيأتي بإذن الله.

كانت هذه إضاءات سريعة أتمنى من كل من يؤيد الخوض في اللعبة الديمقراطية أن يتأملها. ويستحضر أثناء ذلك قول الله تعالى: ((وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله))، وما رواه البخاري عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: ((لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به.
فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ)).

• وأظن أن هذه الحلقة تحتاج أن تعيد قراءتها مرة أخرى في ضوء هذه الآية وهذا الأثر.
في الحلقة القادمة سنتعاون معا بإذن الله لنحدد الهدف الذي ينبغي أن نسعى من أجله جميعا كعاملين للإسلام.

خلاصة الحلقة: القبول بالتنازل عن الثوابت جر العمل الإسلامي إلى متاهات خسائرها كثيرة مقابل مكاسب موهومة. فعلى الإسلاميين تحديد هدفهم ومعرفة أنه لا ينال بالتنازلات.
التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 09-29-2012 الساعة 10:53 PM
رد مع اقتباس