عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 09-15-2010, 01:08 PM
أبو عبد الله الأنصاري أبو عبد الله الأنصاري غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي اثر دعوة الشيخ فى الداخل والخارج

أثر دعوة الشيخ في البلاد النجدية

العلامة الشيخ أحمد بن حجر بن محمد آل أبو طامي

1. قضت هذه الدعوة المباركة،قضاءاً تاماً ،على ما كان شائعاً في ((نجد)) من الخرافات،وما كان شائعاً من تعظيم القبور والنذر لها،والاعتقاد في بعض الأشجار ، وأحيت معالم الشريعة بعد اندثارها.
2. إن أهل نجد ، قد رجعوا إلى التوحيد الخالص من شوائب الشرك والوثنية،كما رجعوا إلى الكتاب والسنة المطهرة ، وحكموها في جليل الأمور وحقيرها.
3. كانوا متفرقين ، لا تجمعهم رابطة ،ولا يجمعهم حكم شرعي ، ولا قانوني ، بل كانوا مختلفين ومتفرقين ، في المشارب والمنازعات .
فوحدت هذه الدعوة كلمتهم ، وجمعت شملهم ، وجعلتهم تحت راية واحدة وأخضعتهم لسلطان واحد ، يسوسهم بكتاب الله المجيد ، وسنة رسوله .
4. كانوا في نهاية من الجهل والغباوة ، إلى حد أن اعتقدوا في الأشجار والغيران .
فنشرت الدعوة فيهم ، علوم الشريعة المطهرة وآلاتها ، من التفسير ، والحديث ، والتوحيد، والفقه والسير ،والتواريخ، والنحو ، وما إلى ذلك من العلوم
وأصبحت الدرعية ، كعبة العلوم والمعارف ، يفد إليها طلاب العلوم من سائر النواحي من أرجاء نجد ،واليمن ، والحجاز ، والخليج العربي ، وانتشر العلم في جميع الطبقات ، حتى قال المؤرخين : أصبح الراعي يرعى المواشي في الفيافي ، ولوح التعليم في عنقه .
حتى من قوة انتشار العلم وسريانه ، ظهر العلماء الراسخون ،وألفوا الكتب القيمة في مختلف العلوم ، بعد ذلك الجهل العظيم الذي خيم على أرجاء نجد وتركها تتخبط في دياجير الظلمات والأوهام .
5. انتشر الأمن في جميع أرجاء نجد ، حتى كان الماشي والراكب ، يمشي المسافات الطويلة ، ذات الليالي والأيام، لا يخاف إلا الله ، ولو كان عنده من الأموال ما تنوء بحملها عصبة من الرجال .
6. لم تكن نجد معروفة لدى الأمم، وكانت حقيرة وليس لها حساب ولا ميزان،ولا قيمة ، ولم يكن لها ملك،ولا حاكم معروف ، ما عدا بعض الأمراء الصغار الذين كانوا يحكمون قرية أو قريتين . فأصبحت نجد ببركة هذه الدعوة مملكة موحدة طار صيتها في الآفاق ،ووضعت في صف الأمم .
وكانت الدولة إذ ذاك الدولة العثمانية ، حسبت لها ألف حساب وحساب وخافت على سلطتها وسيطرتها من هذه الدولة السعودية المباركة ، حتى جرت الجيوش الجرارة لمحاربتها ، وإماتتها.
7. إنه بقي من آثارها ، هذه الدولة السعودية الحاضرة الممتد سلطانها من الخليج العربي شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً .
دولة الكتاب والسنة والتوحيد النقي ، دولة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دولة نشرت العدل والأمن والسلام .
دولة عززت من مركز العلم ، وقامت بنشره بين جميع أفراد الرعية ، وكل من يفد إليها .
فأسست المعاهد العلمية والكليات ، والمدارس وأنفقت الأموال الطائلة للمدرسين والدارسين ، سواء كانوا من الوطنيين ، أو غيرهم .
دولة تمثل الصدر الأول والسلف الصالح ، في أحكامها وهيمنتها على الأخلاق ، وتحكيمها للكتاب والسنة.
دولة تسهر على مصالح الرعية ، وتعمل لرفاهية الشعب ومحاربة الفقر ، ورفع مستوى المعيشة ، كما تسهر على راحة الحجاج ، وبذل جميع الوسائل لرفاهية الحجاج ، وتذليل جميع العقبات أمامهم ، وترغيبهم في العودة المرة بعد المرة ، إلى الحج بيت الله الحرام ، وزيارة المسجد النبوي ، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام .
وبالجملة فهي أحسن الدول العربية في تحكيم الشرع ، ونشر الأمن والعدل والعلم ، ومحاربة أهل البدع والضلال ، والأخذ على أيدي السفهاء والعابثين بالأخلاق ، والمنتهكين الحرمات .أيدها الله ، ووفقها للخير والنفع العام .

اثر الدعوة فى الخارج
انتشرت دعوة الشيخ في الخارج نجد من أجل استيلاء الدولة السعودية على مكة المكرمة سنة 1218هـ وأصبح حجاج البلاد الإسلامية يفدون إلى مكة المكرمة ويشاهدون علماء هذه الدعوة الحقة، ويستمعون خطبهم ومواعظهم وإرشاداتهم السديد وتوجيهاتهم القيمة ، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك ، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة ، ونشر الأمن والعدل والإنصاف .
فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ ، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد ، ويحارب الخرافات الشائعات في بلاده ، كما قام بضد القبوريين ، والداعين إلى تقديس القبور ، وبناء القباب عليها .
فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان في إفريقيا وسومطرة ، في آسيا والهند .
كما انتشرت في العراق والشام ومصر والجزائر وجاوة ، وعمان ، وفارس .
وكان هدف رعاتها في كل مكان تحل به ، هو محاربة الفساد ، والقضاء على البدع والخرافات،وتصحيح العقيدة الدينية .
فقامت الثورات على يد دعاة الوهابيين ، ضد الأوضاع السائدة في البلاد .
أما في السودان فقد كان الداعية هو الشيخ عثمان بن فودى ، أحد أفراد قبيلة الفولا ، وهي من قبائل رعاة السودانيين ، فإنه بعد التقائه بعلماء الدعوة في موسم الحج ، وبعد اعتناقه المبادئ التي دعا إليها الشيخ – عاد إلى بلاده وأخذ يحارب البدع الشائعة بين عشيرته وقومه ، ويعمل للقضاء على بقايا الوثنية وعبادة الأموات التي كانت لا تزال مختلطة بالعقيدة الإسلامية ، في نفوس السودانيين ، وأخذ ينشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة ، ويذيع مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فاستطاع أن يجمع حوله ، قبيلته في وحدة متماسكة ،مرتبطة برباط الدين المتين ،بعد أن كانت منقسمة إلى عدة وحدات ضعيفة متخاذلة .
وبعد ابتدأ حروبه سنة 1802م ضد قبائل الهوسا الوثنية ، وقضى على مملكة غبر ، التي كانت على مجرى نهر النيجر .
وما مضت سنتان ، حتى أقام عثمان مملكة ( سوكوتو ) في السودان على أساس من الدعوة الدينية الوهابية ، ومدت رواقها على جميع الأقطار الواقعة بين ( تمبكتو ) وبحيرة ( تشاد) ، وبقيت محافظة على استقلالها ووحدتها نحو القرن ، حتى استطاع الاستعمار الأوربي ، أن يقضي على ما كان لها من استقلال ووحدة .
وكما غزت الدعوة الوهابية السودان ، وكذلك غزت الدعوة بعض المقاطعات الهندية ، بواسطة أحد الحجاج الهنود ، وهو السيد أحمد .
وقد كان الرجل من أمراء الهند ، وذهب إلى الحجاز ، لأداء فريضة الحج بعد أن اعتنق الإسلام ، سنة 1816م.
فلما التقى بالوهابيين ، في مكة اقتنع بصحة ما يدعون إليه ، وأصبح من دعاة المذهب الذين تملكهم الإيمان ، وسيطرت عليهم العقيدة .
ولما عاد سنة 1820م – إلى وطنه في الهند بجهة البنغال ، وجد ميداناً صالحاً للدعوة ، بين سكان المنطقة من الهنود المسلمين ، الذين ،اختلطت عقائدهم وتقاليدهم الدينية ،بالكثير من عقائد الهندوس وعوائدهم.
فابتدأ الدعوة في مدينة (بتين ) ودعا إخوانه المسلمين ليؤمنوا بمبادئ الإسلام الصحيحة ، ويتركوا البدع والعقائد الهندوسية ، التي كانت شائعة بينهم وبعد مرحلة من الجهاد ، استطاع هؤلاء المسلمون الوهابيون أن يقيموا الدعوة الإسلامية على أساس من المبادئ الوهابية ، بجهة البنجاب ، تحت حكم الداعية ، السيد أحمد .
ولم تلبث هذه الدولة طويلاً،حتى قضى عليها الاستعمار الإنكليزي،في العقد الرابع من القرن التاسع عشر
ولكن الدعوة الوهابية ، ظلت قائمة هناك على يد خلفاء السيد أحمد من بعده ولم يستطيع المستعمرون أن ينالوا منها .
ولا يزال الكثيرون من سكان هذه المناطق ، يدينون بالإسلام على المذهب الوهابي .
وفي سومطرة ابتدأت الدعوة الوهابية سنة 1803م على يد أحد الحجاج من أهل الجزيرة ، وكان قد عاد من الحج في نفس السنة ، بعد أن التقى بالوهابيين واطلع على صحة ما يدعون إليه .
فلما عاد إلى وطنه ، ابتدأ دعوته ، ثم تطورت الحركة إلى حروب طاحنة ، بين المسلمين الوهابيين الذين أصبحوا قوة كبيرة في سومطرة ، وبين غير المسلمين من سكانها الأصليين ، حتى رأت حكومة الاستعمار الهولندية سنة 1821م أن تناهض هذه الحركة القوية محافظة على كيانها ونفوذها هناك .
واستمرت المناوشات والحروب بين المستعمرين الهولنديين ، وبين السومطرين الوهابيين ، ما لا يقل عن ستة عشر عاماً .
ثم انتهت بتغلب قوى الاستعمار على القائمين بحركة الوهابية .
كذلك الحركة السنوسية ، التي ابتدأت في الجزائر أواسط القرن التاسع عشر ثم غزت طرابلس بعد ذلك ، وانتشرت في شمال أفريقيا ، ثم مدت رواقها نحو الجنوب ، فتمكنت في السودان هذه الحركة السنوسية ، التي ناهضت الاستعمار في كل مكان ، والتي كانت ولا زالت مدرسة تربية وتهذيب للشعب السنوسي ، قد تأثرت بالدعوة الوهابية في اساسها .
فالسيد محمد على السنوسي ، مؤسس الحركة السنوسية ، كان في مكة يطلب العلم ، وقت استيلاء الوهابيين عليها .
فعاشرهم ، وتتلمذ على علمائهم ، وتأثر بمذهبهم .
ثم عاد إلى الجزائر ، وابتدأ حركته الإصلاحية ، على ضوء تعاليم الإصلاح الدينية الإسلامية ، التي أضرم نارها في الجزيرة العربية محمد بن عبد الوهاب انتهى بحذف واختصار .
وكما انتشرت في الجزائر بواسطة الدعوة السنوسية ، فقد انتشرت هذه الدعوة المباركة بحضرموت ، وجاوة ، بواسطة السيد محمد رشيد رضا ، وتأليفه جمعية الإرشاد الداعية هناك إلى الكتاب والسنة ، ونبذ البدع والخرافات ، طبق مبادئ الشيخ محمد بن عبد الوهاب .
وقد تأثر فيها كثيرون . بحضرموت ، وعدن ، وجاوة ، كما هو معروف .
وبالجملة ، فقد كان لهذه الدعوة أثر عظيم خطير .في العالم الإسلامي من نواح مختلفة ، وكانت الشعلة الأولى لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله تأثر بها زعماء الإصلاح في سائر الأقطار الإسلامية .
وكل الحركات الإصلاحية ، مدينة للدعوة الوهابية .
ويمكن تحديد الصلة بينها وبين كل من هذه الحركات،أما عن طريق الاقتباس،أو المحاكاة ،أو مجرد التأثر .


المصدر كتاب : الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه
رد مع اقتباس