11-14-2007, 09:59 AM
|
|
-4-
القشة التي قصمت ظهر البعير
انتظرت مجيئه بفارغ الصبر .. هناك شيء في كياني تزعزع .. هزة عنيفة جعلت من توازني يختل !! جاء أخيراً ليأخذنا من هذا المكان المشؤوم ! ركبنا جميعا في السيارة ! فتحت فاهي لأخرج ما تراكم فيه من صدمات اليوم .. ثم تراجعت .. أطبقت فمي وأنا أرتجف .. شعرتُ متأكدةً بأن نظراتهم سهام مسلطة عليّ !
بدأ الهمس ! فضلت السكوت كالمعتاد .
.
عدنا إلى منزلنا ... دخلت .. هناك تغيير داخلي يعبث بطمأنينتي توضأت واتجهت نحو القبلة .. ثم كبرت للصلاة .. توقفت لا شعورياً .. تذكرت ما حدث بسرعة !! لقد عاودتني الأحداث الغريبة التي رأيتها وسمعتها اليوم !!
تركت صلاتي وقد أصابني الهذيان .. ذهبت إليه .. إني أرتجف .. قلت له وذهول صوتي بالكاد عرف طريق الخروج :
- هل .. هل تعرف ما حدث اليوم ؟ سوف تفاجأ ! سوف .. سوف تُصعق .. بلا شك
نظر إلي بنظرة غريبة لم أعهدها من قبل .. نظرة رهيبة وهدوء أكثر من المعتاد .. ثم قال .. ماذا حدث ؟؟
وأشاح بنظره بعيداً عني !!
اصطكت أسناني ببعضها حتى خِلتُ أن العالم يسمعها .. انتابني الفزع الشديد !!
حكيت له القصة بحذافيرها والانفعال قد ترك بصماته جلية على وجهي المصعوق ... مابين هلعٍ وضحك
بكل برود وجمود قال :
-اذهبي لتكملي صلاتك ... اذهبي ..!!
حلفت له مرة أخرى بتتابع يتفجر من خلاله الرعب الذي أحاط بي أن هذا هو ما حصل بالفعل ..
وقد توقعت منه عدم التصديق .. فبالتأكيد أنه يعتقد بأني أمزح معه !! نعم بالتأكيد
قال مرة أخرى وقد انخفض صوته وشعرت فيه بالتأنيب وبدا عليه الارتباك :
حسنا حسناً ... اذهبي الآن وأكملي صلاتك !!
نعم هو سيفهم ويقدر ! إذا لم يقدر الزوج ويتفهم فمن إذاً ؟؟
انتظرت منه أن يهدئ الوضع .. أن يذم عمل هؤلاء الناس ويعدني بألا يذهب إليهم مرة أخرى ! وألا يذرف دمعة في حقهم ... انتظرت طال انتظاري !! لا فائدة !
ما به ممتقع الوجه ؟ هل صعق ؟ هل أصابه مثلما أصابني عندما سمعت ورأيت ؟ ما به ؟ لا ردة فعلٍ معاكسة حتى الآن ؟؟
حلفت للمرة الأخيرة بأن المرأة تتحدث عن الصوفيين .. وتدعو إلى تقديسهم وتبجيلهم !! وعن حياتهم وولائهم لله تعالى ... وعن أرواحهم التي تساعد الناس مع أنهم أموات !! وعن شفاعتهم وأن لهم أقطاباً وأعواناً وأغواثاً لا نراهم نحن ؟!! وأشياء عحيبة غريبة ! لا يصدقها العاقل .. هل تصدق ؟؟!!
فقاطعني بصوتٍ علا نسبيا وانتابه بعض الغضب :
وماذا تعتقدين في الصوفيين إذاً ؟؟
فسألته وقد تسمرت مكاني وأنا أرقبه
- ما هذا السؤال ؟ لم أفهم لم أعِ مرامك منه !!
فقال حانقاً هائجاً :
- الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون هم أئمة الصوفية وزعماؤها
لا .. لا .. لا مسكين إنه يهذي بلا شك !! فالنوم القليل يؤثر سلباً في مزاج صاحبه !! لا .. لا .. فقلت بين مصدقة ومكذبة لرده المفاجئ :
- هذا اعتقادٌ خاطئ .. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ......
قاطعني بتحدٍ والشرر يتطاير من عينيه الناريتين .. والحقد يبدو جلياً في قسمات وجهه
- الصوفيون هم أفضل الناس .. هم الأولياء الصالحون والمقربون إلى الله . أم أنك تعتقدين أن أهل السنة هم الأسوياء الصالحون ؟؟ إنهم أهل الكفر والضلال وإباحة وتحريم الحلال !!
ما الذي يجري في هذا المكان وفي رأسي ؟ من أكون أنا ؟ ومن يكون هؤلاء ؟! خرجت كلماتي تتسارع وتتقاذف من فمي :
- لا .. لا .. أهل السنة هم ....
وفجأة سكتٌّ !!! هل أطبقت السماوات على الأرض ؟ من يكون هذا الرجل الذي يخاطبني ؟ وقفت بين وعيٍ وإغماءٍ لا أدرك شيئاً !! نظرت إليه بكل حسرةٍ وسكرات الموت تداعبني ! المنزل يدور بي في كل الأرجاء ! قدماي !! هل أقف عليهما ؟! هل تتقاذفني أمواج الحقيقة التي بدأت أكتشفها في التو واللحظة ؟!
فسألته بوجل يعقبه تأكيد لسؤالي :
- هل تعني أنك من الذين يدافعون عن هذا المذهب ؟؟
لم يجد بداً من السكوت ! أعدت عليه سؤالي ثانية :
- هل تؤيد هذا المذهب ؟؟!!
أدار ظهره بسرعة .. لقد طعنني في الصميم .. خان وفائي وصدقي وحُسن نيتي .. كذب علي متعمداً
- هل هل أنت صو ... صوفي ؟؟!!
اختفى صوتي شيئاً فشيئاً
أجب عن سؤالي .. انظر إلي .. هل أنت صوفي ؟ هل أهلك جميعهم صوفيون ؟؟
ليته لم يرد ! ليته حينما رد نفى سؤالي وقال لا ولو بصوت منخفض !! ليته طعنني في أعماقي ألف طعنة ! ليته مزقني إرباً إرباً قبل أن يجيب بصوتٍ كالفحيح وبنظراته الجنونية وقد بلغ الصبر حده ..
- نعم .. نعم .. أنا صوفي وأهلي جميعهم صوفيون وكل أقاربي ينتمون إلى المذهب الصوفي .. نحن لسنا بسنيين !!
نحن أهل الهدى والصلاح ! وأنتِ من أهل الضلال والكفر
تناثرت أشلائي أدركت الآن مضمون الكتب التي كان يرسلها إلي خفية حتى لا يراها أهلي !!
علمت متأخرة بأن ما أصابني لم يكن ليخطئني !
رفعت وجهي المبلل بالدموع واختنقت كلماتي وأنا أقول :
- هل كنت على علم بأنني سنية ؟ تكلم .. تكلم !!
نعم .. نعم .. كنت على علم بذلك ! قلت له باكية :
- فلماذا تزوجت بي إذاً ؟؟ لماذا خدعتني ؟ لماذا أخفيت حقيقتك كاملة حتى تمكنت مني ؟ لماذا لم تصارحني منذ البداية حتى نفترق ؟!
فقال واثقا :
- حتى أخرجك مما أنت فيه من أوهام وضلالات فاحمدي الله أن سخرني لك ...
وضعت يدي على أذني وأنا أصرخ به :
كفى .. كفى .. كفى .. لا أريد سماع صوتك .. اتركني وحدي اتركني اتركني
وانحدرت دموع الخوف .. بدأ قلبي يتوقف عن النبض شيئاً فشيئاً .. انتشر ظلام الرعب يكتنف المكان ! خانتني قدماي فوقعت أرضاً تباطأ الزمان !اختفى صوت العالم من حولي ..
انتهى الحديث المشئوم ! اكتشفت اللعبة .. كم هي دنيئة !! إن الخيانة في النوايا هي أسهل عملٍ يمكن أن يعمله هذا الصوفي الماكر !!
- ولماذا ؟ لماذا ؟ لماذا ؟
ابتعدت عنه وأنا كطفلة رضيعة لم تتعلم المشي بعد ! زحفت على كربتي لقد تمثل لي شيطاناً بشراً إنه مخادع خدعني وأهلي !!
حاولت ربط الأمور بعضها , تذكرت قوله أنه لا يحب الذهاب إلى المساجد حتى لا يحتك بأهلها ! إنه يعني ( أهل السنة ) بالطبع .. وهيهات أن يتفقا وشتان ما بين السنة الطاهرة والصوفية النتنة !!
أدركت سبب مجيئه من المسجد وهو يحمل أحقاد العالم علينا ! لأن الخطبة لم تعجبه ولم تؤيد مذهبه ! نعم ... ولكن فهمي كان متأخراً جداً ! عاودتني الأحداث السابقة ! فهمت الحقيقة التي كانت تختبئ خلف شمس الخداع والمكر !!
منعني من الاتصال بأهلي ومهاتفتهم !! أصبح علي كالرقيب العتيد حتى لا لأفضح أمره وأهله !! اعتزلته في الطعام والمجلس والمنام !
حاول بعدها إغراقي فيما هم فيه غارقون !! عذبوني كثيراً !! قطعوا صلتي بالعالم الآخر .. لقد أفرطوا في إيذائي .. الكل يحمل عليّ أصناف من الغيظ لحشمتي وترفعي عن غيهم ... نعتوني بالمعقدة ! ألأنني نشدت العفاف ؟؟!!
لقد حفظني الله منهم ورعاني برحمته .. الجميع ضدي .. الكل يشير عليّ بالبنان المدجج بالعداء بأن هذه الفتاة سنية !! إذاً فقد أخرجوني من الملة !! الجميع يحذرني
كم تضرعت إلى الله باكية أن يبقي على إيماني وهدايتي .. بكيت في ثنايا الليل وفي غسق الدجى ...
يتبع
|