المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما العمل إذا جار الحاكم على الناس لكن لم يروا الكفر البواح منه ؟


أم كريم
02-05-2011, 04:33 PM
ما العمل إذا جار الحاكم على الناس لكن لم يروا الكفر البواح منه ؟
في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح مسلم قالت : قال رسول الله http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif : سيكون بعدي أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا: أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة .

وحديث أم سلمة يجمع ركني التعامل مع أئمة الجور ، فلا يجوز منابذتهم بالسلاح ، ولا يجوز السكوت على منكراتهم .

فقوله : "فمن أنكر فقد برئ" أي فقد برئ من تبعات المنكر كاملة وأدى ما وجب عليه دون نقصان .
وقوله : "ومن كره فقد سلم" أي سلم من أن يكون شريكا في المنكر وإن لم يسلم من تبعاته كلها لأنه لم ينكر .
ولكن من "رضي وتابع" فهذا لم يبرأ ولم يسلم بل هو شريك في الإثم مع الفاعل .

وفي صحيح مسلم أيضاً في حديث الأمراء : "ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ."
والجهاد باليد على الأمراء مشروع للقادر ما لم يكن بالسيف نص عليه الإمام أحمد .

وعند الثلاثة قال http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif : "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ."
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif :".. ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصرا » ، وفي رواية فيها زيادة "أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم ."

ولننظر إلى ما حل بأهلنا في جدة من الغرق بسبب أننا رأينا الظالم يسرق ويغش ويرشي ولم نأخذ على يديه فعمنا الله بعقاب من عنده ، وما جرى على أهلنا في تونس ومصر وغيرهما حين تراكم الفساد فتجمع حتى تفجر .

وقد ثبت عند البخاري في تاريخه الكبير وغيره "أن عمر بن الخطاب قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أو ثلاثا: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد : لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح ـ أي عود السهم ـ فقال عمر: أنتم إذاً أنتم ."

ونحن في العالم الثالث نعيش في هذه الأيام فرصة عظيمة للتصحيح والتغيير للأفضل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم .

فالحكام رأوا بأعينهم ما لم يروه من أزمان ، فبعد الذي جرى على صدام حسين ، ثم عمر البشير في السودان وتكتل دول الغرب عليه ، ثم طوفان تونس العظيم ، وما يجري الآن في مصر واليمن والأردن ، وطريقة تعامل التكتلات العالمية في الغرب أو الشرق مع الأنظمة الحاكمة ، وكثرة التقلبات وعدم ثبات الكلمة ، وبراءتهم من عملائهم وخدمهم كما فعلوا مع (ابن علي) ، وموقفهم مما يجري في مصر ، فصديق الأمس عندهم أصبح عدو َاليوم ، بعد هذا يجب أن يصبح من البدهيات : أن تدرك الأنظمة الحاكمة أنها لم يبق لها بعد الله إلا شعوبها ومحبتها لهم .

فالواجب هنا أن تمتد جسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحكام والشعوب (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران :110] فكل بحسبه :

من كان يستطيع إيصال النصيحة مباشرة إلى المسؤول فهذا واجبه ، فإن كان الرفق أحرى بقبول النصيحة فليترفق ، وإن كانت الشدة أبلغ في تأثير النصيحة فلا عليه فإن "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ."

ومن لم يستطع فليوصل نصحه بالبرقية أو الفاكس أو بلقاء مدير المكتب وغير ذلك من الوسائل ، مع تتابع النصح على الحاكم أو من ينيبه بخصوص هذا الفاسد .

فإن لم يجدِ ذلك فيجري التشهير به وفضحه في كل ميدان كما قال تعالى (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : 148] وسرقة أموال المشاريع العامة من الظلم البين ، وإذا كان الزاني والزانية يأمر الله بالتشهير بهما (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور : 2] ، فكيف بالفساد المالي وسرقة الملايين التي رصدت لحاجة الناس الضرورية ومرافقهم الهامة من المستشفيات والمواصلات والاتصالات وغيرها ؛ فهذه من باب أولى .

وعند أبي داود والبخاري في الأدب المفرد عن ابي هريرة قال " قال رجل : يارسول الله إن لي جارا يؤذيني , فقال : انطلق فاخرج متاعك الى الطريق , فانطلق فاخرج متاعه فاجتمع الناس عليه , فقالوا : ما شأنك ؟ قال : لي جار يؤذيني , فذكرت للنبي http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif فقال : انطلق فاخرج متاعك الى الطريق , فجعلوا يقولون : اللهم العنه , اللهم اخزيه , فبلغه , فأتاه , فقال : ارجع الى منزلك , فوالله لا اوذيك ."

ولا يلزم أن يقوم أهل العلم والدعوة بذلك لكن لا يمنعون منه ويثنون عليه إن كان وفق ميزان القسط ، في مسائل الخلال عن إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال : حضرت العيد مع أحمد بن حنبل ، فإذا بقاص يقول : على ابن أبي دواد اللعنة ، وحشا الله قبره نارا .
فقال أبو عبد الله : ما أنفعهم للعامة . !
وهذا قيل في وزير الدولة في محفل عام لما تجرأ ودعا الناس إلى بدعة خلق القرآن .

وهؤلاء الفاسدون من المسؤولين والوزراء وأمراء المناطق وأمناء البلديات وأشباههم لن يردعهم إلا الخوف ، ونحن نعيش فرصة من الزمن سانحة من حسن التدبير ألا نضيعها ،

فأقترح الآتي بالنسبة للتعامل مع هذا النوع من المسؤولين وهو الجائر وليس بكافر :

(1) يتم تكوين لجان أهلية احتسابية خاصة بهذا النوع من الفساد يكون لها إدارة تطوعية وحضور بارز على الشبكة للتواصل مع الجمهور ، وليس المقصود من هذه اللجان التحريض ولا يجوز هذا ، بل المراد التقويم ومعالجة القضايا قبل استفحالها ، ولذا كانت اللفظة التي اختارها بشير بن سعد لعمر الفاروق (نقومك تقويم القِدْح( وتقويم عود السهم فيه بري وتهذيب لا كسر ، وقد يحتاج مثل هذا البري حيناً بعد حين إلى حدة مشروعة فإن الوقوف أمام أهواء النفوس يبعث فيها من الغضب الشيطاني والإنتصار للهوى ما هو مشاهد في كل عصر .

وضرورة هذا في إصلاح أمر الولايات مدركة بالعقل قبل النقل ، ولذا تجد في بلاد الغرب سوقاً قائمة على أشدها لمحاسبة المسؤولين من قبل هذه الجهات الأهلية ، وقد أثمر هذا شفافية وصلاحاً في شؤون الدنيا لا يخفى حتى على الأعشى بل والأعمى ، ونحن أحق بهذا منهم ، وقد قال عمرو بن العاص رضي الله عنه كما في صحيح مسلم في شأن الروم : وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك ."

(2) من عرف بالفساد يتواطأ الناس من خلال الوسائل الإعلامية والمنابر المتاحة وهي كثيرة على فضحهم بالبرهان الموثوق .

(3) الإلحاح بإرسال البرقيات على محاسبتهم ، ويتقدم المئات لطلب مقابلة المسؤول الأعلى أو من ينوبه لشرح الموقف من هؤلاء المفسدين .

(4) التواصي بالصبر على ذلك مهما طال الزمن وشق العمل حتى يؤتي العمل ثماره .

يتم ترتيب ذلك بأسلوب يجمع القوة والحكمة معاً ، حتى يتم تطهير بلادنا وبلاد المسلمين من الفساد الذي نخر في عظام كثيرة من مجتمعاتنا المسلمة وللأسف الشديد .

وأما من زعم أن نصيحة الوالي لا تكون إلا بالسر للحديث السابق "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه" والحديث أسانيده قوية وإن كان أعرض عنه أصحاب الكتب الستة ، فلو صح هذا الخبر لكان من العام الذي أريد به الخصوص ، فيكون في المعصية الخاصة دون ما يجهر به ، أو في الوالي العدل الذي لا يقصد الجور لكن يجتهد وقد يكون الحق معه أو مع من نصحه ، أما من ظهر جوره لظلمه أو لضعفه ولم تُجدِ معه نصيحة السر فلا بد من الجهر وإن احتاج الأمر إلى شدة فلا بأس من دون خروج ولا تحريض على خروج .

وهذا هو الجمع بين هذا الحديث وما في معناه والأحاديث التي أمرت بالأخذ على يديه وأطره على الحق وجهاده باليد وهي أحاديث صحاح مشاهير ، وعمل الصحابة والسلف يدل عليه ، كما في أثر عمر السابق ، وفي صحيح مسلم عن حصين بن عبد الرحمن السلمي قال: كنت إلى جنب عمارة بن رويبة السلمي رضي الله عنه والأمير بشر بن مروان يخطب، فلما دعا رفع يديه، فقال عمارة : قبح الله هاتين اليدين رأيت رسول الله http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif وهو يخطب إذا دعا يقول هكذا ورفع السبابة وحدها .

وعند مسلم أيضاً عن طارق بن شهاب رضي الله عنه أنه قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل ، فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنالك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ؛ سمعت رسول الله http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif يقول :"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ."

ويدل عليه أن القاعدة عند أهل العلم أن من جهر بمعصيته يجهر بالإنكار عليه ففي فتح الباري (17 / 238) قال الحافظ : وقد ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به .

وفي الفتاوى الكبرى (3 / 434) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من فعل شيئا من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " فإن كان الرجل متسترا بذلك وليس معلنا له أنكر عليه سرا وسترا عليه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم "من ستر عبدا ستره الله في الدنيا والآخرة" إلا أن متعدي ضرره والمتعدي لا بد من كف عدوانه وإذا نهاه المرء سرا فلم ينهه فعل ما ينكف به من هجر وغيره إذا كان ذلك أنفع في الدين ، وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره .

والحاكم أو المسؤول كغيره تبدأه بالرفق والحكمة بل هو أولى من غيره بذلك وتتحين أسباب الإجابة ، فإن لم يستجب كان لابد من الأخذ على يديه شيئا فشيئا بحسب القدرة حتى لا يعمنا الله بعذاب من عنده ، والحاكم والمحكوم كاليدين تنظف كل واحدة منهما الأخرى ، وقد يكون الوسخ يسيراً فينظف من دون عرك ، وقد يحتاج إلى عرك شديد ، وقد قال الله لموسى عليه السلام في أول أمره مع فرعون (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)[طه : 43 ، 44] ، فلما ظهر استكباره وعناده قال موسى لفرعون (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) [الإسراء : 102]

وختاما .. ما أجمل أن نكون كما قال http://www.islamdor.com/vb/images/smilies/sala.gif : "خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ " لا كما في تتمة الحديث "وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ" رواه مسلم ، ومن سنن الله الجارية في كونه أن من أمن العقوبة أساء الأدب حاكماً كان أو محكوماً .

اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شر شرارنا ، وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا على الحق والعدل ، وارزقنا معرفة بمواطن رضاك وقوة فيها وصبراً عليها ، والله الهادي إلى سواء السبيل ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عصام بن صالح العويّد
كلية أصول الدين بالرياض

*زهرة الفردوس*
02-06-2011, 06:29 AM
جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ يا حبيبه

أم كريم
02-06-2011, 06:05 PM
أحسن الله إليكِ غاليتي وبارك فيكِ

قرة العين
02-07-2011, 01:08 PM
اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شر شرارنا ، وألف بين قلوبنا واجمع كلمتنا على الحق والعدل ، وارزقنا معرفة بمواطن رضاك وقوة فيها وصبراً عليها ،