عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 06-08-2008, 10:40 PM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي


و بعد أن انتهيت من نقل القواعد و الأصول التي تخص الأدلة أنتقل بكم الآن إلى مسألة الإجماع.

أسأل الله العظيم أن ينفعنا و إياكم.

الإجـمـــــاع

القاعدة الأولى : الإجماع حجة من الحجج الشرعية

الإجماع : هو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلمبعد وفاته في عصر من الأعصار على أمر من الأمور .
وهو حجة بدليل الكتاب والسنة ، أما دليل الكتاب فهو قوله تعالى :
{ ومَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبعْ غَيْرَ سَبِيِلِ المؤمِنِينَ نُوَلِّهِ ماتَوَلَّى وَنصْلِهِ جَهنَّمَ وسَاءتْ مَصِيرًا } ( النساء : 115 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ( 19/193 ) : .. كلاًّ من الوصفين يقتضي الوعيد لأنه مستلزم للآخر ، كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول ، ومخالفة الإسلام والقرآن فيقال : من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار .. ، فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين ، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم وهذا ظاهر ، ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضا ، فإنه قد جعل له مدخلاً في الوعيد ، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم ، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعاً ، والآية توجب ذم ذلك ، وإذا قيل : هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول ؟ قلنا : لأنهما متلازمان ، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه يكون منصوصاً عن الرسول فالمخالف لهم مخالف للرسول ، كما أن المخالف للرسول مخالف لله ، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أجمع عليه قد بينه الرسول ، وهذا هو الصواب . انتهى .
والدليل من السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة )) .
وهو حديث صحيح أخرجه أبو داود ( 4253 ) والترمذي ( 2167 ) وابن ماجة ( 3590 ) .
قال الشافعي في الرسالة ( 475 ) : ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم ، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها ، وإنما تكون الغفلة في الفرقة ، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس ، إن شاء الله . انتهى .

القاعدة الثانية : الإجماع لا بد أن يكون له مستند من الكتاب أو السنة

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 19/195 ) : فلا يوجد قط مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول ، ولكن قد يخفى ذلك على بعض الناس ويعلم الإجماع فيستدل به ، كما أنه يستدل بالنص من لم يعرف دلالة النص ، وهو دليل ثان مع النص ، كالأمثال المضروبة في القرآن وكذلك الإجماع دليل آخر كما يقال : قد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع ، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها ، فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة ، وما دل عليه القرآن فعن الرسول أخذ ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه ، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص .. ثم قال : وعلى هذا فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصاً فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص ، لكن كان النص عند غيرهم ، وابن جرير وطائفة يقولون : لا ينعقد الإجماع إلا عن نص نقلوه عن الرسول ، مع قولهم بصحة القياس ، ونحن لا نشترط أن يكونوا كلهم علموا النص فنقلوه بالمعنى كما تنقل الأخبار ، لكن استقرأنا موارد الإجماع فوجدناها كلها منصوصة ، وكثير من العلماء لم يعلم النص ، وقد وافق الجماعة ، وكما أنه قد يحتج بقياس وفيها إجماع لم يعلمه فيوافق الإجماع . انتهى .

القاعدة الثالثة : الإجماع لا يقدم على الكتاب أو السنة

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى ( 19/200 ) : ومن قال من المتأخرين : إن الإجماع مستند معظم الشريعة فقد أخبر عن حاله فإنه لنقص معرفته بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك ، وهذا كقولهم : إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس لعدم دلالة النصوص عليها فإنما هذا قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتها على الأحكام .. ، والإجماع لم يكن يحتج به عامتهم ( أي الصحابة ) ولا يحتاجون إليه ، إذ هم أهل الإجماع فلا إجماع قبلهم ، لكن لما جاء التابعون كتب عمر إلى شريح " اقض بما في كتاب الله ، فإن لم تجد فبما في سنة رسول الله ، فإن لم تجد فبما قضى به الصالحون قبلك ، وفي رواية : فبما أجمع عليه الناس " . وعمر قدم الكتاب ثم السنة ، وكذلك ابن مسعود قال مثل ما قال عمر : قدم الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ، وكذلك ابن عباس كان يفتي بما في الكتاب ثم بما في السنة ثم بسنة أبي بكر وعمر ، وهذه الآثار ثابتة عن عمر وابن مسعود وابن عباس وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء وهو الصواب ، ولكن طائفة من المتأخرين قالوا : يبدأ المجتهد بأن ينظر أولاً في الإجماع فإن وجده لم يلتفت إلى غيره ، وإن وجد نصا خالفه اعتقد أنه منسوخ بنص لم يبلغه ، وقال بعضهم الإجماع نسخه ! والصواب طريقة السلف . انتهى .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس