المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبدالرحمن الناصر وعهد الخلافة فى الأندلس


ابوعمار
10-23-2007, 07:12 PM
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

عين الأمير عبدالله بن محمد الأول اخر الأمراء فى الأندلس حفيده عبدالرحمن الناصر بن محمد بن الأمير عبدالله ليرثه فى الحكم ، وكان عمر عبدالرحمن الناصر ثلاثة أسابيع ، وقد أولى الأمير عبدالله حفيده عبدالرحمن عناية خاصة وجعله أمينا على بعض أعماله ، وكان يسند إليه بعض المهام ليرثه فى حكم الأندلس من بعده ، ولم يخب ظن جده به ، فقد حقق اماله وامال الناس فيه .
تلقى عبدالرحمن الناصر من جده الأمير عبدالله العناية وولاه العهد من بعده ، وربما كان ذلك تعويضا لفقدان ابنه محمد ، فما أن شب عبدالرحمن الناصر حتى ظهرت عليه علامات النجابة والذكاء ، وكان عند حسن ظن جده الذى توسم فيه الخير ، ولما توفى الأمير عبدالله تولى حفيده الناصر الحكم وكانت الأندلس يومها تحتاج إلى الهمة العالية والسياسة الحكيمة لحل مشاكلها وتوفير الإستقرار المطلوب والإستمرار فى دفع موكب الحضارة الخيرة والإنتاج الفكرى المترعرع فى ربوعها .
كانت الأندلس قد أزعجها القلق بسبب بعض المخالفات الكائنة فيها ، كانت مهمته خطرة وصعبة ، وكان سنه يوم تولى الحكم ثلاثا وعشرين سنة لذلك بايعه كل أصحاب المكانة ولم ينافسه أحد .
كان الناصر أميرا حازما ، وذكيا عادلا ، وعاقلا شجاعا ، محبا للإصلاح وحريصا عليه قاد الجيوش بنفسه ، فأنزل العصاة من حصونهم لشجاعته وسياسته الحكيمة بالسيف أو بالسياسة الرشيدة التى اتبعها ، عفا عمن طلب الأمان وعاد إلى الطاعة ، حتى أنه عين بعض المخالفين- بعد عودتهم إلى الطاعة - فى مناصب مهمة إذ كانوا من أصحاب الكفاءات ، أحبه الشعب وأخلص له ، وكان هو قدوة له ، لذلك استطاع أن يقضى على العصاة ويعيد للأندلس وحدتها ومكانتها
أدب المتمردين من حكام الشمال الأسبانى وجعلهم يدركون قوة الأندلس حتى انقلب تحرشهم إلى خضوع تام لرغباته ، رضخوا للشروط التى يضعا لهم ويمليها عليهم ، بلغت الأندلس- أيامه -
فى هذه المدة من القوة بحيث أن حكام أسبانيا الشمالية طلبوا أحيانا إلى السلطات الأندلسية التدخل فى حل مشاكلهم ......وتأكيدا لقوة الأندلس-مع أسباب أخرى- أعلن عبدالرحمن الثالث الخلافة الأندلسية فأنهى بذلك عهد الإمارة سنة 316 ه (929) م واستمر حكمه نصف قرن من الزمان ....يروى المقرى فى نفح الطيب(أنه وجد بخط الناصر -رحمه الله- : أيام السرور التى صفت له دون تكدير يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويوم كذا من كذا ....، وعدت تلك الأيام فكانت أربعة عشر يوما ) ....من كتاب التاريخ الأندلسى / تأليف عبدالرحمن على الحجى
استمر عهد الخلافة فى الأندلس منذ سنة 316 إلى 400 هجرية ، حين توفى الناصر تولى الخلافة ابنه الحكم الثانى المستنصر بالله (350-366هجرية) كانت الأندلس مستقرة على أسس ثابته موحدة ، حدودها امنة ومتمتعة بالتقدم والعمران الباهر ، وكان الحكم قد أعده أبوه لمثل هذا المنصب ، فأسند إليه أمورا مهمة فى حياته ، واستمر الحكم راعيا لهذا الموكب أكمل مشاريعا بدأت قبله وأنشأ غيرها ، عرف بصفات كثيرة يبرز منها حبه للعلم ، وزادت العلوم ازدهارا وزهت الأندلس بمجالس العلم والجامعات والمكتبات العامة ، وكان الحكم نفسه عالما كبيرا ، جلب الكتب من البلاد الإسلامية كافة وبذل فيها الأموال الكثيرة ، كان الحكم ميالا إلى السلم مماجعل حكام الشمال الإسبانى يتصورونه ضعيفا ، فبدأوا ببعض الهجومات فجهز جيشا لتأديبهم ، وقاده بنفسه ورد المعتدين وأمن حدود بلاده ، ولما توفى- بعد حكم دام ست عشرة سنة - تولى وليده البالغ من العمر إحدى عشر سنة وهو هشام المؤيد بالله الحكم ، وبموت الحكم تتبدل الأحوال فى الأندلس وتأخذ الأمور والأحداث مجرى جديدا ، إذ لم يكن باستطاعة هذا الوليد النهوظ بأمور الأمة ،وهو غير قادر لصغر سنه على رعاية شؤون الدولة ، ونهض بعض الرجال لتولية غيره ، كما رغب اخرون أن يبقى هو ،ارتأت جماعة الصقالبة تولية المغيرة بن عبدالرحمن الناصر وكان عمره يومها سبعا وعشرين سنة ، وانتهى الأمر بقتل المغيرة والإبقاء على هشام المؤيد بالله ......كان الرجل القوى وراء هذه الأحداث محمد بن أبى عامر عرف بالحاجب المنصور حيث استطاع أن يأخذ السلطة لنفسه ويحكم باسم هشام ولما توفى ابن أبى عامر حكم بعده ابنه عبدالملك المظفر ثم ابنه الاخر عبدالرحمن (شنجول) وبمقتل الأخير تنتهى الخلافة فى الأندلس .
ويرى بعض المؤرخين أن الخلافة تنتهى بموت الحكم المستنصر ولكن الدولة العامرية كانت امتدادا للخلافة إذ كانت تحكم باسمها وتحتمى بظلها .

عهد الطوائف
بعد انتهاء الخلافة فى الأندلس عاشت الأندلس سنوات من الفرقة والتنافس ، حاول عدد من المخلصين حتى سنة 422 هجرية استمرار وحدته وإعادة خلافته وبذلوا فى ذلك الجهود الكبيرة دون جدوى ، فانتابت الأندلس حالة مريعة تبعث على الأسى ، عندها يبدأ قيام الطوائف، حين تصدع بنيان ذلك الصرح الشامخ أعلن أهل قرطبة وعلى رأسهم أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور إلغاء الخلافة ، أسند القرطبيون أمرهم إلى شيخ الجماعة الوزير أبى حزم بن جهور قال ابن بسام فى الذخيرة (نقلا عن ابن حيان) : ( فأعطوا منه قوس السياسة باريها ،وولوا من الجماعة أمينها ، فاخترع لهم - لأول وقته - نوعا من التدبير حملهم عليه فاقترن صلاحهم به ، وأجاد السياسة فانسدل به الستر على أهل قرطبة مدته )

أدار ابن الحزم بن جهور حكومة قرطبة ببراعة ونباهة أثنى عليها المؤرخون عاونه فى ذلك صفوة من الرجال ، كذلك كان ابنه الوليد بن جهور ، ضمت هذه الحكومة عدة مدن مثل جيان وبياسة من جبل الشارات شمال قرطبة حتى حدود ولاية غرناطة ،بعدها قامت ممالك أو دويلات مستقلة يحكم كلا منها أمير مستقل عن غيره من الأمراء ، قسمت الأندلس إلى ست مناطق رئيسية تضم كل منها إمارة أو أكثر .، هكذا وجدت فى الأندلس أوضاع يحكمها أمراء ، اتصف عدد منهم بصفات الأثرة والغدر ، هانت لديهم مصالح الأمة وتركت دون مصالحهم الذاتية ، باعوا خلقهم وبلادهم للعدو المتربص ثمنا لبقائهم فى السلطة ، أصاب الأمة الضياع بقدر ماضيعوا من الخط الخلقى المسلم ، يقول ابن بسام فى الذخيرة ( فتمخضت عن الفاقة الكبرى ، والت بمن اتى بعدها إلى ماكان أعضل وأدنى ، مما طوى بساط الدنيا ، وعفى رسمها ، وأهلك أهلها )

لما حصل الطاغية ادفونش -لعنه الله- بطليطلة شمخ بأنفه ، ورأى أن زمام الأندلس قد حصل في كفه ، فشن غاراته على جميع أعمالها ، حتى فاز باستخلاص جميع أقطار ابن ذي النون واستئصالها ، وذلك ثمانون منبرا سوى البنيات ، والقرى المعمورات ، وحاز من وادي الحجارة إلى طلبيرة وفحص اللج وأعمال شنتمرية كلها )
بعد نزول النكبة بالأندلس بسقوط طليطلة وما حولها ، تصور ملك قشتالة أن أمراء الطوائف كافة غدوا رهن اشارته وطوع بنانه ، وأنه سيقضي عليهم الواحد بعد الاخر ، لذلك علت مكانته بين ملوك النصرانية وتسمى بالأمبراطور ذي الملتين ( الإسلامية والنصرانية ) ....لكن الأمور لم تجر على هواه لما عصفت به رياح الأخوة في المغرب ، كاسحة إثمه ومطاردة جيشه ، يقول ابن بسام فى الذخيرة ( فالحمد لله موهن أيده ، ومبطل كيده ، وجزى الله أمير المسلمين ، وناصر الدين ، أبا يعقوب يوسف ابن تاشفين ، أفضل جزاء المحسنين ، بما بل من رماق ، ونفس من خناق ، ووصل هذه الجزيرة من حبل ، وتجشم إلى تلبية دعائها واستنقاذ ما بها ، من حزن وسهل ، حتى ثل عروش المشركين ، وظهر أمر الله وهم كارهون والحمد لله رب العالمين )
نظمت فى سقوط طليطلة القصائد منها :
لثكلك كيف تبتسم الثغور *****سرورا بعد ما سبيت ثغور

لقد قصمت ظهور حين قالوا ***** أمير الكافرين له ظهور

طليطلة أباح الكفر منها ***** حماها إن ذا نبأ كبير

مساجدها كنائس أى قلب ***** على هذا يقر ولا يطير

فيا أسفاه يا أسفاه حزنا ***** يكرر ما تكررت الدهور

يطول على ليلي رب خطب ***** يطول لهوله الليل القصير

وقيل تجمعوا لفراق شمل ***** طليطلة تملكها الكفور

ولاتجنح إلى سلم وحارب ***** عسى أن يجبر العظم الكسير

ونرجو أن يتيح الله نصرا ***** عليهم إنه نعم النصير


المأساة البربشترية

بربشتر هي احدى مدن مملكة سرقسطة ، حكمها بنو هود أيام الطوائف ، وغدت من أعمال أبي عامر يوسف حسام الدولة الملقب بالمظفر، الذي شارك أخاه المقتدر بالله حكم إمارة سرقسطة بعد وفاة أبيهما المستعين بالله ، وفي أيام المظفر حلت بهذه المدينة نكبة اهتزت لها الأندلس ، ارتكبت فيها أعمال وحشية وجرائم مذهلة ولم ينجدها المظفر ولا أخوه المقتدر ، هذه الحادثة هي مهاجمة النورمانيين او النورمانديين للمدينة وفتكهم بأهلها اتصفت هذه الحملة بطابعها الصليبي ، فأعظمت في المسلمين النكاية .،والنورمانديين هم جماعة من الوثنيين ، الذين دخلوا النصرانية ،واحتلوا منطقة في شمالي غربي فرنسا وسكنوها في بداية القرن الرابع الهجري ، حملت اسمهم نورماندي ، وهناك بعض المصادر الأوربية التي تؤكد أن البابا اسكندر الثاني هو الذي أشار على النورمان بحرب المسلمين في الأندلس .
احتشدت القوات في ولاية نورماندي مكونة من النورمانديين وجموع كبيرة من الفرنسيين بقيادة جيوم أو روبرت كرسبن ، وسارت الحملة إلى جنوبي فرنسا متجهة نحو الأندلس ، حاصروا أولا مدينة وشقة إحدى مدن سرقسطة ، ولما فشلوا في اقتحامها تركوها متوجهين إلى بربشتر ، من القواعد الأندلسية المنيعة ، فحاصروها سنة 456 هجرية ، ويقدر عدد أفراد الحملة بأربعين ألفا أو يزيدون ، واستمر الحصار أربعين يوما وجرت معارك عديدة خارج المدينة ، ولما قلت الأقوات واشتد الضيق بالمدينة ، استطاع النورمانديين بعد قتال عنيف اقتحام المدينة الخارجية ، وجرت معارك أخرى وتحصن المسلمون بالقصبة والمدينة الداخلية ، مصممين على الثبات حتى اخر رمق ، لكن حدث أن تعرض المهاجمون إلى مكان مجرى الماء - أو دلهم عليه خائن- فقطعوه ، واشتد بالمدافعين العطش ، فعرضوا عى النورمانديين التسليم بشروط فرفضوا ، ثم دخلوا المدينة عنوة ، واستباحوا المدينة بكل مافيها ومن فيها ، وقدر عدد القتلى والأسرى بين أربعين ومئة ألف ! ثم أعطى قائد الحملة الأمان ، لكنه -حين رأى كثرة أهل المدينة -أمر جنده أن تقلل أعدادهم ، حصادا بالسيف ،فأطيح أرضا بستة الاف من الرؤوس ! ثم انهم انتهبوا المدينة واحتلوا دورها لأنفسهم وارتكبوا أبشع الجرائم قتلا وهتكا للأعراض ، وكان الخطب أعظم من أن يوصف أو يتقصى كما قال ابن حيان .

يقول ابن حيان فيما ينقله عنه ابن بسام في الذخيرة واصفا المأساة البربشترية :إن جيش الأردمانيين طلبوا عليها ووالوا حصرها وجدوا في قتالها طامعين فيها ، وقد أسلمهم أميرهم يوسف بن سليمان بن هود لخطبهم ووكلهم إلى أنفسهم وقعد على النفير نحوهم ، فأقام عليهم العدو منازلا لأربعين يوما ، ووقع بين أهلها تنازع على القوت لقلته ، ولما علم العدو بذلك جد في القتال فدخل الكفرة المدينة البرانية نحو خمسة الاف دارع ، فبهت الناس وتحصنوا بمدينتهم الداخلة ودارت بينهم حرب شديدة قتل فيها من النصارى خمس مئة ، ثم اتفق - من قدر الله - أن قناة من عمل الأوائل سربا تحت الأرض بتقدير موزون إلى أن أفضت إلى شط النهر فانهارت في نفس ذلك السرب صخرة عظيمة الجرم من حجارة بناية الأول سدت السرب بأسره ، فعدموا الماء وايسوا الحياة ودعوا إلى تأمينهم على النزول بأنفسهم خاصة دون مال وعيال ، فأعطاهم أعداء الله ذلك ، فلما خرجوا نكثوا بهم وقتلوا معا ، ولم يطلقوا منهم غير قائدهم ابن الطويل وقاضيهم ابن عيسى في نفر من الوجوه قليل عديدهم ، فحصلوا على غنائم بربشتر على مالا يقدر كثرة زعموا أنه صار لأكبر رؤسائهم قائد خيل رومة في حصته نحو ألفا وخمس مئة جارية أبكارا كلهن ، ومن أوقار الأمتعة من الحلي والكسوة والوطاء خمس مئة حمل ، ويحدث أيضا أنه أصيب في هذا القتل والسبي مئة ألف نسمة ، وشد الكفار أيدهم بمدينة بربشتر واستوطنوها وهلك من نساء بربشتر جملة يكثر عدها عند افلاتهن من عطش القصبة لتطارحهن على الماء يكرعن فيه بغير مهل ، فكبهم للأذقان موتى ، وكان الخطب في هذه النازلة أعظم من أن يوصف أو يتقصى .