المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( ذهبيات من نقاشات شيخ الإسلام للخلاف ) المنهج العلمي العملي للشيخ حول الخلاف ...


سمير السكندرى
12-12-2007, 07:13 AM
الحمد لله مولانا ، والصلاة والسلام على مصطفانا ، وبعدُ :
فإنه من دواعي الخير دفع الشر ، وإن من أعظم أبواب الشر شر الخلاف ، فإنه شر مستطير وبلاء عظيم إذ يوقع به الشيطان النزاع والفرقة بين طائفة المؤمنين حتى يؤول بهم الأمر إلى الغل والحسد والحقد والغيبة بل والتضليل والتبديع والتكفير ...
وقد حذر الشارع من ذلك وأكثر ، قال ربنا تبارك وتعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ... }
وقال تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم }
وقال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء }
وشدد نبينا صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإتلاف والنهي عن الاختلاف حتى قال : ( إنما تفرُّقُـكم في الشعاب والأودية من الشيطان ) رواه أحمد وأبو داوود والحاكم ، انظر صحيح الجامع [ 2352 ]
ولما كان الاختلاف واقعاً بالأمر القدري الكوني كنا مأمورين بضبطه بالأمر الشرعي الرباني ...
وضبط الخلاف يكون بمعرفة أسبابه وتجنبها ما استطعنا وبيان أنواعه وحسن تعاملنا معها وحكم كل نوع وموقفنا منها في الدنيا وحكم المختلفين عند ربهم في الآخرة وغير ذلك مما يجنبنا مغبات الخلاف وشره ...
وإذا كان كل هذا الذي ذكرتُ ـ من ضبط الخلاف ـ من باب ( المعرفة ) أي : التأصيل العلمي فإن للتطبيق العملي أعظم الأثر في بيان استيعابها واكتمال تعاليم الإسلام فيها ...
وقد لفت انتباهي أثناء قراءة كتاب الاستقامة لشيخ الإسلام رحمه الله الأمران معاً ـ أعني : التأصيل العلمي والتطبيق العملي على وفقه ـ في إشارات طفيفة قد لا يُتنبه إليها ...
وقد حاد بعضٌ منا عن هذا ، فتجد أحدنا يؤصل ويقعد لقضية الخلاف ثم هو هو عند المحك العملي يخالف ما أصله وأسسه وقعده ! وهذا ـ أرى ـ يرجع لأزمة الانفصام بين العلم والعمل ...
وكتاب الاستقامة هو شبه نقد لرسالة أبي القاسم القشيري ـ رحمه الله تعالى ـ تعرض فيه شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ لشيء من الكلام عن الخلاف وأسبابه وأنواعه وأثره في الدنيا والآخرة ...
وقد رأيتُ أن أنقل لإخواني هذه الفوائد القيمة لعلها تكون عوناً لنا في ضبط قضية الخلاف والأمن من مغبته ، والله المستعان .

__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:14 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

فصل
فيما اختلف فيه المؤمنون من الأقوال والأفعال في الأصول والفروع .
فإن هذا من أعظم أصول الإسلام الذي هو معرفة الجماعة وحكم الفرقة والتقاتل والتكفير والتلاعن والتباغض وغير ذلك .

فنقول : هذا الباب أصله المحرم فيه من البغي ، فإن الإنسان ظلوم جهول ، قال تعالى : { كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم } [سورة البقرة 213 ] في غير موضع

وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لتسلكن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ) قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : ( فمن ؟ ) .

وقد قال تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } [ سورة آل عمران 105 ] .

وقال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ } [سورة الأنعام 159 ]

ومن هذا الباب ما هو من باب التأويل والاجتهاد ، الذي يكون الإنسان مستفرغاً فيه وسعه علماً وعملاً .

ثم الإنسان قد يبلغ ذلك ولا يعرف الحق في المسائل الخبرية الاعتقادية ، وفي المسائل العملية الاقتصادية ، والله سبحانه قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان بقوله تعالى { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [ سورة البقرة 286 ] .

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس ومن حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله استجاب لهم هذا الدعاء وقال : ( قد فعلت ) ، وأنهم لم يقرأو بحرف منها إلا أعطوه ، وهذا مع قوله تعالى { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة } [ سورة البقرة 82 ] ........
اهــ ( 1 / 26 ، 28 )

((( ملخص الفوائد )))

1- أهمية معرفة فقه الخلاف وما يتفرع عنه ...
2- أن أصل الخلاف المحرم من البغي و ...
3- أن من تلبس بشيء من هذا ـ البغي ـ كان فيه شبه من الذين من قبلنا ...
4- أن من استفرغ وسعه علماً وعملاً في المسائل العلمية أو الخبرية : كان متجاوزاً عنه ...
__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:14 AM
قلتُ :
4- أن من استفرغ وسعه علماً وعملاً في المسائل العلمية أو الخبرية : كان متجاوزاً عنه ...
وهذا خطأ في العبارة ...
والصواب
: أن من استفرغ وسعه علماً وعملاً في المسائل العلمية أو العملية : كان متجاوزاً عنه ...
فالعلمية هي الخبرية ...

__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:15 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

ثم إنه من مسائل الخلاف ما يتضمن أن اعتقاد أحدهما يوجب عليه بغض الآخر ولعنه أو تفسيقه أو تكفيره أو قتاله .

فإذا فعل ذلك مجتهداً مخطئاً كان خطؤه مغفوراً له ، وكان ذلك في حق الآخر محنة في حقه وفتنة وبلاء ابتلاه به .

وهذه حال البغاة المتأولين مع أهل العدل ، سواء كان ذلك بين أهل اليد والقتال من الأمراء ونحوهم ، أو بين أهل اللسان والعمل من العلماء والعباد ونحوهم ، وبين من يجمع الأمرين .

ولكن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة والفرقة إلا مع البغى لا لمجرد الاجتهاد .
كما قال تعالى : { وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم } [ سورة آل عمران 19 ]
وقال : { إن الذبن فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ } [ سورة الأنعام 159 ] وقال : { ولاتكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } [ سورة آل عمران 105 ]

فلا يكون فتنة وفرقة مع وجود الاجتهاد السائغ ، بل مع نوع بغى .
اهــ ( 1 / 30 ، 31 )

((( جديد الفوائد من كلام الشيخ )))

1- أن العمل التابع للاعتقاد من بغض أوتبديع أو تفسيق أوتكفير : مغفور لصاحبه إذا كان مخطئاً مستفرغاً وسعه و...
2- كان ذلك في حق المفسَّق أو المكفَّر محنة وبلاءً .
3- أن الخلاف لا يصل إلى ذلك مع الاجتهاد السائغ ـ وقد مر ـ بل من نوع من البغي ، وسيأتي الكلام على البغي في كلام الشيخ .
__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:15 AM
((( ذهبية )))
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وعامة ما تنازعت فيه فرقة المؤمنين من مسائل الأصول وغيرها ، في باب الصفات والقدر والإمامة وغير ذلك ، هو من هذا الباب ، فيه المجتهد المصيب ، وفيه المجتهد المخطئ ، ويكون المخطئ باغياً ، وفيه الباغي من غير اجتهاد ، وفيه المقصر فيما أمر به من الصبر .

وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين ، سواء كان قولاً أو فعلاً ، ولكن المصيب العادل عليه أن يصبر عن الفتنة ويصبر على جهل الجهول وظلمة إن كان غير متأول وأما إن كان ذاك أيضا متأولاً ، فخطؤه مغفور له وهو فيما يصيب به من أذى بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور له ، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم .

فإذا صبر على ذلك واتقى الله كانت العاقبة له ، كما قال تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } [ سورة آل عمران 120 ]
وقال تعالى : { لتلبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } [ سورة آل عمران 186 ]

فأمر سبحانه بالصبر على أذى المشركين وأهل الكتاب مع التقوى ، وذلك تنبيه على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض متأولين كانوا أو غير متأولين .

وقد قال سبحانه : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ سورة المائدة 8 ] ، فنهى أن يحمل المؤمنين بغضُهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان ؟ فهو أولى أن يجب عليه ألا يحمله ذلك على ألا يعدل على مؤمن وإن كان ظالماً له .

فهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا ، فإن الشيطان موكل ببني آدم وهو يعرض للجميع ، ولايسلم أحد من مثل هذه الأمور دع ـ ما سواها ـ من نوع تقصير في مأمور ، أو فعل محظور باجتهاد أو غير اجتهاد ، وإن كان هو الحق .

وقال سبحانه لنبيه : { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشى والإبكار } [ سورة غافر 55 ] فأمره بالصبر وأخبره أن وعد الله حق وأمره أن يستغفر لذنبه .

ولا تقع فتنة إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر .

فالمظلوم المحق الذي لا يقصر في علمه يؤمر بالصبر فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور .

وإن كان مجتهداً في معرفة الحق ولم يصبر فليس هذا بوجه الحق مطلقاً لكن هذا وجه نوع حق فيما أصابه فينبغي أن يصبر عليه .

وإن كان مقصراً في معرفة الحق فصارت ثلاثة ذنوب : أنه لم يجتهد في معرفة الحق ، وأنه لم يصبه وأنه لم يصبر .

وقد يكون مصيباً فيما عرفه من الحق فيما يتعلق بنفسه ، ولم يكن مصيبا في معرفة حكم الله في غيره ، وذلك بأن يكون قد علم الحق في أصل يختلف فيه بسماع وخبر أو بقياس ونظر أو بمعرفة وبصر ويظن مع ذلك أن ذلك الغير التارك للإقرار بذلك الحق عاص أو فاسق أو كافر ، ولا يكون الأمر كذلك ، لأن ذلك الغير يكون مجتهداً قد استفرغ وسعه ولا يقدر على معرفة الأول لعدم المقتضى ووجود المانع .

وأمور القلوب لها أسباب كثيرة ولا يعرف كل احد حال غيره من إيذاء له بقول أو فعل قد يحسب المؤذى إذا كان مظلوماً ـ لا ريب فيه ـ أن ذلك المؤذي محض باغ عليه ، ويحسب أنه يدفع ظلمه بكل ممكن ، ويكون مخطئاً في هذين الأصلين ، إذ قد يكون المؤذى متأولاً مخطئاً ، وإن كان ظالماً لا تأويل له فلا يحل دفع ظلمه بما فيه فتنة بين الأمة وبما فيه شر أعظم من ظلمه بل يؤمر المظلوم ها هنا بالصبر فإن ذلك في حقه محنة وفتنة .
وإنما يقع المظلوم في هذا لجزعه وضعف صبره ، أو لقلة علمه وضعف رأيه ، فإنه قد يحجب أن القتال ونحوه من الفتن يدفع الظلم عنه ، ولا يعلم أنه يضاعف الشر كما هو الواقع ، وقد يكون جزعه يمنعه من الصبر .

والله سبحانه وصف الأئمة بالصبر واليقين ، فقال : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } [ سورة السجدة 24 ] وقال : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ سورة العصر 3 ]
وذلك أن المظلوم وإن كان مأذوناً له في دفع الظلم عنه بقوله تعالى { ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل } [ سورة الشورى 41 ] فذلك مشروط بشرطين .
أحدهما : القدرة على ذلك .
والثاني : ألا يعتدى .
فإذا كان عاجزاً أو كان الانتصار يفضى إلى عدوان زائد لم يجز ، وهذا هو أصل النهى عن الفتنة فكان إذا كان المنتصر عاجزاً وانتصاره فيه عدوان فهذا هذا .

ومع ذلك فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب إظهار السنة والشريعة والنهي عن البدعة والضلالة بحسب الإمكان ، كما دل على وجوب ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة .

وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك ، فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة ، فإما أن يؤمر بهما جميعاً أو ينهى عنهما جميعاً ، وليس كذلك بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة ، كما قال تعالى : { وأمر بالمعروف وانه عنه المنكر واصبر على ما أصابك } [ سورة لقمان 17 ]

وقال عبادة : " بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ـ على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم ـ أو نقول ـ بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله وأمرهم بالقيام بالحق .
اهــ ( 1 / 34 ، 37 )

((( جديد الفوائد من كلام الشيخ )))

1- أن المخطئ الباغي قد يكون مجتهداً وقد يكون غير مجتهد .
2- أن كل ما أوجب فتنة ليس من الدين ، و ...
3- أن الفتنة تكون من ترك الحق ـ الواجب ـ أو من ترك الصبر المأمور به على الأذى .
4- أن الله أمر بالعدل مع الكفار ، فمع من تلبس ببدعة أو معصية : كان الأمر أولى ، وإن كان ظالماً له .
5- أن العبد قد يصيب الحق في نفسه ويجهل حكم الله في غيره ، ذلك لانعدام المقتضيات ووجود الموانع .
6- أن شرطي دفع الظلم عن النفس ، أن يكون قادراً وألا يعتدي .

وثَم فوائد أخر لمن تأمل ...
فمن وجد شيئاً من هذا فليبذله ...

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:15 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وما ذكره أبو القاسم في رسالته من اعتقادهم وأخلاقهم وطريقتهم ، فيه من الخير والحق والدين أشياء كثيرة ، ولكن فيه نقص عن طريقة أكثر أولياء الله الكاملين ، وهم نقاوة القرون الثلاثة ومن سلك سبيلهم ، ولم يذكر في كتابه أئمة المشايخ من القرون الثلاثة ، ومع ما في كتابه من الفوائد في المقولات والمنقولات ، ففيه أحاديث وأحاديث ضعيفة ، بل باطلة ، وفيه كلمات مجملة تحتمل الحق والباطل رواية ورأيا ، وفيه كلمات باطلة في الرأي والرواية ، وقد جعل الله لكل شئ قدراً .

وقال تعالى : { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً } [ سورة النساء 135 ] .

فكتبت من تمييز ذلك ما يسره الله ، واجتهدت في اتباع سبيل الأمة الوسط ، الذين هم شهداء على الناس دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره في اعتقاده وتصوفه ، على الطريقة التي هي أكمل وأصح مما ذكره علماً وحالاً ، وقولاً وعملاً ، واعتقاداً واقتصاداً ، أو يحطه دون قدره فيهما ممن يسرف في ذم أهل الكلام ، أو يذم طريقة التصوف مطلقا ، والله أعلم .

والذي ذكره أبو القاسم فيه الحسن الجميل ، الذي يجب اعتقاده واعتماده ، وفيه المجمل الذي يأخذ المحق والمبطل ، وهذان قريبان ، وفيه منقولات ضعيفة ، ونقول عمن لا يقتدي بهم في ذلك ، فهذان مردودان ، وفيه كلام حمله على معنى ، وصاحبه لم يقصد نفس ما أراده هو ، ثم إنه لم يذكر عنهم إلا كلمات قليلة لا تشفى في هذا الباب ، وعنهم في هذا الباب من الصحيح الصريح الكبير ما هو شفاء للمقتدى بهم ، الطالب لمعرفة أصولهم ، وقد كتبت هنا نكتاً يعرف بها الحال .
اهــ ( 1 / 60 )

((( جديد الفوائد من كلام الشيخ )))

1- ظهور إنصاف الشيخ في مجمل منهجه النقدي العملي .
2- بيان نصح الشيخ ، وعمله على إيضاح الحق .
وجماعُ الأمرينِ في قوله ( واجتهدت في اتباع سبيل الأمة الوسط ، الذين هم شهداء على الناس دون سبيل من قد يرفعه فوق قدره .... أو يحطه دون قدره ... )

وللموضوع بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:16 AM
(((ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :
والصوفية يوجد فيهم المصيب و المخطئ ، كما يوجد في غيرهم و ليسوا في ذلك بأجل من الصحابة و التابعين ، و ليس أحد معصوماً في كل ما يقوله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

نعم وقوع الغلط في مثل هذا يوجب ما نقوله دائما : إن المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق فإن الله يغفر له خطأه ، وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر ، وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر ، كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية ، مثل القول بخلق القرآن ، أو إنكار الرؤية ، أو نحو ذلك مما هو دون إنكار علو الله على الخلق ، وأنه فوق العرش ، فإن تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور ، فإن التكفير المطلق مثل الوعيد المطلق ، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجة التي تكفِّر تاركها .

كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال : " إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله على ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين ، فقال الله له : ما حملك على ما فعلتَ ؟ قال : خشيتك ، فغفر له .

فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك ، أو شك ، وأنه لا يبعثه .

وكل من هذين الاعتقادين كفر يكفر من قامت عليه الحجة ، لكنه كان يجهل ذلك ، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله ، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده ، فخاف من عقابه ، فغفر الله له بخشيته .

فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد من أهل الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر والعمل الصالح ، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل ، فيغفر الله خطأه ، أو يعذبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه ، وأما تكفير شخص ـ علم إيمانه ـ بمجرد الغلط في ذلك فعظيم .

فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن المؤمن كقتله ، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله )

وثبت في الصحيح أن من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء به أحدهما ، وإذا كان تكفير المعين على سبيل الشتم كقتله ، فكيف يكون تكفيره على سبيل الاعتقاد ؟ فإن ذلك أعظم من قتله ، إذ كل كافر يباح قتله ، وليس كل من أبيح قتله يكون كافراً ، فقد يقتل الداعي إلى بدعة لإضلاله الناس وإفساده ، مع إمكان أن الله يغفر له في الآخرة ، لما معه من الإيمان ، فإنه قد تواترت النصوص بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
اهــ ( 1 / 96 ، 97 )

((( جديد الفوائد من هذا النقل )))
1- أن الإنسان إذا حصل منه نوع تقصير وتفريط في بلوغ الحق : فهو ذنب ، لا يجب أن يبلغ الكفر ، وإن كان يطلق القول بأن هذا الكلام كفر .
2- ثبوت العذر بالجهل ، والتفريق بين القول والقائل ، وبين الفعل والفاعل .
3- تفاوت الحكم على المتأول والآخر ، وهذا يؤخذ من استثناء الشيخ القول بإنكار علو الله من المعذورين باجتهادهم .
4- عظم الإقدام على تكفير المعين .

وللموضوع بقية ـ إن شاء الله تعالى ـ

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:16 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وأصحاب ذلك ـ [ الذين توسعوا في النظر والسماع المحرمينِ ] ـ وإن كان فيهم من ولاية الله وتقواهم ومحبته والقرب إليه ما فاقوا به على من لم يساوهم في مقامهم ، فليسوا في ذلك بأعظم من أكابر السلف المقتتلين في الفتنة ، والسلف المستحلين لطائفة من الأشربة المسكرة ، والمستحلين لربا الفضل والمتعة ، والمستحلين للحشوش ، كما قال عبد الله بن المبارك : رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة ، كانت منه الهفوة والزلة لا يقتدى به في هفوته وزلته .

والغلط يقع تارة في استحلال المحرم بالتأويل ، وفي ترك الواجب بالتأويل ، وفي جعل المحرم عبادة بالتأويل ، كالمقتتلين في الفتنة حيث رأوا ذلك واجباً ومستحباً ، وكما قال طائفة مثل عبد الله بن داود الحربي وغيره : إن شرب النبيذ المختلف فيه أفضل من تركه ، فالتأويل يتناول الأصناف الخمسة : فيجعل الواجب مستحباً ومباحاً ومكروهاً ومحرماً ويجعل المحرم مكروهاً ومباحاً ومستحباً وواجباً ، وهكذا في سائرها .
اهــ ( 1 / 125 )

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:16 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

ومن السبب الذي ضل به هؤلاء وغووا ما وجدوه في كثير ممن ينتسب إلى الشريعة من الداعين إلى الجهاد ، من ضعف حقيقة الإيمان ، وسوء النيات والمقاصد ، وبعدهم عن النيات الخالصة لله ، وصلاح قلوبهم وسرائرهم ، وعن أن يقصدوا بالجهاد أن تكون كلمة الله هي العليا ، وأن يكون الدين كله لله ، كما وجدوه في كثير ممن يذم السماع المحدث ، من قسوة القلب والبعد عن مكارم الأخلاق وذوق حقيقة الإيمان .

فهذا التفريط في حقوق الله والعدوان على حدوده الذي وجد في هؤلاء وأمثالهم ، ممن لا يتدين بالسماع المحدث ، بل يتدين ببعض هذه الأمور ، صار شبهة لأولئك ، كما أن التفريط والعدوان الموجود في أهل السماع المحدث صار شبهة لأولئك في ترك كثير مما عليه كثير منهم من حقائق الإيمان ، وطاعة الله ورسوله .

ولهذا تفرق هؤلاء في الدين ، وصارت كل طائفة مبتدعة لدين لم يشرعه الله ، ومنكرة لما مع الطائفة الأخرى من دين الله ، وصار فيهم شبه الأمم قبلهم ، كما قال تعالى : { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأعرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ سورة المائدة 14 ]

وقال تعالى : { وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ } [ سورة البقرة 113 ]

وقال تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } [ سورة البقرة 85 ]

وقال تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات } [ سورة آل عمران 105 ]

وقال تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ } [ سورة الأنعام 159 ]

وأما دين الله وهداه الذي أنزل به كتابه ، وبعث به رسوله ، فهو اتباع كتابه وسنته في جميع الأمور وترك اتباع ما يخالف ذلك في جميع الأمور ، والإجماع على ذلك .
اهــ ( 1 / 151 ، 152 )

((( من فوائد هذا النقل )))
- تنبيه الشيخ على خطر الغلو الانعكاسي للمخالفين ، وأهمية التمسك بالوسطية .

__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:17 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وإن كان من المشايخ الصالحين من تأول في ذلك ـ [ السماع المحرم ] ـ ، وبتأويله واجتهاده يغفر الله له خطأه ويثيبه على ما مع التأويل من عمل صالح ، فذلك لا يمنع أن يقال ما في الفعل من الفساد ، إذ التأويل من باب المعاريض في حق بعض الناس تُدفع به عنه العقوبة ، كما تُدفع بالتوبة والحسنات الماحية ، وهذا لمن استفرغ وسعه في طلب الحق .
( 1 / 156 )

((( ومن فوائد هذا النقل )))
- اثبات الشيخ للعذر بالتأويل ـ وقد مر ـ
- إثابة من أخطأ باجتهاده على اجتهاده ، و...
- بيان أن هذا غير سار على كل من اجتهد ـ وقد مر تفصيله ـ

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:17 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ :

والذين شهدوا هذا اللغو متأولين من أهل الصدق والإخلاص والصلاح ، غمرت حسناتهم ما كان لهم فيه وفي غيره من السيئات أو الخطأ في مواقع الأجتهاد ، وهذا سبيل كل صالحي هذه الأمة في خطئهم وزلاتهم .

قال تعالى : { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون } [ سورة الزمر 33 35 ]
وذلك كالمتأولين في تناول المسكر من صالحي أهل الكوفة ومن اتبعهم على ذلك ، وإن كان المشروب خمراً لا يشك في ذلك من اطلع على اقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة ، وكذلك المتأولون للمتعة والصرف من اهل مكة ، متبعين لما كان يقوله ابن عباس ـ وإن كان قد رجع عن ذلك أو زادوا عليه ـ إذ لا يشك في ذلك وأنه من أنواع الربا المحرم والنكاح المحرم من اطلع على نصوص النبي صلى الله عليه وسلم .

وكذلك المتأولون في بعض الأطعمة والحشوش من أهل المدينة ، وإن كان لا يشك في تحريم ذلك من اطلع على نصوص النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وكذلك ما دخل فيه من دخل من السابقين والتابعين من القتال في الفتنة والبغي بالتأويل ، مع ما علم في ذلك من نصوص الكتاب والسنة ، من ترك القتال والصلح ، فما تأول فيه قوم من ذوي العلم والدين من مطعوم أو مشروب او منكوح أو مملوك ، أو مما قد علم أن الله قد حرمه ورسوله ، لم يجز اتباعهم في ذلك ـ مغفوراً لهم ـ وإن كانوا خيار المسلمين ، والله قد غفر لهذه الأمة الخطأ والنسيان ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، وهو سبحانه يمحو السيئات بالحسنات ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، وبهذا يحصل الجواب عما ذكره الشيخ أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب حيث ذكر أنه من أنكر السماع مطلقاً غير مقيد ، فقد أنكر على سبعين صديقاً ، ولعل الإنكار اليوم يقع على خلق عظيم من الصديقين ، لكن يقال الذين أنكروا ذلك أكثر من سبعين صديقاً وسبعين صديقاً وسبعين صديقاً ، وهم أعظم علما وإيماناً وأرفع درجة ، فليس الانتصار بطائفة من الصديقين على نظرائهم لا سيما من هو أكبر وأكبر بأدلِّ من العكس .

فإن القائل إذا قال : من شرع هذا السماع المحدث وجعله مما يتقرب به فقد خالف جماهير الصديقين من هذه الامة ورد عليهم ، كان قوله أصح وأقوى في الحجة ، دع ما سوى ذلك .

وهنا أصل يجب اعتماده ، وذلك أن الله سبحانه عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة ، ولم يعصم آحادها من الخطأ ، لا صديقاً ولا غير صديق ، لكن إذا وقع بعضها في خطأ فلا بد أن يقيم الله فيها من يكون
على الصواب في ذلك الخطأ ، لأن هذه الأمة شهداء على الناس ، وهم شهداء الله في الارض ، وهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فلا بد أن تأمر بكل معروف وتنهى عن كل منكر ، فإذا كان فيها من يأمر بمنكر متأولاً فلا بد أن يكون فيها من يأمر بذلك المعروف .

فأما الاحتجاج بفعل طائفة من الصديقين في مسألة نازعهم فيها أعدائهم فباطل ، بل لو كان المنازع لهم أقل منهم عدداً وأدنى منزلة لم تكن الحجة مع أحدهما إلا بكتاب الله وسنة رسوله ، فإنه بذلك أمرت الامة .

كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تنازعهم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } [ سورة النساء 59 ] .

فإذا تنازعت الأمة وولاة الأمور من الصديقين وغيرهم ، فعليهم جميعهم أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله .

ومن المعلوم أن الصديقين الذين أباحوا بعض المسكر كانوا أسبق من هؤلاء وأكثر وأكبر ، وكذلك الذين استحلوا المتعة والصرف وبعض المطاعم الخبيثة والحشوش ، والذين استحلوا القتال في الفتنة متأولين معتقدين أنهم على الحق وغير ذلك ، هم أسبق من هؤلاء وأكثر وأكبر .

فإذا نهى عما نهى الله عنه ورسوله لم يكن لأحد أن يقول : هذا إنكار
على كذا وكذا رجلا من السابقين والتابعين ، فإن هذا الإنكار كان من نظرائهم ومن هو فوقهم أو قريباً منهم ، وعند التنازع فالمرد إلى الله ورسوله .

ولكن من ذهب إلى القول المرجوح ينتفع به في عذر المتأولين ، فإن عامة ما حرمه الله مثل قتل النفس بغير حق ومثل الزنا والخمر والميسر والأموال والاعراض قد استحل بعض أنواعه طوائف من الامة بالتأويل ، وفي المستحلين قوم من صالحي الأمة وأهل العلم والإيمان منهم .

لكن المستحل لذلك لا يعتقد أنه من المحرمات ، ولا أنه داخل فيما ذمه الله ورسوله ، فالمقاتل في الفتنة متأولاً لا يعتقد أنه قتل مؤمناً بغير حق ، والمبيح للمتعة والحشوش ونكاح المحلل لا يعتقد أنه أباح زنا وسفاحاً ، والمبيح للنبيذ المتأول فيه ولبعض أنواع المعاملات الربوية وعقود المخاطرات لا يعتقد أنه أباح الخمر والميسر والربا .

ولكن وقوع مثل هذا التأويل من الأئمة المتبوعين أهل العلم والإيمان ، صار من أسباب المحن والفتنة ، فإن الذين يعظمونهم قد يقتدون بهم في ذلك ، وقد لا يقفون عند الحد الذي انتهى إليه أولئك ، بل يتعدون ذلك ويزيدون زيادات لم تصدر من أولئك الأئمة السادة ، والذين يعلمون تحريم جنس ذلك الفعل قد يعتدون على المتأولين بنوع من الذم فيما هو مغفور لهم ويتبعهم آخرون فيزيدون في الذم ما يستحلون به من أعراض إخوانهم وغير أعراضهم ما حرمه الله ورسوله ، فهذا واقع كثير في موارد النزاع الذي وقع فيه خطأ من بعض الكبار .
اهــ ( 1 / 166 ، 168 )

((( من فوائد هذا النقل )))
- بطلان الاستدلال بأقوال الناس في مقابل النص والدليل .
- أن عصمة هذه الأمة في مجموعها ، لا آحادها .
- أن التأويل في مقابل النص من أسباب الفتن والمحن إذ سيتبعهم آخرون ، وربما زادوا فيما تأوله الأولون .
- وجوب الاقتصاد والوسطية في الانكار والذم .
-

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:18 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

وكان الأكابر الذين حضروه ـ [ السماع المحرم ] ـ لهم من التأويل ما لهم ، فأقام الله في الأمة من أنكر ذلك ، كما هو سنة الله في هذه الأمة الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر .

وهؤلاء المنكرون فيهم المقتصد في إنكاره ، ومنهم المتأول بزيادة في الإنكار غير مشروعة .

كما أحدث أولئك ما ليس مشروعاً وصار على تمادي الأيام يزداد المحدث من السماع ، ويزداد التغليظ في أهل الإنكار ، حتى آل الأمر من أنواع البدع والضلالات والتفرق والاختلافات إلى ما هو من أعظم القبائح المنكرات التي لا يشك في عظم إثمها وتحريمها من له أدنى علم وإيمان .

وأصل هذا الفساد من ذلك التأويل في مسائل الاجتهاد ، فمن ثبته الله بالقول الثابت أعطى كل ذي حق جقه وحفظ حدود الله فلم يتعدها .

{ ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } [ الطلاق : 1 ] .

فالشر في التفريط بترك المأمور أو العدوان بتعدِّي الحدود .
اهــ ( 1 / 170 ، 171 )

((( من فوائد هذا النقل )))
- وجوب الاقتصاد في الإنكار ـ كما مر ـ
- أن الزائد في الإنكار أيضاً متأول ـ له ما لهم من العذر ـ
وجماع الأمر ما قاله الشيخ ( فالشر في التفريط بترك المأمور أو العدوان بتعدِّي الحدود ) .

__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:18 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

فهذا ونحوه ، هو الذي أشار إليه الأئمة كالشافعي في قوله : خلفت ببغداد شيئاً أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير ، يصدون به الناس عن القرآن .

فيكون ذو النون هو أحد الذين حضروا التغبير الذي أنكره الأئمة وشيوخ السلف ، ويكون هو أحد المتأولين في ذلك ، وقوله فيه كقول شيوخ الكوفة وعلمائها في النبيذ الذين استحلوه ، مثل سفيان الثوري ، وشريك بن عبد الله ، وأبي حنيفة ، ومسعر بن كدام ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أب ليلى ، وغيرهم من أهل العلم ، وكقول علماء مكة وشيوخها فيما استحلوه من المتعة والصرف ، كقول عطاء بن أبي رباح ، وابن جريج وغيرهما ، وكقول طائفة من شيوخ المدينة وعلمائهم فيما استحلوه من الحشوش ، وكقول طائفة من شيوخ الشاميين وعلمائها فيما استحلوه من القتال في الفتنة لعلي بن أبي طالب وأصحابه ، وكقول طوائف من أتباع الذين قاتلوا مع علي من أهل الحجاز والعراق وغيرهم في الفتنة .

إلى أمثال ذلك مما تنازعت فيه الأمة ، وكان في كل شق طائفة من أهل العلم والدين .

فليس لأحد أن يحتج لأحد الطرفين بمجرد قول أصحابه ، وإن كانوا من أعظم الناس علماً وديناً ، لأن المنازعين لهم هم أهل العلم والدين .

وقد قال الله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } [ النساء : 59 ] .

نعم ، إذا ثبت عن بعض المقبولين عند الأمة كلام في مثل موارد النزاع ، كان في ذلك حجة على ما تقدم التنازع في ذلك ، وعلى دخول قوم من أهل الزهد والعبادة والسلوك في مثل هذا ، ولا ريب في هذا .
لكن مجرد هذا لا يتيح للمريد الذي يريد الله ، ويريد سلوك طريقه ، أن يقتدي في ذلك بهم مع ظهور النزاع بينهم وبين غيرهم ، وإنكار غيرهم عليهم ، بل على المريد أن يسلك الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ويتبع ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فإن ذلك هو صراط الله الذي ذكره ورضي به في قوله { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] .

وهذا أصل في أنه لا يحتج في مواضع النزاع والاشتباه بمجرد قول أحد ممن نوزع في ذلك .
اهــ ( 1 / 218 ، 219 )

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:18 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

ومثل هذه الحكايات لا تصلح أن تذكر للإقتداء ، أو سلوك سبيل وطريقة ، لما فيها من مخالفة أمر الله ورسوله ، والذي يصدر عنه أمثال هذه الأمور إن كان معذوراً بقصور في اجتهاده أو غيبة في عقله فليس من اتبعه بمعذور ، مع وضوح الحق والسبيل .

وإن كانت سيئته مغفورة ، لما اقترن بها من حسن قصد وعمل صالح ، فيجب بيان المحمود من المذموم ، لئلا يكون لبساً للحق بالباطل .

وأبو الحسن النوري وأبو بكر الشبلي ـ رحمة الله عليهما ـ كانا معروفين بتغيير العقل في بعض الأوقات ، حتى ذهب الشبلي إلى المارستان مرتين ، والنور ـ رحمه الله ـ كان فيه وله ، وقد مات بأجمة قصب لما غلبه الوجد حتى زال عقله .

ومن هذه حاله لا يصلح أن يتبع في حال لا يوافق أمر الله ورسوله ، وإن كان صاحبها معذوراً أو مغفوراً له ، وإن كان له من الإيمان والصلاح والصدق والمقامات المحمودة ما هو من أعظم الأمور ، فليس هو في ذلك بأعظم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، والذين اتبعوهم بإحسان ، فإنهم يتّبعون في طاعة ، ولا يذكرون إلا بالجميل الحسن ، وما صدر منهم من ذنب أو تأويل ، وليس هو مما أمر الله به ورسوله لا يتبعون فيه ، فهذا أصل يجب اتباعه .
اهــ ( 2 / 276 )

((( ومن جديد فوائد هذا النقل )))
- أنه قد يغفر للمجتهد المتأول ما لا يغفر لمتبعه لوضوح الحق له .

__________________

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:19 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

والرسل ـ صلوات الله عليهم ـ أعلم بطريق سبيل الله وأهدى وأنصح ، فمن خرج عن سنتهم وسبيلهم كان منقوصاً مخطئاً محروماً ، وإن لم يكن عاصياً أو فاسقاً أو كافراً .

ويشبه هذا الأعرابي الذي دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض كالفرخ فقال : " هل كنت دعوت الله بشيء ؟ " فقال : كنت أقول : اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ، فقال : " سبحان الله ، لا تسطيعه ـ أو ـ لا تطيقه هلا قلت : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ؟!

فهذا أيضاً حمله خوفه من عذاب الآخرة ومحبته لسلامة عاقبته على أن يطلب تعجيل ذلك في الدنيا ، وكان مخطئاً في ذلك غالطاً ، والخطأ والغلط مع حسن القصد وسلامته ، وصلاح الرجل وفضله ودينه وزهده وورعه وكراماته كثيراً جداً ، فليس من شرط ولِيِّ الله أن يكون معصوماً من الخطأ والغلط ، بل ولا من الذنوب .

وأفضل أولياء الله بعد الرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما عبر رؤيا : " أصبت بعضاً ، وأخطأت بعضاً " .
اهــ ( 2 / 311 ، 312 )

((( ومن جديد فوائد هذا النقل )))
- أن حسن حال الرجل وصلاحه ... لا يمنع من خطأه وأن هذا مغفور له باجتهاده وسبقه ...

سمير السكندرى
12-12-2007, 07:19 AM
((( ذهبية )))

قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ :

فالاستحلال الذي يكون في موارد الاجتهاد ، وقد أخطأ المستحل في تأويله ـ مع إيمانه وحسناته ـ هو مما غفره الله لهذه الأمة من الخطأ في قوله { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } [ البقرة : 256 ] ، كما استحل بعضهم بعض أنواع الربا ، واستحل بعضهم نوعاً من الفاحشة ، وهو إتيان النساء في حشوشهن ، واستحل بعضهم بعض أنواع الخمر ، واستحل بعضهم استماع المعازف ، واستحل بعضهم من دماء بعض بالتأويل ما استحل .

فهذه المواضع التي تقع من أهل الإيمان والصلاح تكون سيئات مكفَّرة أو مغفورة ، أو خطأ مغفوراً ، ومع هذا فيجب بيان ما دلَّ عليه الكتاب والسنة من الهدي ـ [ لعلها : الهدى ، لتوافق التنزيل ] ـ ودين الحق ، والأمر بذلك ، والنهي عن خلافه بحسب الإمكان .

ثم هذه الأمور التي كانت من أولئك تكثر وتتغلظ في قوم آخرين حتى تنتهي بهم إلى استحلال محارم الله والخروج عن دين الله ، وإذا تغلظت هذه الأمور عاقب الله أصحابها بما شاء .
اهــ ( 2 / 352 ، 353 )

آخر الموضوع ...
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ...
__________________

الشافعى الصغير
12-29-2008, 10:03 AM
جزاكم الله خيرا