عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 07-17-2012, 01:56 AM
أبو عائشة السوري أبو عائشة السوري غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

ولا بد لنا أيضاً من تسليط شيء من الضوء على مظلومية الفلاسفة وأصحاب الكلام،وسندرك من خلال هذا التعليق خطورة ومرارة التكليف،والسر وراء أن الجبال عجزت عنه في حين حملناه،وحقيقة أن الإنسان لهذا السبب ظلوم وجهول،وسندرك السر وراء الهجوم الشرس الذي كان وما زال الربانيون يشنه على الكلام والفلسفة وأهلها،وسنكتفي بمثال واحد على أبي العلاء المعري،لننظر أولاً إلى عقيدته في توحيد الله تبارك وتعالى إذ يقول:
يد بخمس مئين عسجد فديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقضٌ ما لنا إلا السكوت له ... ونستعيذ بمولانا من النار
وقد رد عليه عبد الوهاب المالكي -بيض الله وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه- فقال:
قل للمعري عارٌ أيما عارِ .... جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري
لا
تقدحن بنود الشرع عن شبهٍ .... شعائر الدين لم تقدح بأشعار
فاليد ما دامت لا تمتد إلى ما هو ليس لها فهي كريمة تفدى بخمسمائة دينار ذهب،وعندما خانت هانت،لكن ما يهمنا ليس ما قرأناه في العقيدة،ليس هنالك أسهل على أي إنسان من أن يقول ويعتقد ويجزم بأن حكم الله لا يقاس بحكم القوانين الوضعية،ولا أسهل من أن يقول ويعتقد ويجزم بأنه يؤمن بأسماء الله وصفاته ويثبتها كما جاءت في النقل دون تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تجسيم،لكن لنلقي معاً نظرة أخرى في سلوك أبي العلاء المعري ونفسيته وعقليته الفاسدة ،فلقد قال عند آخر لحظة في حياته،وقيل بأنه كتبها على قبره هذين البيتين:
هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد
أولاً:نقول للمعري وكل من على شاكلته:أنت تقول :"وما جنيت على أحد"ومن اشتكى منك أصلاً ومن جنايتك أياً كانت!ومم اشتكوا !ولماذا ومم توجه هذه الملامة لنفسك ثم تنفيها؟!
ثانياً:وقاحة المعري عندما يقول:"هذا جناه أبي علي"نقول له ولكل من على شاكلته أيضاً:"يا قليل الأدب،ماذا فعل لك أبوك حتى رميت الجناية عليه!ألأنه رباك وسهر عليك وأفنى حياته لتكبر أمام عينيه!ونذكر بأن المعري كان ضريراً لا بصر له ولا بصيرة،ولنتذكر أيضاً مقولة لضرير منحرف آخر ،ألا وهو طه حسين عميد قلة الأدب العربي إذ يقول في كتابه المسمى في الشعر الجاهلي:"إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين ولو وقف الدين الإسلامي حاجزاً بيننا وبين فرعونيتنا لنبذناه"و الفرعونية مرتبطة بالاستعلاء والكبر بغير حق،والنفاق،والجاهلية،والسحر،والماسونية،والسر وراء نجمة داود عليه الصلاة والسلام مثلث لفوق،ومثلث لتحت،هو أنهم وحدهم فوق،وباقي البشر حيوانات على شكل بشر لخدمتهم،والسر وراء الخطين الأزرقين هو أنها من الفرات إلى النيل،فالفرات - بلاد الرافدين حفظها الله وأهلها وطهرها من رجس اليهود والنصارى وأذنابهم - هو مقر نزول هاروت وماروت اللذان علما الناس السحر،وهي نجد،التي قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عنها بأنها:"يطلع منها قرن للشيطان"ولنعد إلى المعري.
ثالثاً:قول المعري:"جناه أبي علي"يذكرنا كم من المرات ورد أن المشركين في القرآن كانت حجتهم:"حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا"ومداره هو العادات والتقاليد والميل إليها وتجاهل النقل من الوحي والكتب السماوية،ونوضح ذلك بمثال واقعي وبسيط:
لنفترض أن شاباً في مقتبل العمر يمشي في الطريق ومعه أهله والناس على اختلافهم موجودون في الشارع،ثم جاء إليه أحد الناس وأوسعه ضرباً وشتماً،لنفترض أن هذا الشاب أراد في هذه اللحظة أن يطبق الوحيين المطهرين،ينظر أولاً إلى قوله تعالى:"إن الله يأمر بالعدل والإحسان"فالعدل هنا هو "جزاء سيئة سيئة مثلها"وهي أن يرد عليه بالضرب وبالمثل،والإحسان الذي يحبه الله ويأمر به وقال عن أهله :"ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"لنتأمل في هذا الشاب وهو يبتسم ويضحك لهذا الرجل الذي وجه إليه هذه الإساءة المنكرة أمام أهله والناس،ويقول له - في رمضان أو حتى غير رمضان - "سامحك الله،أنت أخي في الله ،غفر الله لي ولك"من الذي سوف يطيق هذا التطبيق العملي لنصوص الوحيين المطهرين؟الجواب في قوله تبارك وتعالى:"وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"وماذا نقول عن أهله وباقي الناس الذين يشاهدونه في هذا الموقف ويشفقون عليه أو يشمتون به أو يلومونه أو حتى يحتقرونه؟الجواب في قوله تبارك وتعالى:" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون"فالرباني يقول في نفسه:"سواءاً كنت قادراً على رد الإساءة بالمثل أو أكثر فلن أرد عليها وأحتسب ذلك لوجه الله تعالى ،والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً إن كان في الدنيا عبر خجل الرجل المسيء واعتذاره لي ،أو حتى في الدار الآخرة"ومن يخرج عن المنهج الرباني - ولو قيد أنملة - أول ما سيتذكر هو قول رسول الله :"المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"وسيتعامى بعقليته التي دخلتها الشوائب عن قوله :"ليس الشديد بالصرعة،وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"فإن كان قادراً على المسيء فربما يحرقه ويكويه بالنار ليشفي هذا الشعور الداخلي بالاضطهاد والمظلومية والذل،وإن لم يقدر في تلك المرة على الرد فسيبحث عن أحدى النوادي الرياضية ليتعلم فناً من فنون الدفاع عن النفس ليكون قادراً على الرد في المرة المقبلة،ومن هنا نفهم السر وراء مظلومية النساء وأن أكثر أهل النار منهن،فهي تنظر إلى أنها من ضلع مكسور وتحاول دائماً تعويضه بشتى الوسائل،إلا من رحم الله،ولذلك فلقد كمل من الرجال كثير ومن النساء أربعة فقط نعرفهن جميعاً.
فالتكليف الذي رفضته الجبال،حمله الإنسان وهو ظلوم جهول إلا من رحم الله،فظلمه يدفعه لظلم غيره ونفسه،وجهله بثواب الله في الدنيا والآخرة،أحدهما أو كلاهما،سيدفعه إلى الانحراف عن المنهج الرباني كما أسلفنا،ودواؤه في سورة الفاتحة كما نعلم،فهي حمد لله وحده،ثم وصفه بالرحمة التي قلت في قلوب العباد لسبب أو لآخر،ثم التذكير بأنه هو وحده مالك لليوم الآخر والثواب والعقاب،وإياك نعبد لطرد الرياء والنفاق،وإياك نستعين لطرد الكبر فالله هو المستعان ونرجو منه ألا يكلنا حتى إلى أنفسنا وشحها طرفة عين ولا أقل من ذلك،والصراط المستقيم هو صراط الذين أنعم الله عليهم من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،والصديقين وهم أقرب الناس إليهم،والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ودنياهم كلها لأجل هذا المنهج،غير المغضوب عليهم من اليهود الظلمة المستكبرين ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين،ولا الضالين من النصارى الجهال ومن انتهج نهجهم إلى يوم الدين فلم يستضئ بنور العلم،ولم يلجأ إلى ركن وثيق،والعلم كما قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله:"ليس العلم كثرة المسائل،وإنما العلم الخشية"والخشية ضاعت بسبب ضياع العلم،وضياع العلم كما قال السلف رحمهم الله:"ضاع العلم بين مستحي ومستكبر"و ومصطلح الخجل هنا أصح من مصطلح الحياء،لأن الحياء دافعه هو الخوف من الله وحده لا شريك له،والخجل دافعه من المخلوقين،ونحن نؤمن قولاً وفعلاً وعملاً واعتقاداً بأن لا فضل لعربي على عجمي،ولا لأبيض على أسود،ولا لجميل على قبيح،ولا لغني على فقير،ولا لسيد على خادم،إلا بالتقوى،فالدنيا كما نرى حق وباطل،فالحق ألوهية الله وحده،والباطل ألوهية غيره،والحق هو أصوات الطبيعة والطيور الجميلة،والباطل هو المعازف والموسيقا،والحق هو مظلومية أهل الحق في سبيل الحق وإن ظهرت للناس بمظهر الباطل،والباطل مظلومية أهل الباطل وإن ظهرت للناس بمظهر الحق،والحق هو الزهر والورد الطبيعي وإن ذبل بعد حين،والباطل هو الزهر والورد الصناعي وإن تجمل وإن تلون وإن وضعوا له العطر والروائح الزكية،والحكمة هي الوحي المنزل وإن ظهر هو وأهله بمظهر السفاهة،والسفاهة هي الفلسفة وعلم الكلام وإن تسمى بمحبة الحكمة.
ولننظر الآن إلى رد أحمد شوقي رحمه الله على أبي العلاء المعري،المعري قال:هذا جناه أبي علي ... وما جنيت على أحد
يقول أحمد شوقي رداً عليه:
بيني وبين أبي العلاء قضية ... في البر أسترعي لها الحكماء
هو قد رأى نعمى أبيه جناية ... وأرى الجناية من أبي نعماء
فدأب أهل الباطل إيذاء أهل الحق بكل وسيلة متاحة لديهم وهم عالة عليهم في الحقيقة،فالروافض والصوفية وغيرهم يسمونهم بالوهابية،والشيوعيون والعلمانيون يسمونهم بالرجعية والتقوقع والتخلف،والكثير من الحزبيين مدعي السلفية يسمونهم بالجامية نسبة للعلامة محمد أمان الجامي رحمة الله عليه ويتطاولون على علماء المنهج الأفاضل - ولا نزكي على الله أحداً - من أمثال الشيخ ربيع المدخلي وعبد المحسن العباد والشيخ صالح الفوزان،والمشركون في كل زمان ومكان ينسبون الشرك لآبائهم والعادات والتقاليد دون الاستضاءة بنور العلم واللجوء إلى ركن وثيق والسعي لإنقاذ أنفسهم وأهليهم والناس أجمعين من ضيق الدنيا والآخرة.
و لا بد لنا الآن من كلمة حول مظلومية النصارى بعد أن أشرنا إليها إشارة عابرة في بداية الموضوع،ورد في الكتاب المقدس لدى النصارى و بشكل متكرر أنهم خراف و معبودهم خروف،أحد النصوص التي تبين أن إله النصارى خروف :جاء في يوحنا (17\14):"وهؤلاء يُحَارِبُونَ الخروف ، وَلَكِنَّ الخروف يَهْزِمُهُمْ ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ ".
و نذكر الدليل أيضاً على أن النصارى خراف،جاء في صموئيل الثاني
( 24/17) "أَنَّا الَّذي خَطِئتُ وأَنَّا الَّذي فَعَلتُ السُّوء، وأَمَّا أولئك الخِراف، فإذا فَعَلوا ؟ فلتَكُنْ علَيَّ يَدُكَ وعلى بَيتِ أَبي " .
و عندما تدبرت السر وراء هذه المسألة خرجت بهذه النتيجة التي أسأل الله ألا يؤاخذني عليها .
فمنذ بداية البشرية تقبَّل الله قربان هابيل بن آدم عليهما الصلاة و السلام و الذي هو خروف أو أحد الماشية والله أعلم .
فكما أن الخروف ذليل بطبيعته كبهيمة رأسها إلى الأرض دائماً، فكل من انحرف عن المنهج الرباني ذليل في داخله شعور النقص و الاضطهاد و الخور ويتظاهر بالعزة بارتكاب أفعال الإثم والاستكبار على العباد والتسلط على دمائهم وأعراضهم وأموالهم وهذا عين النفاق، و نجده لا يتحمل أدنى كلمة من أمه و أبيه اللذان ربياه منذ نعومة أظفاره حتى يصل به الأمر إلى التعدي عليهما بالضرب و السبِّ و العياذ بالله تعالى، و من هنا نفهم السرَّ الذي جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصبر على أذى أهل الطائف الذين سلَّطوا عليه سفهاءهم و صغارهم و دعا لهم بالهداية ،و كيف صبر نبينا صلى الله عليه و سلم على من وضع سلا الجزور على ظهره و هو ساجد للصلاة أمام ابنته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها، إذ أننا في رمضان و غير رمضان، عندما نتعرض لأدنى أساءة من شتيمة أو ضرب من سفهاء الناس، أول شيء نتذكره هو الحديث القائل:{المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف و في كل خير} و نتعامى عن الحديث القائل:{ليس الشديد بالصرعة، و إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب} و ننسى الآية الكريمة القائلة:{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان}فالعدل هو :{ وجزاء سيئة سيئة مثلها}و الإحسان هو:
{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله} و ربنا تبارك و تعالى قال عن الإحسان:{ وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} و قال:{ إن رحمة الله قريب من المحسنين} و نعود إلى الخروف.
وكما أن الخروف بهيمة لا عقل له على الإطلاق ،فلقد وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم الخوارج بأنهم: "أحداث الأسنان ،سفهاء الأحلام" يعني عقولهم لا حكمة فيها، وهذا يشملهم ويشمل كل من خرج عن المنهج الرباني ولو قيد أنملة حتى من الملحدين أو الخوارج التكفيريين أو الرافضة أو النصيرية أو سواهم، فسفاهة عقولهم والقليل منها تدفعهم لأفعال السوء والظلم والاستكبار في الأرض والاستعلاء على الخلق بغير الحق مثل السنبلة، رأسها فارغ و هي منتصبة واقفة، لكن عندما يمتلئ رأسها نجده منحنياً تواضعاً لأخواتها، إجمالاً، بقدر ما يخفض المرء جناح الذلِّ من الرحمة للوالدين و المؤمنين و المؤمنات، بقدر ما يكون عزيزاً على الكافرين .
و كما أن الخروف بحكم الغريزة همه في العلف و الشرب و النوم و الجِماع(أكرمكم الله) ،كذلك فإن كل انحراف عن المنهج الرباني و فساد في الأرض سببه يرجع إلى المادة سواءاً كانت رِفعة في الدنيا مثل فرعون، أو مالاً مثل قارون، أو شهوة النساء مثل قابيل الذي قتل أخاه هابيل من أجل أن يتزوج أخته ،أو شهوة البنين و العياذ بالله كما كان الحال مع قوم نبي الله لوط عليه الصلاة و السلام ،و عددوا ما تشاؤون، بل إن زعماء الفساد و الإجرام في العالم و التاريخ، ألا و هم اليهود، منطلقهم و دافعهم هو المادة بالدرجة الأولى، فعندما نترجم كلمة يهودي إلى الإنكليزية يكون الناتج(Jewish) و عندما نترجم كلمة مجوهرات إلى الإنكليزية يكون الناتج(Jewelry) و رسول الله صلى الله عليه و سلم و من معه عندما خرجت الدنيا من قلوبهم و عقولهم و دخلها توحيد الله و الدار الآخرة أتت الدنيا إلى أياديهم راغمة صاغرة، و نحن عندما ملأ حب الدنيا قلوبنا و عقولنا تكالبت علينا الأمم من الداخل و الخارج و ما بينهما و نهشت لحومنا و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
و كما أن الخروف يطعمه الموحدون ويسقونه ويعتنون به إلى آخر لحظة في حياته ثم يذبحونه ويأكلوه لحمه ويتلذذون به ،كذلك فإن المنحرف عن المنهج الرباني الصحيح يتطاول على دماء الموحِّدين و أموالهم و أعراضهم و يتسلط عليها حتى نهايته فإما أن يتوب الله عليه و يهديه سبيل الرشاد و صراطه المستقيم و منهجه القويم، أو يأخذه أخذ عزيز مقتدر و تكون عاقبته و خيمة و مخزية في الدنيا و الآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
{ إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته}و يقول رب العزة جل شأنه و تقدست أسماؤه:{ ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم}
والنصارى عندما يقولون بأن الذبيح هو إسحق وليس إسماعيل عليهما الصلاة والسلام فهذا من أقوى أساليب التلبيس على العباد من ناحية، ومن ناحية أخرى فهم عرفوا كيف يستهدفون إسماعيل عليه الصلاة والسلام وحفيده أشرف الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام .
وحتى لا يكون أحدنا خروفاً وضع نفسه إلهاً أو خرافاً يتبعون خروفاً بأي شكل من الأشكال فلنتدبر قوله تبارك وتعالى:
"إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ"
من وجهة نظري الشخصية،الثقة بالنفس وما يتعلق به من الأبحاث والكتب والمجلدات خاطئ ولا أصل له من الصحة،فإن الإنسان لا يقدر على مثقال ذرة في الكون أو في نفسه إلا أن يشاء الله،ومن اعتمد على نفسه وقدراته العقلية أو المادية أو العلمية أو الاجتماعية مهما كانت فلن يفلح أبداً مالم يجرد عقله وقلبه وروحه ونفسه لله وحده لا شريك له إلا أبعد الحدود،والأصل في الإنسان هو إنكار الذات من جهة،والتفاني في إنقاذ جميع البشرية من ضيق الدنيا والآخرة بكل الوسائل إلا العنف،ولا يستثني منهم أحداً،قوياً كان أم ضعيفاً،غنياً كان أم فقيراً،سفيهاً كان أم عاقلاً،جميلاً كان أم قبيحاً،عربياً كان أم عجمياً،مؤمناً كان أم كافراً أم فاسقاً،سيداً كان أم خادماً،حراً كان أم عبداً،وتحمل الأذى في سبيل ذلك وإيثار كل هؤلاء على النفس ولو كان بها خصاصة.
وهذا هو سر استثناء رب العباد لصنف من الناس وصفهم بأنهم:"إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ" والسر في الصلاة هو الركوع والسجود والسكينة والتواضع لله ،السجود هو سجود القلب،يعني تواضع الإنسان للوالدين وخفض جناح الذل من الرحمة لهما وللمؤمنين والمؤمنات،ولهذا فلقد أمر الله عباده بصفة الرحمة ونهاهم وزجرهم عن صفة التكبر،ولهذا فلقد وصف رسول الله الخوارج بأنهم"دعاة على أبواب جهنم"و"كلاب أهل النار"وهي شاملة لكل من خرج عن المنهج الرباني سواءاً كان من التكفيريين أو الزيدية أو الصوفية أو الأشاعرة أو حتى الملحدين ولذلك فهم يكفّرون بالصغائر فضلاً عن الكبائر،وسماهم العلماء بـ"المارقين"لأنهم يقرأون النصوص والكتب السماوية بدون تطبيق عملي لها،ذلك لأنهم يتعبدون نار الحقد التي سكنت قلوبهم على الحقيقة ولا يتعبدون الله بإصلاح الأرض وإعمارها والسعي لتبيان الحق للخلق ،وإيصال الخير للغير،وأهل المنهج الرباني أخذوا الدين والدنيا على أنها تكليف ومشقة ومرارة ففازوا بنعيم الدنيا والآخرة،وأهل المظلومية أخذوا الدين والدنيا على أنها تشريف وملذات وشهوات فخسروا الدنيا والآخرة.
باختصار شديد،يكفي الإنسان حتى يتنعم بجنة الدنيا والآخرة،أن ينكر ذاته إلى أبعد الحدود،ويؤثر جميع الناس على نفسه إلى أبعد الحدود،وأن يستعين بالله وحده لا شريك له إلى أبعد الحدود.
ومن هنا نفهم لماذا وصف الله عباده الصالحين بمصطلح "المستضعفين"ولم يقل "الضعفاء"لأن المستضعفين ينتصرون ولو بعد حين،ولو بعد موتهم،ومن هنا نفهم قوله :"ليس الشديد بالصرعة،وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
والدنيا تلحق الهارب،وتهرب من الطالب،فإن أدركت الهارب جرحته،وإن أدركها الطالب قتلته،فإذا سكنت الدنيا القلب فلن تنالها اليد،وإن سكنت اليد فالقلب لا يعمره إلا توحيد الله والدار الآخرة.
ومن هنا نفهم الآية الكريمة التي تقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ "فميزة أهل المنهج الرباني أنهم كثيروا الفعل قليلوا القول،ونبينا محمد الأميّ صلى الله عليه و سلم أوتي جوامع الكلم ودانت له الدنيا بأسرها،والمفسدون في الأرض كثيروا القول والمجلدات والأيديولوجيات قليلوا الفعل،وإن فعلوا فعملهم لا يعدل إلا هباءاً منثوراً.
ومن هنا نفهم أيضاً كيف أن اليهود ومن سار على نهجهم يلبسون الحق بالباطل،فمظلومية أهل الباطل باطل وإن ظهرت بمظهر الحق،ومظلومية أهل الحق حق وإن ظهرت بمظهر الباطل،والقرآن والسنة وأهلها حكمة وأهلها حكماء وإن ظهروا بمظهر السفهاء وإن قصروا الأثواب وأرخوا اللحى،والفلسفة وعلم الكلام سفاهة وإن تسمت بمحبة الحكمة،وأهلها سفهاء وإن تسموا بالحكماء،وأهل المنهج الرباني أقوياء وإن ظهروا بمظهر الضعف،والمفسدون في الأرض ضعفاء أذلاء وإن تظاهروا بالقوة،وأهل المنهج يحسنون الظن بغيرهم ويسيئون الظن بأنفسهم إلا أبعد الحدود،وأهل الباطل يحسنون الظن بأنفسهم ويسيئون الظن بغيرهم إلى أبعد الحدود،وكفار قريش رغم أنهم أهل الجاهلية والسفاهة إلا أنهم لم يجدوا سوى رسول الله ليتهموه بالجنون،ورغم أنهم أهل القيافة والطيرة والتبرك بالنجوم إلا أنهم وصفوا القرآن بالسحر ووصفوا رسول الله بالساحر.
ولا بد لنا من كلمة حول الليبرالية أيضاً،ومنشأ هذا الفكر الخبيث يعود إلى جماعة أخوان الصفا،الفلاسفة المشهورين،الذين قالوا في رسائلهم بأن لديهم متسعاً لجميع العقائد والملل الباطلة أياً كانت،وكل ذلك تحت مسمى الأخوة الإنسانية ،ومن ملحقاتها هي نزعة القومية،التي دخلت أمتنا الإسلامية على يد المفكر المعروف باسم رفاعة الطهطاوي،الذي رافق البعثة المصرية إلى فرنسا،وكان من المفترض عليه كشيخ أزهري أن يحمي شباب البعثة من المؤثرات السلبية للغرب،لكنه بدلاً من ذلك عاد بهذه النزعة العنصرية التي كان من أحد نتائجها شقاء ومظلومية شعب بأكمله ألا وهو الشعب الكردي،والليبرالية إما أن تكون كلية فيتقبل الليبرالي حتى الملاحدة واليهود والنصارى،وإما أن تكون جزئية فيتقبل الروافض مثلاً،أو يرفضهم ويدعو للتقارب مع الأشاعرة والصوفية وغيرهم ،و الأصل في الموحد ألا يقبل بإله غير الله،ولا بعقيدة غير عقيدة التوحيد،ولا بأي محدث على دين تم واكتمل ولله الحمد من قبل ومن بعد،يعني باختصار شديد،التمسك بعقيدة الولاء والبراء،ولنفهم السبب ينبغي علينا أن نوضح ذلك بقصة واقعية حدثت مع أبي حفص البلقيني رحمه الله تعالى وهو أحد مشايخ البخاري رحمه الله تعالى،فلقد قام أبو حفص رحمه الله بتحقيق كتاب"الكشاف"للزمخشري رحمه الله الذي يلقب ب"شيخ الاعتزال" بل كان إذا طرق الباب على أحد من جيرانه أو أقاربه وسألوه:"من الطارق"أجابهم بقوله:"جار الله المعتزلي"مفتخراً باعتزاله ،يقول أبو حفص رحمه الله بعد أن فرغ من تحقيق كتاب الكشاف:"لقد استخرجت من الكشاف معتزليات بالمناقيش"وذلك لأن الزمخشري كان فحلاً من فحول البلاغة وعالماً بلغة العرب،والسر في ذلك هو الآية الكريمة :"فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذابٌ أليم"فالفتنة هي ما يصيب القلب ومصدرها الشبهة،ومصدر الشبهة من خلل في الاعتقاد،ونتيجة الخلل في الاعتقاد هي الخلل في العقل والفكر،والعذاب الأليم هو ما يصيب البدن،ومصدره من الشهوات،وينتج عن الشهوات المعاصي وارتكاب المحرمات،وسنسلط الضوء الآن على جماعة تعتبر خلفاً نسبياً لأخوان الصفا ألا وهم الأخوان المسلمون،سنتكلم على وجه الخصوص عن مؤسس جماعتهم حسن البنا عفا الله عنا و عنه و عن جميع المسلمين و المسلمات:
1- أنه صوفي . قال في مذكرات الدعوة والداعية ص 24: " وصحبت الإخوان الحصافية بدمنهور، وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة ا. وقال ص28: كانت أيام دمنهور … أيام استغراق في عاطفة التصوف … ، كانت فترة استغراق في التعبد والتصوف ا.هـ
2- يعظم المزارات ويحتفل بالموالد ويردد فيها أبياتاً شركية . قال في مذكرة الدعوة والداعية ص30: كنا في كثير من أيام الجمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهود ، نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء الأقربين من دمنهور ، فكنا ـ أحياناً ـ نزور دسوقي ا.هـ وكان يردد أبياتاً منها:
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضرا وسامح الكل فيما قد مضى وجرى
كما ذكره عبد الرحمن البنا في كتاب " حسن البنا بأقلام تلاميذه ومعاصريه " لمؤلفه جابر رزق ص71-72.
3- ضعف قيامه بعقيدة الولاء و البراء وذلك يتمثل في أمرين :
أ / جعله النصارى إخواناً له فقد قال: مما هو معلوم عند جماعة الإخوان المسلمين أنهم يدعون ويتصدرون الدعوة إلى الحكم بالقرآن الكريم ، وهذا القضية ولا شك تثير بعض الخوف والشكوك عند إخواننا المسيحيين ا.هـ. راجع كتاب " حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية " لعباس السيسي ص120 .
ب/ ذكره أن عداوتنا مع اليهود ليست دينية ، وإنما لأجل الأرض وأن الدين لا يعادي أحداً .قال حسن البنا: " إن خصومتنا لليهود ليست دينيّة ، لأن القرآن الكريم حض على مصافاتهم و
مصادقتهم "(الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 1/409 لمؤلفه محمود عبدالحليم ).
ترى أصحابه من المرشدين لجماعة الإخوان قد تلطخوا – أيضاً – بأدران الشرك ، ومنهم المرشد الثالث عمر التلمساني الذي قال في كتابه " شهيد المحراب عمر بن الخطاب ": قال البعض إن رسول الله يستغفر لهم إذا جاؤوه حياً فقط، ولم أتبين سبب التقييد في الآية عند الاستغفار بحياة الرسول ، وليس في الآية ما يدل على هذا التقييد .. ولذا أراني أميل إلى الآخذ بالرأي القائل أن رسول الله يستغفر حياً وميتاً لمن جاءه قاصداً رحابه الكريم .. فلا داعي إذن للتشدد في النكير على من يعتقد في كرامة الأولياء و اللجوء إليهم في قبورهم الطاهرة و الدعاء فيها عند الشدائد ، وكرامات الأولياء من أدلة معجزات الأنبياء ا.هـ ، ومنهم مرشد الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي الذي قال عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم لما زاره بالمدينة:
يا سيدي يا حبيـب الله جئـت إلـى ....... أعتاب بابك أشكو البرح مـن سقمي
يا سيدي قد تمادى السقـم في جسدي ..... من شـدة السقـم لم أغفـل ولم أنم
مجلة ( حضارة الإسلام) عدد خاص بمناسبة وفاة مصطفى السباعي رحمه الله ص: 562-563)
7- أنه من دعاة التقريب بين السنة وسابة الصحابة ، وفي كتاب ( الملهم الموهوب – حسن البنا ) يقول الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام صـ 78: وبلغ من حرصه ( حسن البنا ) على توحيد كلمة المسلمين أنه كان يرمي إلى مؤتمر يجمع الفرق الإسلامية لعل الله يهديهم إلى الإجماع على أمر يحول بينهم وبين تكفير بعضهم خاصة وأن قرآننا واحد وديننا واحد ورسولنا واحد وإلهنا واحد ولقد استضاف لهذا الغرض فضيلة الشيخ محمد القمي أحد كبار علماء الشيعة وزعمائهم في المركز العام فترة ليست بالقصيرة . كما أنه من المعروف أن الإمام البنا قد قابل المرجع الشيعي آية الله الكاشاني أثناء الحج عام 1948 م . وحدث بينهما تفاهم يشير إليه أحد شخصيات الإخوان المسلمين اليوم وأحد تلامذة الإمام الشهيد الأستاذ عبد المتعال الجبري في كتابه ( لماذا اغتيل حسن البنا ) ( طـ1 – الاعتصام –صـ32) ينقل عن روبير جاكسون قوله: ولو طال عمر هذا الرجل ( يقصد حسن البنا ) لكان يمكن أن يتحقق الكثير لهذه البلاد خاصة لو اتفق حسن البنا وآية الله الكاشاني الزعيم الإيراني على أن يزيلا الخلاف بين الشيعة والسنة وقد التقى الرجلان في الحجاز عام 48 ويبدو أنهما تفاهما ووصلا إلى نقطة رئيسية لولا أن عوجل حسن البنا بالاغتيال ا.هـ . وعلى هذا المنهج سارت الجماعة من بعده .
و المنبع الذي نهل منه حسن البنا كل هذا الكلام يعود إلى جمال الدين الإيراني المتأفغن، فلقد تأثر بجمال الدين عسكرياً أحمد عرابي، و فكرياً محمد عبده، نتج عن محمد عبده المدرسة التي تحدثنا عنها في مباحث سابقة، و نتج عن أحمد عرابي حسن البنا و من سار على نهجه إلى يومنا هذا.
راجعوا للاستزادة عن حال جمال الدين الأفغاني ومدى تأثر حسن البنا به أوائل كتاب " الإخوان المسلمون في ميزان الإسلام" .

و ما كان من صواب و سداد و توفيق فبفضل من الله وحده لا شريك له ، و ما كان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني و من الشيطان ، و الله و رسوله صلى الله عليه و سلم منه براء .

التوقيع

من عجائب الشمعة أنها تحترق لتضيء للآخرين ... ومن عجائب الإبرة أنها تكسو الناس وهي عارية ... ومن عجائب القلم أنه يشرب ظلمة ويلفظ نوراً
لئن تغدو فتشعل شمعة واحدة ، خير لك من أن تلعن الظلام مليون مرة
الإيجابي : يفكر في غيره
السلبي : يفكر في نفسه
الإيجابي : يصنع الظروف
السلبي : تصنعه الظروف
لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا كان منحنياً
قال ابن القيم رحمه الله :{ كما أنه ليس للمصلي من صلاته إلا ما عقل منها ، كذلك فإنه ليس للإنسان من حياته إلا ما كان لله }
رد مع اقتباس