عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 07-03-2008, 09:42 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الجـمــع والترجـيــح

القاعدة الأولى : الأحاديث المتعارضة يجمع بينهما ولا تطرح

أدلة الكتاب والسنة لا تعارض فيما بينها في حقيقة الأمر ، ولكن التعارض يكون في ظاهرهما يقول الله تعالى : { ولَو كَانَ مِنْ عِندِ غيرِ الله ِلوَجَدُوا فِيهِ اختِلافًا كَثِيرًا }[ النساء : 82 ] فإذا جاء دليلان أحدهما معارض للآخر فإما أن يجمع بينهما وإما أن يصار إلى الترجيح ، ولا يقال : إذا تعارضا تساقطا ، لأن الأدلة لا تسقط أبدا ، ووجوه الترجيح كثيرة جداً ذكرها العلماء في مصنفاتهم فمن لم يستطع الترجيح فلا يرد الأدلة بحجة التعارض بل يرجع إلى نفسه ويتهمها بالقصور في الفهم ، وإلا فأين الدليلان الذين لا يمكن ترجيح أحدهما بهذه المرجحات الكثيرة ، يقول الشافعي في الرسالة ( 216 ) : ولم نجد حديثين مختلفين إلا ولهما مخرج أو على أحدهما دلالة بأخذ ما وصفت إما بموافقة كتاب أو غيره من سنته أو بعض الدلايل . انتهى .
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 407 ) : الترجيح بين المتعارضين لا في نفس الأمر بل في الظاهر وقد قدمنا في المبحث الأول أنه متفق عليه ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد به ومن نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح . انتهى .

القاعدة الثانية : لا يجمع بين الدليلين إذا كان أحدهما لا يثبت

العبرة في الجمع بين الدليلين المتعارضين هو ثبوتهما فإن كان أحدهما لا يثبت فلا عبرة به ولا يحتاج إلى أن يجمع بينه وبين الحديث الثابت ، قال الجزائري في توجيه النظر ( 235 ) : الحديث المقبول إذا عارضه حديث غير مقبول أخذ بالمقبول وترك الآخر ، إذ لا حكم للضعيف مع القوي . انتهى .

القاعدة الثالثة : لا يجمع بين الدليلين المتعارضين بتأويل بعيد

يشترط لصحة الجمع بين الدليلين ، أن لا يكون الجمع بينهما بتأويل بعيد يظهر فيه التكلف والتعسف ، قال الجزائري في توجيه النظر ( 244 ) : وإنما شرطوا في مختلف الحديث أن لا يمكن فيه الجمع بغير تعسف ، لأن الجمع مع التعسف لا يكون إلا بجمع الحديثين المتعارضين معاً ، أو أحدهما على وجه لا يوافق منهج الفصحاء ، فضلا عن منهج البلغاء في كلامهم فكيف يمكن حينئذ نسبة ذلك إلى أفصح الخلق وأبلغهم على الإطلاق ؟ ولذلك جعلوا ذلك في حكم ما لا يمكن فيه الجمع ، وقد ترك بعضهم هذا القيد اعتماداً على كونه لا يخفى . انتهى .
قلت : وكذلك لا ينبغي أن يرجح بين الحديثين المتعارضين بترجيح بعيد كالترجيح بموافقته للقياس ، أو الترجيح بغير ذلك من الأمور البعيدة .

القاعدة الرابعة : لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع

قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 407 ) : ومن شروط الترجيح التي لا بد من اعتبارها أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول فإن أمكن ذلك تعين المصير إليه ولم يجز المصير إلى الترجيح . انتهى .
قلت : وذلك لأن الجمع فيه إعمال الدليلين ، والترجيح فيه إعمال لواحد من الدليلين على الآخر ، فإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ، قال ابن حزم في الإحكام ( 1/161 ) : إذا تعارض الحديثان ، أو الآيتان ، أو الآية والحديث ، فيما يظن من لا يعلم ، ففرض على كل مسلم استعمال كل ذلك ، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض ، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله ، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها ، وكل من عند الله عز وجل ، وكل سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق . انتهى .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان ( 2/407 ) : الجمع واجب إذا أمكن وهو مقدم على الترجيح بين الأدلة . انتهى .
قلت : ووجوه الجمع عديدة : فمنها أن يحمل الأمر على الندب ، وأن تحمل الواقعة على التعدد ، وأن يحمل اللفظ على غير معناه الأصلي كحمل ( الواو ) على معنى ( ثم ) لإرادة الترتيب ، وأن يؤول أحد الدليلين . إلى غير ذلك من أوجه الجمع .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس