ومعلوم أن كل تأويل لا يحتمله اللفظ في أصل وضعه ، وكما جرت به عادة الخطاب بين العرب هو نوع من التزوير والتدليس ، والخلط والتلبيس ، الذي يضيع ثوابت القول وقواعد الكلم ، فأهل العلم يعلمون أن إثبات الاستواء والنزول ، والوجه واليد والقبض والبسط ، وسائر صفات الذات والفعل لا يسمى في لغة العرب التي نزل بها القرآن تركيبا ولا انقساما ولا تمثيلا ، وكان أولى بالصحابة والتابعين ، وهم أئمة اللغة وأسياد الفهم أن يعترض واحد منهم على الأقل ويقول : كيف نؤمن بهذه الصفات التي تدل على التركيب والانقسام في الذات ؟ (1) .
ولذلك فإن كثيرا ممن نشأ في الأوساط التي يسودها مذهب الخلف أنكروا تأويلهم المتعسف للنصوص ، وادعوا أن السكوت وتفويض الأمر إلى الله هو المسلك المفضل ، ظنا منهم أنهم على عقيدة السلف الصالح ، فظهرت قضية التفويض التي وسم بها السلف متأثرة بعقيدة الخلف في فهم المحكم والمتشابه ، وعدم التمييز بين كون معاني نصوص الصفات محكمات ، وكون الكيفية الغيبية هي فقط من المتشابهات ، وقد سرى هذا الاعتقاد منذ ظهور المذهب الأشعري حتى عصرنا هذا .
__________
(1) نظر أنواع التأويلات الباطلة وأمثلتها من كلام الأشعرية في مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص43 وما بعدها ، و درء تعارض العقل والنقل 1/226 وما بعدها.
|