المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصرُ السَّندوتش !!


العبّادي
03-06-2010, 10:07 PM
http://www.diabetesselfmanagement.com/images/shared/recipesSandwiches.jpg

السَّندوتش هو تلكَ اللُقَيمات التي تشتريها وأنتَ واقفٌ ثم تأكلها وأنت واقفٌ أيضا أو لربما تأكلها وأنتَ ماش في الطريق .. وتهضمها وأنتَ واقفٌ في ترام الرمل أو قاعدٌ في مدرج الجامعة .
والإنسان لايجد لهذا السندوتش - بين ذهول العجلةِ ومشاغل الحياة - هناءة في الذوق .. ولامراءة في الجوف .
إنَّهُ ضرْبٌ من الطّعام ِ قائمٌ على القطفِ والخطف ..
جَنَى على الأسرةِ فحَرَمَها لذَّة المؤاكلة .. ومتعة المنادمة ..وأنس العِشرة .
وَجَنَى على المائدة - أو مانسميه السُّفرة - فسلبها الفن الطاهي والذوق المُنَظَّم والجلسة الاُسَريّة البهيجة .
وجنى على الصحةِ فأضعفَ الشَّهيةَ وأفسَدَ الهضمَ ..
...
عصرُ السندوتش هذا انعكسَ على ثقافتنا التي ماعادت تختلف في سرعتها وتفاهتها عن هذا النوع من الأكل . فهي نَتَفَاتٌ من الكتب ..
ولقفاتٌ من الصحف ..
وخطفاتٌ من الشبكة العنكبوتية ..
ومطالعاتٌ تحت عريشة العِنَب أو إلى جوار جذع الشجرة .. أو ربما - لأهل المدن - في القهوةِ أو في المترو أو حتى في السرير .
مطالعات خاطفة يلقط النَّظرُ الخاطفُ الكَلِمَ كما يلقطُ الطائرُ الفَزِعُ الحبَّ أو كما يخطفُ الغرابُ الحَذِرُ صِغارَ الطير من الكتاكيت كما نسميها في مصر او الصّيصان كما يسميها أهل الشام .
ونتاجُ هذه الثقافة الضحلة سَقْطٌ كسَقطِ الحامل قبل التَّمام .
..
ضاعت من بيوتنا غرفة المكتبة
وضاعت غرفة الجلوس
وضاعت غرفة الطعام وكأن المائدة التي كانت تجمع الأسرة كلها لم تعد تتفق مع هذا العصر الدافق والحركة السريعة .
باتَ الناسُ يعتقدون أن في طول الجلوس الى المائدة ..
وفي قواعد الأكل عليها ..
وفي تعدد الألوان فيها ..واحتفال الأسرة لها إضاعة للوقتِ وتبديدٌ للمال ..
..
ثم ضاعت غرفة المكتبة عندما حَسِبَ الناس أن قواعدَ اللغةِ قيودٌ لاتوافق العصر ..
وأنّ أساليبَ البلاغةِ عوائقٌ لاتُجاري السرعة ..
فطلبوا محوَ القيودِ ليُصبحَ الأدبُ حِمَى مستباحا :
فكاتبُ الأغاني التّافهة شاعرٌ
وجامعُ الفولكلور القديمُ قصصي ..
ونهّاشُ الأعراض العفيفة ناقدٌ ..
ومن لايعرف مخارج الحروف مذيعٌ
ولله الأمرُ من قبل ومن بعد

العبَّادي

سعيد عناني
03-06-2010, 11:27 PM
جزاك الله كل خير

العبّادي
03-07-2010, 09:33 AM
السلام عليكم ..
وجزاكَ اللهُ خيرا أخي العناني
الواقعُ الأليمُ الذي آلت إليه اللغة العربية في زماننا هذا أنْ يكون من الأدباء والكُتَّاب من يكتب كتابا ثم يدفعه الى مدقق نحَويِّ يصححه ويعربه ويُهذبه ..
ولن تجدَ في تاريخ العربية قبل عصر ثقافة السندوتش .. ولافي تاريخ اللغات في جميع العصور من يحسب نفسه أديبا وهوالفاعل من المفعول .

بارك الله فيكم