عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 04-11-2007, 09:49 AM
أبو عمر الأزهري أبو عمر الأزهري غير متواجد حالياً
الأزهر حارس الدين في بلاد المسلمين
 







فصل
في سماع أهل الجنة





قال ابن عباس ويرسل ربنا*** ريحا تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتا تلذ لمسمع ال***إنسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الأسماع لا تتعوضي*** بلذاذة الأوتار والعيدان
أو ما سمعت سماعهم فيها غنا***ء الحور بالأصوات والألحان
واها لذيّاك السماع فإنه*** ملئت به الأذنان بالاحسان
واها لذيّاك السماع وطيبه*** من مثل أقمار على أغصان
واها لذيّاك السماع فكم به*** للقلب من طرب ومن أشجان
واها لذيّاك السماع ولم أقل*** ذيّاك تصغيرا له بلسان
ما ظن سامعه بصوت أطيب الـ*** أصوات من حور الجنان حسان
نحن النواعم والخوالد خيرا***ت كاملات الحسن والاحسان
لسنا نموت ولا نخاف وما لنا*** سخط ولا ضغن من الأضغان
طوبى لمن كنا له وكذاك طو***بى للذي هو حظنا لفظان
في ذاك آثار روين وذكرها*** في الترمذي ومعجم الطبراني
ورواه يحيى شيخ الأوزاعي تفـ***ـسيرا للفظة يحبرون أغان





قوله واها قد تقدم تفسير ذلك
قال الله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون )
قال يحيى بن ابي كثير الحبرة اللذة والسماع ولا يخالف هذا قول ابن عباس يكرمون وقول مجاهد وقتادة ينعمون فلذة الاذن بالسماع من الحبرة والنعم وروى الترمذي واستغربه عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لمجتمعا للحور العين يرفعن أصواتهم لم تسمع الخلائق بمثلها يقلن نحن الخالدت فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين باصوات حتى يسمعها الخلائق ما يرون في الجنة لذة مثلها قلنا يا ابا هريرة وما ذلك الغناء قال إن شاء الله التسبيح والتقديس والتحميد وثناء على الرب عز وجل هكذا رواه موقوفا جعفر الفرياني وروى ابو نعيم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ فتهب لها الريح فتصفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه وروى جعفر الفرياني عن خالد بن معدان عن ابي امامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد يدخل إلا ويجلس عند رأسه وعند رجليه ثنتان من الحور العين تغنيانه بأحسن صوت سمعه الانس والجن وليس بمزامير الشيطان وروى الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ازواج اهل الجنة ليغنين ازواجهن بأحسن أصوات سمعها احد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرون بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا تمتنه نحن الآمنات فلا تخفنه نحن المقيمات فلا تظعنه تفرد به ابن أبي مريم وروى ابن وهب أنه قال رجل من قريش لابن شهاب هل في الجنة سماع فانه حبب الي السماع فقال إي والذي نفس ابن شهاب بيده ان في الجنة شجرا حمله اللؤلؤ والزبرجد تحه حور ناهدات يغنين بألوان يقلن نحن الناعمات فلا نبأس ونحن الخالدات فلا نموت فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضا فاجبن الجواري فلا ندري أصوات الجواري احسن ام اصوات الشجر ولهم سماع أعلى من هذا وروى ابن ابي الدنيا عن الاوزاعي قال بلغني أنه ليس من خلق الله أحسن صوتا من اسرافيل فيأمره الله تعالى فيأخذ في السماع فما يبقى ملك إلا وقطع عليه صلاته فيمكث بذلك ما شاء الله ان يمكث فيقول الله عز وجل وعزتي لو يعلم العباد قدر عظمتي ما عبدوا غيري وعن محمد ابن المنكدر قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الذين كانوا ينزهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان أسكنوهم رياض المسك ثم يقول للملائكة اسمعوهم تمجيدي وتحميدي وروى ابن ابي الدنيا عن مالك بن دينار في قوله تعالى ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب )
قال إذا كان يوم القيامة أمر بمنبر رفيع فيوضع في الجنة نودي يا داود مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا قال فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة وروى حماد ابن سلمة عن شهر بن حوشب أن الله جل ثناؤه يقول لملائكته إن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا فيدعونه من اجلي فأسمعوا عبادي فيأخذون بأصوات من تسبيح وتكبير لم يسمعوا بمثله قط وعن ابن عباس قال في الجنة شجرة على ساق قدر ما يسير الراكب في ظلها مائة عام فيتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم فيذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا ولهم سماع أعلى من هذا يضحمل دونه كل سماع وذلك حين يسمعون كلام الرب جل جلاله وسلامه عليهم وخطابه ومحاضرته لهم ويقرأ عليهم كلامه فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك روى أبو الشيخ عن عبد الله بن بريدة قال إن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله فيقرأ عليهم القرآن وقد جلس كل امريء منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر والياقوت والزبرجد والذهب والزمرد فلم تقر أعينهم بشيء ولم يسمعوا شيئا قط أعظم وأحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد .




نزه سماعك إن أردت سماع ذيـ***ـاك الغناء عن هذه الألحان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ***ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمان
إن اختيارك للسماع النازل الـ***أدنى على الأعلى من النقصان
والله إن سماعهم في القلب والـ***إيمان مثل السم في الأبدان
والله ما انفك الذي هو دأبه*** أبدا من الإشراك بالرحمن
فلقلب بيت الرب جل جلاله*** حبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلق بالسماع اصاره*** عبدا لكل فلانة وفلان
حب الكتاب وحب ألحان الغنا*** في قلب عبد ليس يجتمعان
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا*** تقييده بشرائع الايمان
واللهو خف عليهم لما رأوا*** ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وإنما القرآن قو***ت القلب أنى يستوي القوتان
ولذا تراه حظ ذي النقصان كالـ***ـجهال والنسوان والصبيان
وألذهم فيه أقلهم من العقل*** الصحيح فسل أخا العرفان
يا لذة الفساق لست كلذة الـ***أبرار في عقل ولا قرآن




شرع الناظم رحمه الله تعالى في التحذير من سماع الأغاني والألحان وللعلماء رحمهم الله تعالى في هذه المسألة مصنفات مفردة كالامام أبي بكر الطرطوشي والقاضي أبي الطيب الطبري وللحافظ ابن رجب نزهة الأسماع في مسألة السماع وغيرهم وهو من مكائد الشيطان التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين وصاد بها قلوب المبطلين والجاهلين سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة هو الذي يصد القلوب عن القرآن ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان فهو قرآن الشيطان والحجاب الكثيف عن الرحمن وهو رقية اللواط والزنا وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقة غاية المنى كادبة الشيطان النفوس المبطلة وحسنه لها مكرا منه وغرورا وأوحى اليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت النفوس وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا فلو رأيتهم عند ذاك السماع وقد خشعت منهم الأصوات وهدأت منهم الحركات وعكفت قلوبهم بكليتها عليه وانصبابها انصبابة واحدة اليه فتمايلوا له كتمايل النشوان وتكسروا في حركاتهم ورقصهم ولا تحرك المخانيث والنسوان ويحق لهم ذلك وقد خالط خمارة النفوس ففعل فيها أعظم مما يفعله حميا الكؤوس فلغير الله بل للشيطان قلوب هناك تمزق وأثواب تشقق وأموال في غير طاعة الله تنفق حتى إذا عمل السكر في عمله وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله واستفزهم بصوته وحيله وأجلب عليهم بخيله ورجله وخز في صدورهم وخزا وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزا فطورا يجعلهم كالحمير حول المدار وتارة كالذباب يترقص وسط الديار فيا رحمتا للسقوف والأرض من دك تلك الأقدام واسوأتا من أشباه الحمير والأنعام وشماته أعداء الاسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الاسلام قال الامام ابو بكر الطرطوشي في خطبة كتابه في تحريم السماع الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين ونسأل الله ان يرينا الحق حقا فنتبعه والباطل باطلا فنجتنبه وقد كان الناس فيما مضى يتستر أحدهم بالمعصية اذا واقعها ثم يستغفر الله ويتوب اليه منها ثم كثر الجهل وقل العلم ونناقص الأمر حتى صار أحدهم يأتي بالمعصية جهارا ثم ازداد الأمر إدبارا حتى بلغنا ان طائفة من اخواننا المسلمين وفقنا الله واياهم استزلهم الشيطان واستغوى عقولهم في حب الأغاني واللهو وسماع الطقطقة والتغبير واعتقدته من الدين الذي يقربهم إلى الله وجاهرت به جماعة المسلمين وشاقت سبيل المؤمنين وخالفت الفقهاء والعلماء وحملة الدين ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )
فرأيت أن أوضح الحق وأكشف من شبه اهل الباطل بالحجج التي تضمنها كتاب الله وسنة رسوله وأبدأ بذكر اقاويل العلماء الذين تدور الفتيا عليهم في أقاصي الأرض وأدانيها حتى تعلم هذه الطائفة أنها قد خالفت علماء المسلمين في بدعتها والله ولي التوفيق ثم قال أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه قال واذا اشترى جارية فوجدها مغنية فله ان يردها بالعيب وسئل مالك عما ترخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال إنما يفعله عندنا الفساق قال وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وابراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك ولا نعلم خلافا أيضا بين أهل البصرة في المنع منه قال الناظم رحمه الله تعالى مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى والضرب بالقضيب وصرحوا بأنه معصية يوجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك قالوا إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره وأما الشافعي فقال في كتاب أدب القضاء إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب اليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي اسحاق وابن الصباغ قال الشيخ ابو اسحاق في التنبيه ولا يصح يعني الاجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا وقال في المهذب ولا يجوز على المنافع المحرمة لأنه محرم فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميته والدم فقد تضمن كلامه أمورا أحدها أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة الثاني أن الاستئجار عليها باطل الثالث أن أكل المال به أكل مال باطل بمنزلة أكله عوضا عن الميتة والدم الرابع أنه لا يجوز للرجل بذل ماله للمغني ويحرم عليه ذلك فانه بذل ماله في مقابلة محرم وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة الخامس أن الزمر حرام فان كل الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراما فكيف بما هو اشد منه كالعود والطنبور واليراع ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك فأقل ما فيه أنه من شعار الفساق وشاربي الخمر وقد تواتر عن الشافعي رحمه الله أنه قال خلفت ببغداد شيئا أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن فإذا كان هذا قوله في التغبير وتعليله أنه يصد عن القرآن وهو شعر مزهد في الدنيا يغني به مغن فيضرب بعض الحاضرين بقضيب نطع أو مخدة على توقيع غناه فليت شعري ما يقول في سماع التغبير عنده كتفلة في بحر قد اشتمل على كل مفسدة وكل محرم فالله بين دينه وبين كل متعلم مفتون وعبد جاهل وأما مذهب الامام احمد فقال عبد الله ابنه سألت أبي عن الغناء فقال الغناء ينبت النفاق في القلب لا يعجبني ثم يذكر قول مالك إنما يفعله عندنا الفساق قال عبد الله وسمعت أبي يقول لو أن رجلا عمل بكل رخصة بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل مكة في المتعة لكان فاسقا قال أحمد وقال سليمان التيمي لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ونص في أيتام ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها قال لا تباع إلا على أنها ساذجة قالوا إذا بيعت مغنية ساوت عشرين ألفا أو نحوها واذا بيعت ساذجة لا تساوى ألفين فقال لا تباع إلا على أنها ساذجة ولو كانت منفعة الغناء مباحة لما فوت هذا المال على الايتام


وقد أحسن الناظم رحمه الله تعالى في قوله:

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن *** فمتى شهدت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا *** تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى *** زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن *** شهواتها يا ويحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها *** فلأجل ذا غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع *** أسبابه عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه *** خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه *** وانظر إلى النشوان عند ملاهي
وانظر إلى تمزيق ذا أثوابه *** من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم بأي الخمرتين أحق بالتحريم والتأثيم عند الله


وقد أكثر العلماء الكلام على هذا السماع الشيطاني المحدث ولكن آثرنا لاختصار والله أعلم
رد مع اقتباس