عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-28-2009, 11:06 PM
أم سلمى أم سلمى غير متواجد حالياً
قـــلم نــابض
 




افتراضي

الحديث السادس
عن أبى عبد الله النعمان بن بشير رضى الله تعال عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الحلال بيِّن ، وإن الحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينهِ وعِرضه ، ومَن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشكَ أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل مَلِكٌ حِمى ، ألا وإن حِمى الله محارمه ، ألا وإن فى الجسد مُضغةَ إذا صلحت صلحَ الجسدُ كله ، وإذا فسدت فسدَ الجسدُ كله ألا وهى القلب "
رواه البخارى ومسلم
هذا الحديث عظيم جداً لأنه يبيّن أصلاً من الأصول فى التعامل مع الأشياء ( المطعومات – الملبوسات – المعاملات المالية وغيرها ... ) ، ومن رحمة الله عز وجل لأنه لم يجعل الدنيا كلها حرام علينا بل جعل هناك مساحة كبيرة جداً حلال وبيّن لنا هذا الحلال ، وهذا الحلال يتناسق مع حاجات الإنسان فلا يمكن أبداً أن يوجد شئ لحاجات الإنسان ولا يكون حلالاً .. فالحمد لله الذى جعل الحلال بيّن واضح ، وكذلك جعل الحرام بيّن واضح ..
إذاً قسّم الأشياء إلى ثلاثةأقسام :
1)حلال بيِّن كلنا نعرفه ولا يختلف عليه اثنان ، مثل : الطعام والشراب واللباس وكل الطيبات التى أحلها الله لنا
2)حرام بيِّن كلنا يعرفه ولا يختلف عليه اثنان فى أنه حرام محض ، مثل الزنا والسرقة والقتل وشرب الخمر وأغتصاب مال الغير
3)مُشتبه :وهذه لم يتبين هل هى حلال أم هى حرام ؟ وهذه تنقسم إلى :
(أ ) إما الإشتباه فى الدليل هل هو صحّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أم لم يصح
(ب) أو الإشتباه فى انطباق الدليل على الأمر ، يعنى هل يدل هذا الحديث على الحُكم أم لا يدل ؟
وهذه المشتبهات قال عنها النبى صلى الله عليه وسلم ( لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ) ، والسبب فى عدم علمهم بها
- إما لقلة العلم

- أو لقلة الفهم
- أو لتقصيرهم فى معرفتها

- أو الهوى فى الإنتصار لرأيه سواء كان صحيحاً أو لا

فمن اتقى الشبهات فقد إستبرأ لدينه وعِرضه :
إتقى : أى تجنبها وابتعد عنها – وجعل بينه وبينها وقاية
إستبرأ : أى أخذ بالبراءة وطلب البراءة لدينه من النقص ولعرضه من القدح
لدينه : فيما بينه وبين الله
وعِرضه : فيما بينه وبين الناس لأن الذى يقع فى الشبهات يكون عُرضة لكلام الناس ، يتكلمون فيه ويقولون هذا الرجل يفعل كذا وكذا .. إلخ
وهذه الشبهات هى محل الحلاف بين الناس فنجد بعضهم يُحرمها وبعضهم يُحللها وبعضهم يتوقف فيها وبعضهم يُفصّل ، مثال ذلك ( شرب الدُخان ) عند بداية ظهوره اختلف الناس حوله فأنقسم الناس فيه إلى أقسام : بعضهم قال هو حرام لأن فيه أضرار على البدن وخاصة القلب ، وبعضهم قال إنه حلال لأنه يُحسن الحالة المزاجية للفرد ولم يتبين لنا دليل من الشرع فى تحريمه ، وبعضهم قال أنه مكروه .... وهكذا .. وقد أثبت الطب حديثاً الضرر البالغ من شرب الدخان وعلى هذا فهو حرام قطعاً لأن الإنسان منهىٌ أن يُهلك بدنه
فهل هذا الإشتباه يكون على كل الناس ؟
لا ، والدليل من الحديث نفسه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يعلمهن كثيرٌ من الناس " ،
والذين يعلمون هذه المشبتهات هُم ( أهل العلم )
فما موقف المسلم من هذه المشتبهات ؟
إذا لم يتبين لنا الدليل فالأسلم والأوْلى أن نبتعد عنها ونحذر منها ونتجنبها
ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام :
من وقع فى الشبهات : أى فَعَلَها ، يعنى إما أنه وقع فيها لأنه لا يدرى هل هى حلال أم حرام ؟ .. أو وقع فيها بمعنى أنه قرُبَ من دائرة الحرام فيزل فيه ، فالقرب من الشبهات ذريعة لإرتكاب المحرمات
وضرب النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً يوضح الأمر فقال :
كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيها
الراعي : راعى الإبل والغنم والبقر
يرعى حول الحمى : أى حول المكان المحمي والذى يُحظر الدخول فيه
يوشك أن يقع فيها : لماذا ؟ .. لأن البهائم التى يرعاها لا تعقل ، فهى عندما ترى هذه الأرض المحمية خضراء ومملوءة بالعُشب فإنها سوف تدخل هذه الأرض المحمية ويصعب منعها من الدخول ، فكذلك الإنسان إذا حامَ حول الشبهات فإنه يسهل عليه أن يقع فى الحرام . فهذا المثال يُقرّب المعنى المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم ( ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ) يعنى أوشك أن يقع فى الحرام
ألا وإن لكل ملكٍ حِمى :
ألا : أداة إستفتاح تفيد التنبيه على الكلام الذى سيأتى
لكل ملكٍ حمى : والحديث هنا لا يتحدث عن الحمى هل هى حلال أم حرام وإنما يتحدث عن أمر واقع فالملوك عادةً ما تتخذ لنفسها حمى ( قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله : هذا الحمى قد يكون حلالاً وقد يكون حراماً ، فإذا حماه لنفسه ولبهائمه فقط فهو حرام ، وإذا حماه لأنه مال المسلمين ليحمى إبل الصدقة وخيل الجهاد وغيرها من أموال المسلمين فهو حلال ..أ.هـ)
ألا وإن حمى الله محارمه :
ومحارم الله هى الحدود التى وضعها وأمرنا بعدم التعدى عليها ، فإياك أن تقربها لأن محارم الله كالأرض المحمية للملك
ألا وإن فى الجسد مُضغة إذا صلُحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب :
رتّب النبى صلى الله عليه وسلم الجزاء على الشرط ، فمتى صلح القلب صلح الجسد – أسأل الله العظيم أن يُصلح قلوبنا جميعاً .. آمين –
والقلب ملك والأعضاء جنوده وعبيده ، فهو مُطاع من الجوارح إذا أمرها بشئٍ أطاعته
وبناء على هذا فإنه يجب العناية بالقلب لأن القلب هو الذى يُحكم به على المرء يوم القيامة كما قال الله عز وجل { أفلا يعلم إذا بُعثر ما فى القلوب وحُصِّل ما فى الصدور } ، وقال تعالى { إنه على رجعه لقادر يوم تُبلى السرائر } ، { إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم }
فيجب على المسلم أن يُطهر قلبه من الشرك وغير ذلك من العقائد المنافية للشريعة ، وأن يُطهر قلبه من البدع والحقد والبغضاء وغير ذلك من أمراض القلوب
ولنعلم أنه كلما كان الإيمان قوياً فى القلب كلما بعُد الإنسان عن المعاصي كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : " لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فالقلب يجب أن نعمل على إصلاحه لكى تصلح بقية الجوارح ،
رد مع اقتباس