القاعدة الثالثة :
***كن كالصياد الماهر .. وعلق على المواقف وحاور***
تشكيل نفسية الطفل وفكره وعقله مسؤولية كل من يتعامل معه .. وخصوصا الأب والأم
فإذا لم يهتم الأبوان بفكر ونفسية الولدان فمن ذا الذي يهتم !
... وإذا لم يتفكرا وينشغلا بهذا الأمر المهم فمن ذا الذي يتفكر لهما وينشغل بأولادهما !
كثير من الآباء في زماننا يظن أنه بإطعامه ولده أفضل الطعام وإلباسه أفضل الثياب وإدخاله أفضل المدارس قد قام بما عليه من الواجب .. والبقية تتحملها المدرسة والهيئات التعليمية ..
فالأم مشغولة في بيتها أو عملها .. والأب مشغول في عمله وأمواله وأصدقائه وحياته الشخصية التي يعيش بها منفردا عن أهل بيته ..
فربما كان معهم بجسده وهو بعيد بروحه وعقله ! ..
فالأولاد في حياته كائنات [فضائية] لطيفة مسلية يراها من حين إلى آخر .. فيلعب بها قليلا ويرى فيها رجولته وفحولته ..
ثم لا يبالي بعد ذلك بعقولهم ولا نفسياتهم ..
ولا يحاول أن يبعد عقله عن حياته قليلا إلى حياتهم ..
والأم المسكينة الحائرة لا تدري ما تفعل .. ربما قست على أولادها في مقابل لين زوجها معهم .. وربما لانت وتساهلت في مقابل قسوته الشديدة عليهم .. وربما تصارعا معا أمام الأطفال سلبا وإيجابا في الحكم على سلوك معين .. فيقع الأطفال المساكين في حيرة واضطراب ..
ويتجهون بعقولهم لأطراف خارجية [مجهولة الهوية] للحكم على الأشياء ..
وهنا تقع المصيبة .. وتتشكل نفسية الطفل من خليط مشوه ضعيف التكوين .. لا يستطيع التعامل مع واقعه باتزان وتعقل وحزم ولين
جاءني أب في أحد الأيام من بلد بعيدة فقال لي :
إني مشفق على ولدي الحبيب .. وأريد أن أراه شابا متزنا ذا رأي سديد
فدلني على الصواب .. وخذ بيدي إلى سبل الرشاد
فقلت له : ما أشد حرصك على ولدك وأروع عنياتك به ! ..
تقطع كل هذه المسافة لتسألني هذا السؤال ؟ هلا سألتني في الهاتف فأجبتك وفصلت لك المقال ؟
فقال لي : هذا أمر عظيم .. ولا أنام اليل بسببه .. فلا يجمل أبدا أن أكلمك فيه هاتفيا
فقلت له والدمع يذرف من عيني : ليت كل الآباء مثلك .. جزاك الله عن ولدك خير الجزاء
فأخذت أردد عليه بعض القواعد في تربية الأطفال .. وأنا أقول بيني وبين نفسي على استحياء منه :
أعلمك وأنا أجدر بالتعلم منك .. أعلمك وأنا أولى بالأخذ عنك
وكان من جملة القواعد التي رددتها على مسامعه هذه القاعدة التي نحن بصددها
[كن كالصياد الماهر .. وعلق على المواقف وحاور]
ثم انصرف عني وولى .. وإذا به يأتيني مرة أخرى في الأسبوع الذي يليه بلهفة مشوبة بفرح
ففتح حقيبته وأخرج كراسة وقال لي : أنظر فيها وقل لي ما رأيك .. فتعجبت ونظرت
فإذا به قد تأمل في كل المواقف التي تتكرر غالبا مع ولده .. وكتب أمام كل واحد منها تعليق أنيق
فقلت له : لماذا فعلت ذلك ؟ ..
فقال لي :ألم تقل كن كالصياد الماهر .. الصياد الماهر لابد أن يعد العدة قبل صيده
فأعددت تعليقاتي لتكون مهيئة للرمي بها .. وجئت بها لتصححها وتنقحها وتزيد فيها ما يصلح لها
فأخذت في قراءة تعليقاته فرحا بها .. وشرعت في الزيادة عليها وإتمام ما بها
لابد من تحمل هذه المسؤولية العظيمة كما تحملها هذا الأب
فكم من أناس لا يعتنون بأطفالهم إلا من منظور مادي صرف
فربما سافر واغترب .. أو أقام مع التعب
من أجل هدف واحد .. [مستقبل الأولاد]
وهذا المستقبل يتحقق عند كثير من الآباء بالآتي :
شقة تمليك .. عربية .. فلوس في البنك .. أرقى تعليم .. ثم زواجه
هذا هو المستقبل في نظر كثير من الآباء .. وهذا كله مباح لا شيء فيه
ولكن أين أرواح الأولاد .. أين عقولهم .. أين دينهم .. أين فكرهم .. أين اتزانهم .. أليس هذا كله من مستقبل أولادك ؟ ..
أليس من حقهم أن ينعموا بهذا التوازن النفسي في ظل هذه الظروف المختلة المضطربة التي يصعب فيها التعامل مع الآخرين؟
الانشغال بالأمور الحياتية ليس مبررا للتقصير في العناية بهذه المخلوقات الملائكية
التوقيع |
[C
|
|