عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 06-14-2011, 10:53 PM
أم هجرة أم هجرة غير متواجد حالياً
عضو فعال
 




افتراضي

باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله ومن تبع هداه ثم أما بعد:


أبدأ مستعينة بالله سائلته التوفيق والسداد في سرد قصتي
مع الآية الكريمة :[يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا]
سورة البقرة (104)

بعد ما سبق من توطئة بين يدي قصتي عرَّضت فيها ببعض
من شمائل معلمتي –رحمها الله تعالى-أسرد لكم قصتي هذه
غير خَجْلى من أحداثها ؛ بل من شدة تأثيرها في أعماقي كثيرا
ما أتلمس السبيل لاجترار أحداثها كما أفعل الآن لعل الله ينفع
سامعا لها كما نفعني ،وما هذه القصة إلا مثلٌ لسمتها وهديها
-رحمها الله-في التوجيه والتعليم والتأديب ....
ولئلا أتشعب في لجة الذكريات العطرة أباشر بالسرد:

((كنا يوما في المجلس معها ملتفات حول منضدة قريبة من الأرض
لا يتعدى عددنا أصابع اليد الواحدة عداها-متذكرة أنا كافة
الوجوه التي حضرت بل وموضع كل منا حولها فالذكرى حية في
مخيلتي- مع كل واحدة مرجع تبحث فيه عن طرف لمسألة كنا
نباشر في جمع أقوال أهل العلم فيها ، وكانت مسألة فقهية على ما
أذكر وكانت –رحمها الله -بعد جمع ما تيسر لنا من أقوال لأهل
العلم تسمح لنا بالنقاش لتوضح كل منا أي هذه الأقوال اتبعتْ
ولِمَ ، وتسمح برد أخرى عليها بسرد الأدلة المعارضة
والتي استدل بها علماء آخرون يضعفون بها استدلال الفريق الأول وهكذا….

وأذكر أنني تبنيتُ قولا فيما هن قد أجمعن على تبني خلافه فكنت أسوق أدلة
من أستدلُ بقوله من أهل العلم باذلة قصار جهدي لتوضيح السبب الذي
رجح عندي هذا القول دون الآخر ولما انتهيت باشرتْ- رحمة الله عليها-
بالتعليق وسرد الأقوال فعلمتُ أني لم أُوفق في عرضي للمعلومة
كما كنتُ أبغي ؛ فاستأذنتُ لأتكلم وأذنتِ لي فقلتُ لها:
[حضرتكِ لم تفهمي ما أعني إنما عَنيتُ كذا وكذا….]
فتركتني حتى أتممتُ حديثي ، ثم باشرتْ في القراءة مطرقة الرأس
وكأنها سرحى في ذهنها ما يشغلها ،ثم رفعت رأسها ،ونظرت
إلى الأمام وكنت عن يمينها، وقالت:
إن مما ينبغي علينا كمسلمات فضلا عن طالبات للعلم –
تجنب بعض المفردات اللغوية والتي ليست في ذاتها تحمل
معنًى سيئا إلا إنها قد تُوحي بمعنًى غير لائق فيجدر بنا العدول
عنها واستخدام مرادفا لها لا يحتمل لمعنًى غير لائق-والحمد لله الذي جعل لغتنا
العربية من أثرى اللغات بالمفردات و المترادفات ومثلتْ لنا -رحمها الله -قائلة:

1-كلمة (وَسِخ) من الأفضل العدول عنها إلى (غير نظيف)
فنقول:(الثوب غير نظيف)

2 -كلمة (خطأ) من الأفضل العدول عنها إلى (غير صحيح) فنقول:(هذا
القول غير صحيح)

3-تعبير(لم تفهمني) من الأفضل العدول عنه إلى:(هل وُفقتُ
في التعبير عما أقصد)أو ما شابه حسب السياق؛ وذلك لأن
التعبير الأول متضمن لمعنى الانتقاص من قدرة المخاطَب على الفهم.

4-كلمة(أكره) من الأفضل العدول عنها إلى (لا أحب)
فتكون ألطف في التعبير وليس فيها شديد دفع أو تنفير.

كما أنها مثلت ببعض الكلمات بلهجتنا المحلية والتي قد لا تحتمل معنًى غير لا ئق
في بلد آخر فمرد الأمر إلى العرف غالبا بالنسبة لهذا الأدب.

الشاهد :

أنني أدركت في الحال المغزى من الحديث، ومن هذا التوجيه رغم أنها لم
تخصني بالنظر حال كلامها ولا وجهت لي الكلام خاصة-ومن نافلة القول وصف
ما شعرتُ به آنذاك من خجل شديد ، وسخونة ،وغزير عرق في يومٍ
أذكر أنه شاتٍ من تعليق لأخت كانت تجاورني أتشعرين بالحر في مثل هذا اليوم‍‍ ‍‍!!
ولم أحاول التعذر لها بأن هذا التعبير من لزمات لساني لسبب هي تعلمه ولكنها
-رحمها الله-لعلها نسيته آنذاك، كما و أنني لا يمكن أبدا أن أقصد الانتقاص من
فهمها الذي كان كثيرا ما يبهرني ...!!

ولأنها مربية أريبة شعرت بما يعتلج في صدري
فعاودت استكمال الدرس بخفة وأدارت المناقشات حول ما كنا نتدارسه لافتة
انتباه الحضور إليها واهبة لي فسحة من الوقت لأتمالك شعوري وأجمع شتات نفسي
وأعاود المشاركة كأن شيئا لم يكن ، وكنت أشعر بها تتعهدني بناظريها بين الفينة
والأخرى كأنها تُربِّتْ عليّ وتواسيني -وإن لم أباشر النظر إليها- أعلم أنها ما أرادت
- رحمها الله - تحريجي ، بل هي تربينا جميعا وتأدبنا بما تعلم أنه لازم لنا .

ومن ذلك الحين انتهيت عن استعمال هذا التعبير كلما شعرتُ أن فيه تنقص
للمخاطَب في مقام ما ،ولم أنسَ هذا الدرس- رغم مرور السنوات الطوال-
لم أنسَ توجيهها الحازم الحنون ليََّ قط ... وأخذت أراعي استخدام المفردات
المناسبة في المقام المناسب وأتجنب المفردات المحتَمِلة- ما استطعت إلى ذلك سبيلا-
وقد أفادني الله بهذا الدرس فوائد لا يعلمها إلا هو سبحانه .

وبعد هذه الواقعة مرت سنة وسنة ، وتباعدت اللقاءات بسبب ظروف كل منا
وكنا في رمضان وكنت أقرأ في تفسير السعدي وممرت على تفسيره لهذه الآية:
[يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا] سورة البقرة (104)
فإذا بي أجد أن كلامها- رحمها الله-لم يخرج عما في التفسير حيث قال –رحمه الله تعالى-:

((…ففيه النهي عن الجائز إذا كان وسيلة إلى محرم ،وفيه الأدب واستعمال الألفاظ
التي لا تحتمل إلا الحسن،وعدم الفحش،وترك الألفاظ القبيحة،أو التي فيها نوع تشويش
أو احتمال لأمر غير لائق فأمرهم بلفظة لا تحتمل إلا الحسن…))انتهى
كتاب:(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) تأليف الإمام العلامة :
عبد الرجمن بن ناصر السعدي/ص61/المجلد الواحد.

فسارعتُ إلى تدوين ما ساقته لنا من أمثلة تطبيقية في حاشية الكتاب مخططة بالقلم
[الرصاص] تحت هذه السطور، معتقدة أن المعلمة- رحمة الله عليها- أرشدتنا
إلى هذا الأدب مقتدية بما أورده السعدي في تفسره ، ولكن مهلا ..لم يكن من عادتها
ألا تذكر سلفا لما تحدِّث به إذا علمته؟ّ
وعقدتُ العزم على سؤالها بهذا الصدد، ويشاء الله تعالى أن يكون اللقاء
أقرب مما ظننت وألتقيتها عند إحدى أخواتنا على الإفطار في نفس الأسبوع ،
وتحينت فرصة وسألتها -بعد أن ذكرتها بالواقعة-
هل قرأتِ تفسير الآية للسعدي ؟
فقالت :أن لا
فأحضرت لها التفسير وأطلعتها على كلام الشيخ فسعِدت –رحمها الله-
به أيما سعادة لحرصها على أن يكون لها سلف في كل كلمة تقولها
حتى لو كانت من العرف ،وحمدتِ الله على التوفيق...!!
وسعدتُ لسعادتها وما زلتُ حتى اليوم أتحين الفرص لأقص هذه الواقعة
لعل الله ينفع بهاوتعيها أذن واعية.

رحمة الله عليها. كم من أيادٍ لها علينا؛ فاللهم :
اجزها عنا خير الجزاء وألحقنا بها على خير ما تحب وترضى.


وما أصدق قول الشاعر:

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أمــواتُ

ففزْ بعلمٍ تعشْ حيًا به أبـــدا *** النـــاس موتى وأهل العلم أحياء.
التوقيع

رد مع اقتباس