المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لتداوي والتوكل


حجابى هو عفافى
12-02-2008, 02:02 AM
التداوي والتوكل


فهرس





ترك بعض السَّلَف للتداوي وتفسيره (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm#ترك بعض السَّلَف للتداوي وتفسيره)

الأسباب الصارفة عن التداوي (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm#الأسباب الصارفة عن التداوي)






الطب والتداوي بين الصوفية والفقهاء (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm#الطب والتداوي بين الصوفية والفقهاء)

مشروعية الكيّ في السُنَّة الصحيحة (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm#مشروعية الكيّ في السُنَّة الصحيحة)













الطب والتداوي بين الصوفية والفقهاء
ومن معتركات النزاع في باب التوكل بين: قضية الطب والتداوي.
فالغالب على الصوفية الإعراض عن التداوي، وعن الرجوع إلى الأطباء، اتكالاً على الله تعالى، ورضاً بما قضاه وقدَّره.
وربما استدلوا في ذلك بحديث: (السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب)، ووصفهم بأنهم: (الذين لا يسترقون ولا يكتوون).
والاسترقاء -طلب الرقية من الغير- نوع من التداوي بالروحانيات، والاكتواء من التداوي بالماديات.
وقد ورد في حديث: (مَن اكتوى، واسترقي فقد برئ من التوكل).
وقال أحد الصحابة وهو عمران بن حصين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي، فاكتوينا، فما أفلحن ولا أنجحن (يعني الكيات)، وفي رواية للترمذي: فما أفلحنا ولا أنجحنا.
وفي الصحيحين من حدث جابر: (وإن كان في شيء من أدويتكم خير، ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي).
وفي لفظ: (وأنا أنهى أمتي عن الكي).
أما الفقهاء فهم يعارضون غلاة الصوفية في أمر التداوي وسؤال الأطباء، بناء على قاعدة الأسباب الثابتة بحكم سنن الله الكونية، وأحكامه الشرعية جميعاً، واتباعاً لما صحَّت به سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، ونطقت به سيرته، وأفصحت عنه الأدلة المحكمة الناصعة، ولهذا خصصت مصنفات الحديث المؤلَّفة على الموضوعات كتاباً خاصاً للطب. كما في الصحيحين والسنن وغيرها.
دلَّت الأحاديث المستفيضة على العناية بصحة الأجسام وقوتها، وقررت أن للبدن حقاً في الراحة إذا تعب، وفي الشبع إذا جاع، وفي الدفء إذا برد، وفي النظافة إذا اتسخ، وفي العلاج إذا مرض. ووردت أحاديث شتَّى في الطب الوقائي، وفي الطب العلاجي.
فمن الطب الوقائي الأحاديث التي أقرت سُنَّة الله في العدوى، مثل قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، ولا يعارض هذا حديث: (لا عدوى)، لأن المقصود أن الأشياء لا تعدي بذاتها، بل بمشيئة لله وتقديره. وهو الذي وضع النواميس والأسباب.
(إذا وقع (أي الطاعون) بأرضٍ وأنتم بها، فلا تخرجوا فراراً منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تدخلوها).. دلالة على وجوب الحَجْر الصحي، لمحاصرة الوباء في أضيق رقعة.
(لا يوردن مُمْرض على مُصِح).
والمصح: صاحب الإبل الصحاح السليمة، والممرض: صاحب الإبل المريضة بداء الجرب، فلا يورد إبله الجُرْب عند الشرب، فتحتك بالسليمة فتعديها، فأقرَّ سُنَّة العدوى في الحيوان، كما أقرَّها في الإنسان.
إلى غير ذلك من الأحاديث.
ومن الطب العلاجي: ما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج أمراض كثيرة معينة، وأُلِّفت فيه كتب "الطب النبوي"، وأفاض فيه ابن القيم في "زاد المعاد" حتى استغرق جزءاً كاملاً في إحدى طبعاته.
هذا إلى أحاديث كثيرة قررت مبادئ مهمة في أمر الطب والتداوي، نذكر منها:
روى مسلم في "صحيحه" عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عزَّ وجلَّ).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاء).
وفي "مسند الإمام أحمد" من حديث زياد بن علاقة، عن أُسامة ابن شريك، قال: (كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله؛ أنتداوى؟ فقال: (نعم يا عباد الله تداووا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يضع داءً إلا وضع له شفاء غير داء واحد)، قالوا: ما هو؟ قال: (الهِرم).
وفي لفظ: (إن الله لم يُنزل داءً إلا أنزل له شفاء، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله).
وفي المسند من حدث ابن مسعود يرفعه: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يُنزل داءً إلا أنزل له شفاء، علمه مَن عمله، وجهله مَن جهله).
وفي المسند والسنن عن أبي خزامة، قال: قلت: يا رسول الله؛ أرأيت رقَى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: (هي من قدر الله).
ذكر الإمام ابن القيم هذه الأحاديث في الهَدْي النبوي ثم قال: "فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال قول مَن أنكرها، ويجوز أن يكون قوله: (لكل داء دواء) على عمومه حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها، ويكون الله عزَّ وجلَّ قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طوى علمَها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلاً، لأنه لا علم للخلق إلا ما علَّمهم الله، ولهذا علَّق النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضده، وكل داء له ضد من الدواء يُعالج بضده، فعلَّق النبي صلى الله عليه وسلم البرء بموافقة الداء للدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي، نقله إلى داء آخر، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته، وكان العلاج قاصراً، ومتى لم يقع المداوى على الدواء، أو لم يقع الدواء على الداء، لم يحصل الشفاء، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء، لم ينفع، ومتى كان البدن غير قابل له، أو القوة عاجزة عن حمله، أو ثَمَّ مانع يمنع من تأثيره، لم يحصل البرء لعدم المصادفة، ومتى تمت المصادفة حصل البرء بإذن الله ولابد، وهذا أحسن المحملين في الحديث.
والثاني: أن يكون من العام المراد به الخاص، ولا سيما والداخل في اللَّفظ أضعاف أضعاف الخارج منه.
ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم، ومقاومة بعضها لبعض، ودفع بعضها ببعض، وتسليط بعضها على بعض، تبين له كمال قدرة الرب تعالى، وحكمته، وإتقانه ما صنعه، وتفرده بالربوبية، والوحدانية، والقهر، وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه، كما أنه الغني بذاته، وكل ما سواه محتاج بذاته.
وفي الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع، والعطش، والحر، والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه، من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، ولا توكله عجزاً.
وفيها رد على مَن أنكر التداوي، وقال: إن كان الشفاء قد قُدِّر، فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قد قُدِّر، فكذلك، وأيضاً، فإن المرض حصل بقدر الله، وقدر الله لا يُدفع ولا يُرد، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما أفاضل الصحابة، فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى، فقال: هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله، فما خرج شيء عن قدره، بل يرد قدره بقدره، وهذا الرد من قدره، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما، وهذا كرد قدر الجوع والعطش، والحر والبرد بأضدادها، وكرد قدر العدو بالجهاد، وكلٌ من قدر الله: الدافع والمدفوع والدفع.
ويقال لمورد هذا السؤال: هذا يوجب عليك أن لا تباشر سبباً من الأسباب التي تجلب بها منفعة، أو تدفع بها مضرَّة، لأن المنفعة والمضرة إن قُدِّرتا، لم يكن بُدٌ من وقوعهما، وإن لم تُقدَّرا لم يكن سبيل إلى وقوعهما، وفي ذلك خراب الدين والدنيا، وفساد العالَم، وهذا لا يقوله إلا دافع للحق، معاند له، فيذكر القدر ليدفع حجة المحق عليه، كالمشركين الذين قالوا: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) (الأنعام: 148)، و (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا) (النحل: 35) فهذا قالوه دفعاً لحجة الله عليهم بالرسل.
وجواب هذا السائل أن يقال: بقي قسم ثالث لم تذكره، وهو أن الله قدَّر كذا وكذا بهذا السبب، فإن أتيت بالسبب حصل المسبَّب، وإلا فلا.
فإن قال: إن كان قدَّر لي السبب، فعلته، وإن لم يُقدِّره لي لم أتمكن من فعله.
قيل: فهل تقبل هذا الاحتجاج من عبدك، وولدك، وأجيرك إذا احتج به عليك فيما أمرتَه به ونهيته عنه فخالفك؟ فإن قبلته، فلا تلم مَن عصاك، وأخذ مالك، وقذف عِرضك، وضيَّع حقوقك. وإن لم تقبله، فكيف يكون مقبولاً منك في دفع حقوق الله عليك. وقد روي في أثر إسرائيلي: أن إبراهيم الخليل قال: يا ربِّ؛ ممن الداء؟ قال: منّي، قال: فممن الدواء؟ قال: منّي. قال فما بال الطبيب؟ قال: رجل أُرسل الدواء على يديه.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (لكل داء دواء) تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواءً يزيله، تعلَّق قلبه بروح الرجاء، وبردت عنده حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سبباً لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح، قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهرت المرض ودفعته.
وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه. وأمراض الأبدان على وزن أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضاً إلا جعل له شفاءً بضده، فإن علمه صاحب الداء واستعمله، وصادف داء قلبه، أبرأه بإذن الله تعالى"
إلى الفهرس (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm)

مشروعية الكيّ في السُنَّة الصحيحة
ومن أنواع الدواء التي أجازتها السُنَّة النبوية قولاً وفعلاً: الكيّ بالنار، الذي كان معروفاً عند العرب، وقالوا فيه: "آخر الدواء الكيّ". وقد ثبتت فيه جملة أحاديث صحاح، ذكر ابن القيم رحمه الله أكثرها في "هَدْيه صلى الله عليه وسلم في قطع العروق والكي" قال: ثبت في "الصحيح" من حديث جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أُبيّ بن كعب طبيباً، فقطع له عرقاً، وكواه عليه.
ولما رُمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه وسلم ثم ورِمت، فحسمه الثانية، والحسم: هو الكيّ.
وفي طريق آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله بمشقص، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه.
وفي لفظ آخر أن رجلاً من الأنصار رُمِي في أكحله بمشقص، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فكوى.
وقال أبو عبيد: وقد أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم برجل نُعِتَ له الكيّ، فقال: (اكووه وارضفوه)، قال أبو عبيد: الرّضف: الحجارة تسخن، ثم يكمد بها.
وقال الفضل بن دكين: حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كواه في أكحله.
وفي صحيح البخاري من حديث أنس، أنه كُوِيَ من ذات الجنب والنبي صلى الله عليه وسلم حي.
وفي الترمذي، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى: سعد بن زرارة من الشوكة.
وقد تقدَّم الحديث المتفق عليه وفيه: (وما أحب أن أكتوي)، وفي لفظ آخر: (وأنا أنهى أمتي عن الكيّ).
وذكر هنا أيضاً حديث عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكيّ قال: فابتلينا، فاكتوينا فما أفلحنا، ولا أنجحنا، وفي لفظ: نهينا عن الكي، وقال: فما أفلحن ولا أنجحن.
قال ابن القيم: قال الخطابي: إنما كوى سعداً ليرقأ الدم من جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك، والكيّ مستعمل في هذا الباب، كما يُكوى مَن تُقطع يده أو رِجله.
وأما النهي عن الكيّ، فهو أن يكتوي طلباً للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو، هلك، فنهاهم عنه لأجل هذه النية.
وقيل: إنما نُهي عنه عمران بن حصين خاصة، لأنه كان به ناصور، وكان موضعه خطراً، فنهاه عن كيه، فيشبه أن يكون النهي منصرفاً إلى الموضع المخوف منه، والله أعلم.
وقال ابن قتيبة: الكيّ جنسان: كيّ الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه: لم يتوكل مَن اكتوى، لأنه يريد أن يدفع القَدَر عن نفسه.
والثاني: كيّ الجرح إذا نغِل، والعضو إذا قُطِع، ففي هذا الشفاء.
وأما إذا كان الكيّ للتداوي الذي يجوز أن ينجح، ويجوز أن لا ينجح، فإنه إلى الكراهة أقرب.. انتهى.
وثبت في "الصحيح" في حديث (السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون).
فقد تضمنت أحاديث الكيّ أربعة أنواع، أحدها: فعله، والثاني: عدم محبته له، والثالث: الثناء على من تركه، والرابع: النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى، فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه. وأما الثناء على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل. وأما النهي عنه، فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفاً من حدوث الداء، والله أعلم.
وقال الحافظ في "الفتح": النهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأَوْلى لما يقتضيه مجموع الأحاديث.. قال: وحاصل الجمع: أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع، بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه، وأما النهي عنه، فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقاً إلى الشفاء، والله أعلم.
وأما حديث "السبعين ألفا، الذين يدخلون الجنة بغير حساب، والذين وصفوا بأنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطَّيرون، وعلى ربهم يتوكلون" فقد قال الحافظ ابن حجر في توجيهه في الفتح: تمسك بهذا الحديث من كره الرقَى والكيّ من بين سائر الأدوية، وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما.
قال: وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة: أحدهما قاله الطبري والمازري وطائفة: أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.
وقال غيره : الرقى التي يُحمد تركها: ما كان من كلام الجاهلية، ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفراً، بخلاف الرقَى بالذكر ونحوه.
وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزية على غيرهم، وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة، ومَن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها، أو يستعمل رقَى الجاهلية ونحوها، فليس مسلماً.. فلم يسلم هذا الجواب.
ثانيها: قال الداودي وطائفة: إن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء، وأما مَن يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا، وقد قدمت هذا عن ابن قتيبة وغيره في "باب مَن اكتوى" وهذا اختيار ابن عبد البر، غير أنه معترض بما قدمته من ثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء.
ثالثها: قال الحليمي: يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث: مَن غفل عن أحوال الدنيا، وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله، والرضا بقضائه، فهم غافلون عن طب الأطباء ورقَى الرقاة، ولا يحسنون من ذلك شيئاً، والله أعلم.
رابعها: أن المراد بترك الرقَى والكيّ: الاعتماد على الله في دفع الداء، والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك، لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة، وعن السَّلَف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب، وإلى هذا نحا الخطابي ومَن تبعه.
قال ابن الأثير: هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها، وهؤلاء هم خواص الأولياء.. ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فعلاً وأمراً، لأنه كان في أعلى مقامات العرفان، ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله، لأنه كان كامل التوكل يقيناً، فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئاً، بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل، لكن مَن ترك الأسباب وفوَّض وأخلص في ذلك كان أرفع مقاماً.
والذي أود التنبيه عليه -بعد سرد هذه الأقوال- أمران:
الأول: أن الذين استدلوا بترك الاكتواء والاسترقاء خاصة في الحديث، على ترك التداوي جملة، وترك تعاطي الأسباب عامة، واعتبار مَن فعل ذلك أفضل وأعلى مقاماً ممن تداوى وتعاطى الأسباب وهو متوكل على الله.. قد أسرفوا في الاستدلال، فإن الدليل أخص من الدعوى، فإن المذكورين في الحديث لم يُوصفوا بترك التداوي عامة، بل بترك نوع منه، وهو الاكتواء، لما فيه من الألم العظيم، والخطر الجسيم، وقد ذكرنا سر كراهية الاكتواء قبل هذا.
الثاني: أن هَدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهَدْي أصحابه رضي الله عنهم، هو خير الهًدْي، وسُنَّتهم هي المتبعة دون غيرها. وقد تداوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتداوى أصحابه في حياته، ومن بعده، وهم الذين يُقتدَى بهم فيُهتدَى.
قال عروة بن الزبير لخالته عائشة أم المؤمنين: قد أخذتِ السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشعر والعربية عن العرب، فممن أخذت الطب؟ قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسْقاماً، وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم).
فهذا أفضل الخلق، وسيد الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، يأتيه أطباء العرب، ليصفوا له من الأدوية والعلاجات ما يُذهب بسقمه بإذن الله، وقد كان مسْقاماً كما تقول عائشة، أي يعرض له السقم والمرض كثيراً.
ومما لا ريب فيه: أن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأرفع، وهَدْيه هو الأفضل، وحاله هو الأعلى من حال غيره، فإذا فعل ذلك دل هذا على أنه لا يناقض التوكل، لأن التوكل عمل قلبي، لا معارضة بينه وبين تعاطي الأسباب،ومنها التداوي.
وللإمام الغزالي كلام جيد –في جملته- في "كتاب التوكل" من "الإحياء" تحدَّث فيه عن التداوي بوصفه ضرباً من فن إزالة الضرر.. بيَّن فيه أن الأسباب المزيلة للمرض تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
مقطوع به؛ كالماء المزيل لضرر العطش، والخبز المزيل لضرر الجوع..
وإلى المظنون؛ كالفصد والحجامة وشرب الدواء المسهل، وسائر أبواب الطب.
وإلى موهوم؛ كالكيّ والرقية.
قال: أما المقطوع به فليس من التوكل تركه، بل تركه حرام عند خوف الموت (وينبغي أن يلحق بالموت الألم الشديد والضرر البالغ ونحو ذلك)
وأما الموهوم، فشرط التوكل تركه، إذ به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المتوكلين، وأقواها: الكيّ، ويليه الرقية. والطِّيَرة آخر درجاتها. والاعتماد عليها، والاتكال إليها، غاية التعمق في ملاحظة الأسباب.
وأما الدرجة المتوسطة وهي المظنونة -كالمداواة بالأسباب الظاهرة عند الأطباء- ففعله ليس مناقضاً للتوكل، بخلاف الموهوم، وتركه ليس محظوراً، بخلاف المقطوع، بل قد يكون أفضل من فعله في بعض الأحوال وفي بعض الأشخاص. فهي على درجة بين الدرجتين.
ويدل على أن التداوي غير مناقض للتوكل: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله وأمره به.
وذكر من الأحاديث بعض ما ذكرناه من قبل.
إلى أن قال: فإذن معنى التوكل مع التداوي: التوكل بالعلم والحال.. فأما ترك التداوي رأساً فليس شرطاً فيه.
وكلام الغزالي رضي الله عنه هنا جيد يليق بفقهه وإمامته، لولا أنه جعل ترك الكيّ والرقَى شرطاً في التوكل، وهو مخالف للأدلة الوفيرة التي سقناها من قبل، وحديث (السبعين ألفاً) لا يدل على أنهم وحدهم المتوكلون، بل يدل على أنهم صنف متميز؛ فيؤخذ منه أفضلية سلوكهم لا شرطيته. هذا إلى أن للحديث تأويلات عدة ذكرها العلماء –حكيناها في موضعها- ليجمعوا بين النصوص بعضها وبعض.
وقد ثبتت الرقَى من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره. وجاءت عنه صيغ في الرقية معروفة. وقد ذكر ابن تيمية أن المنفيّ هو الاسترقاء –أي طلب الرقية- وليس الرقية، وأن الرقية من عمل الخير والمعروف الذي يسديه المسلم إلى أخيه المسلم. وقد أنكر الروايات التي جاءت بلفظ "يرقُون" وإن دافع عنها ابن حجر.
ويستفاد من فقه الغزالي هنا: أن الأسباب المقطوع بها -أي الموصلة إلى نتائجها بحسب المعتاد من سُنَّة الله- يجب الأخذ بها، ولا يجوز الإعراض عنها، وأن تركها حرام شرعاً.
وعلى ضوء هذا نقول: إن الطب في عصرنا توصل إلى وصف أدوية معينة لأمراض معينة، جرَّبها الناس حتى أصبحت شبه مقطوع بها. فالقول إذن بوجوب الأخذ بها متّجه، ولا سيما إذا كان المرء يعاني من ألم بالغ، كوجع الضرس، أو صدع الرأس، أو مغص الكُلية، وفي الدواء المجرب ما يزيلها أو على الأقل يخففها، فالأرجح، وجوب تناول الدواء على المتألم لإزالة الألم، فان الله تعالى عن تعذيبه نفسه لغني، وهو يريد بعباده اليُسر، ولا يريد بهم العُسر. وقد قال عليه الصلاة والسلام فيمن صام في شدة الحر والمشقة:(ليس من البر الصيام في السفر).
ورأى رجلاً يمشي، قيل: إنه نذر أن يحج ماشياً، فقال: (إن الله لغني عن مشيه، فليركب)، وفي رواية: (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه).
وعن عقبة بن عامر: أن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت حاجَّة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئاً، فلتركب)
إلى الفهرس (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm)

ترك بعض السَّلَف للتداوي وتفسيره
بقي ما روي عن بعض الصحابة والسَّلَف رضوان الله عليهم أنهم تركوا التداوي توكلاً على الله تعالى. وما تفسيره؟ إذ قد يُفهم منه منافاة ما صح عن سيد المتوكلين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كلام الغزالي في الإحياء:
وقد عقد الإمام الغزالي لذلك مبحثاً جعل عنوانه: "بيان أن ترك التداوي قد يُحمد في بعض الأحوال ويدل على قوة التوكل، وأن ذلك لا يناقض فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال: "اعلم أن الذين تداووا من السَّلَف لا ينحصرون، ولكن قد ترك التداوي أيضاً جماعة من الأكابر، فربما يظن أن ذلك نقصان، لأنه لو كان كمالاً لتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يكون حال غيره في التوكل أكمل من حاله.
وقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قيل له: لو دعونا لك طبيباً؟ فقال: الطبيب قد نظر إليّ وقال: إني فعَّال لما أريد.
وقيل لأبي الدرداء في مرضه: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي. قيل: فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قالوا: ألا ندعو لك طبيباً؟ قال: الطبيب أمرضني!
وقيل لأبي ذر وقد رمدت عيناه: لو داويتهما؟ قال: إني عنهما مشغول، فقيل: لو سألت الله تعالى أن يعافيك؟ فقال : أسأله فيما هو أهم عليّ منهما!
وكان الربيع بن خثيم أصابه فالج، فقيل له: لو تداويتَ؟ فقال: قد هممت، ثم ذكرت عاداً وثمود وأصحاب الرِّس وقروناً بين ذلك كثيراً، وكان فيهم الأطباء، نهلك المداوِي والمداوَى، ولم تغن الرقَى شيئاً.
وكان أحمد بن حنبل يقول: أحب لمن اعتقد التوكل، وسلك هذا الطريق، ترك التداوي من شرب الدواء وغيره، وإن كان به علل فلا يخبر المتطبب بها أيضاً إذا سأله.
وقيل لسهل: متى يصح للعبد التوكل؟ قال: إذا دخل عليه الضرر في جسمه والنقص في ماله، فلم يلتفت إليه، شغلاً بحاله، وينظر إلى قيام الله تعالى عليه.
إلى الفهرس (file:///G:/المكتبة%20الدينية%20للكتب/المكتبة%20الاسلامية%202/التوكل/chap5.htm)

الأسباب الصارفة عن التداوي
"فإذن منهم مَن ترك التداوي وراءه، ومنهم مَن كرهه، ولا يتضح وجه الجمع بين فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفعالهم إلا بحصر الصوارف عن التداوي.
فنقول:
إن لترك التداوي أسباباً:
"السبب الأول": أن يكون المريض من المكاشَفين، وقد كوشف بأنه انتهى أجله وأن الدواء لا ينفعه، ويكون ذلك معلوماً عنده تارة برؤيا صادقة، وتارة بحدس وظن، وتارة بكشف محقق، ويشبه أن يكون ترك الصِّدِّيق رضي الله عنه التداوي من هذا السبب، فإنه كان من المكاشَفين، فإنه قال لعائشة رضي الله عنها في أمر الميراث: إنما هن أختاك، وإنما كان لها أخت واحدة، ولكن كانت امرأته حاملاً فولدت أنثى، فعلم أنه كان قد كوشف بأنها حامل بأنثى، فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضاً بانتهاء أجله، وإلا فلا يُظَن به إنكار التداوي وقد شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر به.
"السبب الثاني": أن يكون المريض مشغولاً بحاله، وبخوف عاقبته، واطلاع الله تعالى عليه، فينسيه ذلك ألم المرض، فلا يتفرَّغ قلبه للتداوي، شغلاً بحاله، وعليه يدل كلام أبي ذر إذ قال: إني عنهما مشغول! وكلام أبي الدرداء إذ قال: إنما أشتكي ذنوبي! فكان تألم قلبه خوفاً من ذنوبه أكثر من تألم بدنه بالمرض، ويكون هذا كالمصاب بموت عزيز من أعزته، أو كالخائف الذي يُحمل إلى ملك من الملوك ليُقتل إذا قيل له: ألا تأكل وأنت جائع؟ فيقول: أنا مشغول عن ألم الجوع، فلا يكون ذلك إنكاراً لكون الأكل نافعاً من الجوع، ولا طعناً فيمن أكل.
ويقرب من هذا اشتغال سهل حيث قيل له: ما القوت؟ فقال: هو ذكر الحي القيوم، فقيل: إنما سألناك عن القوام؟ فقال: القوام هو العلم. قيل: سألناك عن الغذاء. قال: الغذاء هو الذِكْر. قيل: سألناك عن طُعمة الجسد؟ قال: مالك وللجسد. دع مَن تولاه أولاً يتولاه آخراً: إذا دخل عليه عِلَّة فردّه إلى صانعه، أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلى صانعها حتى يصلحها؟
"السبب الثالث": أن تكون العِلَّة مزمنة، والدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى عِلَّته موهوم النفع، جار مجرى الكيّ والرقية، فيتركه المتوكل، وإليه يشير قول الربيع بن خثيم إذ قال: ذكرتُ عاداً وثمود وفيهم الأطباء، فهلك المداوِي والمداوَى. أي أن الدواء غير موثوق به، وهذا قد يكون كذلك في نفسه، وقد يكون عند المريض كذلك، لقِلَّة ممارسته للطب وقِلَّة تجربته له، فلا يغلب على ظنه كونه نافعاً، ولا شك في أن الطبيب المجرّب أشد اعتقاداً في الأدوية من غيره، فتكون الثقة والظن بحسب الاعتقاد، والاعتقاد بحسب التجربة، وأكثر مَن ترك التداوي من العُبَّاد والزُهَّاد، هذا مستندهم، لأنه يبقى الدواء عنده شيئاً موهوماً لا أصل له، وذلك صحيح في بعض الأدوية عند من عرف صناعة الطب، غير صحيح في البعض، ولكن غير الطبيب قد ينظر إلى الكل نظراً واحداً، فيرى التداوي تعمقاً في الأسباب كالكيّ والرقَى، فيتركه.
"السبب الرابع": أن يقصد العبد بترك التداوي استبقاء المرض لينال ثواب المرض بحسن الصبر على بلاء الله تعالى، أو ليجرّب نفسه في القدرة على الصبر. فقد ورد في ثواب المرض ما يكثر ذكره. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى العبد على قدر إيمانه، فإن كان صلب الإيمان شُدِّد عليه البلاء. وإن كان في إيمانه ضعف خُفِّف عنه البلاء).
"السبب الخامس": أن يكون العبد قد سبق له ذنوب وهو خائف منها عاجز عن تكفيرها، فيرى المرض إذا طال تكفيراً، فيترك التداوي خوفاً من أن يسرع زوال المرض.
"السبب السادس": أن يشعر العبد في نفسه مبادئ البطر والطغيان بطول مدة الصحة، فيترك التداوي خوفاً من أن يعاجله زوال المرض، فتعاوده الغفلة والبطر والطغيان، أو طول الأمل والتسويف في تدارك الفائت وتأخير الخيرات. فإن الصحة عبارة عن قوة الصفات وبها ينبعث الهوى، وتتحرك الشهوات، وتدعو إلى المعاصي، وأقلها أن تدعو إلى التنعم في المباحات، وهو تضييع الأوقات، وإهمال للربح العظيم، في مخالفة النفس، وملازمة الطاعات، وإذا أراد الله بعبد خيراً لم يخله عن التنبه بالأمراض والمصائب، ولذلك قيل: لا يخلو المؤمن من علَّة أو قلَّة أو زلَّة.
فقد قال بعض العارفين لإنسان: كيف كنت بعدي؟ قال: في عافية، قال: إن كنت لم تعص الله عزَّ وجلَّ فأنت في عافية، وإن كنت قد عصيته فأي داء أدوأ من المعصية؟ ما عوفي مَن عصى الله.
وقال عليّ كرَّم الله وجهه لما رأى زينة النبط بالعراق في يوم عيد: ما هذا الذي أظهروه؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم عيد لهم، فقال: كل يوم لا يُعصى الله عزَّ وجلَّ فيه فهو لنا عيد.
وقال تعالى: (إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى) (العلق: 6، 7)، وكذلك إذا استغنى بالعافية. قال بعضهم: إنما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى لطول العافية، لأنه لبث أربعمائة سنة لم يصدع له رأس، ولم يحمّ له جسم، ولم يضرب عليه عرق، فادعى الربوبية -لعنه الله- ولو أخذته الشقيقة (الصداع النصفي) يوماً لشغلته عن الفضول، فضلاً عن دعوى الربوبية!
وقال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هادم اللَّذات). وقيل: الحمى رائد الموت فهو مُذكِّر له ودافع للتسويف.
وقال تعالى (أو لا يرون انهم يُفتنون في كل عامٍ مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون) (التوبة: 126)، قيل: يُفتنون بأمراض يُختبرون بها.
ويقال: إن العبد إذا مرض مرضتين ثم لم يتب، قال له مَلَك الموت: يا غافل؛ جاءك مني رسول بعد رسول فلم تجب! ا. هـ.
والخلاصة: أن الأصل هو التداوي، اقتداء بالثابت المُحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وخصوصاً إذا اشتد الوجع، ووُجِد الدواء الناجع وفق سُنَّة الله تعالى، فإذا كانت هناك صوارف خاصة لبعض الصالحين تصرفهم عن التداوي لأسباب، كالتي شرحها الإمام الغزالي، فيمكن أن تُقبل في الجملة، وهي أسباب جزئية في أحوال خاصة تُقدَّر بقدرها، والله أعلم.

أم الزبير محمد الحسين
12-02-2008, 03:16 AM
ماشاء الله ملف مكتمل
قد ينتفع به في قسم نداء الإسعاف رغم غلبة الرأي الشرعي فيه لكنه يبقى طبي

امال العروبة
12-02-2008, 12:46 PM
جزاكم الله خيرا ونفع بكم