المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار أدبي شيق وممتع حول قلب اللوز، والزلابية، والقهوة الزنجية.


أبو أنس الأنصاري
06-09-2009, 09:33 AM
هذا حوار رائع وممتع بين الشيخ أبو يزيد المدني والأخ الفاضل أبو وائل حسان حول قلب اللوز, والزلابية, والقهوة الزنجية. أبدع فيه كلا الطرفين وساقا العديد من الفوائد والنوادر والدرر ..أترككم مع الحوار



أبو وائل حسان شعبان

((إلى عشّاق القهوة))


إليكم هذه الدرر:


عليك بشرب البنّ في كل حالة *** ففي البنّ للشرّاب خمس فوائد
نشاط وتهضيم وتحليل بلغم *** وتطييب أنفاس وعون لعابد

والمثل الغربي يقول:

une tasse de cafe par jour sa fait du bon sante


اعذرني يا إخوان عهدي بهذه اللغة بعيد جدا فإن أصبت فالحمد لله وإن كانت الأخرى فأمروها كما جاءت، ومن صحح فهو خير له( ابتسامة )


أبو يزيد المدني



جزاك الله خيرا أخي حسّان, فقد هيجت ما كان ساكناً, وبعثت من كان في الرمس نائماً.
فاجتمعت في القلب لوعتان, لوعة للقهوة السوداء التي أغرمنا بها زمناً, ثم حرمنا منها أزماناً يوم قدمنا طيبة الطيبة, فصرنا لا نجد إلا قهوة شهباء مرّ مذاقها, صعب مراسها.
وكنا ولا زلنا نفرح بالوفود, ونسأل منه من يجود بقهوة زنجية, فإن السود في القهوة محمود, والشهب فيها مذموم.

وهذا رجاء من أخيكم لكل وافد ومعتمر ألا ينسانا من القهوة السوداء, فإني في القهوة على مذهب القائل:

لا أشتهي الأبيض المنفوخ من سمن......وإنما أشتهي السمر المهازيل.

وأما اللوعة الثانية: فهي لوعة لعهد تليد قد مضى أيام كنا بالجنوب, ننهل من المتون, ولم تكن لنا حينها سلوى ولا استراحة إلا مع الأشعار.
فكنا نلعب لعبة كنا نسميها لعبة القوافي, حيث تعقد الدائرة ويتوسطها أشعرنا, ثم يبتدئ البيت الأول على أن يأتي من يليه ببيت يبدأ بحرف قافية الأول, ومن عجز يطرد, إلا أن ينفرد الحافظ الشاعر.

وهذه ملح من الشعر أهديها للشيخ حسّان أولاً, ولأهل المنتدى ثانياً عن القهوة والبنّ.

يقول كاظم الأزدي في مدح القهوة السوداء, وذمّ القهوة الشهباء:
هي القهوة السوداء فانعم بشربها......ودع عنك شمطاء طوتها دهورها
فإن بياض العين للعين ظلمة...... وإن سواد العين للعين نورها

وقال ابن معصوم -في وصف القهوة حال يقظته من منامه-:
تعالي فأحييني بفنجانِ قهوةِ......إذا الصبحُ حيّا من نوافذِ غرفةِ
وأيقظني الدِّيكُ الفخورُ بفيقهِ...... فقمتُ نشيطاً بعد أطيب هَجعة
فللجسمِ بعد النومِ عزمٌ وقوةٌ......وللنفسِ آمالٌ بعودِ الأشعَّة
ونفحتُها للقلبِ ألطفُ نفحةٍ......وحمرتُها للعينِ أجملُ حمرة
ضَعي فوقها المقهاةَ حتى إذا غَلت......ضَعي البنَّ وائتينا بأطيَب قهوة
كزنجيَّةٍ بعد العبوسِ تبسَّمَت......وغَنَّت وقد حنَّت بوحشيِّ لهجة
وصفِّي الفناجينَ اللطيفةَ واسكُبي...... لِننشَقَ ريحَ المسكِ من غيرِ فأرة

وقال محمد جواد البغدادي, في مدح القهوة الشهباء (الحجازية) وهي تؤخذ بدون سكر, ولكن تكسر حدتها بالتمر, ولذلك قال شيخنا العلامة المحدّث حمّاد الأنصاري رحمه الله, قهوة بلا قدوع ( والقدوع هو التمر عند الحجازيين) مثل صلاة بلا خشوع:

أرى البنّ قد رام اجتماعاً بسكّر......وهيهات ما الضدّان يتّفقان
فقلنا له كيف السبيل وقد غدا...... رفيقك قيسياً وأنت يماني


الأخ الفاضل أبو وائل حسان

بدأ يحلو معك يا شيخ سليم السمر

القهوة في الأصل تطلق على الخمر، وعلى هذا وردت أشعارهم، ولعلّ إنما سميت قهوتنا الزنجية ـــ كما يحلو للشيخ سليم أن يسمّيها ـــ باسم الخمر، بجامع ما تحققه من نشوة، ولكونها كانت في الأصل شراب الأثرياء، فالفقير يحتاج إلى ما يملي بطنه، لا إلى ما يشعل عقله

قال ابن قنيبة في أدب الكتاب( قيل في ضبطه الكُتَّاب، والكِتَاب):

( والقَهْوَةُ ) الخمر سُمِّيَت بذلك لأنها تُقْهِي أي : تَذْهَبُ بشهوة الطعام

قال الكسائي : يقال قد أَقْهَى الرَّجُلُ إذا قَلَّ طُعْمُهُ.اهـ (ص139)

وفي نهاية الأرب في فنون الأدب:

وقيل: سميت خمراً لأنها تخامر العقول فتخلطها.

وقالوا: لأنها تخمر في الإناء، أي تغطى وهي مؤنثة.

ويقال لها: القهوة، لأنها تقهى عن الطعام والشراب،

يقال: أقهى عن الطعام وأقهم عنه إذا لم يشتهه. (ص 418)

وفي القاموس:

و القَهْوَةُ الخَمْرُ، والشَّبْعَةُ المُحْكَمَةُ، واللبنُ المَحْضُ، كالقِهَةِ، كعِدَةٍ، والرائِحةُ. والقَهْوانُ التَّيْسُ الضَّخْمُ القَرْنَيْنِ المُسِنُّ. وأقْهَى دامَ على شُرْبِ القَهْوَةِ.(3/467)

وأما كونها شراب الأغنياء، ففي تهذيب اللغة للأزهري أن القهوة من الرفاهية، وهذا لاشك فيه، فالأصل أن القهوة شراب زائد عن الضروريات والحاجيات، فهو من التحسينيات.

فقد قال الأزهري: وقال الليث: القاهِيُّ: الرجلُ المُخْصَب في رَحْله، وإنه لفي عيشٍ قاهٍ: أي رَفِيهٍ بين القُهُوَّة والقَهْوَةِ . (2/346).

وممّا قالوه فيها على أنها خمر:

وقهوة من فم الإبريق صافية ... كدمع مفجوعة بالإلف مِعْبار

كأن إبريقنا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتا بمنقار


وقال أحدهم:

وليلةٍ بتُّ في ظلماتها طرباً ... يسعى إلي بشمس القهوة القمرُ
سهرتها سهراً من طيب لذته ... وددت لو أن عمري كله سهر

ُوقال التنيسي:

واسفك دم القهوة الصهباء تحي به ... روحي فإن دم الصهباء مطلول

يا خائف الإثم فيها حين تشربها ... لا تقنطن فعفو الله مأمول

قم فاسقني النض مما حرموه ولا ... تعرض لما كثرت فيه الأقاويل

من قهوة عتقت في دنها حقبا ... كأنها في سواد الليل قنديل

عروس كرم أتت تختال في حلل ... صفر على رأسها للمزح إكليل

قرى الضيف(1/451)

وممن ابتلي بشربها من الخلفاء:

الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ذهب به الشراب كل مذهب، حتى خلع وقتل، وله في ذلك حكايات وأشعار. منها:

أنه سمع بشراعة بن الزندبوذ الكوفي، وكان من أهل البطالة المشهورين باللعب وإدمان الشراب، فاستدعاه بالكوفة إلى دمشق فحمل إليه فلما دخل عليه قال له:
يا شراعة ما أرسلت إليك لأسألك عن كتاب الله ولا سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)
قال: لو سألتني عنهما لوجدتني فيهما حماراً،
قال: وإنما أرسلت إليك لأسألك عن القهوة،
قال: أنا دهقانها الخبير، ولقمانها الحكيم، وطبيبها الماهر،
قال: فأخبرني عن الشراب
قال: سل عما بدا لك
قال: ما تقول في الماء قال: لا بد منه، والحمار شريكي فيه.
قال: فاللبن؟ قال: ما رأيته إلا استحييت من طول ما أرضعتني أمي به،
قال: فالسويق؟ قال: شراب الحزين والمستعجل والمريض.
قال: فشراب التمر؟ قال: سريع الامتلاء، سريع الانفشاش.
قال: فنبيذ الزبيب؟ قال: حاموا به على الشراب،
قال: فالخمر؟ قال: تلك والله صديقة روحي،
قال: وأنت والله صديق روحي،
قال: فأي المجالس أحسن؟
قال: ما شرب فيه على وجه السماء

ومن شعر الوليد:

خذوا ملككم لا ثبت الله ملككم ... ثباتاً يساوي ما حييت عقالا
دعوا لي سلمى والنبيذ وقهوة ... وكأساً، ألا حسبي بذلك مالا

((وهاهنا لغز فقهي)):


فلو سأل سائل وقال: هل من التحسينيات ما يمكن أن يرقى إلى أن يصبح من الضروريات؟

قلنا: نعم القهوة، هي في الأصل من التحسينيان، ومع الإدمان تصبح من الضرويات.

وللفائدة: الإدمان يدل على ضعف شخصية صاحبه، إذ كيف يتحكّم فيه مخلوق ضعيف كالقهوة، ومن باب أولى الدخان، وما شابه ذلك


استراحة مع القهوة(ابتسامة)

لكن هذا، لما كان شاربها يشعر بفائدة شربها، كما ذكرنا في الأبيات السابقة:

عليك بشرب البن في كلّ حالة *** ففي البن للشرّاب خمس فوائد

نشاط(1) وتهضيم(2) وتحليل بلغم(3) *** وتطيب أنفاس(4) وعون لعابد(5)

لكن بعدما صارت تخلط بالحمّص، والبوا كاسي، والعدس، والأرز ، وما قرّب إليها من حبوب و بهارات

أصبحنا نشعر من جراء شربها، بالخمول والبلادة، فكثر النائمون، وزاد في المدارس عدد الراسبون، وضاقت شوارعنا بالعطّالون البطالون.


والحذّاق من حمّاص القهوة يقولون: لقهوة شهيّة بهيّة نديّة، خذ لتحضيرها هذه الوصفة الطبية:

* 20% عربية(أربيكا)
* 80% برازيلية( تروبيكا)


محبكم
أبو وائل حسّان شعبان



أبو يزيد المدني

بارك الله فيك أخي حسّان أجدت وأفدت, فالقهوة كما ذكرت هي في الأصل تطلق على الخمر عند العرب.

قال أبو نواس في وصف القهوة الخمرية:

يا خاطِبَ القَهوَةِ الصَهباءِ يَمهُرُها......بِالرَطلِ يَأخُذُ مِنها مِلأَهُ ذَهَبا
قَصَّرتَ بِالراحِ فَاِحذَر أَن تُسَمِّعَها......فَيَحلِفَ الكَرمُ أَن لا يَحمِلَ العِنَبا
إِنّي بَذَلتُ لَها لَمّا بَصُرتُ بِها......صاعاً مِنَ الدُرِّ وَالياقوتِ ما ثُقِبا
فَاِستَوحَشَت وَبَكَت في الدَمنِ قائِلَةً...... يا أُمُّ وَيحَكِ أَخشى النارَ وَاللَهَبا
فَقُلتُ لا تَحذَريهِ عِندَنا أَبَداً...... قالَت وَلا الشَمسَ قُلتُ الحَرُّ قَد ذَهَبا
قالَت فَمَن خاطِبي هَذا فَقُلتُ أَنا......قالَت فَبَعلِيَ قُلتُ الماءُ إِن عَذُبا
قالَت لِقاحي فَقُلتُ الثَلجُ أُبرِدُهُ......قالَت فَبَيتي فَما أَستَحسِنُ الخَشَبا
قُلتُ القَنانِيَّ وَالأَقداحُ وَلَّدَها......فِرعَونُ قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي طَرَبا

ويقول الستالي أيضاً في وصفها:

يا حبَّذا متعةُ الدّنيا وملْعَبها......وحبّذا القهوة العذراء نشربها
حمْرآء في يد ساقيها معتَقة......كأنها دم خِشف حين يسْكُبَها
ترى لها في فم الابريق بارقة......ليلاً إذا ما هوى في الكوب كوْكبُها

وممن جمع القهوة بمعنييها: (الخمر, والبنّ) المفتي فتح الله, حيث يقول:

عَلَيكَ بِالقَهوَةِ السّوداءِ تَشرَبُها......وَدَع لِرَشفِ الطّلى مَولودَة العِنَبِ
كَم غابَ عَن عَقلِهِ بِالخَمرِ شارِبها......وَشارِبُ القَهوَةِ السّوداءِ لَم يَغِبِ

قلت: وهذا ما يفسر إعراض الناس عن القهوة الزنجية (أو البنّ) عند أوّل اكتشافها, بل ذهب بعض العلماء -حينها- إلى تحريمها, وفي ذلك يقول العمريطي في أرجوزة له:

الحمد لله الذي قد حرما .... على العباد كل مسكر وما.
يضر في عقل ودين أو بدن ....وما يجر للفساد والمحن.
اعلم بان القهوة المشهورة..... كريهة شديدة المرورة.

قلت: ولعلّ السبب في تحريم العلماء لها أولاً عند ظهورها, هو اشتباهها بالخمر التي كانت تسمى قهوة عند العرب, هذا من جهة, ومن جهة أخرى لعدم تبيّن نفعها للجسم, حيث اعتقد أكثرهم أنها مضرة بالأبدان.
ولكن بعد أن استقرّ أمرها, وشاع ذكرها, وتبيّن وجه منفعتها, وافتراقها عن القهوة الخمرية, زالت شبهة التحريم, وغدت من أطايب الشراب.

وقد ردّ ابن معصوم (ت: 1119 هـ) الأديب وشنّع على من حرّم القهوة الزنجية, حيث قال:

يا قائِلاً إِنَّ قشرَ البُنِّ قد حَرُما......لكونه مُفسداً عقلَ الَّذي طَعِما
إِفسادُه العقلَ مَمنوعٌ كما شَهِدَت...... به التَجاربُ فاِسأل من به عَلما
وإِن بتحريمِهِ أَفتى مكابرةً......أَبو كثيرٍ فدَعهُ والَّذي زَعَما
فَلَيسَ تحريمُه يوماً بضائِرنا......إِذ كانَ إفسادُه للعقل قد عُدِما
وَما يحلِّلُ شَيئاً أَو يحرِّمُه......إلا الَّذي خلقَ الأَشياءَ لا العُلَما

قلت: "وقوله قشر البنّ, لأنّ أهل اليمن كانوا وما زالوا يشربون قشر البنّ لا البنّ.

محبكم: ابو يزيد المدني

الأخ الفاضل أبو وائل حسان شعبان

ياشيخ سليم القهوة سلفية والزلابية بدعة محدثة.

أمّا القهوة الحجازية، وإن شئت فقل العربية، فأنا لا أشاطرك الرأي يا شيخ سليم فيها،

فو الله إنّي لمن عشاقها، خاصة النّجدية، إذا ما اكتحلت بزعفران إيراني، وتطيّبت بالهيل الأمريكي، واستوت على جمر صحراوي، فلا تسل عن تلك النكهة، وذلك المذاق، وتلك الرائحة الفوّاحة

و والله لا أعلم في حياتي أني شربت شيئا مُرّا بمحض إرادتي من غير إكراه إلا هذه القهوة العربية، وبعدها يأتي الدواء الذي يشرب بشق الأنفس..

وللنّاس فيما يعشقون مذاهب، وقد قال الشاعر الأسطورة أبو الطيب :


لا تعذل المشتاق في أشواقه * * * حتى يكون حشاك في أحشائه

((أمّا قولنا في الزلابية))


فأقول: عفا الله عنك يا شيخ سليم (ابتسامة)

أنا تكلمت على شيء سلفي( القهوة )،

لا على شيء محدث مبتدع ( الزلابية)...

فأنت ترى أنّي أوردت النثر والشعر عن سلف هذه الأمة عن القهوة وما قيل فيها في كتب المعاجم والأدب، كما أنّك فعلت ذلك أيضا.

لكن الزلابية هذا المخلوق العجيب، الذي لا يدرى أوله من آخره، بدعة محدثة في العصر الحديث، فمن جاء بها هو من يطالب بالاستدلال لها، فأنا لا علم لي بها.

اللهم إلاّ ما روّينا أن أصل خلقة هذا المخلوق بسبب غلطة لإحدى ناقصات العقل والدّين، حيث أنها كانت تريد أن تصنع كعكا(gateau)، فسقطت منها قطعة من العجين خطأ في المقلى، فيها زيت تغلي، فخرج هذا المخلوق العجيب، بسبب زلة، فقالت:

زلّة بيّ، أي: وقعت منّي زلّة، فَجَرَتْ تسميتها، بزلابية،

هكذا قيل، والله أعلم.

وإن كان أخونا عبد المؤمن حفظه الله يقول:

أنا أشعر أني أكبر وأنا آكلها.

فلذلك أنا لست من هواتها، فإن كان ولابدّ: فعليك يا شيخ سليم بزلابية بوفاريك، من باب دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر.

محبكم
أبو وائل حسّان شعبان



الشيخ أبو يزيد المدني




بارك الله فيك أخي حسّان, وإن كان الحنين إلى زلابية بوفاريك بالذات لا يبرح جوفي, واسأل الله اجتماعا قريبا بالزلابية البوفاريكية.

والعرب كان لهم ولع شديد بالزلابية, كما تشهد على ذلك اشعارهم.

قال ابن الرومي في وصف الزلاّبية (وهم صنّاع الزلابية):

ومُستقرٍّ على كرسيِّه تَعِبِ........روحي الفداءُ له من مُنْصَبٍ نَصِبِ
رأيته سحراً يقلي زلابيةً........في رقَّةِ القِشْر والتجويف كالقَصَبِ
كأنما زيتُه المَغْليُّ حين بدا........كالكيمياء التي قالوا ولم تُصَبِ
يُلقي العجينَ لُجيناً من أناملهِ........فيستحيلُ شَبابيطاً من الذهبِ

وقال الشهاب المنصوري في وصف بديع وشوق كبير للزلابية:

وما بيضاء حمراء الأهاب........منقبة تزور بلا نقاب
معراة تعوض جسمها من........ثياب الشراب أثواب الشراب
مهفهفة لها خصر رقيق........تتيه به على الخود الكعاب
تزان باعين نجل وتجلى........بحسن أنامل لدن رطاب
عجبت لها تنعم في شقاء........من الدنيا وتعذب في عذاب
لها خدر تصان به منيع........مهاب عند ذي البطش المهاب
إذا أشتقنا إليها ذات يوم........قليناها وذاك من العجاب
فنسمع من غناها كل صوت ........يداوي كل ذي قلب مصاب
إذا ما أنعشت بالوصل شيخاً........ترد إليه أيام الشباب
ومع ذا بيننا كانت حروب........ولم يك لي حسام غير ناب

حتى علماءالسلف رحمهم الله كانت لهم عناية بالزلابية وما يتعلّق بها من أحكام, فقد وجدت يوما مخطوطا بعنوان: "الاحتساب على الزلاّبية"

ومن أقوال العلماء التي ظفرت بها في كلامهم عن الزلابية, قول الإمام الشيزري في كتابه : "نهاية الرتبة الظريفة في طلب الحسبة الشريفة"في مقلي الزلابية, قال:
"الباب الثامن في الحسبة على صناع الزلابية.
ينبغي أن يكون مقلى الزلابية من النحاس الأحمر الجيد، فأول ما يحرق فيه النخالة، ثم يدلكه بورق الصلق إذا برد ، ثم يعاد إلى النار ، ويجعل فيه قليل من عسل، ويوقد عليه حتى يحترق العسل ثم يجلى بعد ذلك بمدقوق الخزف، ثم يغسل ويستعمل، فإنه ينقى من وسخه ، وزنجاره.
ويكون ثلث دقيق الزلابية ناعما وثلثاه سميدا خشكنانيا ؛ لأنه إذا كثر فيه السميد زادت الزلابية بياضا، وخفة في الوزن، ونضجا غير أن السميد يشرب من الزيت أكثر من الناعم ، فلهذا يكرهونه ، وأجود ما قليت به الشيرج، فإن لم يكن فالزيت الصافي .
ولا يشرع في قليها حتى يختمر عجنها ، وعلامة اختمارها أنها تطفو على وجه الزيت ، والفطير منها يرسب في أسفل المقلى، والمختمر أيضا يكون مثل الأنابيب، إذا جمعتها في كفك اجتمعت، والفطير تكون مرضوضة ، وليس فيها تجويف .
ولا يجعل في عجينها ملح ؛ لأنها تؤكل بالعسل ؛ فتغثى النفس إذا كانت بالملح ، وأما سواد الزلابية فقد يكون من وسخ المقلى ، وقد يكون دقيقها ناعما لا سميذ فيه ، أو تكون مقلوة بالزيت المعاد ، وهو الذي قلي به ، وربما تكون فطيرا فتسود ، وربما جارت عليها النار لسوء الصناعة ؛ فيعتبر عليهم المحتسب جميع ذلك .
وينبغي أن تصنع سلالما صغارا لطافا كل أربعين منها رطل، ومتى حمض عجينها جعله الصانع خميرا".

وأظنها لو طبخت بوصفة الشيرازي فستتفوق طعما وجمالا على الزلابية البوفاريكية, وهذه دعوة لمهرة الطباخين أن يأخذوا بوصفة الشيرازي في طهي الزلابية.

وقال المعبرون: من رأى في المنام أنه يأكل زلابية, فإنه يرزق بلهو وطرب ونجاة من المضرة.
فهنيئاً لآكل الزلابية.

محبكم: أبو يزيد المدني


الأخ الفاضل أبو وائل


أضحك الله سنّك والله ما استطعت أن أعلّق


رفعت رايتي البيضاء، بعد أن غدت الزلابية، سلفية، وكنت أظنها بدعة محدثة، لله درّك يا شيخ سليم لقد أتحفتنا بهذه التحف، وياليت الشيخ عبد الحليم يطلع على ماقيل، فيجود علينا بماتمليه قريحته،



وإليك الخط يا شيخ سليم، هل لك في قلب اللوز شيء







الشيخ أبو يزيد المدني


أواه أواه إني تذكرت والذكرى مؤرقة......أكلاً لذيذاً بأيدينا خمشناه.

أخي حسّان لقد هاجت الأشجان, بالحديث عن الزلابية, فكيف إذا كان الحديث على قلب اللوز, الذي تهف النفس إليه هفوفاً, وتحنّ له الأحشاء حنيناً.

وأما قولنا في قلب اللوز.
فهو مركب إضافي, يتبادر لك من أوّل وهلة أنّ اللوز قد احتل فيه محلّ القلب من الجسم, ولكن كما قيل في المثل: "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" وأنا أقول: "تسمع بقلب اللوز خير من أن تطعمه" فلم يعد من هذا المركب الإضافي لا قلب ولا لوز, والأحرى أن يسموه الآن: "قلب السميد", لانعدام اللوز فيه بالكليّة, وحتى المحشي منه زوراً, فاللوز فيه شامة, لا تغيث ملهوفاً, ولا تشبع نهماً.

فالحنين إلى قلب اللوز زمان, لو يعود كما كان.

ولكن هذا يجعلنا نغوص في أدب العرب, حتى نعرف مقدار شغفهم بقلب اللوز.

فاعلم أّن قلب اللوز أكلة شهيرة عند العرب, وكان لها مجانين من حبها بل وصرعى.

وقلب اللوز كان يعرف عند العرب باسم: "الفلوذَج" بفتح الذال.

قال أبو منصور الثعالبي: فالوذَج معمول بلُباب البرّ، ولُعَاب النحل، فالوذَج كأنّما اللوز فيه كواكب، درٌ في سماءِ عقيق.
فهو مركب من: ماء, ودقيق, وعسل, ولوز, يحتل اللوز فيه الثلث.

ولقد تغنى بقلب اللوز (الفالوذج) الشعراء, وهتف لطعمه الأدباء.

قال أبو طالب المأموني:

فالوذج يمنع من نيله.......ما فيه من عقد وانضاج
يسبح في لجة ياقوته......للوز حيتان من العاج
كأنما أبرز من جامه....... ثوب من اللاذ بديباج

وفي يتيمة الدهر للثعالبي, في وصف قلب اللوز:

إني اتخذت أبا علي ذا العلا....... معقودة لك ذات طعم طيب
فقد اغتدت في جامها وكأنها .......شمس على بدر أوان المغرب
وتخال فيها اللوز وهو منصف .......أنصاف در فوق صحن مذهب
فتعال نخمش وجهها بأكفنا .......غضبت علينا أو غدت لم تغضب

بل كان للسلف شغف عجيب بقلب اللوز, مثل صاحبكم, وأغرم به أقوام, وجنّ آخرون, وصرع بلذته طائفة.

ذكر الحافظ ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس, وابن عبد ربه في العقد الفريد, أنّ الرقاشي قال:
أخبرنا أبو هفان أن رقبة بن مصقلة (المحدث, ت: 129 هـ, وكان ثقة مأموناً) طرح نفسه بقرب حماد الراوية (قلت وهو: حماد بن أبى سليمان أبو إسماعيل الكوفى الفقيه, ت: 120 هـ) في المسجد، فقال له حماد: ما لك؟ قال: صريع (قلب اللوز) فالوذج. قال له حماد: عند من؟ فطالما كنت صريع سمك مملوح خبيث. قال: عند حكم في الفرقة وفصل في الجماعة. قال: وما أكلتم عنده؟ قال: أتانا بالأبيض المنضود، والملوز المعقود، والذليل الرعديد، والماضي المودود".

ومن نوادر الأعراب مع قلب اللوز, ما جاء في الكشكول لبهاء الدين العاملي.

أنّه قيل لأعرابي على مائدة لبعض الخلفاء وقد حضر فالوذج (أي: قلب اللوز) وهو يأكل منه: يا هذا إنه لا يشبع منه أحد إلا مات، فأمسك يده ساعة، ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيراً.

(وقلب اللوز أو فالوذج ) هو في المنام كلام لطيف حسن في أمر معيشته والكثير منه رزق كثير في سلطنة وبر من غنائم.
فإن رأى أنه يأكل قلب اللوز فإنه يرزق من طمع وصيد أو غنيمة مع سرور وسيادة.

فليهنأ آكل قلب اللوز يقظة ومناماً.

محبكم: أبو يزيد المدني

منةمحمود
06-10-2009, 10:55 PM
بارك الله في عمرك

أبو يوسف السلفي
12-28-2009, 11:12 PM
جزاكم الله خيرا

نصرة مسلمة
07-21-2011, 12:24 AM
حوارٌ ممتع
جزاكم الله خيرًا.