المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خوارم المروءة


طالب النجاة
08-06-2009, 01:56 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مسألة تربوية (http://www.toislam.net/files.asp?order=2&num=1258&kkk=)
خوارم المروءة
راشد بن عبدالرحمن البداح

إن المروءة كلمة لها مدلولها الكبير الواسع، فهي تدخل في الأخلاق والعادات، بل في الأحكام والعبادات.
ويُقصد بها كمال الرجولة خلُقاً ودين، مع مراعاة العادات والأعراف التي لا تُعارِض الشرع.
ومن أحسن ما عُرِّفت به قولهم: (المروءة كمال النفس بصَونها عما يوجب ذمَّها عُرف، ولو مباحاً في ظاهر الحال.
ولقد أُثِرت كلمات قالها أفضل القرون تدل على عظم اعتنائهم واحتفائهم بالمروءة فمنه:
1- قول عمر - رضي الله عنه -: (من مروءة الرجل نقاء ثوبه، والمروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة).
2- قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (لا تمازح السفهاء فتسقط كرامتك ولا اللئام فتذهب مروءتك).
3- قول ابن عمر -رضي الله عنهما-: (نحن معشر قريش نعد العفاف وإصلاح المال من المروءة).
4- قول عمر بن عثمان المكي -رحمه الله-: (المروءة التغافل عن زلل الإخوان).
وأما الشعراء والأدباء فأقوالهم حافلة، فمن ذلك قولهم:
1-
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً * فمطلبها كهلاً عليه شديد


2-
من فارق الصبر والمروءة * أمكَنَ من نفسه iiعدوِّه


3-
كفى حَزَناً أن المروءة iiضُيِّعت * وأن ذوي الألباب في الناس ضُيَّعُ


وهذه المروءة مع مالها من هذا الشرف الرضيّ والمكان العليّ؛ إلا أن خلائق كثيرين لم يرعوها حق رعايته، فقدحوا في جمالها وخرموا جلالها ونقصوا كماله.
وسبب هذه الخوارم والقوادح في المروءة:
1/ إما خبل في العقل.
2/ أو نقصان في الدين.
3/ أو قلة حياء وخلق.
وفيما يلي سأذكر نماذج من خوارم المروءة التي يقع فيها من قلَّ عقله أو أو دينه أو خلقه، لكن قبل أن أفيض بذِكرها أحب أن أنوِّه أن من الخوارم ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو منافٍ للأدب والحشمة وإن لم يكن مخالفاً للشرع، والقارئ الفطن حسب معرفته يصنف ما سيأتي على هذا النمط ؛ فإما حرام أو مكروه أو لا يليق وإن لم يكن حرام؛ وهذا الأخير بابه واسع لا يتقيد بقيد، وهو بحسب تقوى الرجل.
ولذا قال ابن القيم - رحمه الله -: (إن من صعد إلى درجة الورع يترك كثيراً مما لا بأس به من المباح، إتقاءً على صيانته، وخوفاً عليها أن يتكدر صفوه، ويطفأ نوره) وقال: (قال لي يوماً شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه- في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة).
والآن حان الشروع في ذكر بعض خوارم المروءة التي بُلي بها بعض أهل الزمان، وإن لم يشعروا بها من أهل الصلاح والأدب؛ فمنها:
1/ الأكل في الطريق أو الأسواق والناس ينظرون إليه:
وقد عدّه الفقهاء من الخوارم إذا كان بمرأى الناس، أما إذا أكل في السوق وهو خالٍ من الناس أو كان مُستَتِراً فليس بمُخِلٍّ.
ومن الطرائف في هذا أن الأصمعي الإمام في اللغة: كان ينكر من يقول (زوجة) للمرأة، ويقول: (زوج) لقوله - تعالى -: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) فقيل له: إنها وردت في شعر ذي الرمّة حينما قال:
أذو زوجة بالمِصر أم ذو خصومة * أراك لها في البصرة اليوم iiثاويا


فقال: ليس ذو الرمة بحجة؛ إذ طالما أكل البقل والملح في حوانيت البقالين!!
2/ جعْل النفس مَسْخرة؛ بحيث يُضحِك في كلامه أو لباسه:
ويدخل فيه تقليد الناس بأفعالهم وأصواتهم، قال شيخ الإسلام: (وتحرم محاكاة الناس للضحك، ويعزَّر هو ومن يأمره؛ لأنه أذى).
كما أن فيه استخفافاً بالناس وازدراءً لهم لا يخلو من العجب والكبر والاحتقار المنهي عنه! وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) وهذا بخلاف الضحك والتبسم المعتاد أو إدخال السرور على أخيك المسلم؛ فإنه سنة وصدقة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بَدَتْ نواجذه) رواه مسلم.
قال النووي غير هذا الحديث (3/40): (وفي هذا جواز الضحك، وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن، ولا يُسقِط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال).
وأما القهقهة وهي الضحك بملء فيه مع الصوت البيَّن فإنها ولاشك من خوارم المروءة.
3/ الادهان عند العطار دون أن ينوي الشراء:
ومثله تذوق الأطعمة أو الفواكه والخضروات عند الباعة، وفي نيته أن لا يريد الشراء.
4/ التجشؤ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيل:
ولما تجشأ رجل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (كفَّ عنا جشاءك؛ فإن أكثرهم شِبَعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة) ويزيد الأمر سوءاً إذا كان في داخل الصلاة.
5/ البول على قارعة الطريق المسلوكه، وفي الأماكن العامة:
وهذا إلى جانب دناءته فهو مؤدٍ إلى كشف العورات، وإيذاء المشاة بأرجلهم وأنوفهم.
وهذه الخارمة السيئة يفعلها أهل البادية ممن لا خلاق لهم.
6/ التصريح بأقوال لم ينطق الشرع بها إلا بالكناية بلا حاجة:
وهذا فيما يستحيا من ذكره؛ فقد سمى الله في القرآن جماع الرجل زوجته بالمساس والملامسة والإتيان والمباشرة، وسمى ما يخرج من الدبر: بالغائط.
وأما عند الحاجة كالقاضي فله التصريح، ويدل عليه حديث رجم ماعز الأسلمي -رضي الله عنه- لما زنى.
وأما ما عدا ذلك مما لا حاجة له أو مع غير الزوجة فهو من خوارم المروءات.
ومن جميل ما أُثِرَ عن الأحنف بن قيس: (جنِّبوا مجالسنا ذِكْر النساء والطعام ؛ إني أبغض الرجل يكون وصَّافاً لفرجه وبطنه).
7/ تكتيف اليدين على الدُّبُر:
وهذا يفعله كثير من الوافدين على وجه أخص.قال الشيخ حمود التو يجري- رحمه الله تعالى- في كتابه الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين: (وهذا الفعل السخيف من أفعال الإفرنج، وأضرابهم من أعداء الله - تعالى -..) ثم قال (إنه فعل مستقبح عند ذوي المروءات والشِّيَم، وكيف لا يكون ذلك قبيحاً بالرجل أن يضع يديه على دبره، ثم يمشي بين الناس وهو على هذا الوضع المستهجن المزري بالصبيان الصغار، فضلاً عن الرجال الكبار..) ! قلت: ومثله وقريب منه في القبح، إن لم يكن أشد: وضع اليدين على القُبُل، أو العبث به؛ فإن كان أمام الناس فأَطَمُّ!!
8/ ترك الوتر:
قال الإمام أحمد: (من ترك الوتر عمداً؛ فهو رجل سوء، ولا ينبغي أن تُقْبل له شهادة).
وقال الشافعي عن الوتر وركعتي الفجر: (ولا أرخِّص لمسلم في ترك واحدةٍ منه، وإن لم أُوْجِبْهم.ومَن ترك واحدة منهما أسوأ حالاً ممن ترك جميع النوافل).
9/ الرطانة بالأعجمية بلا حاجة:
قال عمر - رضي الله عنه -: (ما تكلم الرجل الفارسية إلا خبَّ، ولا خبَّ إلا نقصت مروءته).
قال شيخ الإسلام بن تيمية: (وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية- التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن- حتى يصير ذلك عادة للمرء وأهله أو لأهل الدار، وللرجل مع صاحبه ؛ فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم).
10/ الشرب من سقاية أهل البيت بلا ضيافة، أو السوق بلا غلبة جوع وعطش:
ولذا قال الشافعي: (والله لو أعلم أن الماء البارد يثلم مروءتي ما شربتُ إلا حارّ) وفي رواية قال: (ما شربته، ولو كنتُ اليوم ممن يقول الشعر لرثَيْت المروءة)
11/ كثرة الالتفات في الطريق:
ويدخل فيه سرعة المشي فلقد قيل إنها تُذْهِب بهاء المؤمن!
ويدخل ضمن: ما يسمى بـ (حب الاستطلاع)!! وهذا تجده ظاهراً عند وقوع حريق أو حادث أو تنازع بين اثنين.
12/ المشي أمام الناس مكشوف الرأس:
ومنه كشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه كصدره وظهره وبطنه وركبته، ومثله لبس ما يسمى بالبنطال أو اللباس الرياضي، والمصيبة: الصلاة فيه مع أنه يحجِّم العورة.
واعلم أن للِّباس والحشمة أثراً كبيراً في احترام الناس لك، وخصوصاً في مكان لا تُعرف فيه.
ولذا لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - مشى أو صلى أو خطب حاسراً رأسه! ولأجل ذلك: جرى كلام لبعض الفقهاء في كراهة كشف الرأس أثناء الصلاة.
وبغَضِّ النظر عن صحة هذا القول من عدمها ؛ يكفي أنه من العادات التي جرى عليها كثير من المجتمعات المحافظة، وتعارفوا على استحسانه.
علماً أن هذه المسألة - أيضاً - خاضعة للعُرْف ؛ فتجد مجتمعات تعارفوا على كشف الرأس، فحينئذ لا يُعاب ذلك عندهم ولا فعله بينهم.
13/ اللعب بالحَمَام:
قالو: (لأن الغالب فيه الاجتماع مع الأراذل، وهو فعل يستخف به ويتضمن أذى للجيران وإشرافه) حتى لقد قال ابن قدامة بعدم قبول شهادة اللاعب بالحمام يطيرِّه.
وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يتبع حمامةً فقال: (شيطان يتبع شيطانه) رواه أبو داود وغيره بسند حسن.
والمصيبة أن بعض الفساق استغلَّها في تصيُّد المُرْدان والصبيان لمراودتهم عن أنفسهم!!
14/ مَدُّ الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا عذر:
حتى إنه ليقع ممن أوتي صحة وشباباً! ويفعله بحضرة من هو أكبر منه عمراً أو علماً!
ويزداد ذلك قبحاً إذا مدَّها أمام المصاحف كما يفعله الجهال في المساجد لاسيما يوم الجمعة، مع أن باستطاعته أن ينحِّي رجله أو المصاحف!!
15/ نتف اللحية والإبط، أو الأنف عند الناس:
فالأول قد يكون محرماً مع ما فيه من السخف والعبث، وأما الآخر ففيه دناءة لا تخفى، وتَقزُّزٍ من الناس ظاهر.
16/ النوم بعد الفجر:
ولقد قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لابنه لمارآه نائماً نومة الصبحة: قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟
ونومة الصبحة إنما كانت تمنع الرزق، وتحرم البركة ؛ لأن الأرزاق والبركات تكون في أول النهار، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم بارك لأمتي في بكوره) رواه أحمد وأهل السنن.
ولما سئل أحدهم عن المروءة؛ ذكر منه: لزوم المسجد إلى أن تطلع الشمس.
ولو لم يكن من فوائد هذه الخصلة إلا البقاء في المسجد لكفى به.
ومن أضرار النوم بعد الفجر: أن وقتك لا ينتظم عليك باقي النهار، ولذا قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: (يومك مثل جملك إذا قُدْتَ أوله انقاد لك باقيه).
وهذه النقيصة قد عمت الصالح والطالح بسبب السهر، حتى من الدعاة والصالحين، والله المستعان.
3 / 5 / 1425 هـ