عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 10-30-2011, 11:19 AM
أبو أسلم المنصوري. أبو أسلم المنصوري. غير متواجد حالياً
عضو فضى
 




افتراضي

فصل
في تعريف عقد الذمة
إن وصف الذمة لا يطلق على كل من سكن في بلاد الإسلام أو ولد فيها وعاش فيها، بل هو وصف شرعي له شروط وضوابط محددة لا بد من توفرها حتى يتحقق .
يتضح ذلك بالرجوع إلى تعريف أهل العلم لعقد الذمة:
أقوال أهل العلم في تعريف عقد الذمة:
1- قال البهوتي:
(ومعنى عقد الذمة: إقرار بعض الكفار على كفرهم، بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة .
والأصل فيها قوله تعالى: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } الآية .
وحديث المغيرة بن شعبة: قال لجند كسرى يوم نهاوند: { أمرنا رسول ر بنا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية } رواه البخاري) [شرح منتهى الإرادات - (4 / 288)].
2- قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
(معنى الذمة هنا إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة) [الشرح الممتع على زاد المستقنع - (8 / 54)].
3- قال محمد بن أحمد عليش المالكي في منح الجليل:
(وفي الجواهر عقد الذمة التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب عنهم بشرط بذل الجزية والاستسلام منهم ) [منح الجليل شرح مختصر خليل - (6 / 128)].
4- قال ابن سيده:
(وعاهد الذمي أعطاه عهدا، وقيل: معاهدته: مبايعته لك على إعطاء الجزية، والكف عنه ) [المحكم والمحيط الأعظم - (1 / 120)].
فبان من خلال تعريفات أهل العلم لعقد الذمة أنه عقد مرتبط بالجزية وهذا هو سبب تسمية من يدفعون الجزية بأهل الذمة .
قال أبو منصور الهروي:
(وأهل الذمة أومنوا على جزيه يؤدونها فبه سموا أهل الذمة ) [الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي - (1 / 357)].

فصل
في اشتراط الجزية والصغار لصحة عقد الذمة
قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }[التوبة: 29]
اتفق أهل العلم على أن هذه الآية الكريمة هي الأصل في مشروعية الجزية، وهي دالة على التلازم بين الجزية وعقد الذمة من عدة وجوه:
الوجه الأول:
أنها جعلت قتال أهل الكتاب مشروعا إلى أن يدفعوا الجزية كما دل على ذلك مفهوم "حتى" الذي يدل على انتهاء الغاية، ومدلول الغاية قيل بأنه من المنطوق كما ذكر السبكي في جمع الجوامع .
فدلت الآية على أن أهل الكتاب إما أن يدفعوا الجزية وإما أن يعمل فيهم السيف.
الوجه الثاني:
أن الآية دلت على أن الجزية بدل عن القتال وأنها تؤخذ من أهل الكتاب مقابل الكف عنهم وهذا هو مدلول اشتقاقها:
قال القرطبي:
(الجزية وزنها فعلة، من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدي إليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، وهي كالقعدة والجلسة. ومن هذا المعنى قول الشاعر:
يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما فعلت كمن جزى) [تفسير القرطبي - (8 / 114)].
قال ابن القيم:
( واختلف في اشتقاقها فقال القاضي في الأحكام السلطانية اسمها مشتق من الجزاء إما جزاءا على كفرهم لأخذها منهم صغارا أو جزاءا على أماننا لهم لأخذها منهم رفقا) [أحكام أهل الذمة - (1 / 119)].
وقد رد ابن القيم على من زعم بأن الجزية أجرة عن سكنى دار الإسلام فقال:
(ليست الجزية أجرة عن سكنى الدار:
قد تبين بما ذكرنا أن الجزية وضعت صغارا وإذلالا للكفار لا أجرة عن سكنى الدار وذكرنا أنها لو كانت أجرة لوجبت على النساء والصبيان والزمني والعميان ولو كانت أجرة لما أنفت منها العرب من نصارى بني تغلب وغيرهم والتزموا ضعف ما يؤخذ من المسلمين من زكاة أموالهم ولو كانت أجرة لكانت مقدرة المدة كسائر الإجارات ولو كانت أجرة لما وجبت بوصف الإذلال والصغار ولو كانت أجرة لكانت مقدرة بحسب المنفعة فإن سكنى الدار قد تساوي في السنة أضعاف الجزية المقدرة ولو كانت أجرة لما وجبت على الذمي أجرة دار أو أرض يسكنها إذا استأجرها من بيت المال ولو كانت أجرة لكان الواجب فيها ما يتفق عليه المؤجر والمستأجر، وبالجملة ففساد هذا القول يعلم من وجوه كثيرة ) [أحكام أهل الذمة - (1 / 122)].
الوجه الثالث:
أن الآية دلت على أن الغاية من الجهاد هي إسلام هؤلاء الكفار أو دخولهم في الذمة بدفع الجزية .
قال الباجي:
(إذا ثبت وجوب الجهاد فإن غايته أن يدخل الكفار في الإسلام أو يدخلوا في الذمة بأداء الجزية وجريان أحكام الإسلام عليهم والأصل في ذلك قوله تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {وهم صاغرون} ) [المنتقى - شرح الموطأ - (3 / 19)].
وما لم يدخل هؤلاء الكفار في الإسلام أو يدفعوا الجزية فإن قتالهم يظل مشروعا، ومشروعية القتال لا يمكن أن تجتمع مع كونهم من أهل الذمة .
ومن الأدلة من السنة على مشروعية القتال عند الامتناع من الجزية:
ما روى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم:
ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم .....
فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم).
وروى البخاري عن جبير بن حية قال:
( ندبنا عمر واستعمل علينا النعمان بن مقرن حتى إذا كنا بأرض العدو وخرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفا فقام ترجمان فقال ليكلمني رجل منكم فقال المغيرة سل عما شئت قال ما أنتم قال نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرضين تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيا من أنفسنا نعرف أباه وأمه فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية).
***
يتضح مما سبق أن الآية الكريمة ذكرت شرطين من شروط الذمة هما دفع الجزية والتزام الصغار، وكل من زعم بأن الذمة يمكن أن تتحقق دون اجتماع هذين الشرطين فهو معارض لصريح القرآن الكريم والسنة النبوية .

فصل
في بيان أقوال أهل العلم في اشتراط الجزية والصغار لصحة عقد الذمة:
كان أهل العلم دائما في كلامهم حول عقد الذمة يحرصون على ذكر هذين الشرطين فيذكرون الجزية تصريحا ويعبرون عن الصغار بالخضوع لأحكام الإسلام .
وهذه أقوالهم في المسألة:
1- قال المرداوي:
( لا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين بذل الجزية والتزام أحكام الملة من جريان أحكام المسلمين عليهم) [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل- (4 / 167)].
2- وقال بهاء الدين المقدسي:
(ولا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين: أحدهما أن تجعل عليهم جزية في كل حول، والثاني: أن يلتزموا أحكام الإسلام لقوله سبحانه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}) العدة [شرح العمدة - (2 / 219)].
3- وقال أبو إسحاق الشيرازي:
( ولا يجوز عقد الذمة إلا بشرطين بذل الجزية والتزام أحكام المسلمين فى حقوق الآدميين فى العقود والمعاملات وغرامات المتلفات
فإن عقد على غير هذين الشرطين لم يصح العقد والدليل عليه قوله عز وجل {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} والصغار هو أن تجرى عليهم أحكام المسلمين ) [المهذب في فقه الإمام الشافعي - (2 / 253)].
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(يشترط لعقدها – أي الذمة- بذل الجزية والتزام أحكام الملة وأن يعقده الإمام أو نائبه) [المحرر في الفقه - (2 / 182)].
قال السرخسي في تعريف الذمي:
(الذمي من يلتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات) [المبسوط - (12 / 177)].
فتوفر هذين الشرطين لا بد منه ابتداء لصحة عقد الذمة، وانعدام أحدهما لاحقا يؤدي إلى فساد هذا العقد .
وقد نص علة ذلك أهل العلم فقالوا:
1- قال المرداوي:
(إذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام أحكام الملة انتقض عهده) [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد- (4 / 182)].
2- قال بهاء الدين المقدسي:
(وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا مقيمين على ما عاهدوا عليه من بذل الجزية والتزام أحكام الملة فإن نقضوا العهد بمخالفة شيء من ذلك صاروا حربا لزوال عهدهم ) [العدة شرح العمدة - (2 / 219)].
3- قال ابن قدامة:
(إذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام احكام الملة إذا حكم بها حاكم انتقض عهده بغير خلاف في المذهب سواء شرط عليهم أو لا، وهو مذهب الشافعي لقول الله تعالى {حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون} قيل الصغار التزام أحكام المسلمين فأمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة، ) [الشرح الكبير لابن قدامة - (10 / 634)].
4- قال القرطبي:
(لو عاهد الإمام أهل بلد أو حصن ثم نقضوا عهدهم وامتنعوا من أداء ما يلزمهم من الجزية وغيرها وامتنعوا من حكم الإسلام من غير أن يظلموا وكان الإمام غير جائر عليهم وجب على المسلمين غزوهم وقتالهم مع إمامهم. فإن قاتلوا وغلبوا حكم فيهم بالحكم في دار الحرب سواء. وقد قيل: هم ونساؤهم فيء ولا خمس فيهم، ) [تفسير القرطبي - (8 / 114)].
5 قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(وإذا أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده) [الفتاوى الكبرى - (5 / 545)].
***
إذا تقرر ما سبق أدركنا يقينا أن هؤلاء النصارى الذين يدافع عنهم الشيخ محمد حسان لا عهد لهم ولا ذمة لأنهم لا يدفعون الجزية ولا يلتزمون الصغار ولا يخضعون لأحكام الإسلام.
فالقول بأنهم أهل ذمة مع انعدام هذين الشرطين افتراء عظيم في دين الله عز وجل .

فصل
لا يجوز الإمساك عن قتالهم إلا إذا كانو صاغرين
كل من انتقض عهدهم لكونهم لا يدفعون الجزية ولا يلتزمون بالصغار فإن دماءهم تظل مباحة وقتالهم يكون واجبا وهذه أقوال أهل العلم في ذلك:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
( قوله تعالى: { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون } [ التوبة: 29 ]
فأمرنا بقتالهم إلى أن يعطوا الجزية و هم صاغرون و لا يجوز الإمساك عن قتالهم إلا إذا كانوا صاغرين حال إعطائهم الجزية و معلوم أن إعطاء الجزية من حين بذلها و التزامها إلى حين تسليمها و إقباضها فإنهم إذا بذلوا الجزية شرعوا في الإعطاء و وجب الكف عنهم إلى أن يقبضوناها فيتم الإعطاء فمتى لم يلتزموها أو التزموها أولا و امتنعوا من تسليمها ثانيا لم يكونوا معطين للجزية لأن حقيقة الإعطاء لم توجد) [الصارم المسلول - (1 / 16)].
2- ونبه شيخ الإسلام ابن تيمية على وجوب القتال إلى أن يحصل الصغار، وأن عقد الذمة في حال انعدام الصغار يعتبر عقدا فاسد، فقال رحمه الله:
(و إذا كان قتالهم واجبا علينا إلا أن يكونوا صاغرين و ليسوا بصاغرين كان القتال مأمورا به و كل من أمرنا بقتاله من الكفار فإنه يقتل إذا قدرنا عليه، و أيضا فإنا لو كنا مأمورين أن نقاتلهم إلى هذه الغاية لم يجز أن نعقد لهم عهد الذمة بدونها و لو عقد لهم (كان) عقدا فاسدا فيبقون على الإباحة ) [الصارم المسلول - (1 / 16)].
3- ووافقه في ذلك تلميذه ابن القيم فقال:
(إذا كنا مأمورين أن نقاتلهم إلى هذه الغاية لم يجز أن نعقد لهم عهد الذمة بدونها ولو عقد لهم كان عقدا فاسدا) [أحكام أهل الذمة - (3 / 1378)].
4- وقال ابن القيم أيضا:
(أما حبل الله سبحانه فإنه إنما اقتضى الأمر بالكف عنهم إذا كانوا صاغرين فمتى لم يوجد وصف الصغار المقتضي للكف منهم وعنهم فالقتل للمقدور عليه منهم والقتال للطائفة الممتنعة واجب) [أحكام أهل الذمة - (3 / 1378)]
5- كما صرح ابن حزم بإباحة دم أهل الذمة إن لم يلتزموا بالصغار فقال:
(وأما الصغار عليهم فإن النص قد ورد بإلزامه إياهم فكل ما وقع عليه اسم صغار فنحن نأتيه فيهم إلا ما منعنا منه نص أو إجماع فقط ولذلك أبحنا دماءهم إن ركبوا فرسا أو حملوا سلاحا أو تكنوا بكنى المسلمين أو تشبهوا بهم أو سبوا مسلما أو أهانوه أو خالفوا شيئا من الشروط التي قد جمعناها في كتاب ذي القواعد لأنه عموم واجب أخذه كله) [الإحكام لابن حزم - (3 / 406)].
6- وقال ابن حزم في بيان مشروعية قتل الذمي إذا ضرب المسلم:
(وأما الذمي - إذا أضر بمسلم، فلقول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فإنما حرمت دماء أهل الكتاب بالتزام الصغار، فإذا فارقوا الصغار فقد برئت ذمتهم، وسقط تحريم دمائهم، وعادت حلالا كما كانت، لأن الله تعالى أباح دماءهم أبدا إلا بالصغار، فإذا لم يكن الصغار فدماؤهم لم تحرم، وهم إذا أضروا بمسلم فلم يصغر وهم وقد أصغروه، فدماؤهم حلال ) [المحلى - (11 / 401)].

فصل
في معنى الصغار المذكور في الآية
تقرر عند أهل العلم أن عقد الذمة له شروط لا بد من استيفائها
وقد نصت الآية على شرطين أحدهما اتفق أهل العلم على شرطيته وعلى مدلوله وهو الجزية، والثاني اتفقوا على شرطيته واختلفوا في تفسيره وهو الصغار .
وهذه أقوال أهل العلم في تفسير الصغار:
القول الأول: أنه الخضوع لأحكام الإسلام
1- قال البيهقي:
(قال الشافعي: وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذي يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله عز وجل، وعليه أن يقيمه، واحتج بقول الله عز وجل { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} قال: كان الصغار والله أعلم أن يجري عليهم حكم الإسلام ) [السنن الصغير للبيهقي - (8 / 103)].
2- قال ابن القيم:
(والصواب في الآية أن الصغار هو التزامهم لجريان أحكام الملة عليهم وإعطاء الجزية فإن التزام ذلك هو الصغار) [أحكام أهل الذمة - (1 / 121)].
3- وفي تفسير الجلالين:
({حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة}: الخراج المضروب عليهم كل عام
{عَنْ يَد}: حال أَيْ مُنْقَادِين أَو بِأَيديهم لَا يُوَكَّلُون بها
{وَهُمْ صَاغِرُونَ}: أذلاء منقادون لحكم الإسلام) [تفسير الجلالين - (3 / 271)].
4- قال تقي الدين بن محمد الحسيني الحصيني:
(قال الرافعي والأصح عند الأصحاب تفسير الصغار بالتزام أحكام الإسلام وجريانها عليهم وقالوا أشد الصغار على المرء أن يحكم عليه بما لا يعتقده ويضطر إلى احتماله والله أعلم) [كفاية الأخيار - (1 / 512)].
القول الثاني: أن تؤخذ منهم على هيئة فيها صغار ومذلة:
1- روى الترمذي في السنن:
(حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن ابي البختري: أن جيشا من جيوش المسملين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصرا من قصور فارس فقالوا يا ابا عبد الله الا ننهد إليهم ؟ قال دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعوهم فأتاهم سلمان فقال لهم إنما أنا رجل منكم فارسي ترون العرب العرب يطيعونني فإن اسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون قال ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين)
قال الترمذي: و حديث سلمان حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب وسمعت محمدا يقول أبو البختري لم يدرك سلمان لأنه لم يدرك عليا و سلمان مات قبل علي
2- وقال الجصاص:
(قوله تعالى {عن يد وهم صاغرون} فأمر بأخذها منهم على وجه الصغار والذلة ....ومتى أخذناها على غير هذا الوجه لم تكن جزية لأن الجزية هي ما أخذ على وجه الصغار) [أحكام القرآن للجصاص - (4 / 295)].
3- وقال سراج الدين بن عادل الحنبلي :
(قوله { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي: تؤخذ الجزية منهم على الصغار والذل والهوان، يأتي بها بنفسه ماشياً لا راكباً، ) [اللباب في علوم الكتاب - (8 / 257)].
4- وقال ابن كثير:
(وقوله: { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } أي: إن لم يسلموا، { عَنْ يَدٍ } أي: عن قهر لهم وغلبة، { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي: ذليلون حقيرون مهانون. فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صَغَرة أشقياء، كما جاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"
ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ، من رواية عبد الرحمن بن غَنْم الأشعري) [تفسير ابن كثير - (4 / 133)].
5- قال الباجي:
( فإنها إنما تؤخذ من أهل الكفر على وجه الصغار لقوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فليس فيها تطهير من أخذت منه، وإنما هي إذلال وصغار له) [المنتقى - شرح الموطأ - (2 / 134)].
6- قال محمد بن محمد البابرتي:
(أداء الجزية لم يشرع إلا بوصف الصغار) [العناية شرح الهداية - (8 / 102)].
7- وقال ابن القيم في تعريف الجزية:
(مال مأخوذ من الكفار على وجه الصَغَار فى كل عام.) [زاد المعاد في هدي خير العباد - (3 / 643)].
8- وقال ابن القيم أيضا:
(وأما قوله عن يد فهو في موضع النصب على الحال أي يعطوها أذلاء مقهورين هذا هو الصحيح في الآية) [أحكام أهل الذمة - (1 / 119)].
ولما كان الصغار ملازما لدفع الجزية نص أهل العلم على عدم قبول الجزية من أهل الذمة إذا دفعوها بهيئة تنافي الصغار، كما قال في الإقناع:
(ولا يقبل منهم إرسالها مع غيرهم لزوال الصغار كما لا يجوز تفريقها بنفسه بل يحضر الذمي بنفسه ليؤديها وهو قائم وليس للمسلم أن يتوكل لهم في أدائها ولا أن يضمنها ولا أن يحيل الذمي عليه بها ) [الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل - (2 / 45)].
القول الثالث: أن دفع الجزية هو الصغار نفسه
ومن أدلة هذا القول ما ورد في تفسير قوله تعالى {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} من أن المقصود به الجزية .
قال ابن جرير الطبري:
( و"الذلة" هي الصغار الذي أمر الله جل ثناؤه عباده المؤمنين أن لا يعطوهم أمانا على القرار على ما هم عليه من كفرهم به وبرسوله - إلا أن يبذلوا الجزية عليه لهم، فقال عز وجل:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِر وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [ التوبة: 29] كما: -
1088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: {وضربت عليهم الذلة}، قالا يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون) [تفسير ابن جرير ].
ومن أدلة هذا القول ما نقله ابن رجب في كتاب الاستخراج حيث قال:
(وروى يحيى بن آدم من طريق قتادة عن سفيان العقيلي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى أن يشتري أحد من أرض الخراج أو رقيقهم شيئا وقال لا ينبغي للمسلم أن يقر بالصغار في عنقه .
ومن طريق كليب بن وائل قال قلت لابن عمر رضي الله عنهما اشتريت أرضا قال الشراء حسن قلت فإني أعطي من كل جريب درهما وقفيزا من طعام قال لا تجعل في عنقك الصغار .
ومن طريق ميمون بن مهران عن عمر رضي الله عنهما قال ما يسرني أن لي الأرض كلها بجزية خمسة دراهم أقر فيها بالصغار على نفسي .
ومن طريق جابر الجعفي عن القاسم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال من أقر بالطسق فقد أقر بالصغار يعني بالطسق الخراج .
وخرج أبو عبيد من طريق شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال تبعنا ابن عباس رضي الله عنهما فسأله رجل قال إني أكون بهذا السواد فاتقبل ولست أريد أن أزداد ولكني أدفع عني الضيم فقرأ عليه ابن عباس {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} إلى قوله {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تنزعوه من أعناقهم وتجعلوه في أعناقكم ) [الاستخراج لأحكام الخراج - (1 / 103)].
وقال الطاهر بن عاشور في تفسيره:
({وَهُمْ صَاغِرُونَ} حال من ضمير يعطوا.
والصاغر اسم فاعل من صغر - بكسر الغين - صغرا بالتحريك وصغارا. إذا ذل، أي وهم أذلاء وهذه حال لازمة لإعطاء الجزية عن يد) [التحرير والتنوير - (10 / 68)].
***
وهناك تفسيرات أخرى للصغار ترجع كلها إلى هذه الأقوال الثلاث .
وهذه الأقوال لا تعارض بينها وكلها صحيحة، فالخضوع لأحكام الإسلام من الصغار الواجب على أهل الذمة، وإعطاؤهم للجزية ينبغي أن يكون على هيئة فيها صغار وخضوع وذلة لا كبر أو مساواة أو ندية، ودفع الجزية هو نفسه صغار و ذلة على أهل الذمة .


رد مع اقتباس