عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 08-02-2008, 05:23 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

المبحث الثاني :

قواعد شرعية أمام البحث :
التمهيد بين يدي البيان للحكم التكليفي والحكم الوضعي لهذه النازلة يعطي توطينا للنفس بالوقوف على الحكم الشرعي بأمان من إبعاد النجعة في الرأي .
ولهذا فهذه قواعد شرعية ومواصفات علمية تنير السبيل في هذا البحث المهم الخطير.


القاعدة الأولى :
تواضع علم الناس وعملهم على أن عملية الإنجاب في سيرها الفطري والشرعي تبدأ من التقاء عضوي التناسل بين الزوجين فيعلق حيوان الزوج المنوي ببيضة زوجته أمشاجا في رحمها في ذلكم القرار المكين ، لتنمو خلال عدة مراحل حيث تتكاثر الخلايا وينفخ فيها الروح حتى تنتهي عملية الحمل بولادة المولود (1) بإذن الله تعالى :
قال تعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } .
وقال تعالى { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ }
وقال تعالى { أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } .
وقال تعالى : { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق فقال :
(( أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح )) متفق عليه.
__________
(1) الطب الإسلامي . مقال أحمد شرف الدين : 391

القاعدة الثانية :
لكل مولود بأبيه صلة : تكوين ووراثة وأصل ذلك " الحيوان المنوي " فيه . وله بأمه صلتان :
الأول : صفة تكوين ووراثة ، وأصلها " البيضة " منها .
الثانية : صلة حمل وولادة وحضانة وأصلها " الرحم " منها .
فهذا هو المولود المتصل بأبويه شرعا وطبعا وعلى هذه الوصلة تترتب جميع الأحكام الشرعية التي رتبها الله تعالى على ذلك .
فإذا كان " الحيوان المنوي " من رجل غريب متبرع لزوجة رجل ما فهذا أصبح مقطوع الصلة عقلا وواقعا وطبعا وشرعًا .
فالولد للفرش وللعاهر الحجر .
وإذا كانت البييضة " من امرأة غريبة متبرعة لزوجة رجل آخر لقحت فيها ، فحينئذ انفصمت إحدى الصلتين قطعا وهي " البييضة " من الزوجة ذاتها وهذا معلوم الانقطاع عقلا وواقعا . وطبعا وشرعا .
وإذا كان مجموع الخلية الإنسانية " الحيوان المنوي " من الزوج و " البيضة " من الزوجة ، لكن زرعا أو لقحا في رحم امرأة أجنبية متبرعة فالصلة الثانية للأم وهي " الحمل والولادة " منفصمة قطعا : عقلا وواقعا وشرعا .
وعليه :
فإذا انقطعت الصلتان من الزوجة فهى ليست أما بأي حال من الأحوال . ولا قائل بالأمومة من المسلمين ولا من سائر البشر أجمعين .
وإذا تحققت الصلتان كانت أما طبعا وواقعا وشرعا .
قال الله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ }
وبإجماع المسلمين الضروري من الدين أن القرار المكين رحم الأم الشرعية لا غير .
قال الله تعالى : { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }
فالنطقة المحترمة من جميع الوجوه هي التي من الزوجين وهي محل الامتنان من الله على عباده .
ولهذا قال سبحانه ممتنا على مريم عليها السلام : { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا }
وقال تعالى : { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا }
وقال تعالى : { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }
وقال تعالى : { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ }
وقال تعالى : { وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ }
وقال تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ }
وقال تعالى : { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا }
فالأم في هذه الآيات هي الأم الشرعية والأب المذكور في آيات كريمة وكثيرة من التنزيل هو : الأب الشرعي .
فالأبوة والأمومة الشرعية هي مجموع الهيئة الحاصلة لمولود وقع لقاحه وتكوينه بماء أبويه على فراش الزوجية فحملته به أمه في بطنها مستقرا في رحمها قراره المكين ، فهذا هو المولود الذي يكتسب الأبوة والأمومة الشرعية ومتى اختلت واحدة من هذه الصلات الثلاث فالحال كما علمت قبل في صدر هذه القاعدة مفصلا .
والله أعلم .

القاعدة الثالثة :
التدافع بين المضار والمنافع ، فحيث وقع التغلب فالحكم للغالب منهما حلا وحرمة ، وحيث استويا صار مجال نظر الفقية .
وعليه : فصور من التلقيح الصناعي تخضع لهذه القاعدة فيخرج عليها بالمقابلة بين سوالبه ومنافعه .
وهذا ما ستراه بإذن الله تعالى في بعض صوره التي يمكن تخريجها على هذه القاعدة (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطب الاسلامي : 3/ 398

القاعدة الرابعة :
تفيد النصوص أن جسد الإنسان ومنافعه مملوكة له لكن ليس له حق التصرف في هذا الملك إلا في حدود الشرع فتصرفه منوط بالمصلحة شرعا .
فكما أن نعمة النظر مملوكة له فليس له مد نظره إلى ما يحرم النظر إليه .
وكما أن الشهوة مركبة فيه وشرع له إطفاؤها بماء الزوجية حرم عليه إطفاؤها بماء الزنا واللواطة .
وكما ملكه الشرع أن يطأ لطلب الإنجاب من ماء الزوجية حرم عليه الإنجاب من غير ماء الزوجية ووعاء الحمل ، فتدبر والله أعلم .

القاعدة الخامسة :
أن مواطن الحاجات والضرورات لا يفتى بها فتوى عامة وإنما إذا ابتلي المكلف استعلم أظنها ممن تسوغ فتياه لدينه وعلمه .

القاعدة السادسة :
المتعين إخضاع الواقع لشريعة الله وعليه فلا يجوز العكس إجماعا .

القاعدة السابعة :
حفظ النسب والعرض من مقاصد الشرع الأساسية وهما من الضروريات الخمس التي دارت عليها أحكام الشرع .
فهذه الخلية الإنسانية من حيث دفقها بل وقبل ذلك وفي جميع مراحل تكريمها ونموها إلى استهلالها يجب أن تكون بيضاء نقية خالية من أى شيء يخدشها أو شكوك تحيط بها أو مخاطر تحف بها فهى بالغة الحساسية في التأثر بما يخل بكرامتها وقيمتها الإنسانية ذات محل للعقل وتحمل للحنيفية السمحة .
ولهذا صار من قواطع الأحكام في الإسلام : تحريم الزنا والقذف وسد جميع الأبواب الموصلة إليهما .
فكم من إشارة ستكون حول هذا المواليد الصناعية وكم من تساؤل واستفهام ؟
وقد هيأ الزوجات مجالا واسعا للخدش بالقذف والتجريح ؟
فماذا سيكون وضع أمة مشكوك في أصل بنيتها وتكوينها ؟
إن الشرع المطهر يوصد كل باب يوصل إلى ما هو أقل من هذا مما هو معلوم لكل من خبر الشريعة في مصادرها ومواردها . والله أعلم .
إن هذه القاعدة سد منيع للتلاعب بالخلية الإنسانية والبنية الآدمية .
فلنقل : ما هو حجم الاضطرابات والشكوك ، وعوامل التجريح والخدش التي ستحدثها هذه النازلة في الآدميين . وما هي آثارها على النظام الاجتماعي وترابطه مكرما بأسباب هندسة الطب للبشر وجعله ساحة للتجارب كالأمصال للبقر ؟
وما مدى صدمات المستقبل التي سيواجهها الإنسان ؟
وما مدى اضطراباته العارمة الهادمة لبنيته ؟
وما مدى سحق الطفل الأنبوبي والمولود الصناعي للمولود الطبيعي ؟
وبالتالى ما مدى سحق هذا للأخلاق والفضائل والكرامة والتكريم من الرب الرحيم بعباده بمسار هذا الآدمي في جوهر نظيف يحمد الشرع الحنيف .
قال الله تعالى { وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }
وعليه :
فإن كل ما يفضي أو يغالب حفظ الإنسان والأعراض محرم شرعا .

القاعدة الثامنة :
واجب حملة الشرع من أهل العلم تمحيص مكتسبات العلم الحديث على ضوء التنزيل منعا للمسلمين من التلبس بشطحات وهفوات العلم الحديث (1) .
وواجب أهل الإسلام عدم الإقدام إلا بعد الفتيا من علماء الشريعة المستضيئين بنورها.
والتولي عن هذين الواجبين سقوط في الحظر . قال الله تعالى { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ } .
__________
(1) الإنجاب : 141 - 142
 
رد مع اقتباس