عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 06-29-2008, 06:45 AM
الشافعى الصغير الشافعى الصغير غير متواجد حالياً
لا تهاجم الناجح وتمتدح الضعيف .. لا تنتقد المجتهد الذي يعمل وتربت علي كتف الكسول
 




افتراضي

انا نقلت هذا المقال ولكن هناك أشياء لا تجوز سابيتها فيه ووضحتها ـ من باب امانة النقل ـ
ولكنى نقلته لابين مدى ما وصلنا اليه

يغور العلام واللى عاوزينه

بقلم د. لميس جابر



«الله يرحمك يا آبا».. عندما كنت في الثانوية العامة، كان والدي قد قضي أكثر من أربعين عاماً في التدريس، كان له الفضل في تعليمي كيفية الاستمتاع بالمذاكرة مثل القراءة ومثل المعرفة بشكل عام.. وكان حريصاً من أول يوم في عام الثانوية العامة، أن يزيل عني التوتر، الذي كانت والدتي، رحمها الله، تنقله إلي مثل باقي الأمهات، فكان يتعمد أن يناديني وأنا مستغرقة في المذاكرة لأشاهد حلقة أمريكاني في التليفزيون الأبيض والأسود ويصمم قائلاً: «قومي فرفشي شوية.. الحلقة فيها ضرب» ـ هذا لا يجوز ويمكن استبداله بشى اخر ـ لم يمنعني أو حتي ينصحني بعدم الاشتراك في مسرحية المدرسة بحجة الثانوية العامة ـ هذا لا يجوز ويمكن استبداله بشى اخر ـ ولا الذهاب لرحلة الأقصر وأسوان، رغم اقترابها من موعد الامتحانات..
وفي أول يوم من أيام الامتحانات وكان في اللغة العربية كالعادة.. جاء معي إلي المدرسة وعند الباب قال لي: أنا قاعد مستنيكي علي القهوة اللي جنب المدرسة، لو الامتحان بايخ أو المراقب دمه تقيل سيبي الامتحان وتعالي نروح فيلم «صوت الموسيقي» ـ هذا لا يجوز ويمكن استبداله بشى اخر ـ بلا امتحان بلا كلام فارغ.
وفاجأته في ليلة امتحان التفاضل بأنني لا أذكر منه شيئاً.. فقال ببساطة شديدة: وإيه يعني، هو مش محتاج غير ليلة واحدة، وجلس معي من العاشرة مساء وحتي الرابعة صباحاً وانتهينا من التفاضل والتكامل تماماً، ولكني لم أحل أي مسائل أو تمرينات علي كل هذه القوانين.. تركني لأنام لمدة ساعة وأيقظني وفي يده كوب الشاي «المتين» وجلست حوالي ساعة أخري لحل عدد من التمارين، ثم اقترح علي أن نذهب إلي المدرسة مبكراً ونسير علي الأقدام بدلاً من ركوب الترام، وفي الطريق أخذ يشرح لي التمارين وأنا أحلها معه شفهياً، وعند باب المدرسة قال لي حكمته الشهيرة وأشار إلي مكان القهوة وعندما صحح لي الامتحان بعد خروجي استغرق في الضحك وقال لي: درجاتك لن تقل عن تسعتاشر من عشرين..
وعند ظهور النتيجة وجدت الرقم بالظبط.. كان لهذا الرجل الرائع الفضل في قناعتي بأن التعليم ليس كل شيء في الحياة وأن القراءة الحرة مهمة والرحلات مهمة والنشاط المدرسي مهم وأم كلثوم وعبدالوهاب مهمين ـ هذا لا يجوز ويمكن استبداله بشى اخر اكثر اهمية ـ وحتي الفرجة علي ماتشات الدوري أيام الامتحانات مهمة.. أزال من نفسي أي أعباء خانقة وأي توترات وانزعاج وقلق من تلك التي تصاحب الطلبة عادة أثناء الامتحانات وكان يقول «إذا لم يكن التعليم شيئاً محبباً وتحول إلي شيئا معذبا، يغور التعليم».. وكان مبدؤه أنه لا يوجد ما يقلق في الامتحان، لأن النجاح والرسوب نتيجتان متوقعتان ولا شيء آخر في علم الغيب..
والحقيقة أنه علي أيامنا لم يكن الإعلام مصاباً بهيستريا الثانوية العامة.. ساعة بساعة وامتحاناً بامتحان وصور الفتيات الصارخات والأمهات الباكيات تتصدر الصفحات الأولي وكأنه امتحان للقبول بالجنة، وعلي أيامنا أيضاً لم تكن المناهج بكل هذا الجفاف والغباء والبواخة ولم تكن تحتاج للحفظ والصم والدروس الخصوصية والمراجعات والإجابة النموذجية.. تذكرت أبي وتذكرت أيامنا عندما قرأت عن الطالبة والطالب اللذين فضلا الموت علي استكمال عذاب الثانوية العامة.. كرها الحياة وناءت أكتفاهما بأحمال وتحملا مسؤولية نظام تعليمي متخلف وغبي وسعار إعلامي للصحف يحول سنة دراسية إلي عملية حربية، لابد لمن يجتازها أن يكون قاتلاً أو مقتولاً..
حملتهما العائلتان وزر الأموال الطائلة التي صرفوها علي الدروس الخصوصية وربما حملوهما مسؤولية الحرمان من الطعام الجيد والملابس الجيدة في سبيل تفوقهما ليضمنا كلية هندسة أو كلية طب لأنهم مازالوا يعيشون في أوهام كليات القمة ،بينما كل العلام أصبح في القاع.. اتنين من الشباب ماتوا وهما في بداية العمر، ضحايا لدوار منظومة مختلة يرأسها تعليم غبي وأهالي مازالوا يعيشون في الغيبوبة وصحافة تدعي الاهتمام، بينما في الحقيقة هي تهدف إلي زيادة التوزيع.. فعلاً إذا كان التعليم بهذا الشكل يغور التعليم والعلام واللي عاوزينه.

رد مع اقتباس