الموضوع: نصيحة للشباب
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-12-2009, 12:06 PM
هجرة إلى الله السلفية هجرة إلى الله السلفية غير متواجد حالياً
رحمها الله رحمة واسعة , وألحقنا بها على خير
 




افتراضي

لا نجدُ للأمَّةِ ممُثلةً في شبابها - أمامِ هذه الأحوالِ الزمانيَّةِ التي هي مقبلةً عليها بجموعِ قُطعانِ شبابِها - خيراً منَ التذكيرِ بقصَةٍّ يوسفَ عليهِ السلام؛ فإنّه قد ضُربَ مثالاً في القرآن العظيم, لا على العِفَّةِ وحدها, وإنّما على قدرةِ العبدِ المُسلمِ أن يحيا نظيفاً وسَطَ الوحلِ, وأن يظلَّ محتفظاً بنظافةِ وطهارةِ قلبِهِ وجسدِهِ وثيابِهِ وهو مُخالطٌ لوحولٍ متراكِمات، وهو سائرٌ في طُرُقٍ مدلهمات بظلماتها, فإنّه في وسطِ مجتمعٍ كافرٍ بربِّهِ جلّ وعلا - عارِمٍ بغريزته، منفلتٍ بزمامِ شهوتِهِ - يظلًّ على حفاظِهِ بعهدِ ربِّه جلَّ وعلا قائماً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى نَبيِّنَا وسَلَّم.
يضربه الله ربُّ العالمين مثالا لا للشاب المسلم وأنموذجَا, وإنّما يضربهُ الله ربِّ العالمين مثالاً لجموعِ الأمّة في كُلِّ حينٍ وحال: أنّه لا عُذْرَ لأحد, وأنَّهُ مهما كانت الأحوالُ سيئةً, ومهما كانت اللذات ممتلكةً؛ فإنّ المرء قادرٌ بإيمانِهِ بربِّهِ, واعتِصَامِهِ بدينِهِ, وحياطَتِهِ لقلبِهِ وعَقْلِهِ ورُوحِهِ, قادرٌ بأمرِ اللهِ ربِّ العالمينَ على أن يظلَّ نظيفاً غير ملَوَّثٍ, وأن يظلَّ عفيفاً غيرَ متلوِّثٍ.
لأن اللهَ رب العالمينَ لمّا بيّن لنا المِحنات محنةٍ تلوَ مِحنةٍ تُحيطُ بيوسفٍ عليه السلام؛ إذ يُحيطُ به كيدُ الإخوةِ؛ إذ يُحيطُ بهِ مجموعٌ ملاصِقٌ له من أقارِبِه؛ إذ يُحيطُ به ما يُحيطُ به من الكيدِ الكائدِ والحقدِ الحاقدِ والحسَدِ الحاسِدِ لا لشيء إلا لأنَّ أباهُ قد تَوَسَّمَ فيه خيراً, يعلمُ أنه امتدادٌ للنبوة في آلِ يعقوبَ من بعدِهِ, يعلمُ أنَّ اللهَ ربَّ العالمينَ سيؤتيه من الفضلِ ما لا يُقَادَرُ قَدْرُهُ ولا يعلمُ مقدارُهُ إلا الله الذي يعطيه، يعلمُ ذلك؛ فيُقرِّبهُ ويُحبُّهُ, وقد ماتت أمُّه صغيراً - يتعرَّضُ للعسفِ والكيدِ منذَ نعومةِ الأظفار -، ثمّ يُتَهمُ بالسرقةِ.
والشريعةُ التي كانَ عليها يعقوبُ عليه السلام: هو أنّه من سرقَ فثبتت سرقتُهُ صار عبداً لمن سُرقَ منهُ المسروق، فلمّا أرادت عمته - وكانت له راعيةً من بعد وفاة أمّه راحيل بنتُ لابان, وهو خالُ يعقوب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاةِ وأزكى التسليم - لمّا كانت تحُوطُه, وأرادَ يعقوبُ أن يسترِدَّهُ صغيراً - لمّا يكتملِ نمُّوهُ بعدُ صَلى اللهُ عليِهِ وسَلَّمَ - لما أراد أن يسترِدَّهُ, وأرادت هي أن تحُوزَهُ؛ جاءت بِمِنْطَقَةٍ كانت لإبراهيمَ يتوارثُهُا آلُ إسحاق؛ فكانت عندها؛ فشدتِ المنطقةَ على وسَطِهِ, ثم ردَّتُهُ برداءه, وألبسته ثيابَه, ثم اعتمل الأمر في نفسِها لا على سبيلِ الشكِّ, وإنّما على سبيلِ اليقين - تعلمُ السارقَ المزعومَ حقَّاً ويقيناً -, ثمَّ أشاعت أنّها فقدت شيئاً, ثم أخذت تبحثُ هاهُنا وهُنالكَ حتى وقعت على المسروقِ قد لُفَّ على وسطِ يوسُفَ صغيراً عليه السلام؛ وعندئذٍ لم يجد يعقوبُ بُدّاً من أن يدعهُ عندها حتى تقضي منه لُبَانَاتِها, ثم استرده بعد, فكان عنده يشب شيئاً فشيئاً يُقَرِّبَهُ ويحُوطُه, وأمّا إخوتُهُ الكِبار - الذين كانوا مفتولي السواعد قد طرت شواربهم, واستقامت على الأرض قاماتُهم - فإنّهم لم يُعجِبُهم هذا الأمر؛ فكادوا له كيداً حتى ألقوه في غيابة الجُبِّ يراودون عنه أباه بالحيلة والخطفِ والمكرِ والخداع, فكانت أول محنة في حياةِ يوسف عليه السلام.
ولك أن تتصور إذ يجردونه من ثوبِهِ بغيرِ ما رحمةٍ هُنالكَ, ثمّ يأخذونه لكي يلقوهُ في غيابة الجُبِّ - جُبُّ هنالكَ عندَ بيتِ المقدسِ ينزلُ المطرُ ما ينزلُ, فيبقى فيه من الماء ما يبقى, ورُبما ظلّ جافةً شهوراً متتابعات, والسيّارةُ الذين يروحونَ ويغدون, يسيرون قافلين وذاهبين يمرُّون على الجُبِّ, فرُبما أراد ماتِحُهُم الذي يُلقِي الدلوَ في البئر من أجلِ أن يُخرجَ الماء, لربما جسُّوا نبضَ البئر بماءِهِ؛ من أجلِ أن يُخرجُوا منه ماءً به يتزودون, وعليه يتبلَّغون في صحراء قاحلة هي أجدبُ من كفِّ اللئيم -, جعلوا يوسف عليه السلام في غيابة الجُبِّ, لكَ أن تتخيَّلَ يوسفَ عليه السلام وهو يُلقى في الجُبِّ يُحاولُ أن يتعلَّقَ بطيّته، يُحاوُلُ أن يتمسَّكَ بالحجارةِ المطويةِ بُعمقِ هذا البئر في رأسِ هامَتِهِ, وهم يأبونَ إلا أن يُحرِّكوا يدهُ شيئاً فشيئاً حتى يُلقى هُنالك في غيابةِ البئرِ, ثم تأتي السيارة بعدَ حينٍ يتعلُّقُ في الدلوِ؛ فيخرُجُ؛ فيقعُ في المحنةِ الثانية: في محنة الرِّق تتداوَلُهُ الأيدي بيعاً وشراءً عبداً رقيقاً, وهو الحُرُّ الكريم كما أخبرَ النبيُّ الأمين صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه وَسَلَّمَ, ثم يُباعُ بيعَ الرقيق حتى يصيرَ عند عزيزِ مِصر.

يتبع....
رد مع اقتباس