عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 07-29-2012, 08:42 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متواجد حالياً
كن كالنحلة تقع على الطيب ولا تضع إلا طيب
 




افتراضي

نواقض التوحيد

وبعد أن عرفنا أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، سوف نتكلم عن نواقض هذه الأقسام.

إقرار المشركين بتوحيد الربوبية
إن توحيد الربوبية: هو اعتقاد أن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت والذي يدبر الأمر، والذي ينفع ويضر عند الكرب والشدة، وهذا التوحيد كان المشركون الذين بعث فيهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحاربهم، واستحل دماءهم وأموالهم وبشرهم بالنار، إلا من آمن به واتبعه؛ كانوا مقرين بهذا التوحيد أو بعضاً منهم، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38]، فهم مقرون أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض.

ولم يقل أحد من الأنبياء ممن بعثه الله إلى أي أمة من الأمم: إن الله موجود، ولم توجد أمة من الأمم تنكر وجود الله تبارك وتعالى -بشكل أمة ولا نقول: أفراداً- إلا عندما انتشرت الشيوعية قبل قرنين تقريباً، ثم انتشر الإلحاد والشيوعية في العالم الغربي وأوروبا التي كانت على دين نصراني محرف فرفضته، وانتقلت إلى لا دين، وهو: إنكار وجود الله تبارك وتعالى.

أما قبل ذلك فلم يكن هناك أمة تنكر وجود الله، وإنما كانت تعبد مع الله غيره، فكانوا يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقت الشدة فقط، فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين، وإذا احتاجوا إلى الغوث في حالة الشدة والضيق والكرب، دعوا الله مخلصين له الدين، كما قال تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]، فإذا نجوا وخرجوا إلى البر بدأوا يدعون آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، سواء كانت هذه الآلهة أحجاراً، أو أولياءً، أو أنبياءً، أو عباداً صالحين، أو كواكب، أو أياً كانت تلك المعبودات من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وكانوا كذلك كما أخبر الله تبارك وتعالى عن اليهود والنصارى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

ولهذا لما كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام، كتب إلى هرقل عظيم الروم: { بسم الله، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد: أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، ثم كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآية: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران:64] }.

فكان الأنبياء يأتون ليدعون أقوامهم إلى أن يعبدوا الله، وأن يكون الرب هو الله المعبود وحده لا شريك له، لكن أولئك كانوا يعبدون الأحبار والرهبان من دون الله تبارك وتعالى.


أنواع عبادة الأحبار والرهبان
عبادة الأحبار والرهبان على نوعين:

النوع الأول: السجود للأحجار، أو الأشجار، أو الأصنام، أو الدعاء، أو الاستغاثة في حالة الكرب.

والنوع الآخر: أن هؤلاء الناس كانوا يطيعونهم، فيحللون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله وفق آراء وأهواء الأحبار والرهبان.

ولذلك لما جاء عدي بن حاتم -وكان على دين النصرانية - إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتلا عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الآية اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] قال له عدي : ما عبدناهم.

لأن عدياً ومن كان معه ما كانوا يسجدون للأحبار والرهبان، وما كانوا يستغيثون بالأحبار والرهبان، فذهب نظره وانطلق ظنه إلى أن هذه العبادة ليست موجودة عندهم، فكيف يقول الله تبارك وتعالى ذلك؟

فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ألم يحلوا لكم الحرام، ويحرموا عليكم الحلال، فأطعتموهم؟

قال: بلى، قال: فتلك عبادتكم إياهم }.


حقيقة التوحيد
وهكذا يأتي الأنبياء ليبينوا للناس أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، وأن يكون المطاع هو الله وحده لا شريك له، وطاعة أي أحدٍ غيره، حتى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هي سبب لطاعة الله، ولهذا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولهذا حتى الأنبياء لو خالفوا شيئاً من أمر الله عن اجتهاد منهم ينزل العتاب من السماء ليصحح ما يجب أن يكون؛ ليوافق الكل أمر الله تبارك وتعالى، فلا مجال لأن يكفر الإنسان ببعض التوحيد ويؤمن ببعض، والله تبارك وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]، أي: ادخلوا في الإسلام كله، والسلم هو الإسلام، كما قال جل شأنه في الآيات الأخرى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39].

والطاعة والتشريع، والموالاة والمعاداة لله تبارك وتعالى.

فحقيقة التوحيد الذي هو توحيد الأنبياء الذي جاءوا به هو: الاستسلام والانقياد لأمر الله تبارك وتعالى في كل أمر وفي كل شأن، بلا اعتراض ولا منازعة، ولا مدافعة ولا طاعة لشيطان، ولا لهوى، ولا لطاغوت ولا لأي مخلوق كائناً من كان.

فأمَّا من أقر بتوحيد الربوبية أو ببعضه وقال: أنا أؤمن بأن الله هو الخالق والرازق والمحيي والمميت، ولكن يدعو غير الله، فهذا وإن جاء بتوحيد الربوبية أو بعضه، لكنه نقض توحيد الألوهية.

وكما قلنا ما جاء الأنبياء ليقولوا للناس إن الله موجود، لا؛ بل جاءوا ليدعوا الناس إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59]، قالها: نوح، وصالح، وهود، وشعيب، ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاهد الناس عليها ثلاث عشرة سنة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى هذا التوحيد وإلى شهادة أن لا إله إلا الله.

فمعنى ذلك: أنه يجب علينا أن نتفطن إلى حقيقة التوحيد وأهميته، وأنه لا بد أن نأتي بجميع أنواع التوحيد، وإلا فلو أن الأمر كلمة تقال باللسان كما يظن كثير من الجهال -وقد فشى الجهل في المسلمين- لكان الأمر أهون.

ولهذا لما عرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفسه على بعض القبائل -كما جاء في السيرة- فكان يقول: قولوا كلمة واحدة، كلمة تستجيب لكم بها العجم وتخضع لكم بها العرب، والكلمة هي: لا إله إلا الله، قالوا: أما هذه فلا.

رفضوها؛ لأن معناها أن تتخلى عن كل شيء، لا تؤله نفسك على القبيلة، ولا تؤله أعراف وعادات القبيلة، ولا تؤله الأحبار ولا الرهبان، ولا تؤله الشياطين، ولا تؤله الجن، فالعرب كانوا إذا مروا في وادٍ، قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، ولا تؤله الكهان.

فقد كان العرب يتحاكمون إلى الكهان، وكانوا يذهبون إليهم في كل أمر، ويدعون أن عندهم علم الغيب ويطلعونهم عليه، وهكذا أمور كثيرة من أمور الشرع، والحديث الصحيح المعروف لما رقى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على جبل الصفا ودعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك! ألهذا جمعتنا؟

فأنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1].

وهؤلاء هم قومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يعرفون صدقه، وسمّوه بالصادق الأمين، وكان العرب أحرص الناس على الشرف والفخر، ولم يبعث في العرب نبي قبله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما كانت النبوة في ذرية إسحاق، وكان اليهود أهل الكتاب يتطاولون على العرب دائماً بأن المبعوث من الأنبياء منا، وما منكم أحد.

وكان اليهود يستفتحون على الذين كفروا -أي على المشركين- بأن الأنبياء والنبوة والعلم والكتاب فيهم؛ فكانوا أثرى القبائل بأن يفخروا بهذا، والعرب كان إذا نبغ فيهم شاعر افتخروا وضجوا وصاحوا وعلموا أبناءهم القصائد التي يقولها هذا الشاعر؛ لأنهم يريدون الفخر، فكان حرياً بقريش أن تفخر بهذا المبعوث الصادق الأمين، الذي يدعوها إلى أمر عظيم، تخضع لها به الأرض كلها.

لكن لما قال: لا إله إلا الله لم تستجب قريش، وكانت الحرب مع قريش ثلاث عشرة سنة، ثم في المدينة حاربوه وحاربهم، إلى أن فتح الله تبارك وتعالى له مكة في السنة العاشرة.


التوقيع


تجميع مواضيع أمنا/ هجرة إلى الله "أم شهاب هالة يحيى" رحمها الله, وألحقنا بها على خير.
www.youtube.com/embed/3u1dFjzMU_U?rel=0


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 07-29-2012 الساعة 08:46 PM
رد مع اقتباس