المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : انفراد :: ((استمتع بحياتك)) :: للشيخ الدكتور محمد العريفي


أبو سيف
12-25-2007, 06:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

استمتع بحياتك
فنون التعامل مع الناس في ظل السيرة النبوية

د. محمد العريفي حفظه الله

(يُعرض على حلقات)


نقلا عن شيخنا الحبيب
(أبو الفرج -حفظه الله - )

أبو سيف
12-25-2007, 06:06 PM
مدخل ..
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ..
لما كنت في السادسة عشرة من عمري وقع في يدي كتاب ( فن التعامل مع الناس ) لمؤلفه ( دايل كارنيجي ) كان كتابًا رائعًا قرأته عدة مرات ..
كان كاتبه اقترح أن يعيد الشخص قراءته كل شهر .. ففعلت ذلك .. جعلت أطبق قواعده عند تعاملي مع الناس فرأيت لذلك نتائج عجيبة ..
كان كارنيجي يسوق القاعدة ويذكر تحتها أمثلة ووقائع لرجال تميزوا من قومه .. روزفلت .. لنكولن .. جوزف .. مايك .. فتأملت فوجدت أن الرجل يؤلف ويوجّه لأجل سعادة الدنيا فماذا لو عرف الإسلام وأخلاقه .. فحصَّل سعادة الدارين ! ..
ماذا لو جعل مهارات التعامل عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه ..
ثم اكتشفت أن كارنيجي مات منتحرًا فأيقنت أن كتابه على حسنه وروعته .. لم ينفعه ..
فبحثت في تاريخنا فرأيت أن في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومواقف المتميزين من رجال أمتنا ما يغنينا .. فبدأت من ذلك الحين أؤلف هذا الكتاب في فن التعامل مع الناس ..
فهذا الكتاب الذي بين يديك ليس وليد شهر أو سنة .. بل هو نتيجة دراسات قمت بها لمدة عشرين عامًا .. ومع أن الله تعالى قد منَّ عليَّ بتأليف قرابة العشرين عنوانًا إلى الآن .. تجاوزت طبعات بعضها المليوني نسخة ..
إلا أني أجد أن أحب كتبي إليَّ وأغلاها إلى قلبي .. وأكثرها فائدة علمية
ـ فيما أظن ــ هو هذا الكتاب الذي كتبت كلماته بمداد خلطته بدمي .. سكبت روحي بين أسطره .. عصرت ذكرياتي فيه ..
جعلتها كلمات من القلب إلى القلب .. وأقسم أنها خرجت من قلبي مشتاقة أن يكون مستقرها قلبك .. فرحماك بها ..
ما أعظم سروري لو علمت أن قارئًا أو قارئة لهذه الورقات طبق ما فيه .. فشعر وشعر غيره بتطور مهاراته .. وازدادت متعته في حياته ..
فسطر بيمينه الطاهرة ـ مشكورًا ـ رسالة عبر فيها عن رأيه .. وصوّر مشاعره بصدق وصراحة .. ثم أرسلها عبر بريد أو رسالة جوال sms إلى كاتب هذه السطور .. لأكون للطفه شاكرًا .. وبظهر الغيب له داعيًا ..
أسأل الله أن ينفع بهذه الورقات .. وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ..
كتبه الداعي لك بالخير
د . محمد بن عبد الرحمن العريفي
arefe5@yahoo.com (arefe5@yahoo.com)
ص . ب 151597 الرياض 11775
هاتف : 00966505845140 ــ فاكس : 0096612440062


بداية
ليست الغاية أن تقرأ كتابًا .. بل الغاية أن تستفيد منه ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:08 PM
هؤلاء لن يستفيدوا ..
أذكر أن رسالة جاءتني على هاتفي المحمول .. نصها : فضيلة الشيخ .. ما حكم الانتحار ؟
فاتصلت بالسائل فأجاب شاب في عمر الزهور ..
قلت له : عفوًا لم أفهم سؤالك .. أعد السؤال !
فأجاب بكل تضجر : السؤال واضح .. ما حكم الانتحار ؟
فأردت أن أفاجئه بجواب لا يتوقعه فضحكت وقلت : مستحب ..
صرخ : ماذا ؟!
قلت : ما رأيك أن نتعاون في تحديد الطريقة التي تنتحر بها ؟
سكت الشاب ..
فقلت : طيب .. لماذا تريد أن تنتحر ؟
قال : لأني ما وجدت وظيفة .. والناس ما يحبونني .. وأصلاً أنا إنسان فاشل ..
و .. وانطلق يروي لي قصة مطولة تحكي فشله في تطوير ذاته .. وعدم استعداده للاستفادة بما هو متاح بين يديه من قدرات ..
وهذه آفة عند الكثيرين ..
لماذا ينظر أحدنا إلى نفسه نظرة دونية ؟
لماذا يلحظ ببصره إلى الواقفين على قمة الجبل ويرى نفسه أقل من أن يصل إلى القمة كما وصلوا .. أو على الأقل أن يصعد الجبل كما صعدوا ..
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
تدري من الذي لن يستفيد من هذا الكتاب ، ولا من أي كتاب آخر من كتب المهارات ؟!
إنه الشخص المسكين الذي استسلم لأخطائه وقنع بقدراته ، وقال : هذا طبعي الذي نشأت عليه .. وتعودت عليه ، ولا يمكن أن أغير طريقتي .. والناس تعودوا عليَّ بهذا الطبع .. أما أن أكون مثل خالد في طريقة إلقائه .. أو أحمد في بشاشته .. أو زياد في محبة الناس له ..
فهذا محال ..
جلست يومًا مع شيخ كبير بلغ من الكبر عتيًا .. في مجلس عام ، كل من فيه عوام متواضعو القدرات .. وكان الشيخ يتجاذب أحاديث عامة مع من بجانبه ..
لم يكن يمثل بالنسبة لمن في المجلس إلا واحدًا منهم له حق الاحترام لكبر
سنه .. فقط ..
ألقيت كلمة يسيرة .. ذكرت خلالها فتوى للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز .. فلما انتهيت .. قال لي الشيخ مفتخرًا : أنا والشيخ ابن باز كنا زملاء ندرس في المسجد عند الشيخ محمد بن إبراهيم .. قبل أربعين سنة ..
التفتُّ أنظر إليه .. فإذا هو قد انبلجت أساريره لهذه المعلومة .. كان فرحًا جدًا لأنه صاحب رجلاً ناجحًا يومًا من الدهر ..
بينما جعلت أردد في نفسي : ولماذا يا مسكين ما صرت ناجحًا مثل ابن باز ؟
ما دام أنك عرفت الطريق لماذا لم تواصل .. ؟
لماذا يموت ابن باز فتبكي عليه المنابر .. والمحاريب .. والمكتبات .. وتئن أقوام لفقده .. وأنت ستموت يومًا من الدهر .. ولعله لا يبكي عليك أحد .. إلا
مجاملة .. أو عادة ..!!
كلنا قد نقول يومًا من الأيام .. عرفنا فلانًا .. وزاملنا فلانًا .. وجالسنا فلانًا !! وليس هذا هو الفخر .. إنما الفخر أن تشمخ فوق القمة كما شمخ ..
فكن بطلاً واعزم من الآن أن تطبق ما تقتنع بنفعه من قدرات .. كن ناجحًا .. اقلب عبوسك ابتسامة .. وكآبتك بشاشة .. وبخلك كرمًا .. وغضبك حلمًا .. اجعل المصائب أفراحًا .. والإيمان سلاحًا ..
استمتع بحياتك .. فالحياة قصيرة لا وقت فيها للغم .. أما كيف تفعل ذلك .. فهذا ما ألفت الكتاب لأجله .. كن معي وسنصل إلى الغاية بإذن الله ..

بقي معنا ..
البطل الذي لديه العزيمة والإصرار على أن يطور مهاراته ..
ويستفيد من قدراته ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:14 PM
ماذا سنتعلم ؟
يشترك الناس غالبًا في أسباب الحزن والفرح ..
فهم جميعًا يفرحون إذا كثرت أموالهم ..
ويفرحون إذا ترقوا في أعمالهم ..
ويفرحون إذا شفوا من أمراضهم ..
ويفرحون إذا ابتسمت الدنيا لهم .. وتحقّقت لهم مراداتهم ..
وفي الوقت نفسه .. هم جميعًا يحزنون إذا افتقروا ..
ويحزنون إذا مرضوا ..
ويحزنون إذا أُهينوا ..
فما دام ذلك كذلك .. فتعال نبحث عن طريق نديم بها أفراحنا .. ونتغلب بها على أتراحنا ..
نعم .. سنة الحياة أن يتقلب المرء بين حُلوةٍ ومُرةٍ .. أنا معك في هذا ..
ولكن لماذا نعطي المصائب والأحزان في أحيان كثيرة أكبر من حجمها .. فنغتم أيامًا .. مع إمكاننا أن نجعل غمنا ساعة .. ونحزن ساعات على ما لا يستحق الحزن .. لماذا ؟!
أعلم أن الحزن والغم يهجمان على القلب ويدخلانه من غير استئذان .. ولكن كل باب هم يفتح فهناك ألف طريقة لإغلاقه ..
هذا مما سنتعلمه ..
تعال إلى شيء آخر .. كم نرى من الناس المحبوبين .. الذين يفرح الآخرون بلقائهم .. ويأنسون بمجالستهم .. أفلم تفكر أن تكون واحدًا منهم .. ؟
لماذا ترضى أن تبقى دائمًا معجَبًا ( بفتح الجيم ) ولا تسعى لأن تكون معجِبًا
( بكسرها ) !!
هنا سنتعلم كيف تصبح كذلك ..
لماذا إذا تكلم ابن عمك في المجلس أنصت له الناس وملك أسماعهم .. وأعجبوا بأسلوب كلامه .. وإذا تكلمت أنت انصرفوا عنك .. وتنازعتهم الأحاديث الجانبية ؟!
لماذا ؟ مع أن معلوماتك قد تكون أكثر .. وشهادتك أعلى .. ومنصبك أرفع .. لماذا إذن استطاع ملك أسماعهم وعجزت أنت ؟!
لماذا ذاك الأب يحبه أولاده ويفرحون بمرافقته في كل ذهاب ومجيء .. وآخر لا يزال يلتمس من أولاده مرافقته وهم يعتذرون بصنوف الأعذار .. لماذا ؟!
أليس كلاهما أب ؟!!
ولماذا .. ولماذا ..
سنتعلم هنا كيفية الاستمتاع بالحياة ..
أساليب جذب الناس .. والتأثير فيهم .. تحمل أخطائهم ..
التعامل مع أصحاب الأخلاقيات المؤذية .. إلى غير ذلك ..
فمرحبًا بك ..


كلمة ..
ليس النجاح أن تكتشف ما يحب الآخرون ..
إنما النجاح أن تمارس مهارات تكسب بها محبتهم ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:16 PM
لماذا نبحث عن المهارات ؟
زرت إحدى المناطق الفقيرة لإلقاء محاضرة ..
جاءني بعدها أحد المدرسين القادمين من خارج المنطقة ..
قال لي : نود أن تساعدنا في كفالة بعض الطلاب ..
قلت : عجبًا !! أليست المدرسة حكومية .. مجانية ؟!
قال : بلى .. لكننا نكفلهم للدارسة الجامعية ..
قلت : كذلك الجامعة .. أليست حكومية .. بل تصرف للطلاب مكافآت ..
قال : سأشرح لك القصة ..
قلت : هاتِ ..
قال : يتخرج من الثانوية عندنا طلاب نسبتهم المئوية لا تقل عن 99% .. يملك من الذكاء والفهم قدرًا لو وُزِّع على أمة لكفاهم ..
فإذا تخرج وعزم أن يسافر خارج قريته ليدرس في الطب أو الهندسة .. أو
الشريعة .. أو الكمبيوتر .. أو غيرها .. منعه أبوه وقال : يكفي ما تعلمت .. فاجلس عندي لرعي الغنم ..
صرخت من غير شعور : رعي الغنم !!
قال : نعم .. رعي الغنم ..
وفعلاً يجلس المسكين عند أبيه يرعى الغنم .. وتموت هذه القدرات والمهارات .. وتمضي عليه السنين وهو راعي غنم .. بل قد يتزوج .. ويرزق بأولاد .. ويمارس معهم أسلوب أبيه .. فيرعون الغنم !!
قلت : والحل ؟!
قال : الحل أننا نقنع الأب باستخدام عامل موظّف راعي غنم .. يستأجره ببضع مئات من الريالات .. ندفعها نحن له .. وولده النابغة يستثمر مواهبه وقدراته .. ونتكفل بمصاريف الولد أيضًا حتى يتخرج ..
ثم خفض المدرس رأسه .. وقال : حرام أن تموت المواهب والقدرات في صدور أصحابها .. وهم يتحسرون عليها ..
تفكرت في كلامه بعدها .. فرأيت أننا لا يمكن أن نصل إلى القمة إلا بممارسة مهارات .. أو اكتساب مهارات ..
نعم .. أتحدى أن تجد أحدًا من الناجحين .. سواء في علم .. أو دعوة .. أو خطابة .. أو تجارة .. أو طب .. أو هندسة .. أو كسب محبة الناس ..
أو الناجحين أسريًا .. كأب ناجح مع أولاده .. أو زوجة ناجحة مع زوجها ..
أو اجتماعيًا .. كالناجح مع جيرانه وزملائه ..
أعني الناجحين .. ولا أعني الصاعدين على أكتاف الآخرين ..!!
أتحدى أن تجد أحدًا من هؤلاء بلغ مرتبة في النجاح .. إلا وهو يمارس مهارات معينة ــ شعر أو لم يشعر ــ استطاع بها أن يصل إلى النجاح ..
قد يمارس بعض الناس مهارات ناجحة بطبيعته .. وقد يتعلم آخرون مهارات فيمارسونها .. فينجحون ..
نحن هنا نبحث عن هؤلاء الناجحين .. وندرس حياتهم .. ونراقب طريقتهم .. لنعرف كيف نجحوا ؟ وهل يمكن أن نسلك الطريق نفسه فننجح مثلهم .. ؟
استمعت قبل فترة إلى مقابلة مع أحد أثرياء العالم الشيخ سليمان الراجحي .. فوجدته جبلاً في خلقه وفكره ..
رجل يملك ا لمليارات .. آلاف العقارات .. بنى مئات المساجد .. كفل آلاف
الأيتام .. رجل في قمة النجاح ..
تكلم عن بداياته قبل خمسين سنة ..
كان من عامة الناس .. لا يكاد يملك إلا قوت يومه وربما لا يجده أحيانًا !
ذكر أنه ربما نظف بيوت بعض الناس ليكسب رزقه .. وربما واصل ليله بنهاره عاملاً في دكان أو مصرف ..
تكلم كيف كان في سفح الجبل .. ثم لا يزال يصعد حتى وصل القمة ..
جعلت أتأمل مهاراته وقدراته .. فوجدت أن الكثير منا يمكن أن يكون مثله بتوفيق الله .. لو تعلم مهارات وتدرب عليها .. وثابر وثبت .. نعم ..
أمر آخر يدعونا إلى البحث عن المهارات .. هو أن بعضنا يكون عنده قدرات على الإبداع لكنه غافل عنها .. أو لم يساعده أحد على إذكائها .. كقدرة على الإلقاء .. أو فكر تجاري .. أو ذكاء معرفي ..
قد يكتشف هذه القدرات بنفسه .. أو يذكي هذه المهارات مدرس .. أو مسئول وظيفي .. أو أخ ناصح .. وما أقلّهم .. وقد تبقى هذه المهارات حبيسة النفس حتى يغلبها الطبع السائر بين الناس .. وتموت في مهدها ..
ونفقد عندها قائدًا أو خطيبًا أو عالمًا .. أو ربما زوجًا ناجحًا أو أبًا ناصحًا ..
نحن هنا سنذكر مهارات متميزة نذكرك بها إن كانت عندك ..
وندربك عليها إن كنت فاقدًا لها .. فهلمّ ..

فكرة ..
إذا صعدت الجبل فانظر إلى القمة .. ولا تلتفت للصخور المتناثرة حولك ..
اصعد بخطوات واثقة .. ولا تقفز فتزل قدمك ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:17 PM
طوِّر نفسك ..
تجلس مع بعض الناس وعمره عشرون سنة .. فترى له أسلوبًا ومنطقًا وفكرًا معينًا .. ثم تجلس معه وعمره ثلاثون .. فإذا قدراته هي هيَ .. لم يتطور فيه
شيء ..
بينما تجلس مع آخرين فتجدهم يستفيدون من حياتهم .. تجده كل يوم متطورًا عن اليوم الذي قبله ..
بل ما تمر ساعة إلا ارتفع بها دينًا أو دنيا .. إذا أردت أن تعرف أنواع الناس في ذلك .. فتعال نتأمل في أحوالهم واهتماماتهم ..
القنوات الفضائية مثلاً .. من الناس من يتابع ما ينمي فكره المعرفي .. ويطور ذكاءه .. ويستفيد من خبرات الآخرين من خلال متابعة الحوارات الهادفة .. يكتسب منها مهارات رائعة في النقاش .. واللغة .. والفهم .. وسرعة البديهة .. والقدرة على المناظرة .. وأساليب الإقناع ..
ومن الناس من لا يكاد يفوته مسلسل يحكي قصة حب فاشلة .. أو مسرحية عاطفية .. أو فيلم خيالي مرعب .. أو أفلام لقصص افتراضية تافهة .. لا حقيقة لها ..
تعال بالله عليك .. وانظر إلى حال الأول وحال الثاني بعد خمس سنوات .. أو
عشر ..
أيهما سيكون أكثر تطورًا في مهاراته ؟
في القدرة على الاستيعاب ؟
في سعة الثقافة ؟
في القدرة على الإقناع ؟
في أسلوب التعامل مع الأحداث ؟
لا شك أنه الأول ..
بل تجد أسلوب الأول مختلفًا .. فاستشهاداته بنصوص شرعية .. أو أرقام
وحقائق ..
أما الثاني فاستشهاداته بأقوال الممثلين .. والمغنين ..
حتى قال أحدهم يومًا في معرض كلامه .. والله يقول : اِسْعَ يا عبدي وأنا أسعى معاك !!
فنبهناه إلى أن هذه ليست آية .. فتغير وجهه وسكت .. ثم تأملت العبارة .. فإذا الذي ذكره هو مثل مصري انطبع في ذهنه من إحدى المسلسلات !!
نعم .. كل إناء بما فيه ينضح ..
بل تعال إلى جانب آخر .. في قراءة الصحف والمجلات .. كم هم أولئك الذين يهتمون بقراءة الأخبار المفيدة والمعلومات النافعة التي تساعد على تطوير الذات .. وتنمية المهارات .. وزيادة المعارف .. بينما كم الذين لا يكادون يلتفتون إلى غير الصفحات الرياضية والفنية ؟!
حتى صارت الجرائد تتنافس في تكثير الصفحات الرياضية والفنية .. على حساب غيرها .. قل مثل ذلك في مجالسنا التي نجلسها .. وأوقاتنا التي نصرفها ..
فأنت إذا أردت أن تكون رأسًا لا ذيلاً .. احرص على تتبع المهارات أينما
كانت .. درِّب نفسك عليها ..
كان عبد الله رجلاً متحمسًا .. لكنه تنقصه بعض المهارات ..
خرج يومًا من بيته إلى المسجد ليصلي الظهر ..
يسوقه الحرص على الصلاة ويدفعه تعظيمه للدين .. كان يحث خطاه خوفًا من أن تقام الصلاة قبل وصوله إلى المسجد ..
مر أثناء الطريق بنخلة في أعلاها رجل بلباس مهنته يشتغل بإصلاح التمر .. عجب عبد الله من هذا الذي ما اهتم بالصلاة .. وكأنه ما سمع أذانًا ولا ينتظر إقامة .. !!
فصاح به غاضبًا : انزل للصلاة ..
فقال الرجل بكل برود : طيب .. طيب ..
فقال : عجل .. صل يا حمار !!
فصرخ الرجل : أنا حمار ..!! ثم انتزع عسيبًا من النخلة ونزل ليفلق به رأسه !!
غطى عبد الله وجهه بطرف غترته لئلا يعرفه .. وانطلق يعدو إلى المسجد ..
نزل الرجل من النخلة غاضبًا .. ومضى إلى بيته وصلى وارتاح قليلاً .. ثم خرج إلى نخلته ليكمل عمله ..
دخل وقت العصر وخرج عبد الله إلى المسجد .. مرّ بالنخلة فإذا الرجل فوقها .. فغير أسلوب تعامله ..
قال : السلام عليكم .. كيف الحال ..
قال : الحمد لله بخير ..
قال : بشر !! كيف الثمر هذه السنة ..
قال : الحمد لله ..
قال عبد الله : الله يوفقك ويرزقك .. ويوسع عليك .. ولا يحرمك أجر عملك وكدك لأولادك ..
ابتهج الرجل بهذا الدعاء .. فأمن على الدعاء وشكر ..
فقال عبد الله : لكن يبدو أنك لشدة انشغالك لم تنتبه إلى أذان العصر !!
قد أذن العصر .. والإقامة قريبة .. فلعلك تنزل لترتاح وتدرك الصلاة .. وبعد الصلاة أكمل عملك .. الله يحفظ عليك صحتك ..
فقال الرجل : إن شاء الله .. إن شاء الله ..
وبدأ ينزل برفق ..
ثم أقبل على عبد الله وصافحه بحرارة ..
وقال : أشكرك على هذه الأخلاق الرائعة .. أما الذي مر بي الظهر فيا ليتني أراه لأعلمه من الحمار !!

نتيجة ..
مهاراتك في التعامل مع الآخرين ..
على أساسها تتحدد طريقة تعامل الناس معك ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:18 PM
لا تبكِ على اللبن المسكوب ..
بعض الناس يعتبر طبعه الذي نشأ عليه .. وعرفه الناس به .. وتكونت في أذهانهم الصورة الذهنية عنه على أساسه .. يعتبره شيئًا لازمًا له لا يمكن تغييره .. فيستسلم له ويقنع .. كما يستسلم لطول جسمه أو لون بشرته .. إذ لا يمكن تغيير ذلك ..
مع أن الذكي يرى أن تغيير الطباع لعله أسل من تغيير الملابس !! فطباعنا ليست كاللبن المسكوب الذي لا يمكن تداركه أو جمعه .. بل هي بين أيدينا .. بل نستطيع بأساليب معينة أن نغير طباع الناس .. بل عقولهم ــ ربما ــ !!
ذكر ابن حزم في كتابه طوق الحمامة : أنه كان في الأندلس تاجر مشهور .. وقع بينه وبين أربعة من التجار تنافس .. فأبغضوه .. وعزموا على أن يزعجوه ..
فخرج ذات صباح من بيته متجهًا إلى متجره .. لابسًا قميصًا أبيض وعمامة
بيضاء .. لقيه أولهم فحياه ثم نظر إلى عمامته وقال : ما أجمل هذه العمامة الصفراء ..
فقال التاجر : أعميَ بصرُك ؟! هذه عمامة بيضاء ..
فقال : بل صفراء .. صفراء لكنها جميلة ..
تركه التاجر ومضى .. فلما مشى خطوات لقيه الآخر .. فحياه ثم نظر إلى عمامته ، وقال : ما أجملك اليوم .. وما أحسن لباسك .. خاصة هذه العمامة الخضراء ..
فقال التاجر : يا رجل العمامة بيضاء ..
قال : بل خضراء ..
قال : بيضاء .. اذهب عني ..
ومضى المسكين يكلم نفسه .. وينظر بين الفينة والأخرى إلى طرف عمامته المتدلي على كتفه .. ليتأكد أنها بيضاء ..
وصل إلى دكانه .. وحرك القفل ليفتحه .. فأقبل إليه الثالث : وقال : يا فلان .. ما أجمل هذا الصباح .. خاصة لباسك الجميل .. وزادت جمالك هذه العمامة الزرقاء ..
نظر التاجر إلى عمامته ليتأكد من لونها .. ثم فرك عينيه .. وقال : يا أخي عمامتي بيضااااااء ..
قال : بل زرقاء .. لكنها عمومًا جميلة .. لا تحزن ..
ثم مضى .. فجعل التاجر يصيح به .. العمامة بيضاء .. وينظر إليها .. ويقلب أطرافها ..
جلس في دكانه قليلاً .. وهو لا يكاد يصرف بصره عن طرف عمامته ..
دخل عليه الرابع .. وقال : أهلاً يا فلان .. ما شاء الله !! من أين اشتريت هذه العمامة الحمراء ؟!
فصاح التاجر : عمامتي زرقاء ..
قال : بل حمراء ..
قال التاجر : بل خضراء .. لا .. لا .. بل بيضاء .. لا .. زرقاء .. سوداء ..
ثم ضحك .. ثم صرخ .. ثم بكى .. وقام يقفز !!
قال ابن حزم : فلقد كنت أراه بعدها في شوارع الأندلس مجنونًا يحذفه الصبيان بالحصى ( ) .
فإذا كان هؤلاء بمهارات بدائية غيروا طبع رجل .. بل غيروا عقله ..
فما بالك بمهارات مدروسة .. منورة بنصوص الوحيين .. يمارسها المرء تبعدًا لله تعالى بها ..
فطبق ما تقف عليه من مهارات حسنة لتسعد ..
وإن قلت لي : لا أستطيع .. !
قلت : حاول ..
وإن قلت : لا أعرف .. !!
قلت : تعلم ..
وقد قال صلى الله عليه وسلم : إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ..

وجهة نظر ..
البطل يتجاوز القدرة على تطوير مهاراته ..
إلى القدرة على تطوير مهارات الناس .. وربما تغييرها !!

أبو سيف
12-25-2007, 06:19 PM
كن متميزًا ..
لماذا يتحاور اثنان في مجلس فينتهي حوارهما بخصومة .. بينما يتحاور آخران وينتهي الحوار بأنس ورضا .. إنها مهارات الحوار ..
لماذا يخطب اثنان الخطبة نفسها بألفاظها نفسها .. فترى الحاضرين عند الأول ما بين متثائب ونائم .. أو عابث بسجاد المسجد .. أو مغير لجلسته مرارًا .. بينما الحاضرون عند الثاني منشدون متفاعلون .. لا تكاد ترمش لهم عين أو يغفل لهم قلب .. إنها مهارات الإلقاء ..
لماذا إذا تحدث فلان في المجلس أنصت له السامعون .. ورموا إليه أبصارهم .. بينما إذا تحدث آخر انشغل الجالسون بالأحاديث الجانبية .. أو قراءة الرسائل من هواتفهم المحمولة .. إنها مهارات الكلام ..
لماذا إذا مشى مدرس في ممرات مدرسته رأيت الطلاب حوله .. هذا يصافحه .. وذاك يستشيره .. وثالث يعرض عليه مشكلة .. ولو جلس في مكتبه وسمح للطلاب بالدخول لامتلأت غرفته في لحظات ..
الكل يحب مجالسته ..
بينما مدرس آخر .. أو مدرسون .. يمشي أحدهم في مدرسته وحده .. ويخرج من مسجد المدرسة وحده .. فلا طالب يقترب مبتهجًا مصافحًا .. أو شاكيًا مستشيرًا .. ولو فتح مكتبه من طلوع الشمس إلى غروبها .. وآناء الليل وأطراف النهار .. لما اقترب منه أحد أو رغب في مجالسته ..
لماذا ؟!!
إنها مهارات التعامل مع الناس ..
لماذا إذا دخل شخص إلى مجلس عام هش الناس في وجهه وبشوا .. وفرحوا
بلقائه .. وود كل واحد لو يجلس بجانبه .. بينما يدخل آخر .. فيصافحونه مصافحة باردة ــ عادة أو مجاملة ــ ثم يتلفت يبحث عن مكان يجلس فيه فلا يكاد أحد يوسع له أو يدعوه للجلوس إلى جانبه .. لماذا ؟!!
إنها مهارات جذب القلوب والتأثير في الناس ..
لماذا يدخل أب إلى بيته فيهش أولاده له .. ويقبلون إليه فرحين .. بينما يدخل الثاني على أولاده .. فلا يلتفتون إليه .. إنها مهارات التعامل مع الأبناء ..
قل مثل ذلك في المسجد .. وفي الأعراس .. وغيرها ..
يختلف الناس بقدراتهم ومهاراتهم في التعامل مع الآخرين .. وبالتالي يختلف الآخرون في طريقة الاحتفاء بهم أو معاملتهم .. والتأثير في الناس وكسب محبتهم أسهل مما تتصور ..!
لا أبالغ في ذلك فقد جربته مرارًا .. فوجدت أن قلوب أكثر الناس يمكن صيدها بطرق ومهارات سهلة .. بشرط أن نصدق فيها ونتدرب عليها فنتقنها .. والناس يتأثرون بطريقة تعاملنا .. وإن لم نشعر ..
أتولى منذ ثلاث عشرة سنة الإمامة والخطابة في جامع كلية عسكرية ..
كان طريقي إلى المسجد يمر ببوابة يقف عندها حارس أمن يتولى فتحها وإغلاقها .. كنت أحرص إذا مررت به أن أمارس معه مهارة الابتسامة .. فأشير بيدي مسلمًا مبتسمًا ابتسامة واضحة .. وبعد الصلاة أركب سيارتي راجعًا للبيت ..
وفي الغالب يكون هاتفي المحمول مليئًا باتصالات ورسائل مكتوبة وردت أثناء الصلاة .. فأكون مشغولاً بقراءة الرسائل فيفتح الحارس البوابة فأمر به وعيني على هاتفي وأغفل عن التبسم ..
حتى تفاجأت به يومًا يوقفني وأنا خارج ويقول : يا شيخ ..! أنت زعلان مني ؟! قلت : لماذا ؟
قال : لأنك وأنت داخل تبتسم وتسلم وأنت فرحان .. أما وأنت خارج فتكون غير مبتسم ولا فرحان !! وكان رجلاً بسيطًا .. فبدأ المسكين يقسم لي أنه يحبني ويفرح برؤيتي .. فاعتذرت منه وبينت له سبب انشغالي ..
ثم انتبهت فعلاً إلى أن هذه المهارات مع تعودنا عليها تصير من طبعنا .. يلاحظها الناس إذا غفلنا عنها ..

إضاءة ..
لا تكسب المال وتفقد الناس ..
فإن كسب الناس طريق لكسب المال ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:20 PM
أي الناس أحب إليك ؟
تكون أقوى الناس قدرة على استعمال مهارات التعامل مع الآخرين عندما تتعامل مع كل أحد تعاملاً رائعًا يجعله يشعر أنه أحب الناس إليك .. فتتعامل مع أمك تعاملاً رائعًا مشبعًا بالتفاعل والأنس والاحتفاء إلى درجة أنها تشعر أن هذا التعامل الراقي لم يلقه أحد منك قبلها ..
وقل مثل ذلك عند تعاملك مع أبيك .. مع زوجتك .. أولادك .. زملائك .. بل قل مثله عند تعاملك مع من تلقاهم مرة واحدة .. كبائع في دكان .. أو عامل في محطة وقود ..
كل هؤلاء تستطيع أن تجعلهم يجمعون على أنك أحب الناس إليهم إذا أشعرتهم أنهم أحب الناس إليك ..
وقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك .. إذ إن من تتبع سيرته .. وجد أنه كان يتعامل بمهارات أخلاقية راقية .. فيعامل كل أحد يلقاه بمهارات من احتفاء وتفاعل وبشاشة .. حتى يشعر ذلك الشخص أنه أحب الناس إليه .. وبالتالي يكون هو أيضًا صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليهم .. لأنه أشعرهم بمحبته ..
كان عمرو بن العاص رضي الله عنه داهية من دهاة العرب .. حكمة وفطنة وذكاءً .. فأدهى العرب أربعة .. عمرو واحد منهم ..
أسلم عمرو وكان رأسًا في قومه .. فكان إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم في طريق رأى البشاشة والبشر والمؤانسة .. وإذا دخل مجلسًا فيه النبي صلى الله عليه وسلم رأى الاحتفاء والسعادة بمقدمه .. وإذا دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ناداه بأحب الأسماء إليه ..
شعر عمرو بهذا التعامل الراقي .. ودوام على الاهتمام والتبسم أنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأراد أن يقطع الشك باليقين .. فأقبل يومًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه .. ثم قال : يا رسول الله .. أي الناس أحب إليك ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : عائشة ..
قال عمروا : لا .. من الرجال يا رسول الله ؟ لست أسألك عن أهلك ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أبوها ..
قال عمرو : ثم من ؟
قال : ثم عمر بن الخطاب ..
قال : ثم أي .. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعدد رجالاً .. يقول : فلان .. ثم فلان .. بحسب سبقهم إلى الإسلام .. وتضحيتهم من أجله ..
قال عمرو : فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم ..
فانظر كيف استطاع صلى الله عليه وسلم أن يملك قلب عمرو بمهارات أخلاقية مارسها معه .. بل كان صلى الله عليه وسلم ينزل الناس منازلهم .. وقد يترك أشغاله لأجلهم .. لإشعارهم بمحبته لهم وقدرهم عنده ..
لما توسع صلى الله عليه وسلم بالفتوحات وبدأ ينتشر الإسلام .. جعل صلى الله عليه وسلم يرسل الدعاة من عنده لدعوة القبائل إلى الإسلام .. وربما احتاج الأمر أن يرسل جيشًا .. وكان عدي بن حاتم الطائي .. ملكًا ابن ملك .. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى قبيلة ( طيء ) .. وكان عدي قد هرب من الحرب فلم يشهدها .. واحتمى بالروم في الشام ..
وصل جيش المسلمين إلى ديار طيء .. كانت هزيمة طيء سهلة .. فلا ملك يقود .. ولا جيش مرتب .. وكان المسلمون في حروبهم .. يحسنون إلى الناس .. ويعطفون وهم في قتال .. كان المقصود صد كيد قوم عدي عن المسلمين .. وإظهار قوة المسلمين لهم ..
أسر المسلمون بعض قوم عدي .. وكان من بينهم أخت لعدي بن حاتم .. مضوا بالأسرى إلى المدينة .. حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بفرار عدي إلى الشام .. فعجب صلى الله عليه وسلم من فراره !! كيف يفر من الدين ؟ كيف يترك قومه ؟
ولكن لم يكن إلى الوصول إلى عدي سبيل .. لم يطب المقام لعدي في ديار الروم .. فاضطر للرجوع لديار العرب .. ثم لم يجد بدًا من أن يذهب إلى المدينة للقاء النبي صلى الله عليه وسلم ومصالحته .. أو التفاهم على شيء يرضيهما .. ( ) .
يقول عدي وهو يحكي قصة ذهابه إلى المدينة :
ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني .. وكنت على دين النصرانية .. وكنت ملكًا في قومي لما كان يصنع بي .
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته كراهية شديدة .. فخرجت حتى قدمت الروم على قيصر ..
قال : فكرهت مكاني ذلك ..
فقلت : والله لو أتيت هذا الرجل .. فإن كان كاذبًا لم يضرني .. وإن كان صادقًا علمت .. فقدمت فأتيته ..
فلما دخلت المدينة جعل الناس يقولون : هذا عدي بن حاتم .. هذا عدي بن
حاتم .. فمشيت حتى أتيت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال لي : عدي بن حاتم ؟
قلت : عدي بن حاتم ..
فرح النبي صلى الله عليه وسلم بمقدمه .. واحتفى به .. مع أن عديًا محارب للمسلمين وفارٌّ من الحرب .. ومبغض للإسلام .. ولاجئٌ إلى النصارى ..
ومع ذلك لقيه صلى الله عليه وسلم بالبشاشة والبشر .. وأخذ بيده يسوقه معه إلى بيته .. عدي وهو يمشي بجانب النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن الرأسين متساويان ..!!
فمحمد صلى الله عليه وسلم ملك على المدينة وما حولها .. وعدي ملك على جبال طي وما حولها ..
ومحمد صلى الله عليه وسلم على دين سماوي ( الإسلام ) .. وعدي على دين سماوي ( النصرانية ) ..
ومحمد صلى الله عليه وسلم عنده كتاب منزل ( القرآن ) .. وعدي عند كتاب منزل ( الإنجيل ) ..
كان عدي يشعر أنه لا فرق بينهما إلا في القوة والجيش ..
في أثناء الطريق وقعت ثلاثة مواقف :
بينما هما يمشيان إذا بامرأة قد وقفت في وسط الطريق فجلعت تصيح : يا رسول الله .. لي إليك حاجة .. فانتزع النبي صلى الله عليه وسلم يده من يد عدي ومضى إليها .. وجعل يستمع إلى حاجتها ..
عدي بن حاتم .. الذي قد عرف الملوك والوزراء جعل ينظر إلى هذا المشهد .. ويقارن تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس بتعامل من رآهم من قبل من الرؤساء والسادة .. فتأمل طويلاً ثم قال : والله ما هذه بأخلاق الملوك .. هذه أخلاق الأنبيااااااء ..
وانتهت المرأة من حاجتها .. فعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدي .. ومضيا يمشيان .. فبينما هما كذلك .. فإذا برجل يقبل على النبي صلى الله عليه وسلم ..
فماذا قال الرجل ؟
هل قال : يا رسول الله عندي أموال زائدة أبحث لها عن فقير ؟! أم قال : حصدت أرضي وزاد عندي الثمر .. فماذا أفعل به ؟
يا ليته قال شيئًا من ذلك .. لعل عديًا إذا سمعه يشعر بغنى المسلمين وكثرة أموالهم ..
قال الرجل : يا رسول الله .. أشكو إليك الفاقة والفقر ..
ما يكاد هذا الرجل يجد طعامًا يسد به جوع أولاده .. ومن حوله من المسلمين يعيشون على الكفاف ليس عندهم ما يساعدونه به ..
قال الرجل هذه الكلمات وعدي يسمع .. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات ومضى .. فلما مشيا خطوات .. أقبل رجل آخر .. قال : يا رسول الله أشكو إليك قطع الطريق !!
يعني أننا يا رسول الله لكثرة أعدائنا حولنا لا نأمن أن نخرج عن بنيان المدينة لكثرة من يعترضنا من كفار أو لصوص ..
أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات ومضى .. جعل عدي يقلب الأمر في نفسه .. هو في عز وشرف في قومه .. وليس له أعداء يتربصون به ..
فلماذا يدخل هذا الدين الذي أهله في ضعف ومسكنة .. وفقر وحاجة ..
وصلا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم .. فدخلا .. فإذا وسادة واحدة فدفعها النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدي إكرامًا له .. وقال : خذ هذه فاجلس عليها .. فدفعها عدي إليه قال : بل اجلس عليها أنت .. فقال صلى الله عليه وسلم : بل أنت .. حتى استقرت عند عدي فجلس عليها ..
عندها .. بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يحطم الحواجز بين عدي والإسلام .. يا عدي أسلم .. تسلم .. أسلم تسلم .. أسلم تسلم ..
قال عدي : إني على دين ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أنا أعلم بدينك منك ..
قال : أنت أعلمُ بديني مني ؟
قال : نعم .. ألست من الركوسية ..
والركوسية ديانة نصرانية مشرّبة بشيء من المجوسية .. فمن مهارته صلى الله عليه وسلم في الإقناع أنه لم يقل ألست نصرانيًا .. وإنما تجاوز هذه المعلومة إلى معلومة أدق منها فأخبره بمذهبه في النصرانية تحديدًا ..
كما لو لقيك شخص في أحد بلاد أوروبا وقال لك : لماذا لا تتنصر ؟
فقلت : إني على دين ..
فلم يقل لك : ألست مسلمًا .. ولم يقل : ألست سُنِّيًا .. وإنما قال : ألست
شافعيًا .. أو حنبليًا ..
عندها ستدرك أنه يعرف كل شيء عن دينك ..
فهذا الذي فعله المعلم الأول صلى الله عليه وسلم مع عدي .. قال : ألست من الركوسية ..
فقال عدي : بلى ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فإنك إذا غزوت مع قومك تأكل فيهم المرباع ؟ ( )
قال : بلى ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فإن هذا لا يحل لك في دينك ..
فتضعضع لها عدي .. وقال : نعم ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أما إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام ..
أنك تقول : إنما اتبعه ضعفة الناس ومن لا قوة لهم .. وقد رمتهم العرب ..
يا عدي .. أتعرف الحيرة ؟ ( )
قلت : لم أرها وقد سمعت بها ..
قال : فوالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ..
أي سيقوى الإسلام إلى درجة أن المرأة المسلمة الحاجة تخرج من الحيرة حتى تصل إلى مكة ليس معها إلا محرم .. من غير أحد يحميها ..
وتمر على مئات القبائل فلا يجرؤ أحد أن يعتدي عليها أو يسلبها مالها .. لن المسلمين صار لهم قوة وهيبة .. إلى درجة أن أحدًا لا يجرؤ على التعرض لمسلم خوفًا من انتصار المسلمين له ..
فلما سمع عدي ذلك .. جعل يتصور المنظر في ذهنه .. امرأة تخرج من العراق حتى تصل إلى مكة .. معنى ذلك أنها ستمر بشمال الجزيرة .. يعني ستمر بجبال
طي .. ديار قومه ..
فتعجب عدي وقال في نفسه : فأين عنها ذُعّار طي الذين سعروا البلاد !!
ثم قال صلى الله عليه وسلم : وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز ..
قال : كنوز ابن هرمز ؟
قال : نعم كسرى بن هرمز .. ولتنفقن أمواله في سبيل الله ..
قال صلى الله عليه وسلم : ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه ..
يعني من كثرة المال يخرج الغني يطوف بصدقته لا يجد فقيرًا يعطيه إياها .. ثم بدأ صلى الله عليه وسلم يعظ عديًا ويذكره بالآخرة ..
فقال : وليلقين الله أحدُكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم ، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم ..
سكت عدي متفكرًا ..
ففاجأه صلى الله عليه وسلم قائلاً : يا عدي .. فما يفرك أن تقول لا إله إلا الله ؟ .. أو تعلم من إله أعظم من الله ؟!
قال عدي : فإني حنيف مسلم .. أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ..
فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم فرحًا مستبشرًا ..
قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار .. ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى .. والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قالها.. ( ) .
فتأمل كيف كان هذا الأنس منه صلى الله عليه وسلم لعدي .. وهذا الاحتفاء الذي قابله به .. حتى شعر به عدي .. تأمل كيف كان كل ذلك جاذبًا لعدي للدخول في الإسلام ..
فلو مارسنا هذا الحب مع الناس .. مهما كانوا .. لملكنا قلوبهم ..

فكرة ..
بالرفق واستعمال مهارات التعامل والإقناع ..
نستطيع أن نحقق ما نريد ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:25 PM
استمتع بالمهارات ..
المهارات متعة حسية ، لا أعني بها الأجر الأخروي فقط ، لا وإنما هي متعة وفرح تشعر به حقيقة .. فاستمتع بها ، ومارسها مع جميع الناس ، كبيرهم
وصغيرهم ، غنيهم وفقيرهم ، قريبهم وبعيدهم .. كلهم .. مارس معهم هذه المهارات .. إما لاتقاء أذاهم .. أو لكسب محبتهم .. أو لإصلاحهم ..
نعم إصلاحهم ..
كان علي بن الجهم شاعرًا فصيحًا .. لكنه كان أعرابيًا جلفًا لا يعرف من الحياة إلا ما يراه في الصحراء .. وكان المتوكل خليفة متمكنًا .. يُغدى عليه ويراح بما يشتهي ..
دخل علي بن الجهم بغداد يومًا فقيل له :
إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه الأعطيات ..
فاستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة .. دخل على المتوكل ..
فرأى الشعراء ينشدون ويربحون .. والمتوكل هو المتوكل .. سطوة وهيبة وجبروت .. فانطلق مادحًا الخليفة بقصيدة مطلعها :
يا أيها الخليفة ..
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمتك دلوًا
من كبار الدلا كثير الذَّنُوب
ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب .. بعدما كان يُشبه بالشمس والقمر والجبال !!
فثار الخليفة .. وانتفض الحراس .. واستل السياف سيفه .. وفرش النطع .. وتجهز للقتل .. فأدرك الخليفة أن علي بن الجهم قد غلبت عليه طبيعته .. فأراد أن يغيرها .. فأمر به فاسكنوه في قصر منيف .. تغدو عليه أجمل الجواري وتروح بما يلذ ويطيب ..
ذاق علي بن الجهم النعمة .. واتكأ على الأرائك .. وجالس أرق الشعراء .. وأغزل الأدباء .. ومكث على هذا الحال سبعة أشهر ..
ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة .. فتذكر علي بن الجهم .. فسأل عنه ، فدعوه له ..
فلما مثل بين يديه .. قال : أنشدني يا علي بن الجهم ..
فانطلق منشدًا قصيدة مطلعها :
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدن لي الشوق القديم ولم أكن
سلوت ولكن زدن جمرًا على جمر
ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات .. ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف ..
فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم .. ونحن كم ضايقتنا طباع لأولادنا أو أصدقائنا فهل سعينا لتغييرها .. فغيرناها ..
ومن باب أولى أن تقدر أنت على تغيير طباعك .. فتقلب العبوس تبسمًا .. والغضب حلمًا .. والبخل كرمًا .. وهذا ليس صعبًا .. لكنه يحتاج إلى عزيمة ومراس .. فكن بطلاً ..
ومن نظر في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يتعامل مع الناس بقدرات أخلاقية ، ملك بها قلوبهم .. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتصنع هذه الأخلاق أمام الناس .. فإذا خلا بأهل بيته .. انقلب حلمه غضبًا .. ولينه غلظًا ..
لا .. ما كان بسامًا مع الناس عبوسًا مع أهل بيته ..
ولا كريمًا مع الخلق إلا مع ولده وزوجه ..
لا .. بل كانت أخلاقه سجية .. يتعبد لله تعالى بها .. كما يتعبد بصلاة الضحى وقيام الليل .. يحتسب ابتسامته قربة .. ورفقَه عبادة .. وعفوَه ولينَه حسنات ..
إن من اعتبر حسن الخلق عبادة .. تحلى بها في جميع أحواله .. في سلمه وحربه .. وجوعه وشبعه .. وصحته ومرضه .. بل وفرحه وحزنه ..
نعم .. كم من الزوجات تسمع عن أخلاق زوجها .. وسعة صدره .. وابتسامته وكرمه .. ولكنها لم تر من ذلك شيئًا .. فهو في بيته سيءُ الخلق .. ضيق
الصدر .. عابسُ الوجه .. صخاب لعان .. بخيل ومنان ..
أما هو صلى الله عليه وسلم فهو الذي قال : خيركم خيرُكم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ( ) وانظر كيف كان يتعامل مع أهله ..
قال الأسود بن يزيد : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟
فقالت : يكون في مهنة أهله .. فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج للصلاة .. وقل مثل ذلك مع الوالدين ..
فكم هم أولئك الذين نسمع عن حسن أخلاقهم .. وكرمهم وتبسمهم .. وجميل معاشرتهم للآخرين ..
أما مع أقرب الناس إليهم .. وأعظم الناس حقًا عليهم .. مع الوالدين والزوجة والأولاد فجفاء وهجر ..
نعم .. خيركم خيركم لأهله .. لوالديه .. لزوجه .. لخدمه .. بل ولأطفاله ..
في يوم مليء بالمشاعر .. يجلس أبو ليلى رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فيأتي الحسن أو الحسين يمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فيأخذه صلى الله عليه وسلم .. فيقعده على بطنه ..
فبال الصغير على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال أبو ليلى : حتى رأيت بوله على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم أساريع ..
قال : فوثبنا إليه .. فقال صلى الله عليه وسلم : دعوا ابني .. لا تفزعوا ابني ..
فلما فرغ الصغير من بوله .. دعا صلى الله عليه وسلم بماء فصبه عليه ( ) .
فلله دره كيف تروضت نفسه على هذه الأخلاق ..
فلا عجب إذن أن يملك قلوب الصغار والكبار ..


رأي ..
بدل أن تسب الظلام .. حاول إصلاح المصباح ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:27 PM
مع الفقراء ..
عدد من الناس اليوم أخلاقهم تجارية ..
فالغني فقط هو الذي تكون نكته طريفة فيضحكون عند سماعها .. وأخطاؤه صغيرة فيتغاضون عنها ..
أما الفقراء فنكتهم ثقيلة .. يسخر بهم عند سماعها .. وأخطاؤهم جسيمة .. يصرخ بهم عند وقوعها ..
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عطفه على الغني والفقير سواء ..
قال أنس رضي الله عنه : كان رجل من أهل البادية اسمه زاهر بن حرام ..
وكان ربما جاء المدينة في حاجة فيهدي للنبي صلى الله عليه وسلم من البادية شيئًا من أقط أو سمن .. فيُجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى أهله بشيء من تمر ونحوه .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه .. وكان يقول : « إن زاهرًا باديتنا .. ونحن حاضروه » .. وكان زاهرًا دميمًا ..
خرج زاهر رضي الله عنه يومًا من باديته .. فأتى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلم يجده .. وكان معه متاع فذهب به إلى السوق ..
فلما علم به النبي صلى الله عليه وسلم مضى إلى السوق يبحث عنه .. فأتاه فإذا هو يبيع متاعه .. والعرق يتصبب منه .. وثيابه ثياب أهل البادية بشكلها ورائحتها ..
فاحتضنه صلى الله عليه وسلم من ورائه ، وزاهر لا يُبصره .. ولا يدري من أمسكه ..
ففزع زاهر وقال : أرسلني .. من هذا ؟
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ..
فحاول زاهر أن يتخلص من القبضة .. وجعل يلتفت وراءه ..
فرأى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمأنت نفسه .. وسكن فزعه ..
وصار يُلصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه .. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمازح زاهرًا .. ويصيح بالناس يقول : من يشتري العبد ؟ .. من يشتري العبد ؟ ..
فنظر زاهر في حاله .. فإذا هو فقير كسير .. لا مال .. ولا جمال ..
فقال : إذًا والله تجدني كاسدًا يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : لكنك عند الله لست بكاسد .. أنت عند الله غال ..
فلا عجب أن تتعلق قلوب الفقراء به صلى الله عليه وسلم وهو يملكهم بهذه الأخلاق ..
كثير من الفقراء .. قد لا يعيب على الأغنياء البخل عليه بالمال والطعام .. لكنه يجد عليهم بخلهم باللطف وحسن المعاشرة ..
وكم فقير تبسمت في وجهه ..
وأشعرته بقيمته واحترامه ..
فرفع في ظلمة الليل يدًا داعية ..
يستنزل بها لك الرحمات من السماء ..
ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لايؤبه له .. لو أقسم على الله
لأبره .. فكن دائم البشر مع هؤلاء الضعفاء ..


إشارة ..
لعل ابتسامة في وجه فقير .. ترفعك عند الله درجات ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:29 PM
النساء ..
كان جدي يستشهد بمثل قديم : ( من غاب عن عنزه جابت تيس ) .. بمعنى أن من لم تجد عند زوجته .. ما يشبع عاطفتها .. ويروي نفسها .. فقد تحدثها نفسها بالاستجابة لغيره .. ممن يملك معسول الكلام ..
وليس مقصودهم بهذا المثل تشبيه الرجل والمرأة بالتيس والعنز .. معاذ الله .. المرأة شقيقة الرجل ..
ولئن كان الله قد وهب الرجل جسمًا قويًا .. فقد وهبها عاطفة قوية .. وكم رأينا سلاطين الرجال وشجعانهم تخور قواهم عند قوة عاطفة المرأة ..
ومن مهارات التعامل مع المرأة أن تعرف المفتاح الذي تؤثر من خلاله فيها : العاطفة .. فتقاتلها بسلاحها ..
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصيك بالإحسان إلى المرأة .. واحترام عاطفتها .. لأجل أن تسعد معها .. وأوصى الأب بالإحسان إلى بناته .. فقال : من عال جاريتين حتى تبلغا .. جاء يوم القيامة أنا وهو ، وضم أصابعه ( ) ..
وأوصى بها أولادها فإنه لما سأله رجل فقال :
من أحق الناس بحسن صحابتي ؟
قال : أمك .. ثم أمك .. ثم أمك .. ثم أبوك .. ( ) .
بل أوصى صلى الله عليه وسلم بالمرأة زوجها .. وذمّ من غاضب زوجته أو أساء إليها ..
وانظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد قام في حجة الوداع .. فإذا بين يديه مائةُ ألف حاج .. فيهم الأسود والأبيض .. والكبير والصغير .. والغني والفقير ..
صاح صلى الله عليه وسلم بهؤلاء جميعًا وقال لهم : ألا واستوصوا بالنساء خيرًا .. ألا واستوصوا بالنساء خيرًا ( ) ..
وفي يوم من الأيام أطاف بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشتكين أزواجهن ..
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .. قام .. وقال للناس : لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشتكين أزواجهن .. ليس أولئك بخياركم .. ( )
وقال صلى الله عليه وسلم : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي .. ( )
بل .. قد بلغ من إكرام الدين للمرأة .. أنها كانت تقوم الحروب .. وتسحق الجماجم .. وتتطاير الرؤوس .. لأجل عرض امرأة واحدة ..
كان اليهود يساكنون المسلمين في المدينة .. وكان يغيظهم نزولُ الأمر بالحجاب .. وتستُّر المسلمات .. ويحاولون أن يزرعوا الفساد والتكشف في صفوف المسلمات .. فما استطاعوا ..
وفي أحد الأيام جاءت امرأة مسلمة إلى سوق يهود بني قينقاع .. وكانت عفيفة متسترة .. فجلست إلى صائغ هناك منهم ..
فاغتاظ اليهود من تسترها وعفتها .. وودوا لو يتلذذون بالنظر إلى وجهها .. أو لمسِها والعبثِ بها .. كما كانوا يفعلون ذلك قبل إكرامها بالإسلام ..
فجعلوا يريدونها على كشف وجهها .. ويغرونها لتنزع حجابها .. فأبت ..
وتمنعت .. فغافلها الصائغ وهي جالسة .. وأخذ طرف ثوبها من الأسفل .. وربطه إلى طرف خمارها المتدلي على ظهرها ..
فلما قامت .. ارتفع ثوبها من ورائها .. وتكشفت أعضاؤها ..
فضحك اليهود منها .. فصاحت المسلمة العفيفة .. وودت لو قتلوها ولم يكشفوا عورتها ..
فلما رأى ذلك رجل من المسلمين .. سل سيفه .. وثب على الصائغ فقتله .. فشد اليهود على المسلم فقتلوه ..
فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .. وأن اليهود قد نقضوا العهد وتعرضوا للمسلمات .. حاصرهم .. حتى استسلموا ونزلوا على حكمه ..
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكل بهم .. ويثأر لعرض المسلمة العفيفة .. قام إليه جندي من جند الشيطان .. الذين لا يهمهم عرض المسلمات .. ولا صيانة المكرمات .. وإنما هَمُّ أحدهم متعة بطنه وفرجه ..
قام رأس المنافقين .. عبد الله بن أُبي بن سلول .. فقال : يا محمد أحسن في موالي اليهود .. وكانوا أنصاره في الجاهلية .. فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم .. وأبى .. إذ كيف يطلب العفو عن أقوام يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا !!
فقام المنافق مرة أخرى .. وقال : يا محمد أحسن إليهم .. فأعرض عنه
النبي صلى الله عليه وسلم .. صيانة لعرض المسلمات .. وغيرة على العفيفات ..
فغضب ذلك المنافق .. وأدخل يده في جيب درع النبي صلى الله عليه وسلم .. وجرَّه وهو يردد : أحسن إلى مواليّ .. أحسن إلى مواليّ .. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم والتفت إليه وصاح به وقال : أرسلني ..
فأبى المنافق .. وأخذ يناشد النبي صلى الله عليه وسلم العدول عن قتلهم ..
فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هم لك .. ثم عدل عن قتلهم .. لكنه صلى الله عليه وسلم أخرجهم من المدينة .. وطردهم من ديارهم .. نعم المرأة الضعيفة تستحق أكثر من ذلك ..
كانت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها من الصحابيات الصالحات ..
وكان زوجها أوس بن الصامت شيخًا كبيرًا يسرع إليه الغضب .. دخل عليها يومًا راجعًا من مجلس قومه .. فكلمها في شيء فردت عليه .. فتخاصما ..
فغضب وقال : أنت علي كظهر أمي .. وخرج غاضبًا ..
كانت هذه الكلمة في الجاهلية إذا قالها الرجل لزوجته صارت طلاقًا .. أما في الإسلام فلا تعلم خولة حكمها ..
رجع أوس إلى بيته .. فإذا امرأته تتباعد عنه ..
وقالت له : والذي نفس خويلة بيده لا تخلُصُ إليّ وقد قلت ما قلت .. حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه ..
ثم خرجت خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما تلقى من زوجها ..
وجعلت تشكو إليه ما تلقى من زوجها وسوء خلقه معها ..
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبرها ويقول : يا خويلة ابن عمك .. شيخ كبير .. فاتقي الله فيه .. وهي تدافع عبراتها وتقول : يا رسول الله .. أكل شبابي .. ونثرت له بطني .. حتى إذا كبرت سني .. وانقطع ولدي .. ظاهر مني .. اللهم إني أشكو إليك ..
وهو صلى الله عليه وسلم ينتظر أن ينزل الله تعالى فيهما حكمًا من عنده ..
فبينما خولة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هبط جبريل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بقرآن فيه حكمها وحكم زوجها ..
فالتفت صلى الله عليه وسلم إليها وقال : يا خويلة .. قد أنزل فيك وفي صاحبك قرآنًا .. ثم قرأ : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) إلى آخر الآيات من أول سورة المجادلة ..
ثم قال لها صلى الله عليه وسلم : مُريه فليعتق رقبة ..
فقالت : يا رسول الله .. ما عنده ما يعتق ..
قال : فليصم شهرين متتابعين ..
قالت : والله إنه لشيخ كبير ما له من صيام ..
قال : فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تمر ..
قال : يا رسول الله .. ما ذاك عنده ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فإنا سنعينه بعرق من تمر ..
قالت : والله يا رسول الله .. أنا سأعينه بعرق آخر ..
فقال صلى الله عليه وسلم قد أصبت وأحسنت .. فاذهبي فتصدقي به عنه .. ثم استوصي بابن عمك خيرًا .. ( )
فسبحان من وهبه اللين والتحمل مع الجميع .. حتى في مشاكلهم الشخصية .. يتفاعل معهم ..
وقد جربت بنفسي .. التعامل باللين والمهارات العاطفية مع البنت والزوجة .. وقبل ذلك الأم والأخت .. فوجدت لها من التأثير الكبير .. ما لا يتصوره إلا من
مارسه .. فالمرأة لا يكرمها إلا كريم .. ولا يهينها إلا لئيم ..


وقفة ..
قد تصبر المرأة على فقر زوجها .. وقبحه .. وانشغاله ..
لكنها قَلَّ أن تصبر على سوء خلقه ..

أبو سيف
12-25-2007, 06:31 PM
الصغار ..
كم هي المواقف التي وقعت لنا في صغرنا ولا تزال مطبوعة في أذهاننا إلى
اليوم .. سواء كانت مفرحة أو محزنة ..
عُد بذاكرتك إلى أيام طفولتك .. ستذكر لا محالة جائزة كرمت بها في مدرستك .. أو ثناء أثناه عليك أحد في مجلس عام .. فهي مواقف تحفر صورتها في الذاكرة .. فلا تكاد تنسى ..
وإلى جانب ذلك .. لا نزال نتذكر مواقف محزنة .. وقعت لنا في طفولتنا ..
مدرس ضربنا ..
أو خصومة مع زملاء في المدرسة ..
أو مواقف تعرضنا فيها للإهانة من أسرتنا ..
أو تعرض لها أحدنا من زوجة أبيه .. أو نحو ذلك ..
وكم صار الإحسان إلى الصغار طريقًا إلى التأثير ليس فيهم فقط .. بل في آبائهم وأهليهم .. وكسب محبتهم جميعًا ..
يتكرر كثيرًا لمدرس المرحلة الابتدائية أن يتصل به أحد أبوي طالب صغير ويثني عليه وأنه أحبه لمحبة ولده له وكثرة ذكره بالخير .. وقد يعبرون عن هذه المشاعر في لقاء عابر .. أو هدية أو رسالة ..
إذن لا تحتقر الابتسامة في وجه الصغير .. وكسب قلبه .. وممارسة مهارات التعامل الرائع معه ..
ألقيت يومًا محاضرة عن الصلاة لطلاب صغار في مدرسة ..
فسألتهم عن حديث حول أهمية الصلاة .. فأجاب أحدهم : قال صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة ..
أعجبني جوابه .. ومن شدة الحماس نزعت ساعة يدي وأعطيته إياها .. وكانت
ــ عمومًا ــ ساعة عادية كساعات الطبقة الكادحة .. !
كان هذا الموقف مشجعًا لذلك الغلام .. أحب العلم أكثر .. وتوجه لحفظ القرآن .. وشعر بقيمته ..
مضت الأيام .. بل السنين .. ثم في أحد المساجد تفاجأت أن الإمام هو ذلك
الغلام .. وقد صار شابًا متخرجًا من كلية الشريعة .. ويعمل في سلك القضاء بأحد المحاكم .. لم أذكره وإنما تذكرني هو ..
فانظر كيف انطبعت في ذهنه المحبة والتقدير بموقف عاشه قبل سنين ..
وأذكر أني دعيت ليلة لإحدى الولائم ..
فإذا شاب مشرق الوجه يسلم عليّ بحرارة ويذكرني بموقف لطيف وقع له معي في محاضرة ألقيتها في مدرسته لما كان غلامًا صغيرًا ..
وكم ترى من الناس الذين يحسنون التعامل مع الصغار من يخرج من المسجد .. فترى أبًا يجره ولده الصغير بيده ليصل إلى هذا الرجل فيسلم عليه ويبلغه بمحبة ولده له ..
وقد يقع مثل هذا الموقف في وليمة كبيرة أو عرس .. يكثر في المدعوون ..
ولا أكتمك أنني أبالغ في إكرام الصغار والحفاوة بهم بعض الشيء .. بل والاستماع إلى أحاديثهم العذبة ــ وإن كانت في أكثر الأحيان غير مهمة ــ بل أزيد الحفاوة ببعضهم أحيانًا إكرامًا لوالده وكسبًا لمحبته ..
أحد الأصدقاء كنت ألقاه أحيانًا مع ولده الصغير .. فكنت أحتفي بالصغير وألاطفه ..
لقيني صديقي هذا يومًا في محفل كبير .. فأقبل إليَّ بولده يسلم علي .. ثم قال : ماذا فعلت بولدي ؟!
يسألهم مدرسهم قبل أيام عن أمنياتهم في المستقبل ..
فمنهم من قال : أكون طبيبًا .. والآخر قال : أكون مهندسًا ..
وولدي قال : أكون محمد العريفي !!
ويمكنك أن تلاحظ أنواع الناس في التعامل مع الصغار .. عندما يدخل رجل إلى مجلس عام ويطوف بالحاضرين مصافحًا .. وولده من خلفه يفعل كفعله .. فمن الناس من يتغافل عن الصغير .. ومنهم من يصافحه بطرف يده .. ومنهم من يهز يده مبتسمًا مرددًا : أهلاً يا بطل .. كيف حالك يا شاطر .. فهذا الذي تنطبع محبته في قلب الصغير .. بل وقلب أبيه وأمه ..
كان المربي الأول صلى الله عليه وسلم له أحسن التعامل مع الصغار ..
كان لأنس بن مالك أخ صغير .. وكان صلى الله عليه وسلم يمازحه ويكنيه بأبي عمير .. وكان للصغير طير صغير يلعب به .. فمات الطير ..
فكان صلى الله عليه وسلم يمازحه إذا لقيه .. ويقول : يا أبا عمير .. ما فعل النغير ؟ يعني الطائر الصغير ..
وكان يعطف على الصغار ويلاعبهم ..
يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول : يا زوينب .. يا زوينب ..
وكان إذا مر بصبيان يلعبون سلم عليهم .. وكان يزور الأنصار ويُسلم على صبيانهم .. ويمسح رؤوسهم ..
وعند رجوعه صلى الله عليه وسلم من المعركة كان يستقبله الأطفال فيركبهم معه ..
فعند عودة الملسمين من مؤتة .. أقبل الجيش إلى المدينة راجعًا .. فتلقاهم
النبي صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون .. ولقيهم الصبيان يشتدون ..
فلما رأى صلى الله عليه وسلم الصبيان .. قال : خذوا الصبيان فاحملوهم .. وأعطوني ابن جعفر .. فأُتي بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه ..
وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ يومًا من ماء .. فأقبل إليه محمود بن الربيع طفل عمره خمس سنوات .. فجعل صلى الله عليه وسلم في فمه ماء ثم مجه في وجهه يمازحه .. ( )
وعمومًا .. كان صلى الله عليه وسلم ضحوكًا مزوحًا مع الناس .. يدخل السرور إلى قلوبهم .. خفيفًا على النفوس لا يمل أحد من مجالسته ..
أقبل إليه رجل يومًا يريد دابة ليسافر عليها أو يغزو .. فقال صلى الله عليه وسلم ممازحًا له : إنا حاملك على ولد ناقة ..
فعجب الرجل .. كيف يركب على جمل صغير .. لا يستطيع حمله ..
فقال : يا رسول الله وما أصنع بولد الناقة ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : وهل تلد الإبل إلا النوق .. يعني سأعطيك بعيرًا كبيرًا .. لكنه ــ قطعًا ــ قد ولدته ناقة ..
وقال صلى الله عليه وسلم يومًا لأنس ممازحًا : يا ذا الأذنين ..
وأقبلت إليه امرأة يومًا تشتكي زوجها .. فقال لها صلى الله عليه وسلم : زوجك الذي في عينه بياض ؟ ففزعت المرأة وظنت أنه زوجها عمي بصره ..
كما قال الله عن يعقوب عليه السلام : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ ) أي : عمي ..
فرجعت فزعة إلى زوجها وجعلت تنظر في عينيه .. وتدقق .. فسألها عن خبرها ؟! فقالت : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في عينك بياضًا ..
فقال لها : يا امرأة .. أما أخبرك أن بياضها أكثر من سوادها .. أي أن كل أحد في عينه بياض وسواد ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا مازحه أحد تفاعل معه .. وضحك وتبسم ..
دخل عليه عمر وهو صلى الله عليه وسلم غضبان على نسائه .. لما أكثرن عليه مطالبته بالنفقة .. فقال عمر : يا رسول الله .. لو رأيتنا وكنا معشر قريش .. نغلب النساء .. فكنا إذا سألت أحدَنا امرأتُه نفقةً قام إليها فوجأ عنقها ..
فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم .. فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم .. يعني فقويت علينا نساؤنا ..
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم زاد عمر الكلام .. فازداد تبسم النبي صلى الله عليه وسلم ..
تلطفًا مع عمر رضي الله عنه ..
وتقرأ في أحاديث أنه تبسم حتى بدت نواجذه .. إذن كان لطيف المعشر .. أنيس المجلس ..
فلو وطنا أنفسنا على مثل هذا التعامل مع الناس .. لشعرنا بطعم الحياة فعلاً ..


فكرة ..
الطفل طينة لينة نشكلها بحسب تعاملنا معه ..

الوليد المصري
12-25-2007, 07:05 PM
أخي الحبيب

سبحان الله

منذ مدة لم أجلس هذه الجلسة للقرأه بكل هذا التركيز


حتى أن والدي كان يتحدث بجانبي فلم أستمع له


جزاك الله خيرا وبارك لنا في الأخ والشيخ الفاضل أبا الفرج


أكمل أخي الحبيب

أبو سيف
12-25-2007, 08:12 PM
أخي الحبيب


سبحان الله

منذ مدة لم أجلس هذه الجلسة للقرأه بكل هذا التركيز


حتى أن والدي كان يتحدث بجانبي فلم أستمع له


جزاك الله خيرا وبارك لنا في الأخ والشيخ الفاضل أبا الفرج


أكمل أخي الحبيب





طيب الحمدلله ياغالى

ادعي للحبيب الشيخ أبو الفرج ربنا يحفظه

فما انا الا ناقل ...

أبـو مـريـم
12-25-2007, 10:35 PM
بارك الله فيك اخي الحبيب

كتاب راااائع
وأحتاج وقتا لإكماله
ولكني قرات بعضه
جزاكم الله خيرا
يذكرني بكتاب لا تحزن للشيخ محمود المصري

الوليد المصري
12-30-2007, 03:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


مــفـــاجـــأة


الآن بالأسواق المصرية


كتاب


استمتع بحياتك


للدكتور محمد العريفي

http://www.muslm.00op.com/data/visitors/2007/12/29/storm_1344010560_395312703.jpg (http://www.00op.com/up)


طبعة شرعية خاصة مصر



جودة عالية تناسب تميز الكتاب
وسعر متميز يناسب سوق الكتاب المصري


أسعار خاصة للتوزيع الخيري والكميات


تطلب من
فرسان
للنشر والتوزيع
60 50 971 012 / 002

أبومالك
12-30-2007, 06:40 PM
ماشاء الله جزاك الله خيراً أخى
وجعلها الله فى ميزان حسناتك

أبو سيف
12-31-2007, 06:04 PM
المماليك والخدم ..
كان صلى الله عليه وسلم يحسن الدخول إلى قلوبهم بما يناسب ..
لما توفي عم النبي صلى الله عليه وسلم .. اشتد أذى قريش عليه صلى الله عليه وسلم ..
فخرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف .. يلتمس من ثقيف النصرة والمنعة بهم من قومه .. ورجا أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله تعالى .. خرج إليهم وحده ..
وصل إلى الطائف .. وعمد إلى نفر ثلاثة من ثقيف وهم سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة .. عبد ياليل .. ومسعود .. وحبيب .. بنو عمرو بن عمير ..
فجلس إليهم صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه .. فردوا عليه ردًا قبيحًا ..
فقال أحدهم : هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ..
وقال الآخر : أما وجد الله أحدًا أرسله غيرك ؟
أما الثالث فقال ــ متفلسفًا ــ :
والله لا أكلمك أبدًا ! لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام .. ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك ..
فلما سمع صلى الله عليه وسلم منهم هذا الرد القبيح .. قام من عندهم .. وقد يئس من خير ثقيف .. لكنه خاف أن تعلم قريش بخبر ثقيف معه فيجترئون عليه أكثر ..
فقال لهم : إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليَّ ..
فلم يفعلوا .. وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به ..
حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة .. وشيبة بن ربيعة .. وهما فيه .. ورجع عنه من سفهاء ثقيف ممن كان يتبعه ..
فعمد صلى الله عليه وسلم إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه ..
وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف .. فلما رآه ابنا ربيعة عتبة وشيبة وما لقي تحركت له رحمهما ..
فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له عدس .. وقالا له : خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق .. ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ..
ففعل عداس ..
وجاء بالعنب .. حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له : كل .. فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إليه وقال : بسم الله ، ثم أكل ..
نظر عداس إليه وقال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : ومن أهل أي بلاد أنت يا عداس ؟ وما دينك ؟
قال : نصراني .. وأنا رجل من أهل نينوى ..
فقال صلى الله عليه وسلم : من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ ..
فقال عدس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : ذلك أخي .. كان نبيًا .. وأنا نبي ..
فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه .. وابنا ربيعة ينظران إليهما .. فقال أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك ..
فلما رجع عداس لسيده .. وقد بدا عليه التأثر برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماع كلامه ..
قال له سيده : ويلك يا عداس ! ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟
فقال : يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا .. لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ..
فقال سيده : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك .. فإن دينك خير من دينه ..
فهل نستطيع نحن اليوم أن نجعل تعاملنا راقيًا مع الجميع .. مهما كانت طبقاتهم ؟


لمحة ..
عامل البشر على أنهم بشر ..
لا على أشكالهم .. أو أموالهم .. أو وظائفهم

أبو سيف
12-31-2007, 06:05 PM
مع المخالفين ..
الكفار .. كان صلى الله عليه وسلم يعاملهم بالعدل .. ويستميت في سبيل دعوتهم وإصلاحهم .. ويتحمل أذاهم .. ويتغاضى عن سوئهم ..
كيف لا .. وقد قال له ربه : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً) ..
لمن ؟! للمؤمنين ؟!
لا .. (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ..
وتأمل حال اليهود .. يذمونه ويبتدئون بالعداوة .. ومع ذلك يرفق بهم ..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : إن اليهود مروا ببيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليكم ( أي : الموت عليك ) ..
فقال صلى الله عليه وسلم : وعليكم ..
فلم تصبر عائشة لما سمعتهم .. فقالت : السام عليكم .. ولعنكم الله وغضب عيكم ..
فقال صلى الله عليه وسلم : مهلاً يا عائشة .. عليك بالرفق .. وإياك والعنف والفحش ..
فقالت : أولم تسمع ما قالوا ؟
فقال : أو لم تسمعي ما قلت ؟! رددت عليهم فيستجاب لي .. ولا يستجاب لهم
فيّ .. نعم .. ما الداعي إلى مقابلة السباب بالسباب ! أليس الله قد قال له :
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) ..
وفي يوم .. خرج صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في غزوة .. فلما كانوا في طريق عودتهم .. نزلوا في واد كثير الشجر .. فتفرق الصحابة تحت الشجر وناموا .. وأقبل صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها .. فرش رداءه ونام ..
في هذه الأثناء كان رجل من المشركين يتبعهم .. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليًا .. أقبل يمشي بهدوء .. حتى التقط السيف من على الغصن .. وصاح بأعلى صوته : يا محمد .. من يمنعك مني ؟
فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والرجل قائم على رأسه .. والسيف في يده .. يلتمع منه الموت .. كان الرسول صلى الله عليه وسلم وحيدًا .. ليس عليه إلا إزار .. أصحابه متفرقون عنه .. نائمون .. والرجل يعيش نشوة القوة والانتصار .. ويردد : من يمنعك مني ؟ من يمنعك مني ؟
فقال صلى الله عليه وسلم بكل ثقة : الله ..
فانتفض الرجل وسقط السيف ..
فقام صلى الله عليه وسلم والتقط السيف وقال : من يمنعك مني ؟
فتغير الرجل .. واضطرب .. وأخذ يسترحم النبي صلى الله عليه وسلم .. ويقول : لا أحد .. كن خير آخذ ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : تسلم ؟
قال : لا .. ولكن لا أكون في قوم هم حرب لك .. فعفا عنه صلى الله عليه وسلم .. وأحسن إليه !!
وكان الرجل ملكًا في قومه .. فانصرف إليهم فدعاهم إلى الإسلام ..
فأسلموا .. نعم ..
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم .. بل حتى مع الأعداء الألداء كان صلى الله عليه وسلم له خلق عظيم .. كسب به نفوسهم .. وهدى قلوبهم .. ودحر به كفرهم ..
لما ظهر صلى الله عليه وسلم بدعوته بين الناس .. جعلت قريش تحاول حربه بكل سبيل .. وكان مما بذلته أن تشاور كبارها في التعامل مع دعوته صلى الله عليه وسلم .. وتسارع الناس للإيمان به ..
فقالوا : انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا .. وشتت أمرنا .. وعاب ديننا .. فليكلمه ولينظر ماذا يرد عليه ..
فقالوا : ما نعلم أحدًا غير عتبة بن ربيعة ..
فقالوا : أنت يا أبا الوليد .. وكان عتبة سيدًا حليمًا ..
فقال : يا معشر قريش .. أترون أن أقوم إلى هذا فأكلمه .. فأعرض عليه أمورًا لعله أن يقبل منها بعضها ..
قالوا : نعم يا أبا الوليد ..
فقام عتبة وتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. دخل عليه .. فإذا هو صلى الله عليه وسلم جالس بكل سكينة .. فلما وقف عتبة بين يديه .. قال : يا محمد ! أنت خير أم عبد الله ؟!
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. تأدبًا مع أبيه عبد الله ..
فقال : أنت خير أم عبد الملطلب ؟
فسكت صلى الله عليه وسلم .. تأدبًا مع جده عبد المطلب ..
فقال عتبة : فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ .. وإن كنت تزعم أنك خير منهم .. فتكلم حتى نسمع قولك ..
وقبل أن يجيب النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة .. ثار عتبة وقال :
إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك !! .. فرقت جماعتنا .. وشتت أمرنا .. عبت ديننا .. وفضحتنا في العرب .. حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا .. وأن في قريش كاهنًا .. والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى .. أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ..
كان عتبة متغيرًا غضبان .. والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يستمع بكل أدب .. وبدأ عتبة يقدم إغراءات ليتخلى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة ..
فقال : أيها الرجل إن كنت جئت بالذي جئت به لأجل المال .. جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً ..
وإن كنت إنما بك حب الرئاسة .. عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسًا ما بقيت .. وإن كان إنما بك الباه والرغبة في النساء .. فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا .. !!
وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا من الجن تراه .. لا تستطيع رده عن نفسك .. طلبنا لك الطب .. وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه .. فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يتداوى منه ..
ومضى عتبة يتكلم بهذا الأسلوب السيء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويعرض عليه عروضًا ويغريه .. والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليه بكل هدوء .. وانتهت العروض .. ملك .. مال .. نساء .. علاج من جنون !!
سكت عتبة .. وهدأ .. ينتظر الجواب .. فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه وقال بكل هدووووء : أفرغت يا أبا الوليد ؟
لم يستغرب عتبة هذا الأدب من الصادق الأمين .. بل قال باختصار : نعم ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فاسمع مني ..
قال : أفعل ..
فقال صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)..
ومضى النبي صلى الله عليه وسلم .. يتلو الآيات وعتبة يستمع .. وفجأة جلس عتبة على الأرض .. ثم اهتز جسمه .. فألقى يديه خلف ظهره .. واتكأ عليهما .. وهو يستمع .. ويستمع ..
والنبي يتلو .. ويتلو .. حتى بلغ قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)
فانتفض عتبة لما سمع التهديد بالعذاب .. وقفز ووضع يديه على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ليوقف القراءة ..
فاستمر صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات .. حتى انتهى إلى الآية التي فيها سجدة التلاوة .. فسجد .. ثم رفع رأسه من سجوده .. ونظر إلى عتبة وقال : سمعت يا أبا الوليد ؟
قال : نعم ..
قال : فأنت وذاك ..
فقام عتبة يمشي إلى أصحابه .. وهم ينتظرونه متشوقين ..
فلما أقبل عليهم .. قال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ..
فلما جلس إليهم .. قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟
فقال : ورائي أني والله سمعت قولاً ما سمعت مثله قط .. والله ما هو بالشعر .. ولا السحر .. ولا الكهانة ..
يا معشر قريش : أطيعوني واجعلوها بي .. خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه .. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم .. يا قوم !!
قرأ بسم الله الرحمن الرحيم (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) حتى بلغ : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) فأمسكته بفيه .. وناشدته الرحم أن يكف .. وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب .. فخفت أن ينزل بكم العذاب ..
ثم سكت أبو الوليد قيلاً متفكرًا ..
وقومه واجمون يحدون النظر إليه ..
فقال : والله إن لقوله لحلاوة .. وإن عليه لطلاوة .. وإن أعلاه لمثمر .. وإن أسفله لمغدق .. وإنه ليعلو وما يعلى عليه .. وإنه ليحطم ما تحته .. وما يقول هذا بشر .. ما يقول هذا بشر ..
قالوا : هذا شعر يا أبا الوليد .. شعر ..
فقال : والله ما رجل أعلم بالأشعار مني .. ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني .. ولا بأشعار الجن .. والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئًا من هذا ..
ومضى عتبة يناقش قومه في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. صحيح أن عتبة لم يدخل في الإسلام .. لكن نفسه لانت للدين ..
فتأمل كيف أثر هذا الخلق الرفيع .. ومهارة حسن الاستماع في عتبة مع أنه من أشد الأعداء ..
وفي يوم آخر .. تجتمع قريش .. فينتدبون حصين بن المنذر الخزاعي .. وهو أبو الصحابي الجليل عمران بن حصين .. ينتدبونه لنقاش النبي صلى الله عليه وسلم ورده عن دعوته ..
يدخل أبو عمران على النبي صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه .. فيردد عليه ما تردده قريش دومًا .. فرقت جماعتنا .. شتت شملنا .. والنبي صلى الله عليه وسلم ينصت بلطف .. حتى إذا انتهى .. قال له صلى الله عليه وسلم بكل أدب : أفرغت يا أبا عمران ..
قال : نعم ..
قال : فأجبني عما أسألك عنه ..
قال : قل .. أسمع ..
فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا عمران .. كم إلهًا تعبد اليوم ؟
قال : سبعة .. !! ستة في الأرض .. وواحدًا في السماء .. !!
قال : فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك ؟
قال : الذي في السماء ..
فقال صلى الله عليه وسلم بكل لطف : يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك ..
فما كان من حصين إلا أن أسلم في مكانه فورًا .. ثم قال : يا رسول الله .. علمني الكلمتين اللتين وعدتني ..
فقال صلى الله عليه وسلم : قل : اللهم ألهمني رشدي .. وأعذني من شر نفسي ..
آآآه ما أروع هذا التعامل الراقي ! وشدة تأثيره في الناس عند مخالطتهم .. وهذا التعامل الإسلامي الدعوي يفيد في دعوة الكفار وجذبهم إلى الخير ..
سافر أحد الشباب للدارسة في ألمانيا فسكن في شقة .. وكان يسكن أمامه شاب ألماني ، ليس بينهما علاقة ، لكنه جاره ..
سافر الألماني فجأة .. وكان موزع الجرائد يضع الجريدة كل يوم عند بابه .. انتبه صاحبنا لكثرة الجرائد .. سأل عن جاره .. فعلم أنه مسافر .. لمَّ الجرائد ووضعها في درج خاص .. وصار يجمعها كل يوم ويرتبها ..
لما رجع صاحبه بعد شهرين أو ثلاثة .. سلم عليه وهنأه بسلامة الرجوع .. ثم ناوله الجرائد ..
وقال له : خشيت أنك متابع لمقال .. أو مشترك في مسابقة .. فأردت أن لا يفوتك ذلك ..
نظر الجار إليه متعجبًا من هذا الحرص .. وقال : هل تريد أجرًا أو مكافأة على هذا ؟
قال صاحبنا : لا .. لكن ديننا يأمرنا بالإحسان إلى الجار .. وأنت جار فلابد من الإحسان إليك .. ثم ما زال صاحبنا محسنًا إلى ذلك الجار .. حتى دخل في الإسلام ..
هذه والله هي المتعة الحقيقية بالحياة ..
أن تشعر أنك رقم على اليمين .. لك بصمتك في الحياة .. تتعبد لله بكل شيء حتى بأخلاقك ..
وكم صدَّ أعدادًا كبيرة من الكفار عن الدخول في الإسلام تعاملات فريق من المسلمين معهم .. فيظلمونهم عمالاً .. ويغشونهم متسوقين .. ويؤذونهم جيرانًا ..
فهلمَّ نبدأ من جديد معهم .


إضاءة ..
خير الداعين من يدعو بأفعاله قبل أقواله ..

أبو سيف
12-31-2007, 06:08 PM
الحيوانات !!
من صارت المهارات الحسنة ديدنه .. تحولت إلى طبع يخالط دمه وعقله .. لا ينفك عنه أبدًا ..
فتجده دائمًا لينًا هينًا رفيقًا متحملاً عطوفًا .. مع كل أحد .. حتى مع الحيوانات والجمادات ..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر .. فانطلق ليقضي حاجته .. فرأى بعض الصحابة حُمرة معها فرخان .. فأخذ بعضهم فرخيها ..
فجاءت الحمرة .. فجعلت تحوم حولهم وترفرف بجناحيها .. فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ورآها .. التفت إلى أصحابه وقال : من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ..
وفي يوم آخر .. رأى صلى الله عليه وسلم قرية نمل قد أُحرقت .. فقال : من أحرق هذه ؟
قال بعض أصحابه : أنا ..
فغضب وقال : لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار ..
وكان صلى الله عليه وسلم من رأفته .. أنه إذا توضأ وأقبلت إليه هرة .. أصغى لها الإناء .. فتشرب .. ثم يتوضأ بفضلها ..
ومر صلى الله عليه وسلم يومًا على رجل ملقيًا شاة على الأرض .. وقد وضع رجله على صفحة عنقها ممسكًا لها ليذبحها .. وهو يحد شفرته .. وهي تلحظ إليه ببصرها ..
فغضب صلى الله عليه وسلم لما رآه .. وقال : أتريد أن تميتها موتتين ؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ؟
ومر يومًا برجلين يتحدثان .. وقد ركب كل منهما على بعيره .. فلما رآهما رحم البعيرين .. ونهى أن تتخذ الدواب كراسي ..
يعني لا تركب البعير إلا وقت الحاجة فقط .. فإذا انتهت حاجتك فانزل ودعه يرتاح .. ونهى صلى الله عليه وسلم عن وسم الدابة في الوجه ..
ومن أطرف ما ذكر .. أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء .. ثم إن نفرًا من المشركين أغاروا على إبل للمسلمين .. كانت ترعى في أطراف المدينة ..
فذهبوا بها .. وكانت العضباء فيها .. وأسروا امرأة من المسلمين .. واستاقوها معهم .. وهرب المشركون .. بالمرأة والإبل .. وكانوا إذا نزلوا أثناء الطريق .. أطلقوا الإبل ترعى حولهم ..
فنزلوا منزلاً فناموا .. فقامت المرأة بالليل لتهرب منهم .. فأقبلت إلى الإبل لتركب إحداها ..
فجعلت كلما أتت على بعير رغا بأعلى صوته .. فتتركه خوفًا من استيقاظهم .. وجعلت تمر على الإبل واحدًا واحدًا .. حتى أتت على العضباء ..
فحركتها فإذا ناقة ذلول مجرسة .. فركبتها المرأة .. ثم وجهتها نحو المدينة ..
فانطلقت العضباء مسرعة ..
فلما شعرت المرأة بالنجاة .. اشتد فرحها .. فقالت : اللهم إن لك عليَّ نذرًا .. إن أنجيتني عليها أن أنحرها ..!!
وصلت المرأة إلى المدينة .. فعرف الناس ناقة النبي صلى الله عليه وسلم .. نزلت المرأة في بيتها ومضوا بالناقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فجاءت المرأة تطلب الناقة لتنحرها !!
فقال صلى الله عليه وسلم : بئس ما جزيتيها .. أو : بئس ما جزتها .. إن أنجاها الله عليها لتنحرنها ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم : لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ..
فلماذا لا تحول مهاراتك في التعامل ــ كالرفق والبشر والكرم ــ إلى سجية تلازمك على جميع أحوالك .. مع كل شيء تتعامل معه .. حتى الحيوانات بل والجمادات والأشجار ..!!
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم يوم الجمعة .. فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس ..
فقالت امرأة من الأنصار : يا رسول الله .. ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه .. فإن لي غلامًا نجارًا ..
قال : إن شئت ..
فعملت له المنبر ..
فلما كان يوم الجمعة .. صعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع له ..
فلما قعد صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر .. خار الجذع كخوار الثور .. وصاحت النخلة .. حتى كادت تنشق .. وارتج المسجد ..
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فضم الجذع إليه .. فجعلت النخلة تئن أنين الصبي الذي يُسكت حتى استقرت ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم : أما والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة ..

إشارة ..
الله كرم الإنسان ..
لكن ذلك لا يفتح المجال له لاضطهاد بقية المخلوقات ..

أبومالك
12-31-2007, 06:14 PM
جزاك الله خيراً يا أبا سيف
وجعل الله ماتخطه يمينك فى ميزان حسناتك
وصدق ربى إذ يقول {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21

أبو عمر الأزهري
12-31-2007, 06:20 PM
مجهود مبارك أخانا الحبيب أبا سيف
بارك الله فيك وفى شيخنا أبى الفرج وشيخنا العريفى
لى عودة إن شاء الله تعالى لاحقا لقراءة الكتاب

أبو سيف
02-24-2008, 08:35 PM
100 طريقة لكسب قلوب الناس
كل صاحب هم يتفنن في صيد ما يريد ..
عاشق المال يتفنن في جمعه وتنميته .. ويحرص على تعلم مهارات التجارة والربح ..
القنوات الفضائية تتفنن في اصطياد الناس بتنويع البرامج واختيار الأساليب المتجددة ..
وتدريب مقدمي البرامج على مهارات تجذب الناس لمتابعتها ..
وقل مثل ذلك في وسائل الإعلام المقروءة .. والمسموعة ..
ومثله مروجو البضائع المختلفة سواء كانت حلالاً أم حرامًا ..
كلهم يحرصون على إتقان المهارات التي تفيدهم في مجالهم الذي يحبونه ..
وكسب القلوب فن من الفنون له طرقه وأساليبه .. هب أنك دخلت مجلسًا فيه أربعون رجلاً .. فمررت بالناس تصافحهم ..
فالأول .. مددت يدك إليه مسلمًا فناولك طرف يده .. وقال ببرود : أهلاً .. أهلاً ..
والثاني .. كان مشغولاً بحديث جانبي .. ففاجأته بالسلام .. فرد ببرود أيضًا وصافحك دون أن ينظر إليك ..
والثالث .. كان يتحدث بهاتفه .. فمد يده إليك دون أن يتلفظ بكلمة ترحيب .. أو يبدي لك أي اهتمام ..
أما الرابع .. فلما رآك مقبلاً قام مستعدًا للسلام ..
فلما التقت عينك بعينه ابتسم وأظهر البشاشة بلقياك ..
وصافحك بحرارة ..
واحتفى بقدومك .. وأنت لا تعرفه ولا يعرفك !! ثم أكملت سلامك على الناس .. وجلست .. بالله عليك ! ألا تشعر أن قلبك ينجذب نحو ذلك الشخص ؟
بلى .. ينجذب إليه .. وأنت لا تعرفه .. ولا تدري عن اسمه .. ولا تعلم وظيفته ولا مركزه .. ومع ذلك استطاع أن يسلب قلبك .. لا بماله .. ولا بمنصبه .. ولا بحسبه ونسبه .. وإنما بمهارات تعامله ..
إذن القلوب لا تكسب بالقوة ولا بالمال ولا بالجمال ولا بالوظيفة .. وإنما تكسب بأقل من ذلك وأسهل .. ومع ذلك فقليل من يستطيع كسبها ..
أذكر أن أحد طلابي في الكلية أصيب بمرض نفسي .. كان نوعًا صعبًا من الاكتئاب .. كان والده ضابطًا يشغل منصبًا عاليًا .. جاء مرارًا إلى الكلية وقابلني وتعاونّا على علاج ابنه ..
كنت أذهب إلى بيتهم أحيانًا فأراه قصرًا منيفًا .. وأرى مجلس الأب مليئًا بالضيوف .. لا تكاد تجد فيه مكانًا فارغًا ..
كنت أعجب من محبة الناس لهذا الرجل وإقبالهم عليه ..
مضت سنوات وتقاعد الأب من منصبه .. فذهبت إليه زائرًا .. دخلت القصر .. ثم دلفت إلى المجلس وفيه أكثر من خمسين كرسيًا .. فلم أر في المجلس إلا الرجل يتابع برنامجًا في التلفاز .. وخادمًا يخدمه بالقهوة والشاي .. جلست معه قليلاً ..
فلما خرجت جعلت أتذكر حاله لما كان في وظيفته .. وحاله الآن ..
ما الذي كان يجمع الناس فيما مضى ؟ ما الذي كان يجعلهم يلتمون عليه مؤانسين متحببين ؟!
أدركت عندها أن الرجل لم يكسب الناس بأخلاقه ولطفه وحسن تعامله .. وإنما كسبهم بمنصبه ووجاهته وسعة علاقاته .. فلما زال المنصب زالت معه المحبة .. فخذ من صاحبنا درسًا ..
وتعامل مع الناس بمهارات تجعلهم يحبونك لشخصك .. يحبون أحاديثك وابتسامتك ورفقك وحسن معشرك ..
يحبون تغاضيك عن أخطائهم .. ووقوفك معهم في مصائبهم ..
لا تجعل قلوبهم معلقة بكرسيك وجيبك !!
الذي يوفر لأولاده وزوجته المال والطعام والشراب لم يكسب قلوبهم .. وإنما كسب بطونهم .. والذي يغدق على أهله الأموال .. مع سوء التعامل .. لم يكسب قلوبهم .. إنما كسب جيوبهم ..
لذلك لا تستغرب إذا وجدت شابًا تقع له مشكلة فيشكوها إلى صديق أو إمام مسجد أو مدرس .. ويترك أباه .. لأن الأب لم يكسب قلبه .. ولم يحطم الأسوار بينهما .. بينما كسب هذا القلب مدرس أو صديق .. وربما كسبه عدو حاقد !!
وأمر آخر مهم ..
ألا تلاحظ معي أن بعض الناس إذا دخل مجلسًا مزدحمًا .. وجعل يتلفت باحثًا عن مكان يجلس فيه .. رأيت الجالسين يتسابقون عليه كل يناديه ليجلس بجانبه ! .. لماذا ؟
هل دعيت يومًا إلى عشاء .. وكان بنظام ( البوفيه المفتوح ) .. بحيث إن كل شخص يأخذ طعامه في طبق ويجلس على إحدى الطاولات الدائرية .. ألم تر بعض الناس ما إن يملأ طبقه بالطعام حتى يتهافت عدد من الناس يشيرون إليه بوجود مكان فارغ .. ليجلس معهم ..
بينما آخر يملأ طبقه بالطعام .. ويتلفت ولا أحد يناديه أو يقبل عليه .. حتى تسوقه قدماه إلى إحدى الطاولات ..
لماذا حرص الناس على الأول دون الثاني ..
ألا تشعر أن بعض الناس تقبل عليه القلوب أينما كان .. وكأن في يده مغناطيسًا يجذبها به جذبًا !!
عجبًا !!
كيف استطاع هؤلاء جميعًا كسب الناس ؟!
إنها طرق ذكية يستطيع بها الشخص أن يصيد بها القلوب ..


قــرار ..
قدرتنا على أسر قلوب الآخرين ..
وكسب محبتهم الصادقة ..
تمنحنا جانبًا كبيرًا من المتعة بالحياة ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:36 PM
أحسن النية .. لوجه الله ..
جعلت أتأمل أساليب تعامل بعض الأشخاص .. وعشت معهم سنين .. لا أذكر أني رأيت منهم ابتسامة .. بل ولا حتى مجاملة بضحك على طرفة .. أو تفاعل مع متحدث .. كنت أظن أنهم نشأوا هكذا ولا يستطيعون غيره ..
ثم تفاجأت برؤيتهم في مواطن معينة .. ومع بعض الناس ــ من الأغنياء وأصحاب النفوذ تحديدًا ــ يحسنون الضحك والتلطف .. فأدركت أنهم ما يفعلون ذلك إلا لمصلحة .. فيفوتهم بذلك أجر عظيم ..
إذ إنَّ المؤمن يتعبد لله تعالى بأخلاقه ومهارات تعامله .. مع جميع الناس .. لا لأجل منصب أو مال .. ولا لأجل أن يمدحه الناس .. ولا لأجل أن يزوج أو يسلف مالاً ..
وإنما ليحبه الله ويحببه إلى خلقه .. نعم .. من اعتبر حسن الخلق عبادة .. صار يتعامل بأحسن المهارات مع الغني والفقير .. والمدير والفراش ..
لو مررت يومًا بعامل مسكين يكنس الشارع .. ومد يده إليك مصافحًا ؟ ودخلت يومًا آخر على مسئول كبير فمد يده .. هل هما متساويان ؟ في احتفائك بهما .. وتبسمك وبشاشتك ؟ لا أدري !!
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا عنده متساويين في الاحتفاء والنصح والشفقة .. وما يدريك لعل من تزدريه وتتكبر عليه يكون عند الله خيرًا من ملء الأرض من مثل الذي تكرمه وتقبل عليه ..
قال صلى الله عليه وسلم : إن من أحبكم إلى وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا ( ) ..
وقال للأشج بن عبد قيس : إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله .. فما هما الخصلتان : قيام الليل ! صيام النهار ؟ ..
استبشر الأشج رضي الله عنه وقال : ما هما يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الحلم .. والأناة ( ) ..
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البر ؟ .. فقال : البر حسن الخلق ( ) ..
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال : تقوى الله وحسن الخلق ( ) ..
وقال صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا الموطؤون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ( ) ..
وقال صلى الله عليه وسلم : ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ( ) ..
وقال صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار ( ) ..
ومن حَسُنَ خلقه ربح في الدارين ..
وإن شئت فانظر إلى أم سلمة رضي الله عنها .. وقد جلست مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتذكرت الآخرة وما أعد الله فيها ..
فقالت : يا رسول الله .. المرأة يكون لها زوجان في الدنيا .. فإذا ماتت وماتا ودخلوا جميعًا إلى الجنة .. فلمن تكون ؟ فماذا قال ؟ تكون لأطولهما قيامًا ؟ أم لأكثرهما صيامًا ؟ أم لأوسعهما علمًا ؟ كلا ..
وإنما قال : تكون لأحسنهما خلقًا .. فعجبت أم سلمة .. فلما رأى دهشتها قال صلى الله عليه وسلم : يا أم سلمة .. ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة ..
نعم ذهب بخيري الدنيا والآخرة .. أما خير الدنيا فهو ما يكون له من محبة في قلوب الخلق .. وأما خير الآخرة فهو ما يكون له من الأجر العظيم .. ومهما أكثر الإنسان من الأعمال الصالحات .. فإنها قد تفسد عليه إذا كان سيء الخلق ..
ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم حالُ امرأة .. وذكر له أنها تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل .. لكنها تؤذي جيرانها بلسانها .. ( يعني سيئة الخلق ) .. فقال صلى الله عليه وسلم : هي في النار ..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة .. في كل خلق حميد .. كان أكرمَ الناس .. وأشجعَهم .. وأحلمَهم .. كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها .. كان أمينًا صادقًا .. يشهد له الكفار بذلك قبل المؤمنين .. والفساقُ قبل الصالحين ..
حتى قالت خديجة رضي الله عنها أول ما نزل عليه الوحي .. لما رأت تغير حاله .. قالت : والله لا يخزيك الله أبدًا .. ( لماذا ؟؟ ) ..
إنك لتصل الرحم .. وتحمل الكل .. وتكسب المعدوم .. وتقري الضيف .. وتعين على نوائب الحق .. وتصدق الحديث .. وتؤدي الأمانة ..
بل أثنى الله عليه ثناء نتلوه إلى يوم القيامة .. فقال : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) .. وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن .. نعم خلقه القرآن .. فإذا قرأ (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .. أحسن .. نعم أحسن إلى الكبير والصغير .. والغني والفقير .. إلى شرفاء الناس ووضعائهم .. وكبارهم وصغارهم .. وإذا سمع قول الله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ).. عفا وصفح .. وإذا تلا : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) .. تكلم بأحسن الكلام ..
فما دام أنه صلى الله عليه وسلم قدوتنا .. ومنهجه منهجُنا .. تأمل حياته صلى الله عليه وسلم .. كيف كان يتعامل مع الناس .. كيف كان يعالج أخطاءهم .. ويتحمل أذاهم .. كيف كان يتعب لراحتهم .. وينصب لدعوتهم ..
فيومًا تراه يسعى في حاجة مسكين .. ويومًا يفصل خصومة بين المؤمنين .. ويومًا يدعو الكافرين .. حتى كبرت سنه .. ورق عظمه .. ووصفت عائشة حاله فقالت : كان أكثرُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعدما كبر جالسًا .. ( لماذا ؟؟ ) ..
بعدما حطمه الناس .. نعم .. حطمه الناس ..
وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسام
بل بلغ من حرصه صلى الله عليه وسلم على الخلق الحسن .. أنه كان يدعو الله فيقول : اللهم كما أحسنت خَلْقي فأحسن خُلقي ( ) ..
وكان يقول : اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ( ) ..
فنحن نحتاج إلى أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في أخلاقه .. مع المسلمين لكسبهم ودعوتهم .. ومع الكافرين ليعرفوا حقيقة الإسلام ..


إشارة ..
أحسن النية ..
لتكون مهارات تعاملك مع الآخرين عبادة تتقرب بها إلى الله ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:38 PM
استعمل الطعم المناسب !!
الناس بطبيعتهم يتفقون في أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها .. ويتفقون في أشياء أخرى كلهم يكرهونها .. ويختلفون في أشياء منهم من يفرح بها .. ومنهم من يستثقلها .. فكل الناس يحبون التبسم في وجوههم .. ويكرهون العبوس والكآبة ..
لكنهم إلى جانب ذلك .. منهم من يحب المرح والمزاح .. ومنهم من يستثقله .. منهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه .. ومنهم الانطوائي .. ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام .. ومنهم من يبغض ذلك .. وكل واحد في الغالب يرتاح لمن وافق طباعه .. فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم .. وتعامل كل واحد بما يصلح له ؟ ليرتاح إليك ..
ذكروا أن رجلاً رأى صقرًا يطير بجانب غراب !! فعجب .. كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئًا مشتركًا جعلهما يتوافقان .. فجعل يتبعهما ببصره .. حتى تعبا من الطيران فحطا على الأرض فإذا كلاهما أعرج !!
فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام .. فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه .. وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح .. فلتمازحه .. فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب .. وقل مثل ذلك عند تعامل الشخص مع زملائه .. أو جيرانه .. أو إخوانه .. لا تحسب الناس طبعًا واحدًا فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان ..
أذكر أن عجوزًا صالحة ــ وهي أم لأحد الأصدقاء ــ كانت تمدح أحد أولادها كثيرًا .. وترتاح إذا زارها أو تحدث معها .. مع أن بقية أولادها يبرون بها ويحسنون إليها .. لكن قلبها مقبل على ذاك الولد ..
كنت أبحث عن السر .. حتى جلست معه مرة فسألته عن ذلك .. فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي .. فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء ..
فقلت له مداعبًا : وهل اكتشف معاليكم طبيعتها .. !!
ضحك صاحبي وقال : نعم .. سأخبرك بالسر .. أمي كبقية العجائز .. تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت .. وكم عدد أبناء فلانة .. وأيهم أكبر .. ومتى تزوج فلان فلانة ؟ وما اسم أول أولادهما ..
إلى غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة .. لكنها تجد سعادتها في تكرارها .. وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها .. لأننا لن نقرأها في كتاب ولن نسمعها في شريط .. ولا تجدها ــ قطعًا ــ في شبكة الإنترنت !!
فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون .. فتفرح وتنبسط .. فإذا جالستها حركت فيها هذه المواضيع فابتهجت .. ومضى الوقت وهي تتحدث ..
وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار .. فيشغلونها بأخبار لا تهمها .. وبالتالي تستثقل مجلسهم .. وتفرح بي !! هذا كل ما هنالك ..
نعم أنت إذًا عرفت طبيعة من أمامك .. وماذا يحب وماذا يكره .. استطعت أن تأسر قلبه .. ومن تأمل في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم .. مع الناس وجد أنه كان يعامل كل شخص بما يتناسب مع طبيعته .. في تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
عائشة كانت شخصيتها انفتاحية .. فكان يمزح معها .. ويلاطفها .. ذهبت معه مرة في سفر .. فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة .. قال صلى الله عليه وسلم للناس : تقدموا عنا .. فتقدم الناس عنه .. حتى بقي مع عائشة .. وكانت جارية حديثة السن .. نشيطة البدن .. فالتفت إليها وقال : تعالي حتى أسابقك .. فسابقته .. وركضت وركضت .. حتى سبقته .. وبعدها بزمان .. خرجت معه غ في سفر .. بعدما كبرت وسمنت .. وحملت اللحم وبدنت .. فقال صلى الله عليه وسلم للناس : تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال لعائشة : تعالي حتى أسابقك .. فسابقته .. فسبقها .. فلما رأى ذلك .. جعل يمازحها ويضرب بين كتفيها .. ويقول : هذه بتلك .. هذه بتلك ..
بينما كان يتعامل مع خديجة تعاملاً آخر .. فقد كانت تكبره في السن بخمس عشرة سنة ..
حتى مع أصحابه .. كان يراعي ذلك .. فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد ..
ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة .. وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصًا .. ويسند إليه أشياء لا يسندها إلى غيره ..
انظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد خرج مع أصحابه إلى بدر .. فلما سمع بخروج قريش .. عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلى ساحة المعركة كرهًا .. ولن يقع منهم قتال على المسلمين ..
فقام صلى الله عليه وسلم في أصحابه وقال : إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا .. لا حاجة لهم بقتالنا .. فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله .. ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله .. ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله .. فإنه إنما خرج مستكرهًا ..
وقيل إن العباس كان مسلمًا يكتم إسلامه .. وينقل أخبار قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلم يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتله المسلمون .. ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه ..
كانت هذه المعركة أول معركة تقوم بين الفريقين .. المسلمين وكفار قريش .. وكانت نفوس المسلمين مشدودة .. فهم لم يستعدوا لقتال .. وسيقاتلون أقرباء وأبناء وآباء .. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعهم من قتل البعض ..
وكان عتبة بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب .. وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة .. مع المسلمين .. فلم يصبر أبو حذيفة ..
بل قال : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف .. فبلغت كلمته رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم .. فإذا حوله أكثر من ثلاثمائة بطل .. فوجه نظره فورًا إلى عمر .. ولم يلتفت إلى غيره .. وقال : يا أبا حفص .. أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص .. وكان عمر رهن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم .. ويعلم أنهم في ساحة قتال لا مجال فيها للتساهل في التعامل مع من يخالف أمر القائد .. أو يعترض أمام الجيش ..
فاختار عمر حلاً صارمًا فقال : يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف .. فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم .. ورأى أن هذا التهديد كاف في تهدئة الوضع ..
كان أبو حذيفة رضي الله عنه رجلاً صالحًا .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يؤمئذ .. ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عني الشهادة .. فقتل يوم اليمامة شهيدًا رضي الله عنه .
هذا عمر .. كان صلى الله عليه وسلم يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه .. فليس الأمر متعلقًا بجمع صدقات .. ولا بإصلاح متخاصمين .. ولا بتعليم جاهل ..
وإنما هم في ساحة قتال فكانت الحاجة إلى الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلى غيره .. لذا اختار عمر .. واستثاره : أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟!
وفي موقف آخر .. يقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر .. ويقاتل أهلها قتالاً يسيرًا .. ثم يصالحهم ويدخلها .. واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئًا من الأموال .. ولا يغيبوا شيئًا .. ولا يخبئوا ذهبًا ولا فضة .. بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه .. وتوعدهم إن كتموا شيئًا أن لا ذمة لهم ولا عهد ..
وكان حُييّ بن أخطب من رؤوسهم .. وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ومملوء ذهبًا وحليًا .. وقد مات حُييّ وترك المال .. فخبؤوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فقال صلى الله عليه وسلم لعم حُييّ بن أخطب : ما فعل مِسك حُييّ الذي جاء به من النضير ؟ أي الجلد المملوء ذهبًا ..
فقال : أذهبته النفقات والحروب ..
فتفكر صلى الله عليه وسلم في الجواب .. فإذا موت حُييّ قريب والمال كثير .. ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلى إنفاقه ..
فقال صلى الله عليه وسلم : العهد قريب .. والمال أكثر من ذلك ..
فقال اليهودي : المال والحُليّ قد ذهب كله ..
فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكذب .. فنظر صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فإذا هم كثير بين يديه .. وكلهم رهن إشارته .. فالتفت إلى الزبير بن العوام وقال : يا زُبير .. مُسَّه بعذاب .. فأقبل إليه الزبير متوقدًا ..
فانتفض اليهودي .. وعلم أن الأمر جد .. فقال : قد رأيت حُييًّا يطوف في خربة ها هنا .. وأشار إلى بيت قديم خراب .. فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئًا في الخربة .. هذا في حاله صلى الله عليه وسلم مع الزبير .. يعطي القوس باريها ..
وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض على هذا الأساس ..
لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض الموت .. واشتد عليه الوجع .. لم يستطع القيام ليصلي بالناس .. فقال وهو على فراشه : مروا أبا بكر فليصل بالناس ..
وكان أبو بكر رجلاً رقيقًا .. وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته .. وهو صديقه في الجاهلية والإسلام .. وهو أبو زوجة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة .. وهو .. وكان يحمل في صدره جبلاً من الحزن بسبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ..
فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس .. قال بعض الحاضرين عند النبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا بكر رجل أسيف .. أي رقيق .. إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس .. أي من شدة التأثر والبكاء .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك عن أبي بكر .. أنه رجل رقيق يغلبه البكاء .. خاصة في هذا الموطن ..
لكنه صلى الله عليه وسلم كان يشير إلى أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده .. يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولى المسئولية .. فأعاد صلى الله عليه وسلم الأمر : مروا أبا بكر فليصل بالناس .. حتى صلى أبو بكر ..
ومع رقة أبي بكر .. إلا أنه كان ذا هيبة .. وله حدة غضب أحيانًا تكسوه جلالاً .. وكان رفيق دربه عمر رضي الله عنه يراعي ذلك منه ..
انظر إليهم جميعًا رضي الله عنهم .. وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة .. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .. ليتفقوا على خليفة .. اجتمع المهاجرون والأنصار .. وانطلق عمر إلى أبي بكر واصطحبا إلى السقيفة ..
قال عمر : فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة .. فلما جلسنا تشهَّد خطيب الأنصار .. وأثنى على الله بما هو له أهل ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله .. وكتيبة الإسلام .. وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا .. وقد دفَّت دافة من قومكم وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا .. ويغصبونا الأمر ..
فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أدري منه بعض الحِدّة ..
فقال أبو بكر : على رسلك يا عمر .. فكرهت أن أغضبه ..
فتكلم وهو كان أعلم مني وأوقر .. فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهته .. أو قال مثلها .. أو أفضل منها حتى سَكَتَ ..
قال أبو بكر : أما ما ذكرتهم فيكم من خير فأنتم له أهل ..
ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش .. هم أوسط العرب نسبًا ودارًا .. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ..
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ..
ولم أكره شيئًا مما قاله غيرها .. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقرّبني ذلك إلى إثم .. أحب إليَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ..
سكت الناس .. فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلهما المحك .. وعذيقها المرُجَّب .. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ..
قال عمر : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى تخوفت الاختلاف ..
فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ..
نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه .. وكسب محبته والتأثير عليه .. وهذا تلاحظه في حياة الناس .. أفلم تسمع زملاء عملك يومًا يقولون : المدير .. مفتاحه فلان .. إذا أردتم شيئًا فاجعلوا فلانًا يطلبه لكم .. أو يقنع المدير به ..
فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس .. فتكون رأسًا لا ذيلاً .. نعم كن متميزًا .. وابحث عن مفتاح قلب أمك وأبيك وزوجتك وولدك ..
اعرف مفتاح قلب مديرك في العمل .. زملائك .. ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتى في جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم .. إذا أحسنا تقديم هذا النصح بأسلوب مناسب .. فهم ليسوا سواء في طريقة النصح .. بل حتى في إنكار الخطأ إذا وقع منهم ..
وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جلس يومًا في مجلسه المبارك يحدث أصحابه .. فبينما هم على ذلك .. فإذا برجل يدخل إلى المسجد .. يتلفت يمينًا ويسارًا .. فبدل أن يأتي ويجلس في حلقة النبي صلى الله عليه وسلم .. توجه إلى زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !!
عجبًا !! ماذا سيفعل ؟!
رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبوووول .. !!
عجب الصحابة .. وثاروا .. يبول في المسجد !! وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه .. والنبي صلى الله عليه وسلم يهدئهم .. ويسكن غضبهم .. ويردد : لا تزرموه .. لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله .. والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم .. لا يزال يبول ..
والنبي صلى الله عليه وسلم يرى هذا المنظر .. بول في المسجد .. ويهدئ أصحابه !! آآآه مااااا أحلمه !!
حتى إذا انتهى الأعرابي من بوله .. وقام يشد على وسطه إزاره .. دعاه النبي صلى الله عليه وسلم بكل رفق ..
أقبل يمشي حتى إذا وقف بين يديه ..
قال له صلى الله عليه وسلم بكل رفق : إن هذه المساجد لم تُبن لهذا .. إنما بُنِيَت للصلاة وقراءة القرآن ..
انتهى .. نصيحة باختصار ..
فَهِم الرجل ذلك ومضى .. فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذاك الأعرابي وصلى معهم .. كبر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه مصليًا .. فقرأ ثم ركع .. فلما رفع صلى الله عليه وسلم من ركوعه قال : سمع الله لمن حمده ..
فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد .. إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا !! وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ..
فلما انتهت الصلاة .. التفت غ إليهم وسألهم عن القائل .. فأشاروا إليه .. فناداه النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه .. وقد تمكن حب النبي صلى الله عليه وسلم من قلبه حتى ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما ..
فقال له صلى الله عليه وسلم معلمًا : لقد تَحجَّرت واسعًا !! أي إن رحمة الله تعالى تسعنا جميعًا وتسع الناس .. فلا تضيقها عليَّ وعليك .. فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لأنه عرف كيف يتصرف معه .. فهو أعرابي أقبل من باديته .. لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر .. ولا معاذ وعمار .. فلا يؤاخذ كغيره ..
وإن شئت فانظر أيضًا إلى معاوية بن الحكم ت كان من عامة الصحابة .. لم يكن يسكن المدينة .. ولم يكن مجالسًا للنبي صلى الله عليه وسلم .. وإنما كان له غنم في الصحراء يتتبع بها الخضراء ..
أقبل معاوية يومًا إلى المدينة فدخل المسجد .. وجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. فسمعه يتكلم عن العطاس .. وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس فحمد الله فإنه يقول له : يرحمك الله ..
حفظها معاوية .. وذهب بها .. وبعد أيام جاء إلى المدينة في حاجة .. فدخل المسجد فإذا النبي غ يصلي بأصحابه .. فدخل معهم في الصلاة ..
فبينما هم على ذلك إذ عطس رجل من المصلين .. فما كاد يحمد الله .. حتى تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس فقال الحمد لله .. فإن أخاه يقول له يرحمك الله .. فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله !!
فاضطرب المصلون .. وجعلوا يلتفتون إليه منكرين .. فلما رأى دهشتهم .. اضطرب وقال : وااااثكل أُمّياه !! .. ما شأنكم تنظرون إليّ ؟..
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ليسكت .. فلما رآهم يصمتونه صمت ..
فلما انتهت الصلاة .. التفت صلى الله عليه وسلم إلى الناس .. وقد سمع جلبتهم وأصواتهم .. وسمع صوت من تكلم ..
لكنه صوت جديد لم يعتد عليه .. فلم يعرفه .. فسألهم : من المتكلم .. فأشاروا إلى معاوية .. فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم إليه .. فأقبل عليه معاوية فزعًا لا يدري بماذا سيستقبله .. وهو الذي أشغلهم في صلاتهم .. وقطع عليهم خشوعهم .. قال معاوية رضي الله عنه : فبأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .. والله ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه .. والله ما كهرني .. ولا ضربني .. ولا شتمني ..
وإنما قال : يا معاوية .. إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. إنما هي التسبيح والتكبير .. وقراءة القرآن .. انتهى .. نصيحة باختصار ..
ففهمها معاوية .. ثم ارتاحت نفسه .. واطمأن قلبه .. فجعل يسأل النبي غ عن خواصّ أموره .. فقال : يا رسول الله .. إني حديث عهد بجاهلية .. وقد جاء الله بالإسلام .. وإن منا رجالاً يأتون الكهان ( وهم الذين يدعون علم الغيب ) .. يعني فيسألونهم عن الغيب ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فلا تأتهم .. يعني لأنك مسلم .. والغيب لا يعلمه إلا الله .. قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون ( أي يتشاءمون بالنظر إلى الطير ) ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ذاك شيء يجدونه في صدورهم .. فلا يصدنهم ( أي لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعًا ولا ضرًا ) ..
هذا تعامله صلى الله عليه وسلم مع أعرابي بال في المسجد .. ورجل تكلم في الصلاة .. عاملهم مراعيًا أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب .. أما معاذ بن جبل فقد كان من أقرب الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومن أكثرهم حرصًا على طلب العلم ..
فكان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أخطائه مختلفًا عن تعامله مع أخطاء غيره .. كان معاذ يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء .. ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إمامًا بهم في مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة ..
رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصليًا بهم .. أقبل فتى من قومه ودخل معه في الصلاة .. فلما أتم معاذ الفاتحة قال : ولا الضالين ، فقالوا : آمين ..
ثم افتتح معاذ سورة البقرة !! كان الناس في تلك الأيام يتعبون في العمل في مزارعهم ورعيهم دوابهم طوال النهار .. ثم لا يكادون يصلون العشاء حتى يأوون إلى فرشهم ..
هذا الشاب .. وقف في الصلاة .. ومعاذ يقرأ ويقرأ .. فلما طالت الصلاة على الفتى .. أتم صلاته وحده .. وخرج من المسجد وانطلق إلى بيته ..
انتهى معاذ من الصلاة .. فقال له بعض القوم : يا معاذ .. فلان دخل معنا في الصلاة .. ثم خرج منها لما أطلت .. فغضب معاذ وقال : إن هذا به لنفاق .. لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع ..
فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ .. فقال الفتى : وأنا لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي صنع .. فغدوا على رسول الله غ فأخبره معاذ بالذي صنع الفتى ..
فقال الفتى : يا رسول الله .. يطال المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة .. والله يا رسول الله إنا لنتأخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ ..
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا : ماذا تقرأ ؟!
فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة .. و .. وجعل يعدد السور الطوال .. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة .. وكيف صارت الصلاة ثقيلة عليهم .. فالتفت إلى معاذ وقال : أفَتَّان أنت يا معاذ .. ؟! يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم في دينهم ..
اقرأ بـ ( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ) ، ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ) ، (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) ، (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) .. ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى الفتى وقال له متلطفًا : كيف تصنع أنت يا ابن أخي إذا صليت ؟
قال : أقرأ بفاتحة الكتاب .. وأسأل الله الجنة .. وأعوذ به من النار ..
ثم تذكر الفتى أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويكثر .. ويرى معاذًا كذلك ..
فقال في آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ .. أي دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !!
فقال صلى الله عليه وسلم : إني ومعاذ حول هاتين ندندن .. يعني دعاؤنا هو فيما تدعو به .. حول الجنة والنار ..
كان الشاب متأثرًا من اتهام معاذ له بالنفاق فقال : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا .. ما أصنع .. يعني في الجهاد في سبيل الله .. سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق !
فما لبثوا أيامًا .. حتى قامت معركة فقاتل فيها الشاب .. فاستشهد رضي الله عنه .. فلما علم به صلى الله عليه وسلم .. قال لمعاذ : ما فعل خصمي وخصمك ؟ يعني الذي اتهمته يا معاذ بالنفاق .. قال معاذ : يا رسول الله ، صدق الله وكذبتُ .. لقد استشهد ..
فتأمل الفرق في طبائع الرجال .. ومقاماتهم .. وكيف أدى إلى اختلاف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معهم .. بل .. انظر إلى تعامله صلى الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد .. وهو حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد تربى في بيته ..
بعث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى الحرقات من قبيلة جهينة .. وكان أسامة بن زيد ت من ضمن المقاتلين بالجيش ..
ابتدأ القتال .. في الصباح .. انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو .. كان من بين جيش العدو رجل يقاتل ..
فلما رأى أصحابه منهزمين .. ألقى سلاحه وهرب .. فلحقه أسامه ومع رجل من الأنصار .. ركض الرجل وركضوا خلفه .. وهو يشتد فزعًا .. حتى عرضت لهم شجرة فاحتمى الرجل بها ..
فأحاط به أسامة والأنصاري .. ورفعا عليه السيف فلما رأى الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه .. وأحسَّ الموت يهجم عليه .. انتفض وجعل يجمع ما تبقى من ريقه في فمه .. ويردد فزعًا : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .. تحير الأنصاري وأسامة .. هل أسلم الرجل فعلاً .. أم أنها حيلة افتعلها ..
كانوا في ساحة قتال .. والأمور مضطربة .. يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجسادًا ممزقة .. وأيدي مقطعة .. قد اختلط بعضها ببعض .. الدماء تسيل .. النفوس ترتجف ..
الرجل بين أيديهما ينظران إليه .. لابد من الإسراع باتخاذ القرار .. ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش .. فيرديهما قتيلين ..
لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ .. فأما الأنصاري فكف سيفه .. وأما أسامة فظن أنها حيلة .. فضربه بالسيف حتى قتله ..
عادوا إلى المدينة تداعب قلوبهم نشوة الانتصار ..
وقف أسامة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .. وحكى له قصة المعركة .. وأخبره بخبر الرجل وما كان منه ..
كانت قصة المعركة تحكي انتصارًا للمسلمين .. وكان صلى الله عليه وسلم يستمع مبتهجًا .. لكن أسامة قال : ثم قتلته ..
فتغير النبي صلى الله عليه وسلم .. وقال : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته ؟!!
قال : يا رسول الله لم يقلها من قبل نفسه .. إنما قالها فرقًا من السلاح ..
فقال صلى الله عليه وسلم : قال لا إله إلا الله .. ثم قتلته !!
هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه إنما قالها فرقًا من السلاح ..
وجعل غ يحد بصره إلى أسامه ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته ..!!
قال لا إله إلا الله ثم قتلته .. !! ثم قتلته .. !!
كيف لك بلا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة !!
وما زال صلى الله عليه وسلم يكرر ذلك على أسامة ..
قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ..


رأي ..
لا تحسب الناس نوعًا واحدًا ..
فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:40 PM
اختر الكلام المناسب ..
يتبع ما سبق أيضًا طريقة الكلام مع الناس ونوعية الأحاديث التي تثار معهم .. فإذا جلست مع أحد فأثر الأحاديث المناسبة له .. وهذا من طبيعة البشر ..
فالأحاديث التي تثيرها مع شاب تختلف عن الأحاديث مع الشيخ .. ومع العالم تختلف عن الجاهل .. ومع الزوجة تختلف عن الأخت ..
لا أعني الاختلاف التام .. بحيث إن القصة التي تحكيها للأخت لا يصح أن تحكيها للزوجة ! أو التي تذكرها للشاب لا يصح أن يسمعها الشيخ !! لا .. وإنما أعني الاختلاف اليسير الذي يطرأ على أسلوب عرض القصة وربما كيانها كله ..
وبالمثال يتضح المقال .. لو جلست مع ضيوف كبار في السن جاوزت أعمارهم الثمانين أقبلوا زائرين لجدك .. فهل من المناسب أن تقص عليهم وأنت ضاحك مستبشر قصتك لما ذهبت مع زملائك للبر ؟! وكيف أن فلانًا سجل هدفًا أثناء لعب الكرة .. وكيف ثبت الكرة برأسه ثم ضربها بركبته .. لا شك أنه غير مناسب ..
وكذلك لو تحدثت مع أطفال صغار .. من غير المناسب أن تذكر لهم قصصًا تتعلق بتعامل الأزواج مع زوجاتهم ..
أظننا نتفق على ذلك ..
إذن من أساليب جذب الناس اختيار الأحاديث التي يحبونها .. وإثارتها .. كأب له ولد متفوق .. من المناسب أن تسأله عنه .. لأنه بلا شك يفخر به ويحب أن يذكره دائمًا .. أو رجل فتح دكانًا وكسب منه أرباحًا .. فمن المناسب أن تسأله عن دكانه وإقبال الناس عليه .. لأن هذا يفرحه .. وبالتالي يحبك ويحب مجالستك ..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك .. فحديثه مع الشاب يختلف عن حديثه مع الشيخ .. أو المرأة .. أو الطفل ..
جابر بن عبد الله رضي الله عنه الصحابي الجليل .. قتل أبوه في معركة أحد .. وخلف عنده تسع أخوات ليس لهن عائل غيره .. وخلف دينًا كثيرًا .. على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه .. فكان جابر دائمًا ساهم الفكر .. منشغل البال بأمر دَينه وأخواته .. والغرماء يطالبونه صباحًا ومساءً ..
خرج جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع .. وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير .. ولم يجد جابر ما يشتري به جملاً .. فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة .. وكان النبي غ يسير في آخر الجيش .. فأدرك جابرًا وجمله يدبُّ به دبيبًا .. والناس قد سبقوه ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما لك يا جابر ؟
قال : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنخه .. فأناخه جابر وأناخ النبي غ ناقته ..
ثم قال : أعطني العصا من يدك أو اقطع لي عصا من شجرة .. فناوله جابر العصا .. برَكَ الجمل على الأرض كليلاً ضعيفًا .. فأقبل صلى الله عليه وسلم إلى الجمل وضربه بالعصا شيئًا يسيرًا ..
فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطًا .. فتعلق به جابر وركب على ظهره .. مشى جابر بجانب النبي صلى الله عليه وسلم .. فرحًا مستبشرًا .. وقد صار جمله نشيطًا سابقًا .. التفت صلى الله عليه وسلم إلى جابر .. وأراد أن يتحدث معه .. فما هي الأحاديث التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم ليثيرها مع جابر ..
جابر كان شابًا في أول شبابه .. هموم الشباب في الغالب تدور حول الزواج .. وطلب الرزق ..
قال صلى الله عليه وسلم : يا جابر .. هل تزوجت .. ؟ قال جابر : نعم ..
قال : بكرًا .. أم ثيبًا .. قال : بل ثيبًا ..
فعجب النبي صلى الله عليه وسلم كيف أن شابًا بكرًا في أول زواج له .. يتزوج ثيبًا .. فقال ملاطفًا لجابر : هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك ..
فقال جابر : يا رسول الله .. إن أبي قتل في أحد .. وترك تسع أخوات ليس لهن راعٍ غيري .. فكرهت أن أتزوج فتاة مثلهن فتكثر بينهن الخلافات .. فتزوجت امرأة أكبر منهن لتكون مثل أمهن .. هذا معنى كلام جابر ..
رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن أمامه شاب ضحى بمتعته الخاصة لأجل أخواته .. فأراد صلى الله عليه وسلم أن يمازحه بكلمات تصلح للشباب ..
فقال له : لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة أن ننزل في صرار ( ) .. فتسمع بنا زوجتك فتفرش لك النمارق .. يعني وإن كنت تزوجت ثيبًا إلا أنها لا تزال عروسًا تفرح بك إذا قدمت وتبسط فراشها .. وتصف عليه الوسائد ..
فتذكر جابر فقره وفقر أخواته .. فقال : نمارق !! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق ..
فقال صلى الله عليه وسلم : إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله .. ثم مشيا .. فأراد صلى الله عليه وسلم أن يهب لجابر مالاً .. فالتفت إليه وقال : يا جابر ..
قال : لبيك يا رسول الله ..
فقال : أتبيعني جملك ؟
تفكر جابر فإذا جمله هو رأسماله .. هكذا كان وهو كليل ضعيف .. فكيف وقد صار قويًا جلدًا !!
لكنه رأى أنه لا مجال لرد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال جابر : سُمْه يا رسول الله .. بكم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : بدرهم !!
قال جابر : درهم !! تغبنني يا رسول الله .. فقال صلى الله عليه وسلم : بدرهمين ..
قال : لا .. تغبنني يا رسول الله ..
فما زالا يتزايدان حتى بلغا به أربعين درهمًا .. أوقية من ذهب ..
فقال جابر : نعم .. ولكن أشترط عليك أن أبقى عليه إلى المدينة .. قال صلى الله عليه وسلم : نعم ..
فلما وصلوا إلى المدينة .. مضى جابر إلى منزله وأنزل متاعه من على الجمل ومضى ليصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم وربط الجمل عند المسجد .. فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم قال جابر : يا رسول الله هذا جملك .. فقال صلى الله عليه وسلم : يا بلال .. أعط جابر أربعين درهمًا وزده ..
فناول بلال جابرًا أربعين درهمًا وزاده .. فحمل جابر المال ومضى به يقلبه بين يديه .. متفكرًا في حاله !! ماذا يفعل بهذا المال ؟!
أيشتري به جملاً .. أم يبتاع به متاعًا لبيته .. أم ..
وفجأة التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال وقال : يا بلال .. خذ الجمل وأعطه جابرًا .. جبذ بلال الجمل ومضى به إلى جابر .. فلما وصل به إليه .. تعجب جابر .. هل ألغيت الصفقة ؟!
قال بلال : خذ الجمل يا جابر .. قال جابر : ما الخبر !! ..
قال بلال : قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعطيك الجمل .. والمال ..
فرجع جابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله عن الخبر .. أما تريد الجمل !!
فقال صلى الله عليه وسلم : أتراني ماكستك لآخذ جملك .. يعني أنا لم أكن أطالبك بخفض السعر لأجل أن آخذ الجمل وإنما لأجل أن أقدر كم أعطيك من المال معونة لك على أمورك ..
فما أرفع هذه الأخلاق ..
يختار ما يناسب الشاب من الحديث .. ثم لما أراد أن يحسن إليه ويتصدق عليه .. غلّف ذلك باللطف والأدب ..
وفي أحد الأيام يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاب اسمه جليبيب .. من خيار شباب الصحابة .. لكنه كان فقيرًا معدمًا ..
وكان ت في وجهه دمامة .. جلس يومًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما هي الأحاديث التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إثارتها معه ؟ شاب في ريعان شبابه .. أعزب ..
هل يتحدث معه عن أنساب العرب والرفيع منها والوضيع ؟ أم يتحدث عن الأسواق وأحكام البيوع ؟ لا .. فهذا شاب له نوع خاص من الأحاديث يفضله على غيره .. أثار معه صلى الله عليه وسلم موضوع الزواج والحديث حوله .. فلطالما طرب الشباب لهذه المواضيع .. ثم عرض عليه رسول الله التزويج ..
فقال : إذن تجدني كاسدًا ..
فقال : غير أنك عند الله لست بكاسد ..
فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يتحين الفرص لتزويج جليبيب .. حتى جاء رجل من الأنصار يومًا يعرض ابنته الثيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ليتزوجها .. فقال صلى الله عليه وسلم : نعم يافلان .. زوجني ابنتك .. قال : نعم ونعمين .. يا رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : إني لست أريدها لنفسي .. قال : فلمن ؟!
قال : لجليبيب ..
قال الرجل متفاجئًا : جليبيب !! جليبيب !! يا رسول الله !! حتى أستأمر أمها ..
أتى الرجل زوجته فقال : إن رسول الله يخطب ابنتك ..
قالت : نعم .. ونعمين .. زوِّج رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال : إنه ليس يريدها لنفسه .. قالت : فلمن ؟
قال : يريدها لجليبيب ..
فتفاجأت المرأة أن تُزف ابنتها إلى رجل فقير دميم .. فقالت : حَلْقَى !! لجليبيب ..؟ لا لعمر الله لا أزوج جليبيبًا .. وقد منعناها فلانًا وفلانًا .. فاغتم أبوها لذلك .. وقام ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فصاحت الفتاة من خدرها بأبويها : من خطبني إليكما ؟
قالا : رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ..
قالت : أتردان على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ؟ ادفعاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإنه لن يضيعني .. فكأنما جلَّت عنهما .. واطمأنّا .. فذهب أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله .. شأنك بها فزوِّجها جليبيبًا .. فزوجها النبي صلى الله عليه وسلم جليبيبًا ..
ودعا لها وقال : اللهم صب عليهما الخير صبًا .. ولا تجعل عيشهما كدًا كدًا .. فلم يمضِ على زواجه أيام .. حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة .. وخرج معه جليبيب .. فلما انتهى القتال .. وبدأ الناس يتفقد بعضهم بعضًا .. سألهم النبي صلى الله عليه وسلم : هل تفقدون من أحد ؟
قالوا : نفقد فلانًا وفلانًا .. فسكت قليلاً ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
فسكت ثم قال : هل تفقدون من أحد ؟
قالوا : نفقد فلانًا وفلانًا ..
قال : ولكني أفقد جليبيبًا ..
فقاموا يبحثون عنه .. ويطلبونه في القتلى .. فلم يجدوه في ساحة القتال .. ثم وجدوه في مكان قريب .. إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه ..
فوقف النبي غ ينظر إلى جثته .. ثم قال : قتل سبعة ثم قتلوه .. قتل سبعة ثم قتلوه .. هذا مني وأنا منه .. ثم حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه .. وأمرهم أن يحفروا له قبره ..
قال أنس : فمكثنا نحفر القبر .. وجليبيب ماله سرير غير ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حتى حفر له ثم وضعه في لحده ..
قال أنس : فوالله ما كان في الأنصار أيِّم أنفقُ منها .. أي تسابق الرجال إليها كلهم يخطبها بعد جليبيب .. هكذا كان غ يختار لكل أحد ما يناسبه من أحاديث .. حتى لا تُمَل مجالسه ..
جلس صلى الله عليه وسلم يومًا مع زوجه عائشة ..
فما الأحاديث المناسب إثارتها بين الزوجين .. ؟
هل كلمها عن غزو الروم ؟ ونوع الأسلحة التي استخدمت في القتال ؟
كلا فليست هي أبو بكر !!
أم حدثها عن فقر بعض المسلمين وحاجتهم ؟
كلا فليست عثمان !!
إنما قال لها بعاطفة الزوجية : إني لأعرف إن كنت راضية عني .. وإذا كنت غضبى .. !!
قالت : كيف ؟
قال : إذا كنت راضية قلت : لا ورب محمد صلى الله عليه وسلم .. وإذا كُنت غضبى قلت : لا ورب إبراهيم صلى الله عليه وسلم ..
فقالت : نعم .. والله يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك ..
فهل نراعي هذا نحن اليوم ؟


وجهة نظر ..
تحدث مع الناس بما يستمتعون هم باستماعه ..
لا بما تستمتع أنت بحكايته ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:44 PM
كن لطيفًا عند أول لقاء ..
انتشر في بعض أرياف مصر قديمًا أن الرجل العروس قبيل ليلة عرسه يخبئ في غرفته قطًا .. فإذا دخل بزوجته على مكان فراش الزوجية .. حرك كرسيًا ليخرج ذلك القط .. فإذا خرج أقبل العروس يستعرض قواه أمام زوجته .. وقبض على القط المسكين .. ثم خنقه وعصره .. حتى يموت بين يديه .. !!
أتدري لماذا ؟!
لأجل أن يطبع صورة الرعب والهيبة منه في ذهن زوجته من أول لقاء ..
وأذكر أني لما تخرجت من الجامعة .. وتعينت معيدًا في إحدى الكليات .. أوصاني معلم قديم قائلاً : في أول محاضرة لك عند الطلاب .. شُدَّ عليهم .. وانظر إليهم بعين حمراء !! حتى يخافوا منك وتفرض قوة شخصيتك من البداية ..
تذكرت هذا .. وأنا أكتب هذا الباب .. فأيقنت أن من الأمور المقررة عند جميع الناس أن اللقاء الأول في الغالب يطبع أكثر من 70% من الصورة عنك .. وهي ما يسمى بالصورة الذهنية ..
أذكر أن مجموعة من الضباط سافروا إلى أمريكا في دورة تدريبية .. كانت الدورة في التعامل الوظيفي .. في أول يوم .. حضروا إلى القاعة مبكرين .. جعلوا يتحدثون .. ويتعارفون .. دخل عليهم المدرس فجأة فسكتوا .. فوقعت عين المدرس على طالب لا يزال متبسمًا ..
فصرخ به : لماذا تضحك ؟
قال : عذرًا .. ما ضحكت ..
قال : بلى تضحك ..
ثم جعل يؤنبه : أنت إنسان غير جاد .. المفروض أن تعود لأهلك على أول رحلة طيران .. لا أتشرف بتدريس مثلك .. والطالب المسكين قد تلون وجهه .. وجعل ينظر إلى مدرسه .. ويلتفت إلى زملائه .. ويحاول حفظ ما تبقى من ماء وجهه ..
ثم حدق المدرس فيه النظر عابسًا وأشار إلى الباب وقال : اخرج .. قام الطالب مضطربًا .. وخرج ..
نظر المدرس إلى بقية الطلاب وقال : أنا الدكتور فلان .. سأدرسكم مادة كذا .. ولكن قبل أن أبدأ الشرح .. أريدكم أن تعبئوا هذه الاستمارة .. دون كتابة الاسم .. ثم وزع عليهم استمارة تقييم للمدرس .. فيها خمسة أسئلة :
1- ما رأيك بأخلاق مدرسك ؟
2- ما رأيك بطريقة شرحه ؟
3- هل يقبل الرأي الآخر ؟
4- ما مدى رغبتك في الدراسة لديه مرة أخرى ؟
5- هل تفرح بمقابلته خارج المعهد ؟
كان أمام كل سؤال منها .. اختارات : ممتاز .. جيد .. مقبول .. ضعيف .. عبأ الطلاب الاستمارة وأعادوها إليه .. وضعها جانبًا .. وبدا يشرح تأثير فن التعامل في الجو الوظيفي .. ثم قال : أوه ! .. لماذا نحرم زميلكم من الاستفادة .. فخرج إليه .. وصافحه وابتسم له .. وأدخله القاعة ..
ثم قال : يبدو أنني غضبت عليك قبل قليل من غير سبب حقيقي .. لكني كنت أعاني من مشكلة خاصة .. أدت بي أن أصب غضبي عليك .. فأنا أعتذر إليك .. فأنت طالب حريص .. يكفي في الدلالة على حرصك تركك لأهلك وولدك ومجيئك هنا ..
أشكرك .. بل أشكركم جميعًا على حرصكم .. ومن أعظم الشرف لي أن أدرس مثلكم .. ثم تلطف معهم وضحك قليلاً .. ثم أخذ مجموعة جديدة من الاستمارات وقال : ما دام أن زميلكم فاته تعبئة الاستمارة فما رأيكم أن تعبئوها كلكم من جديد .. ووزع عليهم الأوراق .. فعبئوها وأعادوها إليه ..
فأخرج الاستمارات التي عبؤوها في البداية .. وأخرج الأخيرة وجعل يقارن بينها .. فإذا الخانة الخاصة بضعيف في التعبئة الأول كلها مليئة .. أما الثانية فيها ضعيف ولا مقبول .. أبدًا .. فضحك وقال لهم : كان ما رأيتم دليلاً عمليًا على تأثير التعامل السيء على بيئة العمل بين المدير وموظفيه .. وما فعلته بزميلكم كان تمثيلاً أردت أن أجريه أمامكم .. لكن المسكين صار ضحية ..
فانظروا كيف تغيرت نظرتكم بمجرد تغير تعاملي معكم .. هذا من طبيعة الإنسان .. فلابد من مراعاته .. خاصة مع من تلتقي بهم لمرة واحدة فقط ..
كان المعلم الأول صلى الله عليه وسلم يأسر قلوب الناس من أول لقاء ..
بعد فتح مكة .. تمكن الإسلام .. وبدأت الوفود تتسابق إلى رسول الله غ في المدينة .. قدم وفد عبد القيس .. على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلما رآهم وهم على رحالهم قبل أن ينزلوا .. بادرهم قائلاً : مرحبًا بالقوم .. غير خزايا .. ولا ندامى .. فاستبشروا .. وتواثبوا من رحالهم .. وأقبلوا إليه يتسابقون للسلام عليه ..
ثم قالوا : يا رسول الله .. إن بيننا وبينك هذا الحي من المشركين من قبيلة مضر .. وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام .. حين يقف القتال .. فحدثنا بجميل من الأمر .. إن عملنا به دخلنا الجنة .. وندعو به من وراءنا ..
فقال صلى الله عليه وسلم : آمركم بأربع .. وأنهاكم عن أربع .. آمركم بالإيمان بالله .. وهل تدرون ما الإيمان بالله ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .. قال : شهادة أن لا إله إلا الله .. وإقام الصلاة .. وإيتاء الزكاة .. وأن تعطوا الخمس من الغنائم .. وأنهاكم عن أربع : عن نبيذ في الدباء .. والنقير والحنتم .. والمزفت ( ) ..
وفي موقف آخر .. كان صلى الله عليه وسلم مسافرًا مع أصحابه ليلة .. فساروا في ليلهم مسيرًا طويلاً .. حتى إذا كان آخر الليل .. نزلوا في طرف الطريق ليناموا .. فغلبتهم أعينهم حتى طلعت الشمس وارتفعت .. فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر .. ثم استيقظ عمر ..
فقعد أبو بكر عند رأسه صلى الله عليه وسلم .. فجعل يكبر ويرفع صوته .. حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم .. فنزل وصلى بهم الفجر .. فلما انتهى من صلاته التفت فرأى رجلاً من القوم لم يصل معهم .. فقال : يا فلان .. ما يمنعك أن تصلي معنا ؟
قال : أصابتني جنابة .. ولا ماء .. فأمره صلى الله عليه وسلم أن يتيمم بالصعيد .. ثم صلى .. ثم أمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالارتحال .. وليس معهم ماء .. فعطشوا عطشًا شديدًا .. ولم يقفوا على بئر ولا ماء ..
قال عمران بن حصين رضي الله عنه : فبينما نحن نسير فإذا نحن بامرأة على بعير .. ومعها مزادتان ( قربتان ) .. فقلنا لها : أين الماء ؟! .. قالت : إنه لا ماء .. فقلنا : كم بين أهلك وبين الماء ؟ .. قالت : يوم وليلة ..
فقلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قالت : وما رسول الله .. !!
فسقناها معنا طمعًا أن تدلنا على الماء .. حتى أقبلنا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فسألها عن الماء .. فحدثته بمثل الذي حدثتنا به .. غير أنها شكت إليه أنها أم أيتام ..
فتناول صلى الله عليه وسلم مزادتها .. فسمى الله .. ومسح عليها .. ثم جعل صلى الله عليه وسلم يفرغ من قربتيها في آنيتنا .. فشربنا عطاشًا أربعين رجلاً .. حتى روينا .. وملأنا كل قربة معنا .. ثم تركنا قربتيها .. وهما أكثر ما تكون امتلاءً ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم : هاتوا ما عندكم .. أي طعام .. فجمع لها من كسر الخبز والتمر ..
فقال لها : اذهبي بهذا معك لعيالك .. واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئًا .. غير أن الله سقانا .. ثم ركبت المرأة بعيرها .. مستبشرة بما حصلت من طعام .. حتى وصلت أهلها ..
فقالت : أتيت أسحرَ الناس .. أو هو نبي كما زعموا .. فعجب قومها من قصتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فلم يمر عليهم زمن حتى أسلمت وأسلموا ( ) ..
نعم .. أعجبت بتعامله وكرمه معها من أول لقاء ..
وفي يوم أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فسأله مالاً .. فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قطيعًا من غنم بين جبلين .. فرجع الرجل إلى قومه .. فقال : يا قوم .. أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة ..
قال أنس : وقد كان الرجل يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا .. فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه .. وأعز عليه .. من الدنيا وما فيها ( ) ..


اقتراح ..
أول لقاء يطبع 70% من الصورة عنك ..
فعامل كل إنسان على أن هذا هو اللقاء الأول والأخير بينكما ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:46 PM
الناس كمعادن الأرض ..
لو تأملت في الناس لوجدت أن لهم طبائع كطبائع الأرض .. فمنهم الرفيق اللين .. ومنهم الصلب الخشن .. ومنهم الكريم كالأرض المنبتة الكريمة .. ومنهم البخيل كالأرض الجدباء التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً .. إذن الناس أنواع ..
ولو تأملت لوجدت أنك عند تعاملك مع أنواع الأرض تراعي حال الأرض وطبيعتها .. فطريقة مشيك على الأرض الصلبة .. تختلف عن طريقتك في المشي على الأرض اللينة .. فأنت حذر متأنٍّ في الأولى .. بينما أنت مرتاح مطمئن في الثانية .. وهكذا الناس ..
قال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم : الأحمر ، والأبيض ، والأسود ، وبين ذلك ، والسهل ، والحزن ، والخبيث ، والطيب ( ) ..
فعند تعاملك مع الناس انتبه إلى هذا ــ وانتبهي ــ سواء تعاملت مع : قريب كأب وأم وزوجة وولد .. أو بعيد كجار وزميل وبائع ..
ولعلك تلاحظ أن طبائع الناس تؤثر فيهم حتى عند اتخاذ قراراتهم .. وحتى تتيقن ذلك .. اعمل هذه التجربة : إذا وقعت بينك وبين زوجتك مشكلة .. فاستشر أحد زملائك ممن تعلم أنه صلب خشن .. قل له : زوجتي كثيرة المشاكل معي .. قليلة الاحترام لي .. فأشر عليَّ ..
كأني به سيقول : الحريم ما يصلح معهن إلا العين الحمراء !! دُقَّ خشمها ! خل شخصيتك قوية عليها !! كن رجلاً !!
وبالتالي قد تثور أنت ويخرب عليك بيتك بهذه الكلمات ..
أكمل التجربة .. اذهب إلى صديق آخر تعرف أنه هين لين لطيف .. وقل له ما قلت للأول .. ستجد حتمًا أنه يقول : ( يا أخي هذه أم عيالك .. وما فيه زواج يخلو من مشاكل .. اصبر عليها .. وحاول أن تتحملها .. وهذه مهما صار فهي زوجتك .. وشريكتك في الحياة ) ..
فانظر كيف صارت طبيعة الشخص تؤثر في آرائه وقراراته ..
لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي القاضي بين اثنين وهو عطشان ! أو جوعان ! أو حابس لبول أو غائط ! لأن هذه الأمور قد تغير نفسيته .. وبالتالي قد تؤثر عليه في اتخاذ قراره في الحكم ..
كان في الأمم السابقة رجل سفاح !! سفاح ؟! نعم سفاح .. لم يقتل رجلاً واحدًا ولا اثنين .. ولا عشرة .. وإنما قتل تسعًا وتسعين نفسًا ..
لا أدري كيف نجا من الناس وانتقامهم .. لعله كان مخيفًا جدًا إلى درجة أنه لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه ..
أو أنه كان يتخفى في البراري والمغارات .. لا أدري بالضبط .. المهم أنه ارتكب 99 جريمة قتل !!
ثم حدثته نفسه بالتوبة .. فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عابد في صومعته .. لا يكاد يفارق مصلاه .. يمضي وقته ما بين بكاء ودعاء .. هين لين عاطفته جياشة ..
دخل هذا الرجل على العابد .. وقف بين يديه ثم فجعه بقوله : أنا قتلت تسعًا وتسعين نفسًا .. فهل لي من توبة ؟
هذا العابد .. أظنه لو قتل نملة من غير قصد لقضى بقية يومه باكيًا متأسفًا .. فكيف سيكون جوابه لرجل قتل بيده 99 نفسًا ..
انتفض العابد .. ولم يتخيل 99 جثة بين يديه يمثلها هذا الرجل الواقف أمامه .. صاح العابد : لا .. ليس لك توبة .. ليس لك توبة ..
ولا تعجب أن يصدر هذا الجواب من عابد قليل العلم .. يحكم في الأمور بعاطفته ..
هذا القاتل لما سمع الجواب .. وهو الرجل الصلب الخشن .. غضب واحمرت عيناه .. وتناول سكينة ثم انهال طعنًا في جسد العابد حتى مزقه .. ثم خرج ثائرًا من الصومعة ..
ومضت الأيام .. فحدثته نفسه بالتوبة مرة أخرى .. فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدله الناس على رجل عالم .. مضى يمشي حتى دخل على العالم ..
فلما وقف بين يديه فإذا به يرى رجلاً رزينًا يزينه وقار العلم والخشية ..
فأقبل القاتل إليه سائلاً بكل جرأة : إني قتلت مائة نفس !! فهل لي من توبة ؟!
فأجابه العالم فورًا : سبحاااان الله .. !! ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!!
جواب رائع !! فعلاً من يحول بينه وبين التوبة ؟! فالخالق في السماء لا تستطيع أي قوة في العالم أن تحول بينك وبين الإنابة إليه والانكسار بين يديه ..
ثم قال العالم الذي كان يتخذ قراراته بناء على العلم والشرع .. لا بناء على طبيعته ومشاعره .. أو قل على عاطفته وأحاسيسه ..
قال العالم : لكنك بأرض سوء .. عجبًا ! كيف علم ؟ عرف ذلك بناء على كبر الجرائم وقلة المُدافع له المُنكِر عليه ..
فعلم أن البلد أصلاً ينتشر فيها القتل والظلم إلى درجة أنه لا أحد ينتصر للمظلوم ..
قال : إنك بأرض سوء .. فاذهب إلى بلد كذا وكذا فإن بها قومًا يعبدون الله فاعبد الله معهم .. ذهب الرجل يمشي تائبًا منيبًا .. فمات قبل أن يصل إلى البلد المقصود ..
نزلت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب .. فأما ملائكة الرحمة فقالت : أقبل تائبًا منيبًا .. وأما ملائكة العذاب فقالت : لم يعمل خيرًا قط .. فبعث الله إليهم ملكًا في صورة رجل ليحكم بينهم .. فكان الحكم أن يقيسوا ما بين البلدين .. بلد الطاعة وبلد المعصية ..
فإلى أيتهما كان أقرب .. فإنه لها ..
وأوحى الله تعالى إلى بلد الرحمة أن تقاربي .. وإلى بلد المعصية أن تباعدي .. فكان أقرب إلى بلد الطاعة فأخذته ملائكة الرحمة .. حتى المفتين في المسائل الشرعية تجد مع الأسف أن بعضهم تغلبه عاطفته أحيانًا ..
اذكر أن أحد جيراني كان كثير الخلافات مع زوجته .. اشتد الخلاف يومًا فطلقها تطليقة .. ثم راجعها .. ثم اشتد أخرى .. فطلقها ثانية .. ثم راجعها ..
وكنت كلما قابلته أحذره وأوصيه .. وأذكره بأبنائه الصغار .. وأهمية اعتبارهم والعناية بهم .. وأكرر عليه : لم يبق لك إلا طلقة واحد ــ الثالثة ــ فإن أوقعتها لم تحل لك مراجعتها إلا بعد زواجها من آخر وتطليقه لها .. فاتق الله .. ولا تخرب بيتك ..
حتى جاءني يومًا متغير الوجه وقال : يا شيخ تخاصمنا وطلقتها الثالثة !! وهذا الكلام منه ليس غريبًا .. إنما الغريب أنه قال بعدها : ما تعرف لي شيخًا حبيبًا يفتيني أن أرجعها !!
فعجبت منه .. ثم تأملت في الحال فاكتشفت ما تقرر قبل قليل أن كثيرًا من الناس تختلف آراؤهم ــ وربما اختياراتهم الفقهية ــ تأثرًا بعاطفته وطبيعته ..
وبعض الناس تعلم من طبيعته أنه شديد الحب للمال .. فلا تعجب إذا رأيته يذل نفسه لأرباب الأموال .. يهمل أولاده وبيته لأجل جمعه .. يقتر على من يعول .. لا تعجب فهو طماع .. بل إن اتخاذه لقراراته وتبنيه لقناعاته ينبني كثيرًا على هذه الطبيعة ..
فإذا أردت أن تتعامل معه أو تطلب منه شيئًا فضع في نفسك قبل أن تتكلم أنه محب للمال .. فحاول أن لا تعارض هذه الطبيعة فيه حتى تحصل على ما تريد منه ..
ولأن الأمثلة مفاتيح الفهوم .. خذ مثالاً : نفرض أنك زرت مستشفى وقابلت مصادفة صديقًا قديمًا كان زميلاً لك أيام الجامعة .. فدعوته إلى وليمة غداء في بيتك .. فوافق ..
فذهبت إلى السوق واشتريت حاجات ثم رجعت إلى البيت لتستعد وجعلت تتصل بعدد من زملائكم السابقين تدعوهم لمشاركتكم الوليمة ورؤية صاحبك .. من بين هؤلاء صديق من البخلاء الذين استولى حب المال على قلوبهم .. اتصلت به فرحب وحيَّا .. فلما أخبرته عن الوليمة .. قال : آآه .. يا ليتني أستطيع الحضور ورؤية فلان .. لكني مرتبط بشغل هااام .. فبلغه سلامي .. ولعلي أراه في وقت آخر ..
فأدركت أنت من معرفتك بطبيعته أنه يخشى أن يجيء .. فيضطر إلى أن يدعو الضيف إلى بيته ويصنع له وليمة تكلفه مبلغًا وقدره .. !! وهو يريد التوفير ..
فقلت له : عمومًا هذا الضيف لن يبقى في البلد سيسافر بعد الغداء مباشرة .. فقال : آآآ .. إذن سأؤجل شغلي وآتي لرؤيته !!
وبعض من تخالطهم من الناس يكون اجتماعيًا أسريًا .. يحب أسرته .. لا يصبر على فراقهم .. اطلب منه أي شيء إلا أن يبتعد عن أولاده بسفر أو نحوه .. فلا تكلفه ما لا يطيق ..
إلى غير ذلك من طبائع الناس ..
يعجبني بعض الناس الذي يملك فن اصطياد جميع القلوب .. فإذا سافر مع بخلاء اقتصد حتى لا يحرجهم فأحبوه ..
وإن جالس عاطفيين زاد من نسبة عاطفته فأحبوه .. وإن مشى مع فكاهيين مرحين ضحك ومزح وجاملهم فأحبوه ..
يلبي لكل حالة لبوسها .. إما نعيمها وإما بؤسها .. وعُد بذاكرتك قليلاً معي .. وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل بالكتائب لفتح مكة ..
كان أبو سفيان قد خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل مكة .. فأسلم .. في قصة طويلة .. الشاهد منها أنه لما أسلم قال العباس : يا رسول الله .. إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئًا .. فقال صلى الله عليه وسلم :
نعم .. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ..
ومن دخل المسجد فهو آمن ..
فلما ذهب أبو سفيان لينصرف إلى مكة .. نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا هو الذي استنفر قريشًا لحربه في بدر .. واستنفرها لحربه في أحد .. ثم استنفرها لحربه في الخندق ..
وإذا رجل قائد .. قد طحنته الحرب وطحنها .. وإذا هو حديث عهد بإسلام .. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه قوة الإسلام ..
فقال صلى الله عليه وسلم : يا عباس .. قال : لبيك يا رسول الله ..
قال : احبس أبا سفيان بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها .. أي أوقفه على طريق الجيش وهو يدخل مكة ..
فخرج العباس بأبي سفيان .. حتى وقف معه بمضيق الوادي .. حيث تتدفق الكتائب كالسيل إلى مكة ..
وجعلت الكتائب تمر عليه براياتها .. فلما مرت الكتيبة الأولى ، قال : يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : سليم ..
قال : مالي ولسليم ..!! ثم مرت به الثانية ..
قال : يا عباس من هؤلاء ؟
قال : مزينة ..
قال : مالي ولمزينة .. !! حتى نفدت الكتائب .. وما تمر كتيبة إلا سأل العباس عنها .. فإذا أخبره .. قال : مالي ولبني فلان ..
حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء .. وفيها المهاجرون والأنصار .. قد غطوا أجسادهم بالحديد .. فلا يرى منهم إلا عيونهم ..
فقال : سبحان الله يا عباس ! من هؤلاء ؟
فقال العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار ..
قال : هذا الموت الأحمر .. والله ما لأحد بهؤلاء من قِبَلِ ولا طاقة ..
ثم قال : والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلْكُ ابن أخيك عظيمًا !
قال العباس : يا أبا سفيان .. إنها النبوة ..
فقال أبو سفيان : فنعم إذن ..
فلما تجاوزتهم الخيل .. صاح به العباس .. النجاءَ إلى قومك .. فمضى أبو سفيان سريعًا إلى مكة .. وجعل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر قريش .. هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به .. فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..
قالوا : قاتلك الله ! وما تغني عنا دارك ؟
قال : ومن أغلق عليه بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن ..
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .. فلله در نبيه صلى الله عليه وسلم كيف أثر في نفس أبي سفيان بما يصلح له ..
ومما يحسن ههنا .. أن تعرف طبيعة الشخص ونفسيته قبل أن تتكلم معه .. فإن معرفة طبيعته .. وماذا يناسبه .. يفيدك عند التعامل أو الكلام معه ..
في غزوة الحديبية .. خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب .. كانوا ألفًا وأربعمائة ..
ساقوا معهم الهدي وأحرموا بالعمرة ليعلم الناس أنهم إنما خرجوا زائرين لهذا البيت معظمين له ..
وساق غ معه سبعين من الإبل .. هديًا إلى البيت الحرام .. وصلوا مكة .. فمنعتهم قريش من دخولها .. عسكر النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في موضع اسمه الحديبية .. جعلت قريش ترسل إليه الرجل تلو الرجل للتفاوض معه ..
فبعثوا إليه أولاً مكرز بن حفص .. كان مكرز رجلاً من قريش .. لكنه لا يلتزم بعهد ولا ميثاق .. بل هو فاجر غادر .. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : هذا رجل غادر ..
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كلمه بما يصلح لمثله .. وأخبره أنه ما جاء يريد حربًا .. إنما جاء معتمرًا .. ولم يكتب معه عهدًا لأنه يعلم أنه ليس أهلاً لذلك ..
رجع مكرز إلى قريش كما ذهب من غير نتيجة .. فبعثوا حليس بن علقمة .. سيد الأحابيش .. وكان الأحابيش قوم من العرب سكنوا مكة تعظيمًا للحرم وعناية بالكعبة ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا من قوم يتألهون .. أي يتعبدون .. فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ..
فلما رأى الهدي من إبل وغنم .. تسيل عليه من عرض الوادي في قلائده وحباله مربوطًا مهيئًا ليذبح في الحرم .. قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله .. قد أضناه الجوع والعطش ..
لما رأى سيد الأحابيش ذلك .. انتفض .. ولم يقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظامًا لما رأى .. وكيف يمنع المعتمرون عن البيت الحرام !!
رجع إلى قريش .. فقال لهم ذلك ..
فقالوا له : اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك ..
فغضب الحليس .. وقال : يا معشر قريش .. والله ما على هذا حالفناكم .. ولا على هذا عاهدناكم .. أيصد عن بيت الله من جاءه معظمًا له ؟
والذي نفس الحليس بيده .. لتخلُّن بين محمد وبين ما جاء له من العمرة .. أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ..
قالوا : مَهْ .. كُف عنا .. حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .. ثم أرادوا .. أن يبعثوا رجلاً شريفًا .. فاختاروا عروة بين مسعود الثقفي ..
فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم .. من التعنيف وسوء اللفظ .. وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد ..
قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم ..
فخرج عروة .. وكان ملكًا في قومه .. له شرف ومكانة .. وله ترفُّع على الناس .. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه ثم قال :
يا محمد !! أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ؟
إنها قريش .. قد خرجت معها العوذ المطافيل .. قد لبسوا جلود النمور ..
يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدًا .. وأيم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدًا ..
وكان أبو بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم .. واقفًا ..
فقال أبو بكر : امصص بظر اللات ! أنحن ننكشف عنه ؟
تفاجأ مَلِكُ قومه بهذا الجواب .. فلم يتعود على مثله .. لكنه في الحقيقة كان يحتاج إلى جرعة كهذه تخفض ما في رأسه من كبرياء ..
فقال عروة متأثرًا : من هذا يا محمد ؟
قال : هذا ابن أبي قحافة ..
قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكفأتك بها .. ولكن هذه بهذه ..
وجعل عروة يلين العبارات بعدها .. ويكلم النبي صلى الله عليه وسلم .. ويلمس لحية النبي .. والمغيرة بن شعبة الثقفي واقف وراء رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غطى وجهه الحديد ..
فكان كلما قرب عروة يده من لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قرعها شعبة بطرف السيف .. ثم يمدها ثانية .. فيقرعها شعبة بطرف السيف ..
فلما مدها الثالثة .. قال شعبة : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تصل إليك يدك .. أي أقطعها !!
فقال عروة : ويحك ما أفظك وأغلظك ! ومن هذا يا محمد ؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة الثقفي ..
فقال عروة : أي غُدَرْ وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس !
ثم قام عروة من عند النبي صلى الله عليه وسلم .. وعاد إلى قريش ..
فاسمع ما قال :
قال : يا معشر قريش .. والله لقد رأيت كسرى وقيصر والنجاشي .. والله ما رأيت ملكًا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدًا ..
فوقع في قلب قريش من الرهبة ما لم يقع من قبل .. فأرسلت قريش سهيل بن عمرو .. فمضى يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال : سهل أمركم .. ثم كتبوا بينهم صلح الحديبية ..
هذا جانب من معرفته صلى الله عليه وسلم لأنواع الناس .. واستعمال المفتاح المناسب في التعامل مع كل أحد ..
وهذه الأنواع من طباع الناس تلاحظها حتى في إلقاء الكلمات أو السواليف معهم .. ويمكنك أن تشاهد دليل ذلك بنفسك ..
حاول أن تلقي قصة مبكية أمام جمع من الناس .. وانظر إلى أنواع تأثرهم .. أذكر أني ألقيت يومًا خطبة ضمّنتها قصة مقتل عمر رضي الله عنه ..
ولما وصلتُ إلى كيفية طعن أبي لؤلؤة المجوسي لعمر رضي الله عنه .. قلت ــ بصوت عالٍ ــ : وفجأة خرج أبو لؤلؤة من المحراب على عمر .. ثم طعنه ثلاث طعنات ..
وقعت الأولى في صدره والثانية في بطنه .. ثم استجمع قوته وطعن بالخنجر تحت سرته .. ثم جررررر الخنجر حتى خرجت بعض أمعائه .. لاحظتُ وأنا أنظر في الوجوه أن الناس تنوعوا في كيفية تأثرهم ..
فمنهم من أغمض عينيه فجأة وكأنه يرى الجريمة أمامه .. ومنهم من بكى .. ومنهم من كان يستمع دون أدنى تأثير وكأنه ينصت إلى حكاية ما قبل النوم !!
قل مثل ذلك لو عرضت قصة حمزة رضي الله عنه لما وقع شهيدًا في معركة أحد .. وكيف شقوا بطنه فأخرجوا كبده .. وقطعوا أذنيه .. وجدعوا أنفه .. وهو سيد الشهداء وأسد الله ورسوله ..
وعمومًا .. علمتني الحياة أن الناس لا يخلون من أن يوجد من بينهم غليظ غبي .. !! لا يحسن ضبط عباراته .. ولا مجاملة السامعين ..
أذكر أن رجلاً من هذا الصنف جلس مرة في مجلس عام .. فذكر قصة وقعت له مع أحد البائعين .. فقال في معرض حديثه :
وهذا البائع ضخم جدًا كأنه حمار .. ثم قال : يشبه خالد !!
وأشار إلى رجل بجانبه !!
فلا أدري كيف صار يشبه خالدًا .. وهو كأنه حمار !!
وقبل الختام .. هنا سؤال كبير .. هل يمكنك تغيير طباعك لتتناسب مع طباع من تخالطه .. ؟
نعم .. كان عمر ت مشهورًا بين الناس بقوته وصرامته .. وفي يوم من الأيام .. اختلف رجل مع زوجته .. وجاء يسأل عمر كيف يتعامل معها ..
فلما وقف عند بيت عمر ومد يده ليطرق الباب سمع زوجة عمر تصرخ به .. وعمر ساكت .. لم يصرخ .. لم يضرب ..
فولّى الرجل ظهره للباب وكرّ راجعًا متعجبًا ..
أحس عمر بصوت عند الباب فخرج ونادى الرجل : .. ما خبرك ؟
قال : يا أمير المؤمنين .. جئت أشتكي إليك امرأتي فسمعت امرأتك تصرخ بك !!
فقال عمر : يا رجل إنها امرأتي .. حليلة فراشي .. وصانعة طعامي .. وغاسلة ثيابي .. أفلا أصبر منها على بعض السوء ..
وعمومًا : بعض الناس لا علاج له فلابد من التكيف معه .. يشتكي إليَّ بعض الناس من شدة غضب أبيه .. أو بخل زوجته .. أو ..
فأَعْرضُ عليه بعض طرق العلاج فيفيدني أنه جربها كلها ولم تنفع ..
فما الحل .. ؟!
الحل أن يصبر على أخلاقهم .. ويغمر سيء أخلاقهم في بحر حَسَنِها .. ويتكيف مع واقعه قدر المستطاع .. فبعض المشاكل ليس لها حل ..


نتيجة ..
معرفتك بطبيعة الشخص الذي تخالطه
تجعلك قادرًا على كسب محبته ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:48 PM
شعرة معاوية !!
كان يُدرِّس مادة الرياضيات لطلاب المرحلة الثانوية .. السنة الأخيرة .. كان يلاحظ على عدد منهم الإهمال وعدم المتابعة .. فأراد أن يؤدبهم ..
دخل عليهم يومًا .. وأول ما استقر على كرسيه فاجأهم بقوله : كل واحد يضع كتابه جانبًا ويخرج ورقة وقلمًا !!
قال : لماذا يا أستاذ ؟! قال : اختبار .. اختبار مفاجئ ..
بدأ الطلاب بنوع من التذمر ينفذون ما طلب .. ويتهامسون باستياء .. كان من بينهم طالب كبير الجسم صغير العقل .. مشاكس كثير المشاكل سريع الغضب متهور .. صاح بأستاذه : يا أستاذ .. لا نريد أن نختبر .. نحن بالكاد نجيب ونحن مذاكرون .. بالله كيف إذا كنا ما ذاكرنا ؟!!
قالها الطالب بنبرة حادة .. ثار المدرس وهاج ..
وقال : ليس على كيفك .. تختبر غصبًا عنك .. فاهم ؟!
إذا ما هو عاجبك اطلع برَّا !!!
ثار الطالب .. وصاح : أنت اللي تطلع برّا ..
توجه المدرس إلى الطالب وهو يصيح ويردد : يا قليل الأدب .. يا عديم التربية .. يا .. ويقترب أكثر وأكثر ..
نهض الطالب واقفًا ..
ثم .. كان ما كان مما لست أذكره فظن شرًا ، ولا تسأل عن الخبر !!
وصل الأمر إلى إدارة المدرسة .. عوقب الطالب بخصم درجتين وكتابة تعهد بالتزام الأدب ..
أما المدرس فصار حديث القاصي والداني .. وأصبح مضرب الأمثال .. ومثار أحاديث الطلاب في كل المدرسة .. يمشي في ممراتها ويسمع التعليقات والهمسات .. حتى انتقل بعدها إلى مدرسة أخرى ..
بينما مدرس آخر وقع له الموقف نفسه لكنه أحسن التصرف معه .. دخل على طلابه .. وفاجأهم بقوله : أخرج ورقة وقلمًا .. اختبار مفاجئ ..
وكان من بينهم طالب كذاك الطالب .. صاح : يا أستاذ !! ليس على كيفك ..
كان المدرس جبلاً يحس بثقل الرجل التى تحاول أن تصعد عليه !! ..
يفهم أن العصبي لا يقابل بعصبية .. ابتسم ونظر إلى الطالب وقال : يعني يا خالد ما تريد أن تختبر ؟
فقال ــ صارخًا ــ : لا ..
فقال المدرس بكل هدووووء : خلاص .. الذي ما يريد أن يختبر نتعامل معه بالنظام ..
اكتبوا يا شباب : السؤال الأول : أوجد نتيجة هذه المعادلة : س + ص = ع + 15 ومضى يسوق الأسئلة ..
لم يصبر الطالب المشاكس وقال : أقول لك ما أريد أن أختبر .. نظر إليه المدرس وابتسم بهدوووء ..
وقال : هل ألزمتك أن تختبر .. أنت رجل ومسئول عن تصرفاتك ..
لم يجد الطالب ما يثير غضبه أكثر .. فهدأ وأخرج ورقة وقلمًا .. وبدأ يكتب الأسئلة مع زملائه .. ثم بعدها تمت محاسبته على سوء أدبه عن طريق إدارة المدرسة ..
تذكرت هذه القصة الافتراضية وتذكرتُ المفارقة في القدرة على التعامل مع المواقف وأنا أتأمل في مهارات الناس على إذكاء النيران وإخمادها ..
فالتعامل مع العصبي بعصبية يؤدي إلى تفجر الموقف واحتدام الخلاف .. فمن الأمور المسلَّمة عند العقلاء .. أن من يلاقي النار بالنار يزدها شررًا واحتدامًا ..
وفي الجهة المقابلة تجد أحيانًا من يقابل البرود ــ دائمًا ــ ببرود .. لا تستقيم له الأمور .. فليكن رابطك مع الناس شعرة معاوية ..
فقد سئل معاوية رضي الله عنه : كيف استطعت أن تحكم الناس أميرًا عشرين سنة .. ثم تحكمهم خليفة عشرين سنة ؟
فقال : جعلت بيني وبينهم شعرة .. أحد طرفيها في يدي والآخر في أيديهم ..
فإذا شدوها من جهتهم أرخيت من جهتي حتى لا تنقطع .. وإذا أرخوا من جهتهم شددت من جهتي .. صدق رضي الله عنه .. ما أحكمه !!
أظن من المسلَّمات في حياتنا أنه لا يمكن أن يهنأ بالعيش زوجان كلاهما عصبي غضوب .. كما لا يمكن أن تطول علاقة صاحبين كلاهما كذلك ..
أذكر أني ألقيت محاضرة في أحد السجون .. وكان قَدَري أن تكون المحاضرة في العنبر الخاص بمرتكبي جرائم القتل ..
لما انتهيت من محاضرتي .. تفرقوا إلى مهاجعهم وأقبل إلى أحدهم شاكرًا .. وعرفني بنفسه وأنه المسئول عن الأنشطة الثقافية في العنبر ..
سألته عن سبب ارتكاب جريمة القتل عند أكثر هؤلاء .. فقال : الغضب .. الغضب .. والله يا شيخ إن بعضهم قتل لأجل حفنة ريالات تخاصم عليها مع عامل في بقالة أو محطة وقود ..
تذكرت عندها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ليس الشديد بالصُّرعَة .. إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ( ) ..
نعم ليس البطل هو قوي البدن الذي ما يصارع أحدًا إلا غلبه .. لا .. فلو كان هذا هو مقياس البطولة لأصبحت الحيوانات والوحوش أفخر من الآدميين ..
إنما البطل هو العاقل الذي يعرف كيف يتعامل مع المواقف بمهارة .. يتعامل مع زوجته .. أولاده .. زملائه .. دون أن يفقدهم ..
وفي الحديث : لا يقضي القاضي وهو غضبان ( ) .. وأمر غ بتدريب النفس على الحلم فقال : إنما الحلم بالتحلم ( ) ..
نعم بالتحلم .. يعني عند كظم الغضب في المرة الأولى ستتعب 100% ولكن في الثانية ستتعب 90% ثم في الثالثة إذا كظمت غضبك ستتعب 80% وهكذا حتى تتدرب ويصبح الحلم والهدوء عندك طبيعة ..
ومن طرائف قصص الغضب أني ذهبت يومًا لمدينة أملج ( 300 كم جنوب جدة ) لإلقاء محاضرة .. كان من بين الحاضرين شاب سريع الغضب ثائر الأعصاب جدًا .. هذا الشاب سافر مرة بسيارته ولم يكن مستعجلاً فكان يمشي ببطء ..
كان وراءه سيارة مسرعة تريده أن يفسح لها الطريق .. هو يزداد بطئًا ويشير لهم بيده أن خففوا السرعة ..
ضاق صاحب السيارة الأخرى بصاحبنا ذرعًا .. وعداه بسرعة وانحرف عليه بسيارته مؤدبًا .. ثم مضى .. ولم يصب أحد منهما بضرر ..
ثارت أعصاب صاحبنا ــ وهي تثور على أقل من ذلك بكثيييير ــ فزاد سرعة سيارته .. وأخذ يصرخ ويزمجر .. ويشير لهم بأضواء السيارة مرارًا حتى توقفوا ..
فألقى غترته جانبًا .. وتناول قطعة حديد ــ هي في الأصل مفك لفتح براغي العجلات عند الحاجة ــ ..
ونزل من السيارة متوجهًا إليهم .. والغضب بادٍ عليه وقطعة الحديد في يده .. فإذا بالسيارة المقابلة ينزل منها ثلاثة شباب قد ضاقت ملابسهم بعضلاتهم .. وتباعدت أيديهم عن جنوبهم من عرض أكتافهم ..
أقبلوا يركضون بانفعال إلى صاحبنا .. وقد رأوه تهيأ للقتال !!
فلما رآهم انتفض .. وغص بريقه .. وهم ينظرون إليه وإلى ما في يده ..
فلما لاحظ أنهم يحدون النظر إلى قطعة الحديد ..
رفعها برفق وقال : عفوًا .. أردت أن أنبهكم إلى أن هذه سقطت منكم ..!!
فتناولها أحدهم بانفعال .. وولوا إلى سيارتهم .. وهو يشير بيده إليهم مودعًا .. !!



معادلة ..
عصبي + عصبي = انفجار

أبو سيف
02-24-2008, 08:50 PM
مفاتيح القلوب ..
كل باب له مفتاح .. والمفتاح المناسب لفتح قلوب الناس هو معرفة طبائعهم .. حل مشاكل الناس .. الإصلاح بينهم .. الاستفادة منهم .. اتقاء شرورهم .. كل ذلك تصبح فيه بارعًا إذا عرفت طبائعهم ..
افرض أن شابًا وقع بينه وبين أبيه خلاف .. اشتد الخلاف حتى طرده أبوه من البيت .. حاول الابن العودة مرارًا لكن الأب كان عنيدًا مصرًا ..
دخلت للإصلاح بينهما .. حدثت الأب بالنصوص الشرعية .. خوفته من إثم القطيعة .. لم يلتفت إليك .. كان مشحونًا غاضبًا جدًا .. أردت أن تستعمل أساليب أخرى للإصلاح .. عرفت من طبيعة هذا الأب أنه عاطفي جدًا ..
جئت إليه وقلت : يا فلان .. أما ترحم ولدك .. يفترش الأرض .. ويلتحف السماء .. !! أنت تأكل وتشرب .. والمسكين يبيت طاويًا ويصبح جائعًا ..
أما تذكره إذا رفعت كسرة الخبز إلى فمك .. أما تذكر مشيه في حر الشمس .. أما تذكر لما كنت تحمله صغيرًا .. وتضمه إلى صدرك .. وتشمه وتقبله .. أيرضيك أن يستجدي الناس وأبوه حي !! .. تجد أن عاطفة الأب تهيج بهذا الكلام .. ويقترب أكثر من نقطة الالتقاء ..
وإن كان أبوه بخيلاً محبًا للمال .. قلت له : يا فلان انتبه لا تورط نفسك .. أرجع الولد تحت نظرك وتصرفك .. أخشى أن يسرق أو يعتدي .. فتلزمك المحكمة بسداد ما أخذ .. وإصلاح ما خرب .. فأنت أبوه على كل حال .. انتبه .. تجد أن الأب البخيل سيبدأ يعيد موازينه من جديد ..
وإن كان كلامك موجهًا إلى الابن .. وكان جشعًا محبًا للمال .. قلت له : يا فلان .. لن ينفعك إلا أبوك .. غدًا ستحتاج أن تتزوج .. من يسدد مهرك ؟
لو تعطلت سيارتك من يصلحها ؟ .. لو مرضت .. من سيحاسب المستشفى ؟
إخوانك يستفيدون كما شاءوا .. مصروف .. هدايا .. وأنت جالس هكذا .. ما يضرك أن تصلح ذلك كله بقبلة تطبعها على جبين أبيك .. أو كلمة أسف تهمس بها في أذنه ..
وكذلك لو دخلت للإصلاح بين زوجة وزوجها .. فعلت مثل ذلك .. وفتحت باب كل واحد منهما بالمفتاح المناسب ..
ومثله لو أردت أجازة من مديرك في العمل .. وعرفت أنه لا يلتفت إلى العواطف ولا الأمور الاجتماعية .. وإنما عمل ( وبس ! ) ..
فقلت له : أحتاج إلى أجازة ثلاثة أيام أجدد فيها نشاطي .. وأستعيد حيويتي .. أشعر أن إنتاجيتي مع ضغط العمل تنحدر تدريجيًا .. أعطني فرصة لإراحة ( رأسي ) فقط ثلاثة أيام .. لأعود أنشط وأقدر ..
وإن كان اجتماعيًا .. تلحظ من خلال تعاملاته .. أنه حريص على الأسرة والعائلة .. قلت له : أريد إجازة لأرى والديّ .. وأولادي .. أشعر أنهم في واد وأنا في واد آخر .. إلى غير ذلك ..
أتقن هذه المهارة .. وستسمع الناس غدًا يقولون : ما رأينا أبرع فلانًا في القدرة على الإقناع .. !!


نتيجة ..
كل إنسان له مفتاح ..
ومعرفة طبيعة الإنسان تدلّك على معرفة مفتاحه المناسب ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:52 PM
مراعاة النفسيات ..
تتقلب أمزجة الناس في حياتهم بين حزن وفرح .. وصحة ومرض .. وغنى وفقر .. واستقرار واضطراب .. وبالتالي يتنوع تقبلهم لبعض الأنواع من التعاملات .. أو ردهم لها بحسب حالتهم الشعورية وقت التعامل .. فقد يقبل منك النكتة والطرفة ويتقبل المزاح في وقت استقراره وراحة باله .. لكنه لا يتقبل ذلك في وقت حزنه ..
فمن غير المناسب أن تطلق ضحكة مدوية في عزاء ..!! لكنها تحتمل منك في نزهة برية .. وهذا أمر مقرر عند جميع العقلاء وليس هو المقصود بحديثي هنا .. إنما المقصود هو مراعاة النفسيات والمشاعر الشخصية عند الحديث مع الناس أو التصرف معهم ..
افرض أن امرأة طلقها زوجها وليس لها أب ولا أم .. قد ماتا .. وجعلت تجمع أغراضها لتعيش مع أخيها وزوجته .. فبينما هي كذلك إذ دخلت عليها جارتها في الضحى زائرة .. فرحبت المطلقة بها .. ووضعت لها القهوة والشاي .. فجعلت الزائرة تبحث عن أحاديث لتؤانسها .. فسألتها المطلقة : بالأمس رأيتكم خارجين من المنزل ..
فقالت الجارة : إي والله .. أبو فلان .. ــ تعني زوجها ــ أصر على أن نتعشى خارج البيت فذهبت معه .. ثم مر السوق واشترى لي فستانًا لعرس أختي .. ثم وقف عند محل ذهب ونزل واشترى لي سوارًا ألبسه في العرس ..
ولما رجعنا إلى البيت رأى الأولاد في ملل فوعدهم آخر الأسبوع أن يسافر بهم .. والمطلقة المسكينة تستمع إلى ذلك وتتخيل حالها بعد قليل في بيت زوجة أخيها !!
السؤال : هل يناسب إثارة هذا النوع من الأحاديث مع امرأة فشلت في مشروع الزواج ؟!!
هل تظن أن هذه المطلقة ستزداد محبة لهذه الجارة ؟ .. ورغبة في مجالستها دائمًا ؟ .. وفرحًا بزيارتها لها ؟ .. نتفق جميعًا على جواب واحد نصرخ به قائلين: لاااااا .. بل سيمتلئ قلبها حقدًا وقهرًا .. إذن ما الحل ؟ هل تكذب عليها ؟
لا .. ولكن تتكلم باختصار ..
كأن تقول : والله كان عندنا بعض الأشغال قضيناها .. ثم تصرف الكلام إلى موضوع آخر تصبرها به على كربتها ..
أو افرض .. أن صديقين اختبرا نهاية المرحلة الثانوية .. فنجح أحدهما وتخرج بتفوق .. والثاني رسب في عدد من المواد .. أو تخرج بنسبة ضعيفة لا تؤهله للقبول في شيء من الجامعات .. فهل تَرَى من المناسب عندما يزور المتفوقُ صاحبه أن يسهب في الحديث حول الجامعات التي تم قبوله فيها .. والميزات التي ستمنح له .. ؟
قطعًا جوابنا جميعًا : لا .. إذن ما الحل ؟
الحل أن يذكر له عموميات يخفف بها عنه .. كأن يشتكي من كثرة الزحام في الجامعات .. وقلة القبول .. وخوف كثير من المتقدمين إليها من عدم القبول .. حتى يخفف عن صاحبه مصابه .. فيرغب عند ذلك في مجالسته أكثر .. ويحبه ويأنس بقربه .. ويشعر أنه قريب من قلبه ..
وقل مثل ذلك لو التقى شابان أحدهما أبوه كريم يغدق عليه الأموال .. والآخر أبوه بخيل لا يكاد يعطيه ما يكفيه .. فمن غير المناسب أن يتحدث ابن الكريم بإغداق أبيه عليه .. وكثرة المال لديه .. و .. لأن هذا النوع من الكلام يضيق به صدر صديقه .. ويذكره بمأساته مع أبيه .. ويستثقل الجلوس مع هذا الصديق ويشعر ببعده عنه في همه ..
لذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مراعاة مشاعر الآخرين ونفسياتهم .. فقال : لا تطيلوا النظر إلى المجذوم ( ) .. والمجذوم هو ا لمصاب بمرض ظاهر في جلده قد جعله مشوهًا في منظره .. فمن غير المناسب أنه إذا مر بقوم أن يطيلوا النظر إلى جلده .. لأن هذا يذكره بمصيبته فيحزن ..
وفي موقف غاية في المراعاة واللطف يتعامل غ مع والد أبي بكر ت .. فإنه غ لما أقبل بجيوش المسلمين إلى مكة لفتحها ..
قال أبو قحافة أبو أبي بكر رضي الله عنه .. وكان شيخًا كبيرًا .. أعمى .. قال لابنة له من أصغر ولده : أي بنية .. اظهري بي على جبل أبي قبيس لأنظر صدق ما يقولون .. هل جاء محمد ؟ .. فأشرفت به ابنته فوق الجبل .. فقال : أي بنية ماذا ترين ؟ .. قالت : أرى سوادًا مجتمعًا مقبلاً .. قال : تلك الخيل ..
قالت : وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك السواد مقبلاً ومدبرًا ..
قال : أي بنية ذلك الوازع الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ..
ثم قالت : قد والله يا أبت انتشر السواد ..
فقال : قد والله إذًا دفعت الخيل ووصلت مكة .. فأسرعي بي إلى بيتي .. فإنهم يقولون من دخل داره فهو آمن ..
فانحطت الفتاة به مسرعة من الجبل .. فتلقته خيل المسلمين .. قبل أن يصل إلى بيته .. فأقبل أبو بكر إليه .. فاحتفى به مرحبًا .. ثم أخذ بيده يقوده .. حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ..
فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا شيخ كبير .. قد ضعف جسمه .. ورق عظمه .. واقتربت منيته .. وإذا أبو بكر ت ينظر إلى أبيه .. وقد فارقه منذ سنين .. وانشغل عنه بخدمة هذا الدين ..
التفت إلى أبي بكر ت فقال مطيبًا لنفسه .. ومبينًا قدره الرفيع عنده : هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ؟!
كان أبو بكر يعلم أنهم في حرب .. قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأن وقته أضيق .. وأشغاله أكثر من أن يتفرغ للذهاب لبيت شيخ يدعوه للإسلام ..
فقال أبو بكر شاكرًا : يا رسول الله .. هو أحق أن يمشي إليك .. من أن تمشي أنت إليه .. فأجلس النبي صلى الله عليه وسلم أبا قحافة بين يديه .. بكل لطف وحنان .. ثم مسح على صدره .. ثم قال : أسلم .. فأشرق وجه أبي قحافة .. وقال : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ..
انتفض أبو بكر منتشيًا مسرورًا .. لم تسعه الدنيا فرحًا .. تأمل النبي صلى الله عليه وسلم في وجه الشيخ .. فإذا الشيب يكسوه بياضًا .. فقال صلى الله عليه وسلم : غيروا هذا من شعره .. ولا تقربوه سوادًا ..
نعم كان يراعي النفسيات في تعامله .. بل إنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة قسم جيشه إلى كتائب .. وأعطى راية إحدى الكتائب ..إلى الصحابي البطل سعد بن عبادة رضي الله عنه .. كانت الراية مفخرة لمن يحملها .. ليس له فقط بل له ولقومه ..
جعل سعد ينظر إلى مكة وسكانها .. فإذا هم الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وضيقوا عليه .. وصدوا عنه الناس .. وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر .. وعذبوا بلالاً وخبابًا .. كانوا يستحقون التأديب فعلاً .. هز سعد الراية .. وهو يقول :
اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة ..
سمعته قريش فشق ذلك عليهم .. وكبر في أنفسهم .. وخافوا أن يفنيهم بقتالهم .. فعارضت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسير .. فشكت إليه خوفهم من سعد .. وقالت :
يا نبي الهدى إليك لجائي قريش ولات حين لجاء
حين ضاقت عليهم سعة الأرض وعاداهم إله السماء
إن سعدًا يريد قاسمة الظهر بأهل الحجون والبطحاء
خزرجي لو يستطيع من الغيظ رمانا بالنسر والعواء
فانهينه إنه الأسد الأسود والليث والغٌ في الدماء
فلئن أقحم اللواء ونادى يا حماة اللواء أهل اللواء
لتكونن بالبطاح قريش بقعةً القاع في أكف الإماء
إنه مصلت يريد لها القتل صموت كالحية الصماء
فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشعر .. دخله رحمة ورأفة بهم .. وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه .. وأحب ألا يغضب سعدًا بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها ..
فأمر سعدًا فناول الراية قيس بن سعد .. فدخل بها مكة .. وأبوه سعد يمشي بجانبه .. فرضيت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية .. ولم يغضب سعد لأنه بقي قائدًا لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه .. فما أجمل أن نصيد عدة عصافير بحجر واحد ..
حاول أن لا تفقد أحدًا .. كن ناجحًا واكسب الجميع .. وإن تعارضت مطالبهم ..





اتفاق ..
نحن نتعامل مع القلوب .. لا مع الأبدان ..

أبو سيف
02-24-2008, 08:53 PM
اهتم بالآخرين ..
الناس عمومًا يحبون أن يشعروا بقيمتهم .. لذا تجدهم أحيانًا يقومون ببعض التصرفات ليلفتوا النظر إليهم ..! وقد يخترعون قصصًا وبطولات لأجل أن يهتم الناس بهم أو يعجبوا بهم أكثر ..
لو رجع رجل إلى بيته قادمًا من عمله متعبًا .. فلما دخل صالة البيت رأى أولاده الأربعة كل منهم على حال .. أكبرهم عمره إحدى عشرة سنة .. يتابع برنامجًا في التلفاز .. والثاني يأكل طعامًا بين يديه .. والثالث يعبث بألعابه .. والرابع يكتب في دفاتره ..
فسلم الأب بصوت مسموع .. السلام عليكم .. فلم يلتفت إليه أحد .. ذاك منهمك مع برنامجه .. والثاني مأخوذ بألعابه .. والثالث مشغول بطعامه .. إلا الرابع .. فإنه لما التفت فرأى أباه .. نفض يده من دفاتره وأقبل مُرحِّبًا ضاحكًا .. وقبل يد أبيه .. ثم رجع إلى دفاتره ..
أي هؤلاء الأربعة سيكون أحب إلى الأب ؟
أجزم أن جوابنا سيكون واحدًا : أحبهم إليه الرابع .. ليس لأنه يفوقهم جمالاً أو ذكاءً .. وإنما لأنه أشعر أباه بأنه إنسان مهمٌ عنده .. كلما أظهرت الاهتمام بالناس أكثر .. كلما ازدادوا لك حبًا وتقديرًا ..
كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك في الناس .. يشعر كل إنسان أن قضيته قضيته .. وهمه همه .. قام غ على منبره يومًا يخطب الناس .. فدخل رجل من باب المسجد .. ونظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا رسول الله .. رجل يسأل عن دينه .. ما يدري ما دينه ؟!
فالتفت صلى الله عليه وسلم إليه .. فإذا رجل أعرابي .. قد لا يكون مستعدًا أن ينتظر حتى تنتهي الخطبة .. ويتفرغ له النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه عن دينه .. وقد يخرج الرجل من المسجد ولا يعود إليه ..
وقد بلغ الأمر عند الرجل أهمية عالية .. لدرجة أنه يقطع الخطبة ليسأل عن أحكام الدين !! كان صلى الله عليه وسلم يفكر من وجهة نظر الآخر لا من وجهة نظره الشخصية فقط ..
نزل من على منبره الشريف .. ودعا بكرسي فجلس أمام الرجل .. وجعل يلقنه ويفهمه أحكام الدين .. حتى فهم .. ثم قام من عنده .. ورجع إلى منبره وأكمل خطبته .. آآآه ما أعظمه وأحلمه .. تربى أصحابه في مدرسته .. فكانوا يظهرون الاهتمام بالآخرين .. والاحتفاء بهم .. ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ..
ومن ذلك ما فعله طلحة مع كعب رضي الله عنه .. كعب بن مالك ت شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره .. وهو يحكي ذكريات شبابه .. في تخلفه عن غزوة تبوك ..
وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم .. آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم .. وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفًا .. وذلك حين طابت الظلال الثمار .. في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد .. كان عدد المسلمين كثيرًا .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب ..
قال كعب : وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدَرُ شيء في نفسي على الجهاد ..
وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار .. فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديًا بالغداة ..
فقلت : أنطلق غدًا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم .. فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت ..
فقلت : أرجع غدًا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضًا ..
فقلت : أرجع غدًا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك .. حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة .. فلا أرى إلا رجلاً مغموصًا عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله ..
نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفًا .. حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحًا ممن شهدوا بيعة العقبة ..
فيقول صلى الله عليه وسلم : ما فعل كعب بن مالك ؟!
فقال رجل : يا رسول الله .. خلّفه برداه والنظر في عطفيه ..
فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيرًا .. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال كعب : فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. وأقبل راجعًا إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي .. حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق ..
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس .. فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له .. وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله ..
وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلَّم عليه .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب .. أقبل كعب يمشي إليه صلى الله عليه وسلم .. فلما جلس بين يديه ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ يعني اشتريت دابتك ..
قال : بلى ..
قال : فما خلفك ؟!
فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً .. ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي .. ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني ..
يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر .. والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .. ثم سكت كعب .. فالتفت النبي غ إلى أصحابه .. وقال : أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك .. قام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهمومًا مكروبًا .. لا يدري ما يقضي الله فيه ..
فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون : والله ما نعلمك أذنبت ذنبًا قط قبل هذا .. إنك رجل شاعر أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ! .. هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك ..
قال كعب : فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ..
فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟
قالوا: نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك ..
قلت : من هما ؟
قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية ..
فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدرًا .. لي فيهما أسوة ..
فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبدًا .. ولا أكذب نفسي ..
ثم مضى كعب رضي الله عنه .. يسير حزينًا .. كسير النفس .. وقعد في بيته .. فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام كعب وصاحبيه ..
قال كعب : فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد .. وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف .. وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف .. وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف ..
فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان .. وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلدَهم .. فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد ..
وآتي المسجد فأدخل .. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه .. فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبًا منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي .. وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني ..
ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام .. وهو الرجل الشريف في قومه .. بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء .. وسارت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه ..
ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه .. حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر : فبينما هو يطوف في السوق يومًا .. إذا رجل نصراني جاء من الشام .. فإذا هو يقول : من يدلني على كعب بن مالك .. ؟
فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان .. عجبًا ! من ملك غسان .. !! إذن قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. عجبًا !! فماذا يريد الملك ؟!!
فتح كعب الرسالة فإذا فيها : « أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك .. ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك » .. فلما أتم قراءة الرسالة .. قال ت : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر .. !! هذا أيضًا من البلاء والشر ..
ثم مضى بالرسالة فورًا إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه .. ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك ..
نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة .. والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه .. يسلم فلا يرد عليه السلام .. ويسأل فلا يسمع الجواب .. ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار ..
ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته .. ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها .. ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال .. والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله .. فلا الرسول صلى الله عليه وسلم يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي ..
فلما اكتملت أربعون يومًا .. فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب .. فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ..
قال : أُطلِّقها .. أم ماذا ؟
قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها ..
فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ..
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك ..
فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت : يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه .. ؟
قال : نعم .. ولكن لا يقربنك ..
فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء .. ما زال مكتئبًا .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان ..
ومرت الأيام ثقيلة على كعب .. واشتدت الجفوة عليه .. حتى صار يراجع إيمانه .. يكلم المسلمين ولا يكلمونه .. ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يسمع رد السلام .. فإلى أين يذهب .. !! ومن يستشير ؟!
قال كعب رضي الله عنه : فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه .. ودخلت .. فسلمت عليه .. فوالله ما رد علي السلام ..
فقلت : أنشدك بالله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت .. فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت .. فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فقال : الله ورسوله أعلم ..
سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟ فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع .. ثم اقتحم الحائط خارجًا .. وذهب إلى منزله .. وجلس فيه .. يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه .. وقد مضت عليه خمسون ليلة .. من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم ..
وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلث الليل .. وكان صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة .. فتلا الآيات .. فقالت أم سلمة ل : يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك ..
قال : إذًا يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة ..
فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر .. آذن الناس بتوبة الله عليهم .. فانطلق الناس يبشرونهم ..
قال كعب : وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا ..
فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت عليَّ نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت .. وما من شيء أهم إليَّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ ..
فبينما أنا على ذلك .. إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول : ياااا كعب بن مالك ! .. أبشر ..
فخررت ساجدًا .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله .. وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل .. وكان الصوت أسرع من الفرس ..
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه .. والله ما أملك غيرهما .. واستعرت ثوبين .. فلبستهما .. وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتلقاني الناس فوجًا .. فوجًا .. يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك .. حتى دخلت المسجد .. فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين أصحابه ..
فلما رأوني والله ما قام منهم إليَّ إلا طلحة بن عبيد الله .. قام فاعتنقني وهنأني .. ثم رجع إلى مجلسه .. فوالله ما أنساها لطلحة ..
فمشيت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه .. وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر ..
فلما رآني قال : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك ..
قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟
قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات ..
فجلست بين يديه .. فقلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله ..
فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك ..
فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقًا ما بقيت .. نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرآنًا يتلى ..
فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )..
والشاهد من هذه القصة .. أن طلحة رضي الله عنه لما رأى كعبًا قام إليه واعتنقه وهنأه .. فزادت محبة كعب له .. حتى كان يقول بعد موت طلحة .. وهو يحكي القصة بعدها بسنين : فوالله لا أنساها لطلحة ..
وماذا فعل طلحة حتى يأسر قلب كعب ؟ فعل مهارة رائدة .. اهتمَّ به .. شاركه فرحته .. فصار له عنده حظوة ..
الاهتمام بالناس ومشاركتهم في مشاعرهم يأسر قلوبهم .. لو كنت في زحمة الامتحانات .. ووصلت إلى هاتفك المحمول رسالة مكتوب فيها .. بشرني عن امتحاناتك والله إن بالي مشغول عليك وأدعو لك ، صديقك : إبراهيم ..
أليس ستزداد محبتك لهذا الصديق ؟ بلى ..
ولو كان أبوك مريضًا في المستشفى .. فبقيت معه في غرفته وأنت مشغول البال عليه .. واتصل بك صديق وسألك عنه ..
وقال : تحتاج مساعدة ؟ نحن في خدمتك .. فشكرته ..
ثم في المساء اتصل وقال : إذا الأهل يحتاجون أي شيء أشتريه لهم .. فأخبرني .. فشكرته ودعوت له .. ألا تشعر أن قلبك ينجذب إليه أكثر .. ؟
بينما لو اتصل بك آخر وقال : فلان .. نحن خارجون إلى نزهة في البحر .. هاه تذهب معنا ؟
فقلت : والله والدي مريض ولا أستطيع ..
فبدل أن يدعو له ويعتذر أن لم يسأل عن حاله .. قال لك : أدري أنه مريض لكن هو في المستشفى وعنده ممرضون ولن يستفيد من بقائك تعال معنا استمتع واسبح و .. قالها وهو يمازحك ضاحكًا .. وكأن مرض والدك لا يعنيه .. كيف ستكون نظرتك إليه ؟
بلا شك أن قدره في قلبك ينخفض لأنه لم يهتم بهمومك ..
من أحرج ما وقع لي من مواقف ..
أني كنت مسافرًا إلى جدة لعدة أيام .. كنت مشغولاً جدًا ..
وصلتني رسالة خلالها على هاتفي من أخي سعود كتب فيها : أحسن الله عزاءك في ابن عمنا فلان توفي في ألمانيا ..
اتصلت بأخي فأخبرني أن ابن عمنا هذا ــ وهو شيخ كبير ــ ذهب قبل يومين لعلاج القلب في ألمانيا وتوفي أثناء إجراء العملية .. وأن جثمانه سيصل قريبًا إلى مطار الرياض .. دعوت له وترحمت عليه .. وأنهيت المكالمة .. بعدها بيومين انتهت أعمالي في جدة وذهبت إلى المطار أنتظر وقت إقلاع رحلتي للرياض ..
في هذه الأثناء كان يمر بي عدد من الشباب فإذا رأوني عرفوني وأقبلوا يُسلّمون وكانوا أحيانًا من الشباب المراهقين لهم قصات شعر غريبة .. ومع ذلك كنت أمازحهم وأطلق التعليقات عليهم تحببًا وتلطفًا ..
انشغلت بمكالمة هاتفية .. فلما أنهيتها فإذا شاب يلبس بنطالاً وقميصًا .. يراني فيقبل مسلِّمًا مصافحًا .. رحبت به وقلت مازحًا : ما هذه الأناقة .. أنت اليوم كأنك عريس .. ونحو هذه العبارات ..
سكت الشاب قليلاً ثم قال : ما عرفتني .. أنا فلان .. الآن وصلت من ألمانيا معي جثمان أبي .. وأنا متوجه إلى الرياض الآن على أقرب رحلة ..
في الحقيقة .. كأنما صب علي برميل ماء بارد .. صرت محرجًا جدًا .. أبوه مات .. وجثمانه معه في الطائرة وأنا أمازحه وأضحك .. إن هذا لشيء عجاب !!
سكتُّ قليلاً ثم قلت : آآآآسف .. والله ما انتبهت إليك .. فأنا هنا منذ أيام .. فأحسن الله عزاءك وغفر لوالدك ..
وإن كنتُ في الحقيقة معذورًا في عدم انتباهي إلى شخصه .. فقد كنت لا أقابله إلا قليلاً .. وأراه بثوبه وغترته ..
فلما لبس البنطال وجاءني فجأة في زحمة شباب من جدة .. لم يقع في نفسي أنه فلان .. فمن الاهتمام بالناس مشاركتهم في مشاعرهم وإشعارهم أن همهم هو همك .. وأنك تحب الخير لهم ..
ومن هذا المنطلق تجد أن الشركات المتطورة يكون عندها إدارة للعلاقات العامة .. مهمتها إرسال التهاني والتبريكات في المناسبات .. وتقديم الهدايا .. ونحو ذلك ..
الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم ملكت قلوبهم وأحبوك ..
خذ أمثلة سريعة من الواقع :
لو دخل شخص إلى مكان مليء بالناس فلم يجد مكانًا يجلس فيه .. فتفسحت قليلاً .. وأوسعت له مكانًا وقلت : تفضل يا فلان .. تعال هنا .. لشعر باهتمامك وأحبك .. أو لو كنتم في حفل عشاء .. وأقبل يحمل طعامه يتلفت يبحث عن طاولة فيها مكان فارغ .. فجهزت له كرسيًا وقلت : حياك الله يا فلان .. تفضل هنا .. لشعر باهتمامك أيضًا .. عمومًا أشعر الناس بقيمتهم .. يحبوك ..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على ذلك أيما حرص .. انظر إليه وقد قام يخطب على منبره يوم جمعة ..
وفجأة فإذا بأعرابي يدخل إلى المسجد ويتخطى الصفوف .. وينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويصيح قائلاً : يا رسول الله .. رجل لا يدري ما دينه ! فعلمه دينه ..
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من منبره .. وتوجه إلى الرجل وطلب كرسيًا فجلس عليه .. ثم جعل يتحدث مع الرجل ويشرح له الدين إلى أن فهم ..
ثم عاد إلى منبره .. قمة الاهتمام بالناس .. ومن يدري ربما لو أهمله لخرج الرجل وبقي جاهلاً بدينه إلى أن يموت ..
ولو نظرت في شمائله صلى الله عليه وسلم .. لوجدت من بينها أنه كان إذا صافحه أحد لم ينزع صلى الله عليه وسلم يده من يد المصافح .. حتى ينزع ذاك يده أولاً ..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا كلمه أحد التفت إليه جميعًا ..أي التفت بوجهه وجسمه إليه يستمع وينصت ..



تجربة ..
الناس كلما أشعرتهم بقيمتهم وأظهرت الاهتمام بهم ..
ملكت قلوبهم .. وأحبوك ..

أبو سيف
02-24-2008, 09:01 PM
أشعرهم أنك تحب الخير لهم ..
كلما كان قلبك مملوءًا بالمحبة والنصح للآخرين .. كلما صرت صادقًا في مهاراتك في التعامل معهم .. وكلما أحس الناس بحبك لهم .. ازدادوا هم أيضًا لك محبة وقبولاً ..
كانت إحدى الطبيبات تمتلئ عيادتها الخاصة دائمًا بالمراجعات .. وكانت المريضات يرغبن في المجيء دائمًا وكل واحدة تشعر أنها صديقة خاصة لهذه الطبيبة .. كانت هذه الطبيبة تمارس مهارات متعددة تسحر بها قلوب الآخرين ..
من ذلك .. أنها اتفقت مع السكرتيرة أنها إذا اتصلت إحدى المريضات تريد أن تتحدث مع الطبيبة أو تسألها عن شيء يخص المرض .. فإن السكرتيرة تسألها عن اسمها .. وترحب بها .. ثم تطلب منها التكرم بالاتصال بعد خمس دقائق ..
ثم تأخذ السكرتيرة الملف الخاص بهذه المريضة .. وتناوله للطبيبة .. فتقرأ الطبيبة معلومات المريضة .. وتنظر إلى بطاقتها الخاصة .. ومعلوماتها الكاملة بما فيها وظيفتها وأسماء أولادها .. فإذا اتصلت المريضة .. رحبت بها الطبيبة .. وسألتها عن مرضها .. وعن فلان ولدها الصغير .. وأخبار وظيفتها .. و ..
فتشعر المريضة أن هذه الطبيبة تحبها جدًا لدرجة أنها تحفظ أسماء أولادها وتتذكر مرضها .. ولم تنس مكان عملها .. فترغب في المجئ إليها دائمًا .. أرأيت أن امتلاك القلوب وأسرها سهل جدًا ..
ولا بأس أن تُعبر عن محبتك للآخرين بكل صراحة .. سواء كانوا أبًا أو أمًا .. أو زوجة أو أبناء .. أو زملاء وجيران .. لا تكتم مشاعرك نحوهم .. قل لمن تحبه : أنا أحبك .. أنت غالٍ إلى قلبي .. حتى لو كان عاصيًا قل له : إنك أحب إلي من أناس كثييير .. ولم تكذب فهو أحب إليك من ملايين اليهود .. أليس كذلك .. كن ذكيًا ..
أذكر أني ذهبت مرة لأداء العمرة .. وكنت خلال الطواف والسعي أدعو للمسلمين جميعًا .. بالحفظ والنصر والتمكين .. وربما قلت : اللهم اغفر لي واغفر لأحبابي وأصحابي .. وبعد انتهائي من شعائرها .. حمدت الله على التيسير ..
ثم اكتريت فندقًا لأبيت فيه .. فلما وضعت رأسي على وسادتي كتبت رسالة عبر الهاتف المحمول أقول فيها : « الآن أنهيت العمرة وتذكرت أحبابي وأنت منهم فلم أنسَك من الدعاء الله يحفظك ويوفقك » .. انتهت الرسالة ..
أرسلتها إلى الأسماء المخزنة في ذاكرة الهاتف .. كانت خمسمائة اسم .. لم أكن أتصور التأثير العجيب لهذه الرسالة في قلوب الآخرين ..
منهم من أرسل إليّ : والله إني أبكي وأنا أقرأ رسالتك.. أشكرك أنك ذكرتني بدعائك ..
وآخر كتب : والله يا أبا عبد الرحمن ما أدري بم أرد عليك ! ولكن جزاك الله خيرًا ..
والثالث كتب : أسأل الله أن يستجيب دعاءك .. ونحن والله لا ننساك ..
نحن في الحقيقة نحتاج بين الفينة والأخرى أن نُذكّر الناس بأننا نحبهم .. وأن كثرة مشاغل الدنيا لم تنسنا إياهم .. ولا بأس أن يكون ذلك بمثل هذه الرسائل .. يمكن أن تكتب إلى أحبابك : دعوت لكم بين الأذان والإقامة .. أو في ساعة الجمعة الأخيرة .. وإذا كانت نيتك صالحة فلن تكون في هذا إظهار للعمل أو رياء .. وإنما زيادة ألفة ومحبة بين المسلمين ..
أذكر أني ألقيت محاضرة في مخيم دعوي صيفي في مدينة الطائف .. في جبال الشِّفا وهي متنزَّه يجتمع فيه أعداد كبيرة من الشباب .. كان أكثر الحاضرين هم من الشباب الذين يظهر عليهم الخير والصلاح .. أما الشباب الآخرون فقد بقوا في أطراف المتنزهات ما بين لهو وطرب ..
انتهت المحاضرة .. أقبل جمع من الشباب يسلمون .. كان من بينهم شاب له قصة شعر غريبة ويلبس بنطال جينز ضيق .. أقبل يصافح ويشكر .. فسلمت عليه بحرارة .. وشكرته على حضوره وهززت يده وقلت : وجهك وجه داعية .. تبسم وانصرف ..
بعدها بأسبوعين تفاجأت باتصال يقول : هاه ما عرفتني .. يا شيخ أنا الذي قلت لي وجهك وجه داعية .. والله لأصبحن داعية إن شاء الله .. ثم صار يشرح لي مشاعره بعد تلك الكلمات ..
أرأيت كيف يتأثر الناس بصدق العبارة .. والمحبة ..!
أما رسول الله غ فقد كان يأسر قلوب الناس بروعة أخلاقه .. وقدرته على إظهار محبته الصادقة لهم ..
كان أبو كبر وعمر .. أجل الصحابة رضي الله عنهم .. وكانا يتنافسان في الخير دومًا .. وكان أبو بكر يسبق غالبًا .. فإن بكَّر عمرُ للصلاة وجد أبا بكر سبقه .. وإن أطعم مسكينًا وجد أبا بكر سبقه .. وإن صلى ليلة .. وجد أبا بكر قبله ..
وفي يوم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالصدقة لسد حاجة نازلة نزلت بالمسلمين .. وافق ذلك الوقت أن عمر عنده سعة من المال .. فقال : اليوم أسبق أبا بكر .. إن سبقته يومًا ..
ذهب عمر فجاء بنصف ماله .. فدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما أول كلمة قالها صلى الله عليه وسلم لعمر لما رأى المال ؟ هل سأله عن مقدار المال ؟ أم سأله عن نوعه ذهب أم فضة ؟ .. لا .. بل لما رأى غ كثرة المال .. تكلم بكلمات يستنتج منها عمر أنه محبوب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر : ما أبقيت لأهلك يا عمر ؟ ..
قال عمر : يا رسول الله .. أبقيت لهم مثله ..
ويجلس عمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم منتشيًا .. ينتظر أبا بكر ..
فيأتي أبو بكر رضي الله عنه بمالٍ كثير فيدفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر واقف مكانه .. يرى العطاء ويسمع الحوار .. فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يلتفت إلى ما يحتاجه من مال .. يسأل أبا بكر : يا أبا بكر .. ما أبقيت لأهلك ؟ ..
نعم فهو يحب أبا بكر .. ويحب أهله .. ولا يرضى بالضرر عليه ..
قال أبو بكر : يا رسول الله .. أبقيت لهم الله ورسوله ..
أما المال فقد أتيت به جميعًا .. لم يأت بنصفه .. ولا بربعه .. وإنما أتى به كله .. فما كان من عمر رضي الله عنه إلا أن قال : لا جرم .. لا سابقت أبا بكر أبدًا ..
كان الناس يشعرون أنه صلى الله عليه وسلم يحبهم .. فكانوا يهيمون به حبًا .. صلى بهم صلى الله عليه وسلم إحدى الصلوات .. فكأنه عجَّل بصلاته قليلاً حتى بدت أقصر من مثيلاتها .. فلما انقضت الصلاة .. رأى صلى الله عليه وسلم تعجب أصحابه .. فقال لهم : لعلكم عجبتم من تخفيفي للصلاة ؟
قالوا : نعم ! .. فقال صلى الله عليه وسلم : إني سمعت بكاء صبي فرحمت أمه .. !!
أرأيت كيف يحب الآخرين .. ويظهر لهم هذه المحبة من خلال تعامله ..


لست وحدك ..
أظهر عواطفك .. كن صريحًا : أنا أحبك .. فرحت بلقياك ..
أنت غال إلى قلبي ..

أبو سيف
02-24-2008, 09:02 PM
احفظ الأسماء ..
وهذا من الاهتمام بالناس .. ما أجمل أن تقابل شخصًا ما في موقف عارض .. كلقاء عند بنك .. أو في طائرة .. أو في وليمة عامة .. فتتعرف على اسمه .. ثم تراه في موقف آخر .. فتقبل عليه قائلاً : مرحبًا يا فلان .. لا شك أن ذلك يطبع في قلبه لك محبة وتقديرًا ..
حفظك لاسم الشخص الذي أمامك يشعره باهتمامك به .. فرق بين المدرس الذي يحفظ أسماء طلابه .. والذي لا يحفظ .. قولك للطالب : قم يا فلان .. أحسن من : قم يا طالب ..
حتى في الرد على الهاتف .. أيهما أحب إليك .. أن يجيبك من تتصل به بقوله : نعم .. أو ألو .. أو يقول محتفيًا : مرحبًا يا خالد .. هلا أبو عبد الله .. بلا شك أن استماعك لاسمك له في القلب رنة قبل الأذن ..
جرت العادة بعد المحاضرات العامة أن يزدحم علي بعض الشباب يصافحون ويشكرون .. كنت أحرص على ترديد كلمة : ما الاسم الكريم ؟ حياك الله من الأخ ؟..
أقولها لكل واحد أسلم عليه لأبدي له اهتمامي به .. فكان كل واحد يجيبني مستبشرًا : أخوك زياد .. ابنك ياسر ..
وأذكر يومًا أنه بعدما سلم عدد كبير منهم ومضوا .. عاد أحدهم ليسأل .. فأول ما أقبل عليَّ قلت له : حياك الله يا خالد .. فابتهج وقال : ما شاء الله !! تعرف اسمي !! الناس عمومًا يحبون مناداتهم بأسمائهم ..
من المعروف أن الموظف العسكري يعلق لوحة صغيرة على صدره فيها اسمه .. فأذكر أني ألقيت محاضرة في إحدى المناطق العسكرية .. فازدحم أكثرهم مسلمًا بعد المحاضرة .. كان أحدهم يقترب ويبتعد .. وكأنه يريد السلام لكنه يخجل من مزاحمة الآخرين ..
التفتُّ إليه ولمحت لوحة اسمه .. فمددت يدي إليه وقلت : مرحبًا فلان !! فتغير وجهه وتعجب .. ومد يده مصافحًا وهو يبتسم ويقول : هاه !! كيف عرفت اسمي ؟
فقلت : يا أخي الذين نحبهم .. لازم نعرف أسماءهم .. فكان لهذا تأثير كبير عليه .. كثير من الناس يقتنع بهذا ويتمنى لو استطاع حفظ أسماء الآخرين ..
أما أسباب عدم حفظ الأسماء .. فهي كثيرة .. منها .. عدم الاهتمام بالأشخاص أثناء مقابلتهم .. ومنها .. التشاغل وقت التعارف وعدم التركيز أثناء استماع الاسم .. ومنها .. موقفك تجاه الشخص المقابل ..
كاعتقادك بإنك لن تقابله مرة أخرى .. فتقول في نفسك : لا داعي لحفظ الاسم .. أو كان إنسانًا بسيطًا لا يستثير اهتمامك .. أو عندما لا تسمع الاسم جيدًا وتشعر بحرج من طلب إعادة اسمه .. فهذه أسباب تجعل الناس لا يحفظون الأسماء ..
أما العلاج لحفظ الاسماء .. فله طرق .. منها : الاقتناع بأهمية تذكر الاسم واستشعارك أنك بسماعك له ستسأل عنه بعد دقائق .. ومنها .. التركيز على وجه الشخص أثناء الاستماع إلى اسمه ..
حاول أن تلاحظ الشخص المقابل وطبيعة حديثه وابتسامته لينطبع في ذاكرتك .. أثناء حديثك معه ناده باسمه مرارًا .. صحيح يا فلان .. ؟ سمعت يا فلان .. ؟ أنت معي يا فلان .. ؟ وكرره أكثر من مرة ..
هذا مهم .. ولو تأملت في القرآن لوجدت الله جل جلاله ينادي أنبياءه بأسمائهم ..
﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ) ..
﴿ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ ..
﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ﴾ ..



باختصار ..
أشعرني باهتمامك بي .. بحفظك اسمي .. ونادني به ..
لأحبك ..

أم لجين
03-04-2008, 02:56 AM
جزاكم الله خيرا على نقل الموضوع الرائع و جزى الشيخ العريفي خير الجزاء

القيم
03-04-2008, 06:29 AM
جزاك الله خيرا
اخى ابو سيف

أم عبد الرحمن السلفية
12-30-2008, 03:01 AM
جزاكم الله خير الجزاء, وبارك فيكم .

أم هارون السلفية
01-03-2009, 07:04 PM
جزاكم الله خيراً .. ورفع قدركم

أم مُعاذ
12-11-2009, 08:48 AM
جزاكم الله خيرا

الشمعة المتفائلة
12-11-2009, 07:02 PM
جزاكم الله خيرا