الخاتمة
بالمقارنة بين هذين موقف السلف والخلف من قضية المحكم والمتشابه وعلاقتها بمسألة التفويض ، يظهر لنا أن الفهم الصحيح لمعنى المحكم والمتشابه سوف يؤثر إيجابا أو سلبا على ظهور الحق في قضية التفويض ، فاللفظ العربي أو النص الذي نزل به القرآن ، يحمل معني يستوعبه الذهن ، وهو واضح بين مراد في حق من قيد به ، فهو محكم غير متشابه ومعلوم غير مجهول ، والقول بتفويض المعني عند ذلك عبث وقدح في البلاغ عن الله ، أما الحقائق والكيفيات الغيبية أو المشهودة التي دلت عليها النصوص والألفاظ ، فإن تعلق ذلك بالمخلوق في عالم الشهادة في حدود مدارك الإنسان ، فإن الكيفية محكمة أيضا غير مجهولة لأن مرئية معلومة ، أما إن تعلق ذلك بالخالق أو بالمخلوقات في عالم الغيب ، فالكيفية من المتشابه المجهول الذي استأثر الله بعلمه ،
وينبغي علينا تفوضها إلي الله ، والراسخون في العلم مهما بلغ علمهم فلن يدعي أحدهم أنه يعلم كيفية الحقائق في الغيبيات أو كيفية الذات والصفات ، فهذه عقيدة السلف في العلاقة بين المحكم والمتشابه ومسألة التفويض .
أما عقيدة الخلف فإنهم جعلوا المعني المتبادر من نصوص الصفات معني باطل يدل على التشبيه والتجسيم وإثبات الجوارح والأعضاء ، متصورين الذات الإلهية في صورة الذات الإنسانية ، ثم استقبحوا هذه الصورة التي تخيلوها من دلالة النصوص ، وأوجبوا تأويل المعني أو تفويضه ، لأنه تعارضت في أذهانهم بزعمهم الأدلة السمعية والعقلية ، أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية ، أو نحو ذلك من عبارات الأشعرية ، فجعلوا المعني متشابها مجهولا كبديل عن تأويلهم لكتاب الله .
|