المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفريغ المحاضرة الخامسة / تفسير سورة الفاتحة


أم أيمن
01-24-2010, 11:18 PM
إنْ الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ , ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيئَاتِ أَعْمالِنَا, مَنْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ وَمَنْ يُضْلل فَلا هادي لهُ ،وأشْهَدُ أَنْ لا إله إِلا الله وَحَدهُ لا شَرِيكَ له , وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداًعَبدُه وَرَسُولهُ , اللهم صلِّ وسَلِمْ وبَارِكْ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ , ومَنْ تَبِعَهمْ بإحسان إلى يومِ الدينِ .
أما بعد..
فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهديِّ هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم , وشَرَّالأمورِ مُحْدَثاتُهَا , وكُلَّ مُحدثةٍ بِدْعَة , وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَة , وكُلَّ ضلالةٍ فِي النِّار .
مرحباً بكم أخواتي الفاضلات فى هذا اللقاء الطيب المبارك مع تفسير سورة الفاتحة .
كنا قد توقفنا في الدرس الماضي عند قوله تعالى :

( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) اسمان من أسماء الله يدلان على الذات، وعلى صفة الرحمة، دالان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء وعمت كل حي, قال تعالى :(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فسأكتبها للذين يتقون) الأعراف156 " وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ في الدنيا كُلَّ شَيْءٍ, فسأكتبها في الآخرة للذين يتقون كتبها جلا وعلا للمتقين المتبعين لأنبيائه ورسله. وقيل وَسِعَتْ في الدنيا البر والفاجر وهي يوم القيامة خاصة للذين اتقوا .
والإيمان بأسماء الله وصفاته وأحكام الصفات من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة وأئمتها فيؤمنون مثلا, بأنه رحمن رحيم, ذو الرحمة التي اتصف بها, المتعلقة بالمرحوم. فالنعم كلها, أثر من آثار رحمته, وهكذا في سائر الأسماء. يقال في العليم: إنه عليم ذو علم, يعلم بكل شيء, قدير, ذو قدرة يقدر على كل شيء.
اشتقاق اسمي ( الرحمن الرحيم ) .
الرحمنِ الرحيمِ ,اسمانِ مشتقانِ مِنَ الرَّحمةِ , على وجه المبالغة .
قال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما خرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف،أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" .

هل الرحمن و الرحيم بمعنى واحد ؟
رحمن أشد مبالغة من رحيم،أي ذو الرحمة الواسعة؛ ولهذا جاء على وزن "فَعْلان" الذي يدل على السعة .

و{ الرحيم } أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده؛ ولهذا جاءت على وزن "فعيل" الدال على وقوع الفعل ,فهنا رحمة هي صفته , والرحمة التي أثبتها الله لنفسه رحمة حقيقية دلّ عليها السمع، والعقل؛ أما السمع فهو ما جاء في الكتاب، والسنّة من إثبات الرحمة لله . وهو كثير جداً؛ وأما العقل: فكل ما حصل من نعمة، أو اندفع من نقمة فهو من آثار رحمة الله..

بدأ باسم الله، ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولا إنماتكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص.
أما هل الرحمن و الرحيم بمعنى واحد ففيه خلاف :
قال القرطبي: قيل هما بمعنى واحد كندمان ونديم .
وقيل: ليس بناء فعلان كفعيل، فإن فعلان لا يقع إلا علىمبالغة الفعل نحو قولنا: رجل غضبان، وفعيل قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول.
وقيل الرحمن: اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى:( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) الأحزاب: 43
وقال ابن عباس: هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثررحمة.
وقيلَ فيهما : رحمنُ الدنيا و الآخرةِ و رحيمُ الآخرةِ . يعني : رحمةُ اللهِ تباركَ و تعالى في الدنيا شمِلتْ المؤمنينِ و الكافرينَ , و من ذلكَ مثلا قولُه سبحانَهُ في حقِّ النبيِّ عليه الصلاةُ و السلامُ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّارَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) الأنبياء107
فهذا مِنْ رحمةِ اللهِ الرحمن . و لذلكَ قالَ تعالى : ( الَّذِيخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالَأرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى على العرش الرحمن ) الفرقان , فالرحمن لجميع الخلق وقال: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته.
الرحيم، قال: بالمؤمنين. ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَرَحِيمًا ) [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم، قالوا: فدل على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه، والرحيم خاصة بالمؤمنين.
وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب، وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي صالح الفارسي الخوزي عن أبي هريرة،رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضبعليه".
وقال بعض الشعراء:
لا تطلبن بني آدم حاجة ... وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبني آدم حين يسأل يغضبُ
و اسم الرحمن يساوي اسم الله , و لذلك سوَّى اللهُ بينهما فقال جلا وعلا ( قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ ) الإسراء110
و قال أيضا ( وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنقَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) الزخرف45
فلفظ الرحمن , يساوي لفظ الله , فلا يجوز أن يُطلق لفظ الجلالةِ على غير ذات الرب سبحانه تعالى , كذلك لا يجوز إطلاقُ اسم الرحمن على غير ذات الله عز و جل, اسمه تعالى الرحمن خاص به , لم يسم َّبه غير الله لأنه يساوي الله , فكما لايسمى أحد بالله كذلك لا يسمى أحد بالرحمن , لأن هذين الاسمين من الأسماء الخاصة بالله عز و جل , لم يُسم به و لم يعرف على مدار التاريخ أن أحدا تسمَّى بالله أوتسمى بالرحمن إلا كذاب اليمامة, مسيلمة الكذاب , فلما تجرأ وسمى نفسه برحمن اليمامة كساه الله جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يُضرب به المثل في الكذب .
أما اسم الرحيم, فإن الله سبحانه و تعالى كما سمى نفسه رؤوف رحيم إذ قال :(إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌرَّحِيمٌ ) البقرة143 كذلك سمى به غيره. فقد سمى به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم , فقال عز وجل:( لَقَدْ جَاءكُمْرَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة128
فسمى نبيه عليه الصلاة و السلام , رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ , وكما سمى نفسه سميع بصير , سمى الإنسان سميعا بصيرا) ;كما في قوله تعالى ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(المجادلة1

و قال عزَّ و جلَّ:( إِنَّا خَلَقْنَاالْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) الإنسان2
و الخلاصة أن أسماء الله تعال ىمنها ما يختص به , فلا يجوز إطلاقها على غير ه ,كالله و الرحمن و المحيي و المميت و الخالق و نحوها , لا يجوز أن تطلق على غير الله .
ومنها ما يجوز أن يطلق على غيره عز و جل , كالرؤوف و الرحيم والسميع و البصير والملك والعزيز . لكن يجب أن نعلم الفرق بين الاسم والاسم ,كالفرق بين الذات والذات , والله تعالى قد قال( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَالسَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى11
فكما أن ذاته لا تشبه الذوات و لا تشبهها الذوات , فكذلك أسماؤه , لا تشبهها الأسماء . فشتان بين ملك وملك , و شتان بين سميع وسميع , و شتان بين حي وحي .فحياة الله تعالى أزلية أبدية واجبة لذاته سبحانه ,وحياة العبد لها بداية ولها نهاية , نقول لله حي وللعبد حي لكن حياة العبد لها بداية ولها نهاية , وهي مستمدة من الله سبحانه و تعالى .
وتسمية الله تبارك و تعالى بهذين الاسمين معا , الرحمن الرحيم , إنما أريد بها الدلالة على سعة رحمته عزوجل ,كما قال سبحانه ( وَرَحْمَتِيوَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) الأعراف156
و في الحديث عن النبي عليه الصلاة و السلام قال: جعل الله الرحمة مئة جزء فأمسك عنده تسعة و تسعين جزءا , و أنزل جزءا واحدا في الأرض به يتراحم الخلائق , حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه . البهيمة العجماء التي لا عقل لها, عندما تشعر باقتراب ولدها منها لأجل الرضاعة لا تؤذيه رحمة منها به . من أين هذه الرحمة ؟ من جزء واحد أنزله الله تعالى في الأرض ,لقوله صلى الله عليه وسلم :جعل الله الرحمة مئة جزء ......

و في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي _والمراد بالسبي : نساء المشركين وأطفالهم , فإذا امرأة تلتمس كلما وجدت صبيا ألصقته إلى بطنها وأرضعته_ فإذا امرأة تلتمس_ : تفتش عن الأطفال ,كلما وجدت صبيا ألصقته إلى بطنها وأرضعته,_ فقال النبي عليه الصلاة و السلام: أترون هذه طارحةً و لدها في النار و هي قادرة على ألاتطرحَه ؟ قالوا : لا والله يار سول الله , قال صلى الله عليه وسلم : فالله أرحم بعباده من هذه بولدها.
و قال عليه الصلاة و السلام: لو يعلم المسلم ما عندالله من العقوبة , ما طمع في رحمته أحد , و لو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة , ما قنط من رحمته أحد .
بما تنال رحمة الله؟؟؟
تنال رحمة الله بأمور :
أولاً : رحمة الناس كما قال صلى الله عليه وسلم ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) متفق عليه .
ثانياً : المحسنين . قال تعالى ( إن رحمت الله قريب من المحسنين ) .
ثالثاً : طاعة الله ورسوله . قال تعالى ( وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمـون ) .
رابعاً : السماحة في البيع والشراء . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى . رواه البخاري .
خامساً :عيادة المريض . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من عادمريضاً خاض في الرحمة .
سادساً :قيام الليل وإيقاظ الأهل.
قال رسول الله: رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء.
سابعاً :الحلق في النسك.قال رسول الله : اللهم ارحم المحلقين ثلاثاً.
ثامناً :مجالس الذكر.قال رسول الله : ( لا يقعدقوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة .... ) . رواه مسلم
تاسعاً : الجلوس في المسجد.قال رسول الله: إن الملائكة تستغفر للمصلي مادام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه .
عاشراً : سماع حديث الرسول وتبليغه .قال رسول الله : رحم الله من سمع مني حديثاً فبلغه كماسمعه ،فرب مبلغ أوعى من سامع . رواه ابن حبان.

وإلى هنا نكتفي بهذا القدر , سائلين الله العظيم ,رب العرش العظيم , أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, ونور صدورنا, وجلاء أحزاننا , وذهاب همومنا وغمومنا . اللهم ذكِّرنا منه ما نُسِّينا , وعلِّمنا منه ما جهلنا, وشفِّعه فينا, واجعله حجة لنا لا علينا, وارزقنا تلاوته آناء الليل , وأطراف النهار لعلك ترضى عنا .
والحمد لله ربِّ العالمين ,وصلى الله وسلم وبارك على نبينامحمد , وعلى آله وصحبه أجمعين
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ان لااله إلاأنت نستغفرك ونتوب اليك

جااابرة
01-24-2010, 11:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حبيبتي أم أيمن الغالية
أحبك في الله كثيراً
وأسأل الله أن يبارك لك أكثر وأكثر في عمرك وأيامك وأوقاتك
فإنك قدوة حسنة لي
وسلمت يمناكِ على هذه الكلمات العطرة المباركة

أم أيمن
01-24-2010, 11:56 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أشكر لك مرورك الطيب أختي الغالية ودعاؤك المبارك ولك بالمثل وزيادة
وأحبك الله الذي أحببتيني فيه
أسأل الله أن يرزقنا الأخلاص في القول والعمل والقبول

بارك الله فيك