المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم عرفة.. واشوقاه!!


الشمعة المتفائلة
11-17-2009, 05:07 PM
يوم عرفة.. واشوقاه!!


بقلم: إسماعيل حامد

واشوقاه
"اطلبوا الخير دهركم كله وتعرَّضوا لنفحات رحمة ربكم؛ فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده".. إنه التوجيه النبوي والتربية المحمدية للأمة، على كيفية استغلال المناسبات والأيام المباركات والتعرُّض لنفحات الله ورضوانه، والاستفادة منها في تحقيق التزكية والتربية الراشدة للفرد والبيت والمجتمع.


وها هي نفحات الله في موسم الخير تطلُّ علينا من جديد، في خير يوم طلعت عليه الشمس، في يوم موعود ومشهود ومجيد، إنه يوم عرفة، ذلكم اليومُ العظيمُ، الذي يُعدُّ من مفاخر الإسلام؛ فإنه أفضل أيام الدنيا على الإطلاق، بساعاته ودقائقه وثوانيه، وهو أحب الأيام إلى الله تعالى، إنه اليوم المعروف بالفضل وكثرة الأجر، إنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، ويوم العتق من النار، ويوم المُباهاة، واليوم الذي تجاب فيه الدعوات، وتقال العثرات، وهو يومُ عيدٍ للمؤمنين، ويومُ إكمال الدين، وإتمام النعمة على هذه الأمة.


إنه اليومُ الأغرُّ الذي مع أول شعاعٍ له إلى غروب ليلته تتقلَّب أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- على موائد كَرَمِ ربها، تستمتع بنهاره في طاعة الله عز وجل، فيُطلِعُهم الله فيه على بعض مظاهر عفوِه وسعةِ رحمتِه، فواشوقاه واشوقاه!! واشوقاه!!.


اليوم الأغر


- أفضل أيام العمر وأفضل أيام السنة على الإطلاق؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: "كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم".قال الحاكم : هذا من المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


- أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-: "خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة"، وفيه قال ابنُ عبد البر: "في الحديث من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليلٌ على فضل يوم عرفة على غيره، وفي الحديث أيضًا دليلٌ على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب".


- أفضل الذكر ذكر يوم عرفة "وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".


- أفضل الصوم صوم يوم عرفة، سُئلَ الحبيب عن صومه فقال: "يكفِّر السنة الماضية والسنة القابلة".


- أفضل أيام الحج يوم عرفة؛ فهو يوم الحج الأعظم، قال- صلى الله عليه وسلم-: "الحج عرفة".


- أفضل العتق عتق يوم عرفة "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ"، وقد ذكر ابنُ رجب في (اللطائف): "أن العتقَ من النار في هذا اليوم عام لجميع المسلمين".


مدرسة تربوية

يمثل يوم عرفة أروعَ مدرسة للتربية الإيمانية والروحية، التي يمكن أن يستفيد منها المسلم، ويستغلّها الاستغلال الأمثل للارتقاء بنفسه إيمانيًّا وتربويًّا ودعويًّا وحركيًّا، وهو مدرسة تربوية متكاملة، تضم:

1- تربية اغتنام الفرص.. فهو يوم لا يأتي إلا مرةً واحدةً في العمر، والمسلم مطالب باغتنامه في الطاعات والقربات؛ لما فيه من فرص التقرب إلى الله تعالى، وتزكية النفس، وتنميتها بما يرفع من معنوياته، ويعينه على مواجهة الحياة، ووصية ابن رجب الحنبلي واضحة "الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة، فما منها عوض ولا لها قيمة، والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل".


2- تربية التفاعل.. فهو يوم للتفاعل الإيجابي، الذي يمكِّن المسلم من تغيير نمط حياته، وكسر الروتين الذي اعتاد عليه، يوم يتفاعل فيه المسلم مع وقفة الحجيج بعرفات، فيستلهم منهم الخضوع والاستكانة والذلّ بين يدي مولاه، وشدة الإقبال والإلحاح عليه في الدعاء.


3- تربية التواصل.. فهو يوم تتحقَّق فيه استمرارية المسلم في العبادة وتواصله طيلة حياته مع خالقه سبحانه وتعالى، من خلال أنواع العبادات والطاعات المختلفة؛ فإن تعاقب الأيام المباركات تحقِّق تربيةً تواصليةً في النفس، وتؤكد أن حياة الإنسان المسلم كلها طاعةٌ لله؛ ليظل الفرد على صلةٍ دائمةٍ بخالقه.


4- تربية الشمول.. فهو يوم تتجلَّى فيه شموليةُ العمل الصالح المتقرَّب به إلى الله عز وجل، وفي هذا تربيةٌ على الإكثار من الأعمال الصالحة ما بين (ذكر ودعاء واستغفار وصلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة تامة)، كما أن تعدُّدَ العبادات وتنوُّعَها يغذِّي جميعَ جوانب النموِّ داخل النفس البشرية (الروح والعقل والجسد).


5- تربية التنافس.. ففيه يُفتح باب التنافس في الطاعات، ويتسابق الناس على فعل الخير، من العبادات المفروضة، والطاعات المطلوبة، من حجٍ وعمرةٍ، وصلاةٍ وصيامٍ، وصدقةٍ وذكرٍ ودعاءٍ.. إلخ، وفي ذلك توجيهٌ تربويٌّ لإطلاق استعدادات الفرد وطاقاته لبلوغ غاية ما يصبو إليه من الفوائد والمنافع والغايات الأُخروية المُتمثِّلة في الفوز بالجنة، والنجاة من النار.


6- تربية المجاهدة.. ففي يوم عرفة تتحقَّق المجاهدة بأروع صورها، حين يغالبُ المسلم نفسه ويحمِلُها على صنوف الطاعات كلها في آنٍ واحدٍ؛ فتتحقَّق له مجاهدةٌ رائعةٌ، وكسرٌ لشهواتِ النفسِ على أهمية إحياء مختلف السُنن والشعائر الدينية المختلفة طيلة حياته، لا سيما أن باب العمل الصالح مفتوحٌ لا يُغلَق، منذ أن يولد الإنسان وحتى يموت؛ انطلاقًا من توجيهات النبوَّة التي حثَّت على ذلك ودعت إليه، ليس هذا فحسب فيوم عرفة زاخرٌ بكثيرٍ من الدروس والمعاني والمفاهيم التربوية، التي لا تُحصَى ولا تُعَدّ.


إذا تبين لك كلُّ هذا، فحريٌّ بك أن تَخُصَّ يومَ عرفة بمزيد عناية واهتمامٍ، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة، وأن تُكثِرَ من أوجه الخير وأنواع الطاعات، بما يؤهِّلُك لرضا الله ورحمته؛ لذلك.. إليك أخي الحبيب برنامجًا نحسبه أهلاً لنَيل مغفرة الله عز وجل ورضوانه في هذا اليوم الأغر:


أعمال يوم عرفة

من (3- 5 ص): استيقاظ ووضوء وتنسُّم عبير السحر، قراءة في الرقائق، صلاة التهجُّد؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾ (الإسراء: من الآية 79) أربع ركعات على الأقل، ورد ذكر (تسبيح/ تحميد/ تهليل/ تكبير/ حوقلة/ صلاة على النبي/....)، تناول وجبة السحور؛ فإن في السحور بركة، وصلاة الوتر مع الدعاء لك ولأهل بيتك وللإسلام والمسلمين ولدعوة الله والقائمين عليها، وللمعتقلين، ولمن سألك الدعاء وأصحاب الحاجة من إخوانك.


من (5- 7 ص) الذهاب إلى المسجد، والاستغفار في هذا الوقت أفضل من الصلاة لقوله تعالى ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِيْنَ بِالأسْحَارِ﴾ (آل عمران: من الآية 17) حتى يؤذَّن لصلاة الفجر، فتؤدي الصلاة، والبقاء بالمسجد حتى الشروق، أذكار الصباح، ثم تلاوة الورد القرآني حتى تشرق الشمس، ثم صلاة ركعتين؛ لعل الله أن يرزقك أجْرَ حجةٍ وعمرة تامة تامة.
من (7- 10 ص) راحة تعينك على طاعة الله بقية اليوم.


من (10- 11.45 ظهرًا) الاستيقاظ وصلاة أربع ركعات ضحى، ومشاهدة وقفة الحجيج في رحاب عرفات من التليفزيون، وسماع خطبة عرفة من المشاعر المقدَّسة، مع الإكثار من الذكر والتلبية مع الملبِّين.


من (11.45- 2.30 ظهرًا) صلاة الظهر، مع الاستزادة من السنة القبلية والبعدية، واجعل شعار هذه الفترة "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه"، فتقرب إلى الله بصلاة أربع ركعات، ثم تلاوة جزء من القرآن، وقضاء حوائج المسلمين، والمشاركة في العمل الدعوي المنوط بك.


من (2.30- 6 مساءً) أداء أربع ركعات قبل صلاة العصر، ثم صلاة العصر، ثم ورد ذكر، لحظات الوداع لهذا اليوم، فأسكب العبرات وأنت تشاهد نفرة الحجيج من عرفات، وليكن همُّك الإلحاح في الدعاء أن يعتقَكَ الله في هذا اليوم من النار، ثم اختم بأذكار المساء وصلاة المغرب والإفطار، ودعاء أن يتقبل الله منك، يقول الإمام النووي: "فهذا اليوم أفضل أيام السنة للدعاء، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسْعَهُ في الذكر والدعاء وقراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه ويذكر في كل مكان، ويدعو منفردًا، ومع جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه وسائر من أحسن إليه وجميع المسلمين، وليحذر كلَّ الحذَر من التقصير في ذلك كله، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره".


أخي الفاضل..

إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بالزوجة والذرية، فلا تنسَ أن تُشرِكَهم معك في هذا البرنامج الرباني.

إذا كنت ممن أنعم الله عليهم بصحبة صالحة فتعاهد معهم على تنفيذ هذا البرنامج، وذكِّروا به بعضَكم بعضًا، وإن سنحت لكم الفرصة لتنفيذه معًا في مسجد فهو الخير كله.

اعمل على نشر هذا الخير في المحيط الذي تحياه من أهلك وإخوانك وجيرانك وأحبابك.
اجتهد في هذا اليوم أن تكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، ولا تنسَ اغتنام ساعات الدعاء المُجَابة طوال اليوم.

أفرغ نفسك هذا اليوم من كل شواغلك، ما لم تكن ملتزمًا بعمل دعوي، فهو يوم سعدك.
كن على وضوء دائمًا طوال يومك، وأحدث لكل وضوء صلاة ركعتين.

لا تنسَ مع كل عمل (استحضار النية والإخلاص- استشعار معية الله- تجديد التوبة- خشوع القلب).
لا تنسَ التكبير من مغرب يوم عرفة وحتى عصر ثالث أيام التشريق.
اعقد العزم على أن تُحدِثَ عملاً صالحًا (خبيئة بينك وبين ربك) في هذا اليوم.
احرص على تهنئة الأهل والجيران بالعيد، ولا تنسَ القيام بواجب الدعوة والنصح لهم.

أخي الفاضل..
هي لحظات قصيرة، وسويعات قليلة، وثوانٍ معدودة، وترتحل من بين أيدينا، فاجعل من هذا اليوم ميلادَ فجرٍ جديدٍ في حياتك، وسيرك إلى الله تعالى، فلنتعرَّض لها، فأقبل على هذا الخير الكبير، واعمل فيه وبه، واغتنم ساعةً بساعة، وتذوَّق معنا حلاوة الإيمان، وجدِّد عبيرَها في نفسك تكن من الغانمين، وليكن مع بزوغ فجر يوم عرفة بزوغٌ آخر للنور في قلبك وللاستقامة على الدرب، وللالتزام بمنهج الله، ولإحياء الربانية في نفسك ومن معك، وحرِّك معاني الشوق في مكامن روحك، واغرس شجرةَ شحْذِ الهمم والشوق للمعالي لعلك تفتح بابه، فتنال سعادةً لا شقاء بعدها، ومغفرةً لا يؤرِّقُها ذنب؛ فالغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذا اليوم العظيم، فما منها عوض ولا لها قيمة، وقدِّم دموع الندم واستغفار السحر، والحق بالقافلة، واطرق أبواب الجنة، وبادر وسارع وسابق.. فما زال في قلبك أمل، وربك الرحيم يغفر الزلل، والجنة تدعوك بلا ملل، فهل آن أن تتعرض لنفحات رحمة الله؟!