وأما أن يريد أنه لا يقال حكمها كذا وكذا ، إقرارا أو تأويلا أو غير ذلك ، فإن أراد هذا فينبغي لقائل ذلك ، أن يلتزم ما ألزم به غيره ، فلا ينطق في حكم هذه الآيات والأحاديث بشيء ، ولا يقول الظاهر مراد أو غير مراد ، ولا التأويل سائغ ، ولا هذه النصوص لها معان أخر ونحو ذلك ، إذ هذا تعرض لآيات الصفات وأحاديثها على هذا التقدير ، وإذا التزم هو ذلك ، وقال لغيره التزم ما التزمته ولا تزد عليها ولا تنقص منها فإن هذا عدل ، بخلاف ما إذا نهي غيره عن الكلام عليها مع تكلمه هو عليها كما هو الواقع .
وكذلك قوله : ولا يكتب بها إلى البلاد ولا في الفتاوى المتعلقة بها ، إن أراد أنها أنفسها لا تكتب ولا يفتى بها ، فهذا مما يعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام كما تقدم ، وإن أراد لا يكتب بحكمها ولا يفتي المستفتي عن حكمها ، فيقال له فعليك أيضا أن تلتزم ذلك ، ولا تفتي أحدا فيها بشيء من الأمور النافية ، وحينئذ يكون أمرك لغيرك بمثل ما فعلته عدلا ، أما أن يجيء الرجل إلى هذه النصوص فيتصرف فيها بأنواع التحريفات والتأويلات جملة أو تفصيلا ، ويقول لأهل العلم والإيمان : أنتم لا تعارضوا ولا تكلموا فيها ، فهذا من أعظم الجهل والظلم والإلحاد في أسماء الله وآياته .
كما أن سلف الأمة وأئمتها ما زالوا يتكلمون ويفتون ويحدثون العامة والخاصة بما في الكتاب والسنة من الصفات ، وهذا في كتب التفسير والحديث والسنن أكثر من أن يحصيه إلا الله .
وقد قيل : إن مالكا لما صنف الموطأ قال : جمعت هذا خوفا من الجهمية أن يضلوا الناس ، لما ابتدعت الجهمية النفي والتعطيل (1) .
__________
(1) بن تيمية : الفتاوى الكبرى 5/14 .
|