عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-13-2008, 01:11 PM
عبد الملك بن عطية عبد الملك بن عطية غير متواجد حالياً
* المراقب العام *
 




افتراضي

السؤال : ورد قوله تعالى ( ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون ) ثلاث مرات في القرآن ، اثنان منهما بهذه الكيفية (فتمتعوا) ، والثالثة في سورة العنبكوت (وليتمتعوا) ، فما الفرق بينها ؟ ولماذا عبر في الآيتين بصيغة المخاطب مع أن أول الآية بصيغة الغائب ؟


الجواب : جاء في آية العنكبوت (66) قوله تعالى "وليتمتعوا" على أسلوب الغَيْبة (بفتح الغين) كما هو في أول الآية التي جاءت فيها اللفظة، والآية السابقة لها قوله تعالى: "فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون* ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون" فاطرد الأسلوب في الآيتين معا على الغَيْبة ، أي حكاية عن قوم غائبين.
فأما قوله تعالى: "فتمتعوا" في سورتي النحل والروم-آيتان متشابهتان- في قوله سبحانه" ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون" – النحل55، الروم34-، فيلاحظ أن قوله "تمتعوا" جاء على أسلوب الخطاب، خلاف ما عليه أول الآية، فإنه جاء على أسلوب الغيبة، في قوله سبحانه"ليكفروا" (البرهان لابن حمزة 244 درة التنزيل 264)، وهذا الانتقال من الغيبة إلى الخطاب يسمى عند البلاغيين "الالتفات"، وله فوائد عدة منها : جمال العبارة ، ولفت الانتباه ، واجتذاب الأسماع، فإنك إذا ألقيت المقال على أسلوب الخطاب أو الغَيْبة أو التكلم ثم انتقلت إلى غير ذلك انتبه المخاطب وألقى سمعه إليك، قال السكاكي:"العرب يستكثرون من الالتفات، يرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السامع ، وأحسن نظرية لنشاطه، وأملأ باستدرار إصغائه، وهم أحرياء بذلك. ( المفتاح 296)
فإن قال قائل: ِلمَ لَمْ تجئ الآيات الثلاث جميعها على الالتفات؟ قلت: لا جرم أن مجيئها على هذه الحال من التفاوت في التعبير خير وأولى، ففي آية النحل التفات، ثم لا التفات في آية العنكبوت، ثم يأتي الالتفات مرة أخرى في آية سورة الروم، فهذا ضرب من التفنن في الكلام بديع. والله أعلم.


رد مع اقتباس