الحمدُ للهِ وكفى ، وسلامٌ على عبادهِ الذينَ اصطفى ، لاسيّما عبدهِ المصطفى ..
نستكملُ بعونِ اللهِ ما قد بدأناهُ ، وأعتذرُ للانقطاع الطويل في إكماله
وأصرح من ذلك كله في أن الحاكم لا يرى الوصف بالشذوذ مناقضاً تصحيح الحديث والاحتجاج به أيضاً ، هو أنه في كتابه ( المدخل إلى الإكليل ) ، ذكر أقسام الحديث الصحيح المتفق عليه ، فقال في ( القسم الرابع من الصحيح المتفق عليه ) : (( هذه الأحاديث الفراد والغرائب ن التي يرويها الثقات العدول ، تفرد بها ثقة من الثقات ، وليس لها طرق مخرجة في الكتب ...)) ، ثم ضرب لهذا القسم أمثلة ، منها حديث اتفق على إخراجه الشيخان ، وهو حديث عائشة رضي الله عنها في سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال الحاكم : (( هذا الحديث مخرج في الصحيح ، وهو شاذ بمرة )) .
فالحاكم موافق على أنه صحيح حجة ، لكنه يصفه بالشذوذ باعتبار التفرد فقط .
ولذلك أمثلة متعددة من تصرفات الحاكم!
فمن ذلك قوله عقب حديث في ( المستدرك ) : (( ولعل متوهماً يتوهم أن هذا متن شاذ ، فلينظر في الكتابين ( يعني صحيح البخاري ومسلم ) ، ليجد من المتون الشاذ ، التي ليس لها إلا إسناد واحد ، ما يتعجب منه ، ثم ليقس هذا عليها)) .
وقال عن حديث آخر في ( المستدرك ) : (( إسناد صحيح ، رواته عن آخرهم ثقات ، إلا أنه شاذ بمرة )) .
وقال عن آخر : (( هذا حديث شاذ صحيح الإسناد )) .
وقال كذلك : (( هذا متن شاذ ، وإن كان كذلك ، فإن إسحاق الدبري صدوق ... ـ ووثق بقية رجال إسناده قبل الدبري ـ )) .
وقال الحاكم أيضاً في ( سؤالات السجزي له ) : (( بهز بن حكيم : من ثقات البصريين ، ممن يجمع حديثه. وإنما أسقط من الصحيح : روايته عن أبيه عن جده ، لأنها شاذة لا متابع لها في الصحيح )) . ومع ذلك فقد أكثر الحاكم الإخراج في ( المستدرك ) لبهز بن حكيم ، مصححاً لحديثه عن أبيه عن جده .
وبذلك لا يبقى عندك شك في أن الشذوذ عن الحاكم ليس وصفاً مناقضاً للصحة ، بل هو عبارة عن وصف الحديث بالتفرد بأصلٍ لا متابع له فيه ، بغض النظر عن قبوله أو رده .
ثم وازن بين كلام الحاكم وتصرفه هذا ، وهو من أهل الاصطلاح ، بما استقر عند المتأخرين من أن الشذوذ قسم من أقسام الضعيف
وما أحسن احتراز ابن الصلاح وإشارته الدقيقة إلى ذلك ن عندما قال : (( الشاذ المردود قسمان ..))، فقوله ( المردود ) ، فيه إشارة إلى أن من الشاذ ما هو مقبول غير مردود . وإن كان كلام ابن الصلاح قبل كلامه هذا ، في الموطن نفسه : ( نوع معرفة الشاذ ) يوحي إيحاءً يكاد يكون تصريحاً بخلاف ذلك الاحتراز الحسن وبغير تلك الإشارة الدقيقة
فانتهينا إذن إلى أن من الشاذ ما هو صحيح محتج به عند الحاكم ، فهل الخليلي يخالفه ؟
التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس الأنصاري ; 07-09-2009 الساعة 08:22 AM
|