يُرَدُّ التَّنَازُعُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } [النساء: 59]
تفسير ابن كثير
(عَنِ ابْنِ عباس:
{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} يَعْنِي: أَهَّلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ....... وَالظَّاهِرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ فِي جَمِيعِ أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ... وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [الْمَائِدَةِ:63] وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ:43]
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" [ البخاري: كِتَاب الْأَحْكَامِ؛بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}]
فَهَذِهِ أَوَامِرٌ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
{أَطِيعُوا اللَّهَ} أَيْ: اتَّبِعُوا كِتَابَهُ
{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أَيْ: خُذُوا بِسُنَّتِهِ
{وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} أَيْ: فِيمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ " [ مسلم: كِتَاب الْإِمَارَةِ؛ بَاب وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَتَحْرِيمِهَا فِي الْمَعْصِيَةِ]
وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ.
وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّنَازُعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشُّورَى:10] فَمَا حَكَمَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَشَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أَيْ: ردوا الخصومات والجهالات إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِمَا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَكُمْ {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَاكَمْ فِي مَجَالِ النِّزَاعِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَرْجِعْ إِلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ أ.ه.)