الوليد المصري
01-03-2008, 11:35 PM
قال الأمام ابن القيمَ في حَادِي الأَرْوَاحِ
"وَلِمَّا عَلِمَ الْمُوَفّقُون مَا خُلِقُوا لَهُ وَمَا إِيجَادُهُمْ لَهُ رَفَعُوا رُؤوسَهُمْ فَإِذَا عَلمُ الْجَنَّةِ قَدْ رُفِعَ لَهُمْ شَمَّرُوا إِلَيْهِ
وَإِذَا صِرَاطُهَا الْمُسْتَقِيم قَدْ وَضَحَ لَهُمْ فاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ وَرَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الغَبَنِ بَيْعُ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
وَفِي أَبَدٍ لا يَزُول ولا يَنْفَذْ بِصُبَابهِ عَيْشٍ إِنَّمَا هُوَ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ أَوْ كَطِيفٍ زَارَ في الْمَنَامِ مَشُوبٍ بِالنَّغْص مَمْزُوجٍ بَالغُصَصِ إِنْ أَضْحَكَ قَلِيلاً أَبْكَى كَثِيرًا وَإِنْ سَرَّ يَوْمًا أحزَنَ شُهُورًا آلامُهُ تَزِيدُ عَلَى لَذّاتِهِ وَأَحْزَانُهُ أَضْعَافُ مَسَّرَاتِهِ أَوَّلُهُ مَخَاوِِفُ وَآخِرُهُ مُتَألِفُ
فَيَا عَجَبًا مِنْ سَفِيهٍ في صُورةِ حَكيم وَمَعْتُوهٍ في مِسْلاخِ عاقِل آثرَ الحَضَّ الفانِي الخَسِيسَ على الحضّ الْبَاقي النَّفِيس باعَ جَنَّةٍ عَرْضُها الأَرْضُ والسَّمَاوَاتُ بِسِجْنٍ ضَيِّقٍ بَيْنَ أَرْبَابَ الْعَاهَاتِ وَالْبَلِّيَاتِ وَمَسَاكِنَ طَيَّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار بِأَعْطَانٍ ضَيِّقَةٍ آخِرُها الْخَرابُ وَالبَوارُ
وأبكارَا عُرْبًا أَتْرابًا كَأنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ والْمَرْجَانُ بِقَذرَاتٍ دَنِسَاتٍ سَيِّئَاتِ الأخْلاقِ مُسَافِحَاتِ أَوْ مُتَّخِذَاتِ أَخْذانٍ وَحُورًا مقْصُوراتًا
في الخِيامِ بِخَبْيثَاتِ مُسَيَّباتٍ بَيْنِ الأنام ، وَأنْهَارًا مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ بِشَرَابٍ نَجَسٍ مُذْهِبٍ لِلْعَقْلٍ مُفْسِدٍ لِلدُّنْيَا وَالدِّين ،
وَلَذَّةِ النَّظَرِ إِلى وَجْهِ العَزِيزِ الرَّحِيمِ بِالتَّمَتُّعِ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ القَبِيحْ الذَّميم .
وَسَمَاعَ الخِطَابِ مِن الرحمن بِسَماعَ الْمَعازِفِ وَالْغِنَاءِ وَالألْحَانِ ، والجُلُوسِ على مَنَابِرِ اللُّؤْلؤ واليَاقُوتِ وَالمُرْجَانِ وَالزَّبَرْجَدِ وَيَوْمَ المزيدِ بالجُلُوسِ في مَجَالِسِ الفُسُوقِ مَعَ كُلِّ شيطانٍ مَرِيدٍ .
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْغَبْنُ الفاحِشُ في هَذَا البيع يومَ القِيَامَةِ وَيَتَبَيَّنَ سَفهُ بَائِعِهِ يَوْمَ الْحَسْرَةِ والنَّدَامَةِ إَذَا حُشِرَ المُتَّقُونَ إلى الرَّحْمَنِ وفْدًا
وسِيقَ المُجْرِمُون إلى جَهَنَّم وِرْدًا وَنَادَى المُنَادِي عَلَى رُؤوس الأشْهادِ لِيَعْلَمَنَّ أَهْلُ المَوقف مَنْ أولى بِالكَرَمِ مِنْ بَيْنِ العَبَادْ .
فَلَوْ تَوَهَّمَ المُتَخَّلِّفُ عَنْ هَذِهِ الرِّفَقَةُ وَمَا أُعِدَّ لَهُم مِنَ الإكْرَامِ وَادُّخِرِ لَهُمْ مِنَ الفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَمَا أُخْفِى لَهُم مِنْ قُرَّةِ أَعْينٍ لَمْ يَقَعُ على مِثْلِها بَصَرٌ
ولا سَمِعَتْهُ أُذنٌ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ عَلِمَ أَيُّ بِضَاعَةٍ أَضَاعْ وَأَنَّهُ لا خَيْرَ لَهُ في حَيَاتِهِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِن سَقَطِ الْمَتَاعُ .
وَأنَّ الْقَوْمَ قَدْ تَوَسَّطُوا مُلْكًا كَبِيرًا لا تَعْتَرِيه الآفَاتُ وَلا يَلْحَقُه الزَّوَالُ وَفَازُوا بِالنَّعِيمِ المقيم
في جِوَارِ الرَّبِ الكَبيرِ المُتَعَالِ فَهُمْ في رَوْضَاتِ الجَنَّاتيَتَقَلَّبُونَ وَعَلى أَسِرَّتِهَا تَحْتَ الحِجَالِ يَجْلِسُونَ وعلى الفُرُشِ التي بَطَائِنُهَا مِن إسْتَبْرَقِ يَتَّكِئُونَ وبِالحُورِ العِينِ يَتَمَتَّعُونَ .
وبأنواع الثِّمارِ يَتَفَكَّهُونَ ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ،
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ تاللهِ لقَدْ نُودِي عليها في سُوقِ الْكَسَادِ
فَمَا قَلَّبَ وَلا اسْتَامَ إِلا أَفْرَادٌ مِنَ العباد"
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ الأبْرَارِ وَأَسْكِنَّا مَعْهمُ في دَارِ القَرارِ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا بِحُسْن الإِقْبَالِ عَلَيْكَ وَالإِصْغَاءِ إِلَيْكَ
وَوَفِّقْنَا لِلتَّعَاوُنِ فِي طَاعَتِكَ وَالْمُبَادَرَةِ إِلى خِدْمَتكَ وَحُسْن الآداب في مُعَامَلَتِكَ وَالتَّسْلِيم لأَمْرِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ وَالصَّبْر على بَلائِكَ وَالشُّكْر لِنَعْمَائِكَ ،
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَأَخْلِصْ عَمَلَنَا مِنَ الرِّيَاء وَمَكْسَبَنَا مِنَ الرِّبَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَثَبِّتْهَا عَلَى طَاعَتِكْ ،
وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ،
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
ِ
"وَلِمَّا عَلِمَ الْمُوَفّقُون مَا خُلِقُوا لَهُ وَمَا إِيجَادُهُمْ لَهُ رَفَعُوا رُؤوسَهُمْ فَإِذَا عَلمُ الْجَنَّةِ قَدْ رُفِعَ لَهُمْ شَمَّرُوا إِلَيْهِ
وَإِذَا صِرَاطُهَا الْمُسْتَقِيم قَدْ وَضَحَ لَهُمْ فاسْتَقَامُوا عَلَيْهِ وَرَأَوْا مِنْ أَعْظَمِ الغَبَنِ بَيْعُ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ
وَفِي أَبَدٍ لا يَزُول ولا يَنْفَذْ بِصُبَابهِ عَيْشٍ إِنَّمَا هُوَ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ أَوْ كَطِيفٍ زَارَ في الْمَنَامِ مَشُوبٍ بِالنَّغْص مَمْزُوجٍ بَالغُصَصِ إِنْ أَضْحَكَ قَلِيلاً أَبْكَى كَثِيرًا وَإِنْ سَرَّ يَوْمًا أحزَنَ شُهُورًا آلامُهُ تَزِيدُ عَلَى لَذّاتِهِ وَأَحْزَانُهُ أَضْعَافُ مَسَّرَاتِهِ أَوَّلُهُ مَخَاوِِفُ وَآخِرُهُ مُتَألِفُ
فَيَا عَجَبًا مِنْ سَفِيهٍ في صُورةِ حَكيم وَمَعْتُوهٍ في مِسْلاخِ عاقِل آثرَ الحَضَّ الفانِي الخَسِيسَ على الحضّ الْبَاقي النَّفِيس باعَ جَنَّةٍ عَرْضُها الأَرْضُ والسَّمَاوَاتُ بِسِجْنٍ ضَيِّقٍ بَيْنَ أَرْبَابَ الْعَاهَاتِ وَالْبَلِّيَاتِ وَمَسَاكِنَ طَيَّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار بِأَعْطَانٍ ضَيِّقَةٍ آخِرُها الْخَرابُ وَالبَوارُ
وأبكارَا عُرْبًا أَتْرابًا كَأنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ والْمَرْجَانُ بِقَذرَاتٍ دَنِسَاتٍ سَيِّئَاتِ الأخْلاقِ مُسَافِحَاتِ أَوْ مُتَّخِذَاتِ أَخْذانٍ وَحُورًا مقْصُوراتًا
في الخِيامِ بِخَبْيثَاتِ مُسَيَّباتٍ بَيْنِ الأنام ، وَأنْهَارًا مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ بِشَرَابٍ نَجَسٍ مُذْهِبٍ لِلْعَقْلٍ مُفْسِدٍ لِلدُّنْيَا وَالدِّين ،
وَلَذَّةِ النَّظَرِ إِلى وَجْهِ العَزِيزِ الرَّحِيمِ بِالتَّمَتُّعِ بِرُؤْيَةِ الْوَجْهِ القَبِيحْ الذَّميم .
وَسَمَاعَ الخِطَابِ مِن الرحمن بِسَماعَ الْمَعازِفِ وَالْغِنَاءِ وَالألْحَانِ ، والجُلُوسِ على مَنَابِرِ اللُّؤْلؤ واليَاقُوتِ وَالمُرْجَانِ وَالزَّبَرْجَدِ وَيَوْمَ المزيدِ بالجُلُوسِ في مَجَالِسِ الفُسُوقِ مَعَ كُلِّ شيطانٍ مَرِيدٍ .
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْغَبْنُ الفاحِشُ في هَذَا البيع يومَ القِيَامَةِ وَيَتَبَيَّنَ سَفهُ بَائِعِهِ يَوْمَ الْحَسْرَةِ والنَّدَامَةِ إَذَا حُشِرَ المُتَّقُونَ إلى الرَّحْمَنِ وفْدًا
وسِيقَ المُجْرِمُون إلى جَهَنَّم وِرْدًا وَنَادَى المُنَادِي عَلَى رُؤوس الأشْهادِ لِيَعْلَمَنَّ أَهْلُ المَوقف مَنْ أولى بِالكَرَمِ مِنْ بَيْنِ العَبَادْ .
فَلَوْ تَوَهَّمَ المُتَخَّلِّفُ عَنْ هَذِهِ الرِّفَقَةُ وَمَا أُعِدَّ لَهُم مِنَ الإكْرَامِ وَادُّخِرِ لَهُمْ مِنَ الفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَمَا أُخْفِى لَهُم مِنْ قُرَّةِ أَعْينٍ لَمْ يَقَعُ على مِثْلِها بَصَرٌ
ولا سَمِعَتْهُ أُذنٌ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ عَلِمَ أَيُّ بِضَاعَةٍ أَضَاعْ وَأَنَّهُ لا خَيْرَ لَهُ في حَيَاتِهِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِن سَقَطِ الْمَتَاعُ .
وَأنَّ الْقَوْمَ قَدْ تَوَسَّطُوا مُلْكًا كَبِيرًا لا تَعْتَرِيه الآفَاتُ وَلا يَلْحَقُه الزَّوَالُ وَفَازُوا بِالنَّعِيمِ المقيم
في جِوَارِ الرَّبِ الكَبيرِ المُتَعَالِ فَهُمْ في رَوْضَاتِ الجَنَّاتيَتَقَلَّبُونَ وَعَلى أَسِرَّتِهَا تَحْتَ الحِجَالِ يَجْلِسُونَ وعلى الفُرُشِ التي بَطَائِنُهَا مِن إسْتَبْرَقِ يَتَّكِئُونَ وبِالحُورِ العِينِ يَتَمَتَّعُونَ .
وبأنواع الثِّمارِ يَتَفَكَّهُونَ ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ،
﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ تاللهِ لقَدْ نُودِي عليها في سُوقِ الْكَسَادِ
فَمَا قَلَّبَ وَلا اسْتَامَ إِلا أَفْرَادٌ مِنَ العباد"
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَّقِينَ الأبْرَارِ وَأَسْكِنَّا مَعْهمُ في دَارِ القَرارِ ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا بِحُسْن الإِقْبَالِ عَلَيْكَ وَالإِصْغَاءِ إِلَيْكَ
وَوَفِّقْنَا لِلتَّعَاوُنِ فِي طَاعَتِكَ وَالْمُبَادَرَةِ إِلى خِدْمَتكَ وَحُسْن الآداب في مُعَامَلَتِكَ وَالتَّسْلِيم لأَمْرِكَ وَالرِّضَا بِقَضَائِكَ وَالصَّبْر على بَلائِكَ وَالشُّكْر لِنَعْمَائِكَ ،
اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا مِنَ النِّفَاقِ وَأَخْلِصْ عَمَلَنَا مِنَ الرِّيَاء وَمَكْسَبَنَا مِنَ الرِّبَا وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَثَبِّتْهَا عَلَى طَاعَتِكْ ،
وَاغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ،
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
ِ