المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعراء عادوا إلى الله !!


هارب الي الله
12-01-2008, 07:39 PM
بسم الله
موعدنا اليوم مع شاعر من شعراء العصر الحديث
قليلون هم الذين يعرفون السيرة الحقيقية للشاعر العراقي "بدر شاكر السياب"،
وما مرت به من منعطفات ومنحنيات كادت أن تهلكه، لولا أن تداركه برهان ربه فخلع عنه كل أفكاره، وتبرأ من كل نزواته السابقة
وانتهت حياته وفق تصورات نقية للغيبيات والإيمان بالقضاء والقدر، فقد كانت محنته الصحية التي دامت فترة ليست بالقصيرة فرصة لمراجعة الذات،
وموعظة للصبر على الألم، وتطهيراً للنفس، ويتضح هذا جلياً في قصيدته "سفر أيوب" التي سنعرضها فيما بعد.
ولد بدر شاكر السياب عام 1926م في قرية "جيكور" جنوب محافظة "البصرة"
التي أصبحت أشهر قرية في الأدب العربي الحديث؛ إذ تغنى بها الشاعر وبجدولها الصغير "بويب" المتفرع من شط العرب
ووصفها بأنها جنة ذات نخيل، وما زال بيت الشاعر السياب هناك، وقد أكلت السنون العديد من أجزائه
ومازال شباك غرفته الطينية في القرية يطل على النهر الصغير الجميل الذي قال عنه إنه "الدانوب" في نظره.
كانت طفولته سعيدة، يحب مراقبة السفن والمراكب وهي تصعد إلى البصرة أو تنحدر إلى الخليج العربي،
وتركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعراً فيما بعد.
أتم السياب دراسته في مدرسة "المحمودية" في قضاء "أبي الخصيب" المعروفة بشناشيلها
ذات النوافذ الزجاجية الملونة والمزينة بالخشب المحفور بالزخارف العربية.
أنهى دراسته الثانوية في ثانوية البصرة للبنين وكان من الطلاب البارزين فيها
. التحق بدار المعلمين العالية في بغداد ودرس فيها اللغة الإنجليزية
وبرز من خلال النشاطات والمجالس الأدبية التي كانت تقام في بغداد،
وفي دار المعلمين العالية بدأت شهرة السياب تزداد وكانت قصائده تتداول بين الطلاب.
وتأثر السياب بالأدب الأوروبي، وكان "بودلير" أول شاعر غربي يتعرف على شعره، من خلال ديوانه "أزهار الشر"،
وكان الشعراء الإنجليز الرومانسيون من أمثال "كيت" و"بايرون" و"ودرورث" من مصادره المهمة الأخرى.
عمل السياب بعد تخرجه مدرساً في عدد من مدارس العراق، منها ثانوية الأعظمية،
ثم موظفاً في مصلحة الموانئ العراقية بوظيفة رئيس ملاحظين، لكنه جوبه مرات عديدة بالفصل لمواقفه السياسية.
كانت الحركات اليسارية العربية في العراق أيام الخمسينيات والستينيات مشتعلة كما كان الحال في الكثير من الأقطار العربية وقتئذ،
وقد انضم السياب إلى إحدى هذه الحركات وكان واحداً من أبرز العاملين فيها.
وقد انعكس فكره على شعره ويبدو ذلك واضحاً في كثير من قصائد تلك الفترة؛
إذ اتسمت بالبعد عن مقتضى الإيمان الحق، وأخذته موجة الشيوعية التي لوحق بسببها من الحكومة.
ويوم أن كان يبحث عن فرصة للعيش بعيداً عن أعين رجال الأمن وهم يطاردونه
، تحدث معه المفارقة التي كانت من أسباب تحوله عن أفكاره الشيوعية،
ولعلها كانت مفارقة كبيرة باعثة على الأسى والضحك أن يكون "بدر شاكر السياب" مطارداً حتى من قبل رفاقه
الذين يشاطرونه الانتماء الشيوعي، ولا يشاطرونه حسه الوطني،
ما جعله يكتشف زيف الدعوى، وانقسام الشيوعيين فيما بينهم؛ فهذا من طبقة وذاك من طبقة أخرى،
وقد أثبت هذا في كتابه "كنت شيوعياً" الذي ألفه عن تلك الفترة معترفاً بنفسه على ممارسات الشيوعيين بعضهم ضد بعض،
فهم يقسمون الناس إلى "برجوازية" و"بيتي برجوزاية"! وهو ما جعله ينفر منهم،
وقد كان اعتناقه أفكارهم من منظور إصلاحي فإذا به يجد الحال على عكس ما أراد، فانقلب عليهم وانقلبوا عليه.
أصيب السياب بداء عضال، كان هو الجسر الذي عبر من فوقه إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية في نفسه،
فها هو بعدما يئس الأطباء من شفائه، وبعدما تخلى عنه كل من حوله من "الرفاق"،
يعود إلى ذاته مؤملاً فيما عند الله سبحانه من رحمة ومغفرة، وينظر لمحنته في أحلك لحظاتها نظرة المتفائل الواثق من موعود الله سبحان وتعالى.
ويكتب السياب قصيدته "سفر أيوب" مودعاً إياها ما تختلج به نفسه من رضاء ويقين..
والقصيدة إضافة لكونها تعطينا رؤية واضحة لنفسية الشاعر الراضية الضارعة إلى الله في غير تضجر ولا سخط،
فإنها دعوة لطيفة لكل أديب شرد بعيداً عن دروب الهدى كي يؤوب إليها وسيجد الأبواب مفتوحة للتوبة والعودة إلى الله.
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء بوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء

قـَسْوَرَةُ الأَثَرِيُّ
12-01-2008, 08:15 PM
بارك الله فيكم اخي الحبيب

مجهود ممتاز و كلام عميق


و للاستفاضة هذا كتاب يعرض حياة السيياب من منظور تحليلي و نقدي و قد افلح كاتِبُه ...



http://islamport.com/w/adb/Web/1017/3.htm

أم هارون السلفية
12-01-2008, 08:20 PM
ما شاء الله , جزاكم الله خيراً ..

هجرة إلى الله السلفية
12-28-2008, 11:15 AM
جزاك الله خيرا