عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 11-11-2011, 12:02 PM
أبو مسلم التونسي أبو مسلم التونسي غير متواجد حالياً
عضو جديد
 




افتراضي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مشكورة الأخت أم عبد الله على الشرح إلاّ أنّها اقتصرت على الشرح اللفظي الذي أراه لا يضيف الكثير إلى شبابنا المهدّد بالضياع كونه قد يكون واقعا في حدود الله من حيث لا يشعر خاصّة و أنّ بعضه يدافع بشراسة عن حرّية الرأي و عن حرّية المعتقد من دون ضوابط أو حدود حتّى صرنا نجد من بينهم، تحت عنوان احترام حقوق الإنسان، من يتبنى ممارسة الحرّية المطلقة في كلّ شيء مثل إباحة اللواط و الزنا و التعرّي الكامل في الفضاءات العامّة و الزواج المثلي و المناداة بتخصيص نفقة على كاهل الدولة للأمّهات العازبات ظنّا منهم أنّ تلك هي حرّية الرأي و حرّية المعتقد و حقّ الاختلاف.

التطبيق السيّء لحريّة التعبير و الإبداع:
في الشارع الرئيسي لإحدى العواصم العربيّة "المسلمة" قامت مجموعة من الفنّانين التشكيليين بعرض تمثال لامرأة عارية الشيء الذي أثار حفيظة المارّة فطالبوا بإزالته فثار جملة من الفنانين بردود مختلفة: <<كفى استبدادا / نحن أحرار / لقد قمنا بالثورة من أجل حريّة الرأي و الإبداع / أتريدون تحريم كلّ شيء..؟>>
ماذا لو يسمح بعرض التمثال كونه مجرّد جماد نتاج إبداع فنّي ليس فيه اعتداء على حرّية الآخر حيث لا أحد يفكّر في ممارسة الجنس معه و بالتالي لا خوف من جريمة الزنا أو من إنجاب أبناء خارج مؤسّسة الزواج؟
أليس ذلك عمل من قبيل {..لَو أَنّنا اخَرَقْنَا في نصِيبنَا خَرْقاً ,وَلَمْ نؤذ مَنْ فَوْقَنَا ؟..}
و النتيجة أليست{فَإِن ْترُكُوهُمْ وَما أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً,
أو لا يكون واجب المجموعة الوطنية { وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجوْا جَمِيعا
إن كانت تلك هي حرّية التعبير فعلى الدنيا السلام.
لقد أسيء فهمها بذاك الشكل فذاك ليس حتّى من قبيل "عمل وجوده لا ينفع و عدمه لا يضرّ"..
إنّ للفنّان ذوقا رفيعا و حسّا مرهفا و نظرة ثاقبة و قدرة على جعل الرافض يتقبّل راضيا راغبا مشتهيا ما كان يستنكر و ينفر حيث يحوّل زاوية نظره من الواجهة التي تبدو قبيحة أو منفّرة إلى الواجهة الجميلة أو المشتهاة أو المفيدة و التي لا يهتدي إليها الرافض بمفرده.. و هنا الفنّان اختلف مع الرافض لكنّه قدّم إضافة مفيدة عادت بالمنفعة على المختلف معه. لكن لو أجبره على تغيير زاوية نظره بالقوّة أو بشيء من الضغط لكان إكراها و لصنع منافقا..

الفهم السليم لحقّ الاختلاف:
اختلاف الآراء شيء طبيعي و أمر بديهي لا ينكره إلاّ قصير النظر و مقولة أجدادنا: «رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب<< يندرج في هذا الاتّجاه.
القول أنّ الاختلاف رحمة يبدو غير منطقيّ كونه في الظاهر مدعاة إلى تبادل العنف و ذاك وارد في إطار الاستبداد و في أرض الديكتاتوريات و الفراعنة. أمّا إذا فهم على حقيقته فهو خير عميم..
إنّ الناس إزاء أيّ مشكل يكونون حوله في مواقع ميدانية شتّى كلّ واحد ينظر له من زاويته فيبدو له الحلّ بالطريقة التي يراها هو من موقعه حيث يكيّفه حسب الصعوبة التي تراءت له و بما أنّ موقعه لا يخوّل له رؤية ما خفي عنه من صعوبات أخرى سيكون تدخّله جزئيا و لربّما عاد عليه بالوبال لو لم يساند بتدخّل بقيّة الأطراف..
كما أنّ الناس من حيث أعمارهم تلعب كلّ من الخبرة و الحداثة و المعرفة دورها بحكم اختلاف زمن تواجدهم أمام المشكل و اختلاف نسبة الإلمام به فليس من عاشره دقيقة كمن عاشره ساعة كما أنّه ليس من عالج له مثيلا كمن هو حديث العهد به ففي المعارك استعان النبي بخبرة الفرس التي كان يعرفها سلمان و قال له :
- يا رسول الله عندما كنا بفارس إذا حوصرنا ضربنا على أنفسنا الخنادق
و بذلك نجت المدينة و انسحبت الأحزاب برأي من عالج له مثيلا حتى قال أبو سفيان عندما وقف على الخندق :
- إن هذه و الله لمكيدة ما كانت تعرفها العرب (أي أنها حيلة عسكرية لم يسبق للعرب معرفتها)
و في فتح الطائف استعان بصناع الشام لصنع المنجنيق الرومي
و في غزوة بدر عندما كمن المسلمون لقافلة أبي سفيان , نزل النبي و وزع جنوده , فجاءه الحباب بن المنذر العسكري الأنصاري المتمرس ليسأله:
- يا رسول الله , أهذا مكان أنزلكه الله لا نتقدم عنه و لا نتأخر؟ أم هو الرأي والحرب و المكيدة؟!
فأجاب النبي :
- بل هو الرأي الحرب و المكيدة
فقال الحباب للرسول ﷺ:
- إذن اذهب و اجلس في عريشك و اترك لنا فن الحرب.
ها هو الحباب بن المنذر يختلف مع النبي ليقدّم إضافة خبرة أهل الدنيا و معارفهم.
إنّ الأنظمة المستبدّة تقمع حرّية التعبير و تمنعها لأنها تفضح العيوب و الأخطاء و الجهالات التي ترتكبها و تدّعي أنّه "ليس بالإمكان أحسن ممّا كان" و أحسن مثال يجسّد الاستبداد و الانفراد بالرأي هو "فرعون" القائل:
﴿..مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ غافر
و ها هو يستصدر حكما من ملئه الذين لا رأي لهم معه إلاّ لإضفاء شرعيّة على قتل موسى المرسل من ربّه المناهض للاستعباد و التعسّف في سلب حقوق الإنسان أوّلها الكرامة و ثانيها العدل و ثالثها المساواة:
﴿..ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)﴾ غافر
ما يخاف فرعون من موسى؟
يخاف تبديل الدين (نظام الحكم) الذي رسّخه في الأذهان أنّه الأمثل و الذي سيفسده موسى بإظهار العورات و العيوب و الدّجل و ظلم و جور الاستعباد و يمسّ هيبته المزيّفة و يطعن في ولاية أمره على بني إسرائيل و هو ما كان يصوّر على أنّه نعمة حتّى يصيح في وجهه:
﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) ﴾الشعراء
و الفراعنة كثير في كلّ عصر و مصر سواء كانوا زعماء أو جماعات أو أحزابا..
فحرّية الرأي تعني تقديم رأي إضافي دون تكرار أو استنساخ لآراء طرحت و قضي فيها كما تعني تقديم ما خفي على الأطراف الأخرى لأجل اكتمال الصورة أو المشهد أو الحقيقة فلو طلب من طرفين متقابلين وصف ما يريان في نفس اللحظة فقال الأوّل: "إنّي أرى بحرا.." و عارضه الثاني: "كلاّ، أنت مخطئ، إنّي أرى تلالا و هضابا.." أليس كلّ واحد منهما صادقا في ما يقول كونهما واقفين على شاطئ صخريّ؟ لو أصرّ كل واحد على رأيه مخطّئا الطرف الآخر كونه هو الوحيد المالك للحقيقة لدخلا في حرب إقصاء و إفناء أمّا لو ألّفا بين رأييهما لخرجا برأي ثالث أشمل و أكمل و أدقّ و لانتفعا بشيئين على الأقلّ:
1. صفاء قلبيهما من الحقد و الضغينة..
2. استغلال الحقيقة أحسن استغلال بجني ثمارها التي كانت ستكون ناقصة أو ربّما ضارّة في غياب الجزء المكمّل..
فاختلاف الرأي و حرّية التعبير عليه أوجدت للبناء و استنباط السبل لحلّ المشاكل و لتذليل الصعوبات و لتجاوز العراقيل فهل إباحة اللواط و الزنا و التعرّي الكامل في الفضاءات العامّة و الزواج المثلي و تقنين وضع الأمّهات العازباتو عرض تمثال لامرأة عارية يدخل في هذا الإطار؟
· هل العارضون تداولوا الرأي مع سائر مكوّنات المجتمع فأجمعوا على السماح به؟
· أم هو استبداد ناعم لجهة تريد فرض معتقدها على الآخرين؟
هيّ حرّة في ما تعتقد و لكن تعبّر عن ذلك في ملكها الخاصّ و ليس في الملك العام الذي لا يرخّص فيه إلاّ ما كان عليه الإجماع و صار من المسلّمات..
فعندما نبّه الرسول النبيّ بمعالجة الأمور، قبل فوات الأوان، بضرب اليد العابثة (و لو عن حسن نيّة) فهو يشير إلى ممارسة الشورى و الاستفادة من الرأي و الرأي المخالف كون الجماعة بالطابق السفلي من السفينة لم يتبادلوا الرأي مع شركائهم بالطابق العلويّ و لو كان الأمر يبدو لصالحهم فيه من الوجاهة يوفّر الراحة للذين بالأسفل و يرفع عنهم الحرج و يجنّب الذين بالأعلى الإزعاج و تعكير صفو استجمامهم..
في الشورى لا مجال لإهمال أيّ رأي مهما كان مستوى صاحبه ما لم يكن مكرّرا أو مستنسخا أو مقضيّا فيه لأنّه يعتبر عنصرا مكمّلا لبقيّة العناصر المكوّنة للحقيقة و الذي إن أُهْمِل لن تفضي النتائج إلى المأمول. و بذلك يحصل الإجماع الذي يصيب نفعه الجميع و لقد جرّب على أرض الواقع فحقّق نتائج قياسية لم تتكرّر من يوم حاد المسلمون عن الخلافة الراشدة و استبدلوها بالملك العضوض المستبطن للاستبداد في جلباب طاعة ولاّة الأمور..
و في الديموقراطية تعتمد الأغلبيّة النسبيّة أو المطلقة و تهمل آراء الأقلّية فتكون النتائج تحت رحمة المجهول تنتظر دورة جديدة للانتخابات للتّقييم و التقويم و تفرز الدورة الجديدة أغلبيّة مثل سابقتها تعالج أخطاء الأمس محدثة أخطاء اليوم لتعالج في الغد كون المنطلق خاطئا و ما بني على خطأ أفضى إلى نتيجة خاطئة..
رد مع اقتباس