عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-01-2010, 05:45 PM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 




افتراضي

الهمسة الأولى: المعرفة الحقيقية ووضوح الهدف!!

لا نحتاجُ أن نقولَ إنَّ الإنترنت ثورةٌ كُبرَي في عالمِ الاتصالاتِ والمعلوماتِ، ومَيْدانٌ فَسيحٌ يتلاقي فيه عِبادُ اللهِ مِن كلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ، فيتعارَف أناسٌ ويتآلفُونَ، ويَختلفُ غيرُهم ويتنافرُونَ، فهُوَ حينئذٍ عَالَمٌ جَديدٌ مُغايِرٌ للعالَمِ الحقيقِيِّ الذي نَحْيَاهُ وَمُضَاهٍ لَهُ.
وهذا العالَمُ الجديدُ إذا كانتْ فيه فوائدُ فإنَّه كذلك لا يخلو مِنَ الأخْطَارِ، والعاقِلُ اللبيبُ هو مَنْ يبحَثُ عن الشَّرِّ ويتلَمَّسُهُ وَيُنَقِّبُ عنه كَيْلا يَسْقُطَ في بِئْرِه؛ وعَنْ حُذَيْفَةَ (رضي الله عنه): "كَانَ النَّاسُ يَسْألُونَ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أسْألُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أنْ يُدْرِكَنِي" وهَكَذَا جَرَتْ عَادَةُ الْفُضَلاءِ والعُقَلاءِ، فَكُلُّ لَبِيبٍ يَعْلَمُ أنَّ رِعَايَةَ الاحْتِمَاءِ عِندَ دَفْعِ الدَّاءِ أوْلَى وَأعظَمُ أثَرًا مِنَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ(1).
وَصَدَقَ مَنْ قَالَ:
عَرَفْتُ الشَّرَّ لا للشَّرِّ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ .:. وَمَنْ لا يَعْرِف الشَّرَّ مِنَ الْخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ



والأحْمَقُ إنْ وَجَدَ بَابًا مُغْلَقًا بَادَرَ إلَى فَتْحِهِ وَوُلُوجِهِ قَبْلَ أنْ يَعْرِفَ مَا وَرَاءَهُ، أمَّا العَاقِلُ فلا يَقْرَبُه إلا إذا عَلِمَهُ وَعَرِفَ مُقَدِّمَاتِهِ وَتَوَابِعَهُ، وهَذَا العَالَمُ الجَدِيدُ (الإنترنت) هُوَ _كَمَا قُلْنَا_ عَالَمٌ مُضَاهٍ للعالَمِ الأصْلِيِّ الذِي نَحْيَا في جَنَبَاتِهِ؛ إلا أنَّ ثَمَّةَ فَوارِقَ بَينَهما لا يَنْبَغِي إغْفَالها.
مِنْهَا مَثَلاً أنَّهُ عَالَمٌ مُنفَتِحُ الأبْواب، لا يَمْنَعُكَ مَانِعٌ مِنَ اسْتِخْدَامِهِ في الخَيْرِ والنَّفْعِ، كَمَا لا يَمْنَعُكَ مَانِعٌ مِنَ اسْتِخْدَامِهِ في السَّافِلِ مِنَ الأمُورِ، فإنْ كانَ يُمْكِنُكَ أنْ تَسْتَخْدِمَهُ في تَعَلُّمِ أمُورِ الدِّينِ وَالشَّرْعِ وَفِي تَعْلِيمِهِ، وَكَمَا يُمْكِنُكَ أن تستخدِمَهُ فِي الدَّعْوَةِ إلى اللهِ، وَكَمَا يُمْكِنُكَ أنْ تَجْعَلَهُ وَسِيلَةً فَعَّالَةً في صِلَةِ الرَّحِمِ وغيرِها مِنْ أمورِ البِرِّ وَوُجُوهِ الخيْرِ = فإنه أيضًا بِإمْكَانِكَ مِنْ خِلالِهِ أنْ تسْقُطَ فِي بِئْرِ الْمُحَرَّمَاتِ الواسِعِ بِمُختَلَفِ دَرَجَاتِهِ: بَدْءًا مِنْ مَواقِعِ الأغَانِي والأفلامِ وهذا السَّفَهِ وانتهاءً بِالمَوَاقِعِ الإبَاحِيَّةِ المَاجِنَةِ التي تُحِيلُ لَيْلَ العَبْدِ إلى مَسْرَحٍ للكَبَائِرِ والمُوبِقاتِ!!
وَمِنْ هّذِهِ الفَوَارقِ أيْضًا سُهُولَةُ التَّنَقُّلِ فيهِ مِن حالٍ إلى حالٍ، فالأمرُ لا يَتَكَلَّفُ أكثرَ مِنْ ضَغْطَةٍ عَلَى زِرِّ فَأرَتِكَ!!
فهذِهِ بَعضٌ مِنْ صِفاتِ هذا العالَمِ الجَديدِ، لا رَقِيبَ فيهِ على أفعالِكَ مِنْ البَشَرِ، بَلْ إنَّكَ تَسْتَطِيعُ أثناءَ استخدامِكَ لَهُ أن تَتَخَفَّى عنْ أعيُنِ النَّاسِ جَميعًا وتُوصِدَ بابَ حُجْرَتِكَ؛ فلا يَراكَ أحدٌ ولا يَطَّلِع على أفعالِكَ أحدٌ سِوَى رَبِّكَ!!


وَمِنْ هذا المُنطَلَقِ صَارَ الإنترنت قاعةً كُبرَى مِنْ قاعاتِ الامتحاناتِ!! نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ امتِحَانٌ للإيمانِ والأخلاقِ، وامتحانٌ للأفئدةِ والعقولِ (2)!! مَنْ سَلكَ طريقَ الخيْرِ فَلْيُبْشِرْ بِنَجَاحٍ وَفَلاحٍ، وَعَلَى قَدْرِ سَعْيِهِ وَكَدِّهِ واجْتِهادِهِ تَكُن الدَّرَجَة، وَمَنْ غَرَّهُ سِتْرُ اللهِ عليهِ فرَكَنَ إلى مَسالِكِ الشَّرِّ فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَه، فَلَرُبَّمَا وَافَاهُ الأجَلُ وَهُوَ في قاعةِ الامتحاناتِ علَى هذهِ الهيئةِ لِتَكُونَ فَضِيحتُهُ عَلَمًا على شخصِهِ في الدنيا والآخرةِ!!


وإذا كانَتْ هذه هي حقيقةَ الإنترنت فَكُنْ دائِمًا على حَذَرٍ، فـ [مَنْ قارَبَ الفتنةَ بَعُدَتْ عنه السَّلامةُ، وَمَن ادَّعَى الصَّبرَ وُكِلَ إلى نَفْسِهِ] (3)، فالحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الشَّيطانِ وخطُواتِهِ، وإياكَ أنْ تَحْمِلَكَ نفسُكَ على الثقةِ فيها؛ فإنكَ إنْ وَثَقْتَ بِنَفْسِكَ وُكِلْتَ إليها، [فهذا يوسُفُ (عليهِ السَّلامُ) لمْ يتعَرَّضْ للفِتنةِ، بَلْ هِيَ التي تَعَرَّضَّتْ لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَثِقْ بِإيمانِهِ وَعِلمِهِ وَشَرَفِهِ المُعْرِقِ، بَل فرَّ مِنَ الفِتْنَةِ واسْتعاذَ باللهِ مِنْ شَرِّهَا، واعْتَرَفَ بأنَّهُ إنْ لَمْ يَصرِف اللهُ عنه كَيْدَ النِّسْوَةِ صَبَا إلَيْهِنَّ وَكَانَ مِنَ الجَاهِلينَ = وَلَمَّا كَانت هذه هي حالَه صاحَبَهُ اللُّطفُ وأعِينَ على الخَلاصِ مِنْ ذلكَ البَلاءِ العَظِيمِ] (4).
فَالْزَم التقوَى واجْعَلْها لكَ زادًا في هذه الرِّحْلَةِ، وَرَاقِبْ رَبَّكَ وَتَوَكَّلْ عليهِ (سبحانه وتعالى) لا علَى نَفْسِكَ، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا قُمْ بِحَمْلِ السِّلاحِ الثانِي الذي يَلزَمُكَ لهذِهِ الْمُوَاجَهَةِ.


** حَدِّدْ هَدَفَكَ!!
لماذا دخلت إلى الإنترنت؟!!
وَهَذَا فَرْعٌ عَمَّا سَبَقَ؛ لَكِنْ لابُدَّ لكَ أنْ تسألَ نفسَكَ هذا السُّؤالَ، وَكُنْ صَريحًا!!
فإنْ كُنتَ دخَلتَ لِخَيْرٍ وَنفعٍ فَتَوَكَّلْ علَى اللهِ وَامْضِ في طَريقِكَ مُسَدَّدًا، وإياكَ أن تَنْسَى هذا الهَدَفَ، بَلْ اجْعَلْهُ رِسَالَةً!! بَلْ أكثَر مِنْ هذا، فَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تُبَادِرُ فيها للدخول إلى الإنترنت اسْألْ نفسَكَ هذا السُّؤالَ وَقُمْ بالإجابَةِ عليْهِ!!
أمَّا إنْ كُنتَ دَخَلْتَ لِشَيْءٍ آخرَ فَأقصِرْ!! حَتَّى لا يَكُون دُخُولُكَ إلى الإنترنت أشْأمَ عليكَ مِنْ عِطْرِ مَنْشِمَ، فتكون كَمَنْ شَرِقَ بِالرِّيقِ!! أو آثَرَ الحَرِيقَ!!


** تَذَكَّرْ دَائِمًا:
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وإذا كانت الغايَةُ الكُبْرَى مِنْ خَلْقِكَ هِيَ أنْ تُحَقِّقَ العُبُودِيَّةَ للهِ تَعَالَى بِمَفْهُومِهَا الشَّامِلِ، فَلا يَجُوزُ أن تَكُونَ الغايَةُ الصُّغْرَى (الغاية مِن دخولك للإنترنت) مُنْفَكَّةً عَنْ الغَايَةِ الكُبْرَى بِحالٍ!!

هَـــذَا، وَلا تَزَالُ الهَـمَـسَـــاتُ بَاقِـــيَــةً!!

(1) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح] للملا علي القاري، (كتاب الفتن).
(2) [الإنترنت امتحان الإيمان والأخلاق والعقول] لمحمد بن إبراهيم الحمد،ص5.
(3) [صيد الخاطر] لأبي الفرج ابن الجوزي(رحمه الله) ص13، ط1، مكتبة الرحاب.
(4) [الإنترنت امتحان الإيمان والأخلاق والعقول] لمحمد بن إبراهيم الحمد،ص8.

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عمر الأزهري ; 08-01-2010 الساعة 06:26 PM
رد مع اقتباس