12-09-2011, 02:04 AM
|
|
الفصل الثاني:ــ
واقع الساحة الإسلامية وما تعيشه من خلافات
إن المطلَّع على واقع الساحة الإسلامية اليوم يدرك للأسف الشديد أنه رغم كل الأدلة وجميع البراهين النقلية والعقلية التي تؤكد أن الوحدة بين المسلمين فريضة شرعية وضرورة واقعية.
ورغم اتحاد الأعداء والخصوم الداخليين والخارجيين ضد الإسلام والعاملين له.
ورغم ما يعانيه الإسلام وأهله على أيدي أعدائه من الحركات العلمانية والحكومات الطاغوتية والأمم الكافرة.
ورغم المصائب التي تعاني منها الأمة وفي مقدمتها تدنيس واحتلال مقدساتها في بلاد الحرمين وفلسطين وغيرها وما تتعرض له الأمة من انتهاك العرض، واحتلال الارض، على أيدي التحالف اليهودي الصليبي العالمي.
ورغم الدروس والعبر التي يحفل بها تاريخ المسلمين، والتي تؤكد أن أعداءهم القدماء والجدد لم يظفروا منهم بما ظفروا به إلا بتفرق المسلمين واختلافهم، ولم ينتصر عليهم المسلمون إلا بتوحد كلمتهم واجتماعهم تحت راية التوحيد.
رغم كل هذا وذاك لا يزال المسلمون غارقين في خلافات محتدمة وخصومات مشتعلة حول مسائل وقضايا وأمور لا تعتبر من أصول الدين وكلياته ولا من مواطن الإجماع التي لا يجوز فيها النزاع، بل كثير منها من المسائل التي ليس لها تأثير لا في حاضرٍ ولا مستقبل.
ومن مظاهر وأسباب هذا الخلاف في نفس الوقت تراشقٌ مستمرٌ بالتهم، دون بينة من شرع، أو دليل من عقلٍ، أو أثارة من علم، وتعصب مقيت للآراء والشعارات، والأشخاص والجماعات، والأقوام والأوطان، وتحكيمٌ للهوى ومصادرة لأي رأيٍ مخالف.
وفي هذا الجو انبرت مجموعات وأفراد ممن يظهرون أنهم يحسنون صنعاً - وهم يسيئون عن قصد أو غير قصد - إلى العمل على تفريق الصف المسلم وتشتيت جمعه وإشعال نار الفتنة والخلافات فيه، لا يتورعون عن انتهاك أعراض إخوانهم، واستباحة حرماتهم، وإيغار صدور المسلمين عليهم، مستدلين بأدلة ناقصة، ونصوص مبتورة ومفصولة من الأدلة الأخرى في الموضوع، ومستغلين أحياناً عبارات مجملة صادرة عن هؤلاء، محتملة لمحامل حسنة هي اللائقة بحالهم، ومحتملة لغيرها، فيحملونها على المحامل السيئة، مخالفين منهج علماء أهل السنة والجماعة في هذا المقام هذا المنهج الذي يقضي بحمل الكلام المحتمل لأكثر من وجه، على الوجه اللائق بحال قائله.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدهما اعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عنه).
كل هذا في وقتٍ سَلِمَ من ألسنة هؤلاء وأيديهم كل أصناف الأعداء من المشركين والملحدين والطواغيت وغيرهم، بل إن الألسنة التي كثيراً ما تمتد بالسوء إلى الدعاة والعلماء وطلبة العلم الذين رفعوا رؤوسهم بالحق شامخة في وقت انحنت فيه رؤوس المترخصين لعاصفة الباطل، وبِيعَتْ أمانة بيان الحق والصدع به في سوق الترغيب والترهيب، كثيراً ما تكون الألسنة التي تمتد إلى هؤلاء بالسوء هي نفسها التي تُثني على تصرفات أعداء الإسلام والمسلمين من الطواغيت وغيرهم ممن بارزوا الله بالحرب، وكاشفوه بالعداء، وحاربوا أولياءه، ووالوا أعداءه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
ونحن عند التأمل في الأسباب الرئيسية لهذا الوضع الذي تعيشه ساحة العمل الإسلامي من التفرقِ والتمزق، فإننا نجد أغلبها يرجع إلى سببين رئيسيين:
الأول: ما يقوم به أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم طواغيت الحكام ومن حولهم من علماء السوء - من جهود في تفريق كلمة العاملين للإسلام، والعمل على تضييع الجهود وتبديد الطاقات الإسلامية، واسكات وسجن علماء الحق، وقد سخروا لذلك إمكانيات وطاقات بشرية ومادية وإعلامية ضخمة، منفذين بذلك الخطط الشيطانية في التحريش بين المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)، والتحريش هو الإفساد وتغيير قلوب المسلمين على بعضهم، والعمل على تقاطعهم وتدابرهم.
وقد نجح هؤلاء للأسف الشديد في استقطاب بعض الشخصيات التي لها بعض الأتباع من حيث تشعر أو لا تشعر.
الثاني: غياب منهج أهل السنة والجماعة وضوابطه التي تحكم علاقات المسلمين فيما بينهم، وتضبط المواقف من جميع فصائل العمل للإسلام المختلفة، واجتهاداتها وآرائها، والمواقف منها، بضوابط الشرع وتحكم عليها بالعلم والعدل والإنصاف.
وبما أن حديثنا الآن موجه بالأساس إلى أبناء الأمة الإسلامية من الصادقين والمخلصين الحريصين على مستقبل دينهم ودعوتهم وأمتهم، فإننا سنقتصر هنا على معالجة السبب الثاني، ونؤجل السبب الأول إلى حديث آخر عندما نتحدث عن المواجهة بين الإسلام وأعدائه الداخليين والخارجيين، ولا نرى بأساً في هذا التأجيل، خاصة أن ما يقوم به هؤلاء من إثارة للفتنة والخلافات بين المسلمين أصبح مكشوفاً بفضل الله عند كثير من أبناء الصحوة الإسلامية
التوقيع |
جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل .
ــــــــــــــــ
لن يُنصَف الحقُّ إلا إذا كان القلب خالياً عند الكتابة من كل أحدٍ إلا من خالقه سبحانه، وكم من الأشخاص يجتمعون في ذهن الكاتب والقائل عند تقييده للحق فيُصارعونه ليَفكوا قيده، فيضيع الحق، ويضيع معه العدل والإنصاف.
الشيخ الطريفي ـ وفقه الله ـ
|
|