العبّادي
04-25-2010, 02:22 PM
قَال كَلْبَي :
- أَتَعْرِف أَنّ حِكَايَة َ الْكِلَابِ مَع الْنَّاس ِ حِكَايَة قَدِيْمَة تَعُود إِلَى عُصُوْر ِ مَاقَبْل الْتَّارِيخ .. يَوْم إِسْتَأْنَس الْإِنْسَانُ الْكَلْبَ شَيْئا فَشَيْئَا لِيُصْبِح فِي آَخِر الْزَّمَان أَنِيْس الْمَرْأَة .. وَجَلَيسَهَا .. وَأَكِيْلَهَا .. وَشَرِيبُهَا .. وظَهِيْرَهَا .. وَحَامِي حِمَاهَا .. وَالْمَاشِي مِن وَرَائِهَا وَمِن أَمَامَهَا !
- نَعَم أَعْرِف .. هَذَا شَيٌء مَعْرُوف وَمَأْلُوف .. فَتِسْعَة وَتِسْعُوْن فِي الْمِائَة مِمَّن يَقْتَنُّوْن الْكِلاب وَيُصطَحِبُّونَهَا هُنَا وَهُنَالِك – فِي هَذَا الْمَكَان أَو ذَاك – هُم مِن الْنِّسَاءِ ..
- فَمَن ايْن لِهَؤُلَاء الْسَّيِّدَات الْفَاضِلَات بِالْطَّعَام لِهَذِه الْكِلَاب فِي هَذِه الْايّام الْعَصِيبَة الَّتِي لَايَجِد فِيْهَا الْآدَمِيُّون مَايَأْكُلُونَه وَيَقِفُون فِي طَوَابِير طَوِيلَة عَلَى ابْوَاب الْمَخَابِز .مَع أَن الْكِلَاب لَاتَأْكُل الْفُول وَالفَلافِل وَالْبَاذِنْجَان وَبَقِيَّة الْمَآكِل الْرَّخِيْصَة الَّتِي يَعِيْش عَلَيْهَا هَذَا الْشَّعْب الْمَقْهُوْر .. وَلِمَاذَا دَأَبَت الْنِّسْوَة ُعَلَى إصْطِحَابِ الْكِلَاب بَيْنَمَا لَاتَلْقَى بَقِيَّة الْحَيَوَانَات لَدَيْهِن أَي إِهْتِمَام .. فَهَل رَأَيْتَ إِمْرَأَة تَجُر وَرَاءَهَا عَنَزَة أَو فَأْرَا او حَتَّى ضِفْدعَة أَو صِرْصَارَا ؟..
- هَذَا سِرٌ مِن الْأَسْرَار رُبَّمَا تَكْشِفُ عَنْه الْأَيَّام ..
- نَحْن الْكِلَابُ نُؤْنِس الْنَّاسَ .. وَنَصَحِبِهُم فِي الْصَّيْد .. وَنَحْمِي الْرَّجُلَ مِن حُمَاتِه وَالْعِيَاذ بِالْلَّه .. وَنَحْمِي أَغْنَامَهُ مِن الْذِّئَابِ وَنَحْمِي بَيْتَه مَن الْلُّصُوْص .
...
مَات كَلْبَي الَّذِي جِئْتُ بِه ذَاتَ يَوْم رَضِيَعاً يَكَاد يَهْلِك مَن الْجُوْع .. ثُم قُمْتُ عَلَيْه أَعْتَنِي بِأَمْرِه وَأَجْعَل لَه فِيْمَا أحْتَلّبُ مِن الْبَقَرَة نَصِيْبا !
آَه لَو رَأَيْتَه مُمَدَّدَا تَحْت قَدَمَي يَنْظُرُ الَيَّ بِعَيْنَيْن صافْيَتَين وَيُحَرِّكُ ذَيْلَه بَيْن الْحِيْن وَالْحِيْن حَرَكَة ضَئِيّلَة مِن غَيْر تَكَلُّفٍ عَلَامَة الْإِطْمِئْنَان وَالَسَّعَادَة وَالْهَنَاء !
كَان كَثِيْرا مَايُشَارَكُ الْأَطْفَالَ لَعِبِهم وَمَرَحِهم فَيَجْرِي بَيْنَهُم قَافِزًا .. يَتَظَاهَرُ مَرَّةً بِالْهُجُوْم عَلَيْهِم .. وَيَتَظَاهَرُ مَرَّة بِالْهَرَبِ مِنْهُم .. فَتَخَالُه أُب بَيْن أَبْنَائِه الْمَرِحِين .. حَتَّى إِذَا أُخذَ مِنْهُم الْتَّعَبُ مَأْخَذه انْسَلَّ مِن بَيْنِهِم وَرَاح يَتَمَطَّى وَيَتَمَرَّغ ثُم يَعْتَدِل فِي تَمَدُّدِه وَيَتَوَسَّد يَدَيْه وَيُغْمِض عَيْنَيْه وَيَنَام .
وَمُنْذ بِضْعَة شُهُور قَام بَيْنَه وَبَيْن غُلَام مُخَاصَمَة ٌ نَشَأَت مِن تَحَرُّش هَذَا الْغُلَام الْدَّائِم بِه .. إِذ كَان يُمْطِرُه بِوَابِل مِن الْطُّوْبِ فِي غُدُوَّه وَرَوَاحِه .
لَقَد أَضْمَر الْكَلَبُ لَه الْعِدَاءَ وَتَرَبُّصَ ايِقَاعه بِالْفَخ .
كَان يَحس بِمَقْدِمِه مِن مَسَافَةٍ بَعِيْدَةٍ فَيَنْصِبُ اذُنَيْه وَيَشْمُ الْهَوَاءَ وَيَنَظَرَشَزْرا مُتَحَفِّزَا لِلْهُجُوم ثُم يَنْبَحُ نِبَاحَا عَالِيا يَعْكِس غِلْا دَفِيْنَا .
وَذَات يَوْم وَالْكَلْبُ مُنْهَمِكٌ فِي الْشَّرَابِ أَصَابَتْه طَوْبَة ٌفِي رَأْسِه فَأَدِمَتِهَا .. كَان الْغُلامُ يُتَحَصَّنُ بِتَلَّةٍ عَالِيَةٍ تَكَوَّمَت عَلَى اثَر تَطْهِير الْتُّرْعَة فِي الْصَّيْفِ الْفَائِتِ وَرَاح يَقْذِفُه مِن فَوْق بِالَّطُّوب .
وَلَكِن الشَّرَّ كَان قَد اخْتَمَرَ فِي رَأْس الْكَلَبِ فَلَم يُبَال بِالَّطُّوْب الْمُنْهَمِر وَرَآَهَا فُرْصَة سَانِحَة لِلْقِصَاص مِن عَدُوِّه ..
فَهَجَمَ هَجْمَة الْكَوَاسِر مُكَشِّر الْأَنْيَاب .. جَاحِظ الْعَيْنَيْن .. قَائِم الْشِعَر ..
أَحَس الْغُلامُ بِالْخَطَر فَأَخَذ يَصِيْحُ بِصَوْتٍ مَخْنُوْق يَطْلُبُ الْغَوْثَ وَالْنَّجْدَة َوَهُو لَايَسْتَطِيْع الْتَّحَرُّك مِن مَكَانِه ..
الْكَلَبُ يَصْعَدُ الْتَّل بِوَحْشِيَّةٍ حَتَّى لَم يَعُد يَفْصِلُه عَن الْغُلام غَيْر مَسَافَةٍ قَصِيْرَة ..
وَقَفَ الْغُلامُ يَسْتَعِدُ لِمَصَارَعَةِ الْمَوْت وَجْهَا لِوَجْه .. وَفِي لَحْظَةٍ هَجَمَ الْكَلْبُ هَجْمَتَه الْأَخِيرَة وَلَكِن الْغَُلام كَان قَد سَبَقَه فَحَمَل حِجْرا كَان بِالْقُرْب مِنْه وَهَوَى بِه عَلَى خَصْمِه فَشَج رَأْسَه لِيَترنّح وَالْدَّمُ الْفَائِرُ يَسِيْلُ عَلَى وَجْهِه وَيُسْدِل سِتَارَا أحْمَرَ أَمَام عَيْنَيْه فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْه مُضْطَرًا ثُم اخْتَل تَوَازُنُه فَإِنْقَلب يَتَمَرَّغ مُتَدَحْرِجَا مِن أَعْلَى الْتَل إِلَى أَسْفَلِه ثُم سَكَنَت حَرَكَتَه سُكُوْنِهَا الْأَخِير .
أَمَّا الْغُلَام فَقَد هَوَى فِي مَكَانِه يَرجِف ارْتِجَاف الْمَقْرُور وَقَد عَلَا وَجْهه صُفْرة الْمَوْتِ وَجَعَل يَسْتَغِيْثُ صَارِخَا مِن أَعْمَاق قَلْبِه .
وَقَد تَم احْلَال الْكَلَب بِكَلْب جَدِيْد إِلِا أَن الْشَّبَح الْمِخْضَب بِالْدِّمَاء مَازَال مَاثِلا أَمَام عَيْنِي مَع أَنِّي عَفَوْت عَن الْقَاتِل لِيَلْقَى جَزَاءَه مِن الْلَّه يَوْم الْقِيَامَة .
الْعَبَّادِي
- أَتَعْرِف أَنّ حِكَايَة َ الْكِلَابِ مَع الْنَّاس ِ حِكَايَة قَدِيْمَة تَعُود إِلَى عُصُوْر ِ مَاقَبْل الْتَّارِيخ .. يَوْم إِسْتَأْنَس الْإِنْسَانُ الْكَلْبَ شَيْئا فَشَيْئَا لِيُصْبِح فِي آَخِر الْزَّمَان أَنِيْس الْمَرْأَة .. وَجَلَيسَهَا .. وَأَكِيْلَهَا .. وَشَرِيبُهَا .. وظَهِيْرَهَا .. وَحَامِي حِمَاهَا .. وَالْمَاشِي مِن وَرَائِهَا وَمِن أَمَامَهَا !
- نَعَم أَعْرِف .. هَذَا شَيٌء مَعْرُوف وَمَأْلُوف .. فَتِسْعَة وَتِسْعُوْن فِي الْمِائَة مِمَّن يَقْتَنُّوْن الْكِلاب وَيُصطَحِبُّونَهَا هُنَا وَهُنَالِك – فِي هَذَا الْمَكَان أَو ذَاك – هُم مِن الْنِّسَاءِ ..
- فَمَن ايْن لِهَؤُلَاء الْسَّيِّدَات الْفَاضِلَات بِالْطَّعَام لِهَذِه الْكِلَاب فِي هَذِه الْايّام الْعَصِيبَة الَّتِي لَايَجِد فِيْهَا الْآدَمِيُّون مَايَأْكُلُونَه وَيَقِفُون فِي طَوَابِير طَوِيلَة عَلَى ابْوَاب الْمَخَابِز .مَع أَن الْكِلَاب لَاتَأْكُل الْفُول وَالفَلافِل وَالْبَاذِنْجَان وَبَقِيَّة الْمَآكِل الْرَّخِيْصَة الَّتِي يَعِيْش عَلَيْهَا هَذَا الْشَّعْب الْمَقْهُوْر .. وَلِمَاذَا دَأَبَت الْنِّسْوَة ُعَلَى إصْطِحَابِ الْكِلَاب بَيْنَمَا لَاتَلْقَى بَقِيَّة الْحَيَوَانَات لَدَيْهِن أَي إِهْتِمَام .. فَهَل رَأَيْتَ إِمْرَأَة تَجُر وَرَاءَهَا عَنَزَة أَو فَأْرَا او حَتَّى ضِفْدعَة أَو صِرْصَارَا ؟..
- هَذَا سِرٌ مِن الْأَسْرَار رُبَّمَا تَكْشِفُ عَنْه الْأَيَّام ..
- نَحْن الْكِلَابُ نُؤْنِس الْنَّاسَ .. وَنَصَحِبِهُم فِي الْصَّيْد .. وَنَحْمِي الْرَّجُلَ مِن حُمَاتِه وَالْعِيَاذ بِالْلَّه .. وَنَحْمِي أَغْنَامَهُ مِن الْذِّئَابِ وَنَحْمِي بَيْتَه مَن الْلُّصُوْص .
...
مَات كَلْبَي الَّذِي جِئْتُ بِه ذَاتَ يَوْم رَضِيَعاً يَكَاد يَهْلِك مَن الْجُوْع .. ثُم قُمْتُ عَلَيْه أَعْتَنِي بِأَمْرِه وَأَجْعَل لَه فِيْمَا أحْتَلّبُ مِن الْبَقَرَة نَصِيْبا !
آَه لَو رَأَيْتَه مُمَدَّدَا تَحْت قَدَمَي يَنْظُرُ الَيَّ بِعَيْنَيْن صافْيَتَين وَيُحَرِّكُ ذَيْلَه بَيْن الْحِيْن وَالْحِيْن حَرَكَة ضَئِيّلَة مِن غَيْر تَكَلُّفٍ عَلَامَة الْإِطْمِئْنَان وَالَسَّعَادَة وَالْهَنَاء !
كَان كَثِيْرا مَايُشَارَكُ الْأَطْفَالَ لَعِبِهم وَمَرَحِهم فَيَجْرِي بَيْنَهُم قَافِزًا .. يَتَظَاهَرُ مَرَّةً بِالْهُجُوْم عَلَيْهِم .. وَيَتَظَاهَرُ مَرَّة بِالْهَرَبِ مِنْهُم .. فَتَخَالُه أُب بَيْن أَبْنَائِه الْمَرِحِين .. حَتَّى إِذَا أُخذَ مِنْهُم الْتَّعَبُ مَأْخَذه انْسَلَّ مِن بَيْنِهِم وَرَاح يَتَمَطَّى وَيَتَمَرَّغ ثُم يَعْتَدِل فِي تَمَدُّدِه وَيَتَوَسَّد يَدَيْه وَيُغْمِض عَيْنَيْه وَيَنَام .
وَمُنْذ بِضْعَة شُهُور قَام بَيْنَه وَبَيْن غُلَام مُخَاصَمَة ٌ نَشَأَت مِن تَحَرُّش هَذَا الْغُلَام الْدَّائِم بِه .. إِذ كَان يُمْطِرُه بِوَابِل مِن الْطُّوْبِ فِي غُدُوَّه وَرَوَاحِه .
لَقَد أَضْمَر الْكَلَبُ لَه الْعِدَاءَ وَتَرَبُّصَ ايِقَاعه بِالْفَخ .
كَان يَحس بِمَقْدِمِه مِن مَسَافَةٍ بَعِيْدَةٍ فَيَنْصِبُ اذُنَيْه وَيَشْمُ الْهَوَاءَ وَيَنَظَرَشَزْرا مُتَحَفِّزَا لِلْهُجُوم ثُم يَنْبَحُ نِبَاحَا عَالِيا يَعْكِس غِلْا دَفِيْنَا .
وَذَات يَوْم وَالْكَلْبُ مُنْهَمِكٌ فِي الْشَّرَابِ أَصَابَتْه طَوْبَة ٌفِي رَأْسِه فَأَدِمَتِهَا .. كَان الْغُلامُ يُتَحَصَّنُ بِتَلَّةٍ عَالِيَةٍ تَكَوَّمَت عَلَى اثَر تَطْهِير الْتُّرْعَة فِي الْصَّيْفِ الْفَائِتِ وَرَاح يَقْذِفُه مِن فَوْق بِالَّطُّوب .
وَلَكِن الشَّرَّ كَان قَد اخْتَمَرَ فِي رَأْس الْكَلَبِ فَلَم يُبَال بِالَّطُّوْب الْمُنْهَمِر وَرَآَهَا فُرْصَة سَانِحَة لِلْقِصَاص مِن عَدُوِّه ..
فَهَجَمَ هَجْمَة الْكَوَاسِر مُكَشِّر الْأَنْيَاب .. جَاحِظ الْعَيْنَيْن .. قَائِم الْشِعَر ..
أَحَس الْغُلامُ بِالْخَطَر فَأَخَذ يَصِيْحُ بِصَوْتٍ مَخْنُوْق يَطْلُبُ الْغَوْثَ وَالْنَّجْدَة َوَهُو لَايَسْتَطِيْع الْتَّحَرُّك مِن مَكَانِه ..
الْكَلَبُ يَصْعَدُ الْتَّل بِوَحْشِيَّةٍ حَتَّى لَم يَعُد يَفْصِلُه عَن الْغُلام غَيْر مَسَافَةٍ قَصِيْرَة ..
وَقَفَ الْغُلامُ يَسْتَعِدُ لِمَصَارَعَةِ الْمَوْت وَجْهَا لِوَجْه .. وَفِي لَحْظَةٍ هَجَمَ الْكَلْبُ هَجْمَتَه الْأَخِيرَة وَلَكِن الْغَُلام كَان قَد سَبَقَه فَحَمَل حِجْرا كَان بِالْقُرْب مِنْه وَهَوَى بِه عَلَى خَصْمِه فَشَج رَأْسَه لِيَترنّح وَالْدَّمُ الْفَائِرُ يَسِيْلُ عَلَى وَجْهِه وَيُسْدِل سِتَارَا أحْمَرَ أَمَام عَيْنَيْه فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْه مُضْطَرًا ثُم اخْتَل تَوَازُنُه فَإِنْقَلب يَتَمَرَّغ مُتَدَحْرِجَا مِن أَعْلَى الْتَل إِلَى أَسْفَلِه ثُم سَكَنَت حَرَكَتَه سُكُوْنِهَا الْأَخِير .
أَمَّا الْغُلَام فَقَد هَوَى فِي مَكَانِه يَرجِف ارْتِجَاف الْمَقْرُور وَقَد عَلَا وَجْهه صُفْرة الْمَوْتِ وَجَعَل يَسْتَغِيْثُ صَارِخَا مِن أَعْمَاق قَلْبِه .
وَقَد تَم احْلَال الْكَلَب بِكَلْب جَدِيْد إِلِا أَن الْشَّبَح الْمِخْضَب بِالْدِّمَاء مَازَال مَاثِلا أَمَام عَيْنِي مَع أَنِّي عَفَوْت عَن الْقَاتِل لِيَلْقَى جَزَاءَه مِن الْلَّه يَوْم الْقِيَامَة .
الْعَبَّادِي