عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 06-02-2008, 02:01 AM
أبو الفداء الأندلسي أبو الفداء الأندلسي غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

القاعدة الرابعة : يجب فهم الدليل على ما فهمه السلف الصالح


السلف الصالح جاءت الأدلة بتزكيتهم واتباع طريقهم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : { والسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ والذِينَ اتَّبَعُوهم بإحْسَانٍ رَضِيَ الله عَنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهَارُ خَالِدينَ فيهَا أبَدًا ذَلكَ الفوْزُ العَظِيمُ } [ التوبة : 100 ] .
: وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلمقال : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) . أخرجه البخاري ( 6429 ) ومسلم ( 2535 )
فهم القدوة وهم الأسوة ، فيجب على كل مسلم اتباعهم فيما ذهبوا إليه من فهم أدلة الكتاب والسنة لأنهم أعلم الناس وأفهم الناس بدلالة النصوص الشرعية ، فإذا أخذ المسلم بغير فهمهم فإنه يضلُّ عن الصراط المستقيم ، لأنهم عن بصيرة وقفوا وبعلم ثاقب نظروا .
قال ابن أبي زيد القيرواني في الجامع ( 117 ) : التسليم للسنن لا تعارض برأي ولا تدفع بقياس ، وما تأوله منها السلف الصالح تأولناه ، وما عملوا به عملناه ، وما تركوه تركناه ، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا ، ونتبعهم فيما بينوا ، ونقتدي بهم فيما استنبطوا ورأوه من الحديث ، ولا نخرج عن جماعتهم فيما اختلفوا فيه أو تأويله ، وكل ما قدمنا ذكره فهو قول أهل السنة وأئمة الناس في الفقه والحديث .
وقال السمعاني كما في صون المنطق ( 158 ) : إنا أمرنا بالإتباع وندبنا إليه ، ونهينا عن الإبتداع وزجرنا عنه ، وشعار أهل السنة اتباعهم للسلف الصالح ، وتركهم كل ما هو مبتدع محدث . انتهى .
وقال قوام السنة الأصبهاني في كتابة الحجة في بيان المحجة ( 2/437 ، 440 ) : وليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو الإتباع والإستعمال ، يقتدي بالصحابة والتابعين ، وإن كان قليل العلم ، ومن خالف الصحابة والتابعين فهو ضال ، وإن كان كثير العلم .. إلى أن قال : وذلك أنه تبين للناس أمر دينهم فعلينا الإتباع ، لأن الدين إنما جاء ، من قبل الله تعالى لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلمالسنة لأمته ، وأوضحها لأصحابه ، فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمفي شيء من الدين فقد ضل . انتهى .
وقال ابن رجب في كتاب فضل علم السلف على علم الخلف ( 72 ) : فالعلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها ، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعهيم في معاني القرآن والحديث ، وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام ، والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك . انتهى .
وقال شيخ الإسلام في كتاب الإيمان ( 114 ) : وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل ( يعني الإيمان ) عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة ، وهذه طريقة أهل البدع ، ولهذا كان الإمام أحمد يقول : أكثر ما يخطيء الناس من جهة التأويل والقياس ، ولهذا نجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم ، وما تأولوه من اللغة ، ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي صلى الله عليه وسلموالصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ، فلا يعتمدون على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم ، إنما يعتمدون على العقل واللغة ، ونجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثور ، والحديث وآثار السلف .
وقال كما في مجموع الفتاوى ( 10/362 ) : فالعلم المشروع والنسك المشروع مأخوذ عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلموأما ما جاء عمن بعدهم فلا ينبغي أن يجعل أصلاً ، وإن كان صاحبه معذوراً ، بل مأجوراً لاجتهاد أو تقليد ، فمن بنى الكلام في علم الأصول والفروع على الكتاب والسنة والآثار المأثورة السابقين فقد أصاب طريق النبوة وكذلك من بنى الإرادة والعبادة والعمل والسماع المتعلق بأصول الأعمال وفروعها من الأحوال القلبية والأعمال البدنية على الإيمان والسنة والهدى الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلموأصحابه فقد أصاب طريق النبوة ، وهذه طريق أئمة الهدى ، تجد الإمام أحمد إذا ذكر أصول السنة قال : هي التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب التفسير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلموالصحابة والتابعين ، وعلى ذلك يعتمد في أصوله العلمية وفروعه .. ، وكذلك في الزهد والرقائق والأحوال فإنه اعتمد في كتاب الزهد على المأثور على الأنبياء صلوات الله عليهم من آدم إلى محمد ثم على طريق الصحابة والتابعين ولم يذكر من بعدهم . انتهى .

القاعدة الخامسة : يجب الأخذ بظاهر الدليل وعدم تأويله


أهل الحديث وسط بين الذين بالغوا في الأخذ بالظاهر ولم يلتفتوا إلى معاني الأدلة وبين الذين فرطوا في الأخذ بالظاهر ، فردوا ظاهر الدليل بأدنى شيء أو أولوا الحديث حتى يوفقوا بين الحديث وبين قول إمامهم ، فأهل الحديث يمشون على ظاهر الدليل .
ولا يأولونه ويخرجونه عن ظاهره إلا بدليل يدل على صحة ذلك التأويل ، ولهذا كان السلف يقولون : أمروها كما جاءت .
وهذا وإن كان ورد في باب الأسماء والصفات ، لكن مما لا شك فيه أن جميع الأحكام الشرعية على منوال واحد وطريقة سوية ، ولذلك ما كان السلف يؤولون الأحاديث الواردة في الأحكام ، بل كانوا يجرونها على ظاهرها .
فمثلاً : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال لـمَّا سئل عن الوضوء من لحوم الإبل : ( توضئوا منها ) .
أخرجه مسلم ( 360 ) وأبو داود ( 184 ) والترمذي ( 81 ) .
فالوضوء يطلق على غسل اليدين فقط ويطلق أيضا على الوضوء المعروف في الشرع ، وظاهر الحديث أن المراد هو الوضوء المعروف في الشرع ، وقد مشى الصحابة على هذا الظاهر فقد كانوا يتوضؤون من لحوم الإبل الوضوء الشرعي المعروف ولم يكونوا يأولونه بغسل اليدين فقط .
قال الخطيب في الفقه والمتفقه ( 1/222 ) : ويجب أن يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلمعلى عمومه وظاهره إلا أن يقوم الدليل على أن المراد به غير ذلك فيعدل إلى ما دل الدليل عليه ، قال الشافعي : ولو جاز في الحديث أن يحال شيء منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عدداً من المعاني فلا يكون لأحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره ، ولكن الحق فيها واحد إنما هو على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/108 ) : الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله ، وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره ، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب ، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك . انتهى .
وقال الشنقيطي في أضواء البيان ( 7/438 ) : التحقيق الذي لا شك فيه ، وهو الذي عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة المسلمين : أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمفي حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح . انتهى .
وقال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 263 ) : واعلم أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه والعمل به بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ . انتهى .
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ( 4/148 ) : ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه ، فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام ، فهو حكم مضمون له الصواب ، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان ، وقول الفقيه المعين ليس كذلك ، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص واشتقوا لهم ألفاظاً غير ألفاظ النصوص ، فأوجب ذلك هجر النصوص ، ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان ، فتولد من هجران ألفاظ النصوص والإقبال على الألفاظ الحادثة وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد ما لا يعلمه إلا الله ، فألفاظ النصوص عصمة وحجة ، بريئة من الخطأ والتناقض ، والتعقيد والاضطراب ، ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كـذلك وهَلـُمَّ جرَّا .. ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلمإذا سئلوا عن مسألة يقولون قال الله كذا ، قال رسول الله كذا ، ولا يعدلون عن ذلك و ما وجدوا إليه سبيلاً قط فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور . انتهى .
وقال الشوكاني في منتهى الأرب في أدب الطلب ( 235 ) : ومن جملة ما ينبغي له تصوره ويعنيه استحضاره أن يعلم أن هذه الشريعة المباركة هي ما اشتمل عليه الكتاب والسنة من الأوامر والنواهي والترغيبات والتنفيرات وسائر ما له مدخل في التكليف ، من غير قصد إلى التعمية والإلغاز ولا إرادة لغير ما يفيده الظاهر ، ويدل عليه التركيب ويفهمه أهل اللسان العربي . فمن زعم أن حرفاً من حروف الكتاب والسنة لا يراد به المعنى الحقيقي والمدلول الواضح فقد زعم على الله ورسوله زعماً يخالف اللفظ الذي جاءنا عنهما ، فإن كان ذلك لمسوّغ شرعي تتوقف عليه الصحة الشرعية أو العقلية التي يتفق العقلاء عليها ، لا مجرد ما يدعيه أهل المذاهب والنحل على العقل ، مطابقاً لما قد حببه إليهم التعصب ، وأدناه من عقولهم البُعد عن الإنصاف فلا بأس بذلك ، وإلاّ فدعوى التجوز مردودة مضروب بها في وجه صاحبها ، فاحرص على هذا فإنه وإن وقع الاتفاق على أصالة المعنى الحقيقي وعدم جواز الانتقال عنه إلا لعلاقة وقرينة كما صُرح به في الأصول وغيرها ، فالعمل في كتب التفسير والحديث والفقه يخالف هذا لمن تدبره وأعمل فكره . ولم يغتر بالظواهر ولا جمد على قبول ما يُقال من دون بحث عن موارده ومصادره . وكثيراً ما تجد المتعصبين يحامون عن مذاهبهم ويؤثرونها على نصوص الكتاب والسنة . فإذا جاءهم نص لا يجدون عنه متحولاً وأعياهم رده وأعجزهم دفعه . ادعوا أنه مجاز وذكروا للتجوز علاقة هي من البعد بمكان ، وقرينة ليس لها في ذلك المقام وجود ولا تدعو إليها حاجة . وأعانهم على هذه الترهات استكثارهم من تعداد أنواع القرائن والعلاقات ، حتى جعلوا من جملة ما هو من العلاقات المسوّغة للتجوز التضاد ، فانظر هذا التلاعب ، وتدبر هذه الأبواب التي فتحوها على أدلة الكتاب والسنة . وقَبِلَها عنهم من لم يمعن النظر ويطيل التدبر فجعلها علماً وقبلها على كتاب الله وسنة رسوله . وأصلها دعوى افتراها على أهل اللغة متعصب قد آثر مذهبه على الكتاب والسنة ، ولم يستطع التصريح بترجيح المذهب على الدليل ، فدقّقَ الفكر وأعمق النظر فقال : هذا الدليل وإن كان معناه الحقيقي يخالف ما نذهب إليه فهو ههنا مجاز والعلاقة كذا والقرينة كذا ، ولا علاقة ولا قرينة . فيأتي بعد عصر هذا المتعصب من لا يبحث عن المقاصد ولا يتدبر المسالك كما ينبغي فيجعل تلك العلاقة التي افتراها ذلك المتعصب من جملة العلائق المسوغة للتجوز . ولهذا صارت العلاقات قريباً من ثلاثين علاقة . ثم لما كان من جملة أنواع القرائن ، القرائن العرفية والعقلية افترى كل متعصب على العقل والعرف ما شاء وصنع في مواطن الخلاف ما أراد والله المستعان . انتهى .

يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس