فتأمل قوله : ( ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ) ماذا يعنى ؟ هل يعنى معنى الآيات والنصوص التي وردت عن وصف الجنة ، أم الكيفية التي دلت عليها ؟ فإن قيل المعنى : فخطأ ، لأننا سمعنا به في الكتاب والسنة ، كما أن المعنى لا يرى بعين البصر ، وإنما يدرك بعين البصيرة ، وإن قيل الكيف فصواب ، لأننا لم نره ولم نر له مثيلا .
فالمتشابه كيفية الموجودات في الجنة ، لا المعنى الذي يدل عليها ، وعلى ذلك فجميع آيات الصفات محكمة المعنى متشابهة في الكيفية فقط ، فلا يدخل في المتشابه معاني الآيات التي وصف الله بها نفسه ، كما اعتقد الخلف ذلك في مذهب السلف ، وإلا لكانت الآيات بلا معنى ، وكانت ألفاظها معطلة عن الهداية والبيان ، فقوله تعالى : { وأخر متشابهات } أي باعتبار الكيف لا المعنى .
وجميع آيات القرآن لها معنى معلوم عند الراسخين في العلم ، حسب اجتهادهم في تحصيله ، وعليه جاء قول ابن عباس - رضي الله عنه - في آية آل عمران : ( أنا من الراسخين في العلم ) (1) .
فالمتشابه هو الذي استأثر الله بعلمه من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا هو والتي أخبرنا بها في كتابه ، ومن ثم فإن القرآن كله محكم باعتبار المعنى الذي دل عليه اللفظ وباعتبار الكيفية ففيه المحكم والمتشابه ، قال ابن تيميه رحمه الله معقبا على قوله تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } (2) : ( وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات ، وما لا يعقل له معنى لا يتدبر ) (3) .
__________
(1) بن جرير : أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، ، تحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر ، مراجعة الشيخ أحمد محمد شاكر ، القاهرة ، طبعة دار المعارف ، 6/170 .
(2) ورة ص:29 .
(3) بن تيمية : رسالة الإكليل ضمن مجموعة الرسائل 2/8 .
|