المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «إيقاظ الضمير العام والأوضاع الأخلاقية»«٣ -٣»


الشافعى الصغير
09-06-2008, 08:47 AM
http://pro.corbis.com/images/SC-001-0104.jpg?size=572&uid=%7B3ED9F707-5447-4291-969F-5F8EDB75E8E1%7D
الدكتور أحمد عكاشة يكتب: «إيقاظ الضمير العام والأوضاع الأخلاقية» «٣ -٣» الخائفون لا يبدعون.. ولا يصنعون المستقبل

(http://www.almasry-alyoum.com/popimage.aspx?ImageID=42040)
طلب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار من الدكتور أحمد عكاشة، الخبير النفسي العالمي، إعداد دراسة عن الشخصية المصرية وما طرأ عليها خلال العقود الأخيرة.
وجاءت الدراسة بمثابة تشريح دقيق لهذه الشخصية وتصرفاتها وطريقة تفكيرها، وعلاقة ما يصدر منها من سلوكيات بالسلطة وقراراتها والجو العام المحيط بحياة المصريين.. وهنا نعرض نص الدراسة:
http://www.unmc.edu/psychiatry/coverbg2.jpg

هل للوراثة دخل في تحديد سمات الشخصية؟ أو بعبارة أخري: هل يرث الأولاد عن آبائهم ملامح شخصياتهم؟ إن عامل الوراثة ضعيف في تحديد سمات الشخصية المتصلة بمعاملات الأشخاص الاجتماعية، كموقف الصداقة أو العداء بالنسبة للآخرين.
كذلك الأمر في المستويات الأخلاقية والاتجاهات التقدمية أو الرجعية أو التطرفية والتذوق الجمالي، ولو أن البعض يجزم بدور الاستعداد الوراثي، أي يولد الطفل باستعداد خاص بصرف النظر عن الوالدين، حتي في هذه الأبعاد. لكن العامل الوراثي يؤدي دوراً مهماً في أبعاد الانطوائية والانبساطية، ويغذي الثبات أو عدم الاتزان الانفعالي، وكذلك السلوك المنحرف الشاذ.
تتميز الشخصية المصرية بالانبساطية، وحب الاختلاط، والدفء العاطفي، وسهولة الإيحاء «فيما يسمي بطيبة القلب» مع الإحساس بالمسؤولية الأسرية، والانتماء والتماسك مع الدين والأسرة أكثر من الوطن. ومع ذلك توجد بعض السمات التي تحتاج إلي إيضاح وتفسير وتعديل، حتي نستطيع أن نواكب ثورات العالم التكنولوجية، وسأحاول أن أفرد لكل منها مناقشة بسيطة سهلة. فكثير من المصريين يتميزون بما يسمي الشخصية السلبية/ العدوانية والاعتمادية.
وينعكس ذلك علي سبيل المثال في النكتة السياسية، الإشاعة وهي سمة عدوانية ولكنها سلبية. كذلك الاستكانة ثم التقوقع حول الذات والأسرة بغض النظر عن المبادئ، وعدم التواصل والمثابرة والتغير المستمر والعجز عن الابتكار، والتصور الخاطئ للدين، وإهمال الواقع المادي والانغماس في القرارات الانفعالية والعاطفية، وأخيراً فوضي اللغة.
تتميز الشخصية الاعتمادية باعتماد شامل علي الآخرين، أو السماح لهم بتولي مسؤولية جوانب مهمة في حياة الشخص، وتسخير الاحتياجات الذاتية للآخرين الذين يعتمد عليهم، وإذعان غير مسوغ لرغباتهم، وعدم الاستعداد لمطالبة هؤلاء الآخرين «الذين يعتمد عليهم» بأي مطالب حتي ولو منطقية، والإحساس بعدم الراحة في الوحدة والإحساس بالكارثة والضياع عند انتهاء علاقة حميمة، والميل إلي التعامل مع المحن بإلقاء المسؤولية علي الآخر.
ونلاحظ كذلك في سلوك كثير من المصريين كثرة النقد والسخرية من سلوكيات يقوم بها هذا الشخص ويسقطها علي الآخرين، فهو ينقد التسيب، وعدم الانضباط، و«إنه مفيش فايدة»، ولكنه يقوم بالسلوك نفسه، كذلك تسقط هذه الشخصية كل الكوارث علي السلطة دون أن تقوم بأي عمل إيجابي.
http://www.psychnews.co.za/img/psychiatry.jpg
تتميز الشخصية الاستهوائية في أقصي صورها بتفخيم في الذات وأداء مسرحي، وتعبير مبالغ فيه عن المشاعر، وقابلية للإيحاء والتأثر السهل بالآخرين، ومشاعر سطحية وهشة، وانغماس في الذات، وعدم وضع الآخرين موضع الاعتبار، اشتياق دائم للتقدير، والنهم للإثارة والنشاطات التي يكون هو - أو هي - فيها مركزاً للانتباه، وسلوك ابتزازي دائم للوصول إلي المنافع الذاتية.
الصحة النفسية هي القدرة علي التمركز حول الآخرين والاهتمام بهم وبالمشكلات العامة. وعلي العكس من ذلك، يكمن الاضطراب النفسي في التمركز حول الذات والتقوقع حول النفس والأسرة بغض النظر عن المبادئ أو القيم أو العادات.
كذلك هناك علاقة واضحة بين الازدحام والصحة النفسية. لكننا إذا نظرنا إلي القاهرة اليوم فسوف نجدها من أكثر مدن العالم ازدحاماً، حيث تبلغ كثافة السكان حوالي ٥٣٠٠٠ نسمة في الكيلو متر المربع.
يقول جيمس برستد في كتابه الشهير «فجر الضمير»: إن المصريين هم الذين أوجدوا الضمير الإنساني، لأنهم أول من عرفوا الله، وكذلك آمنوا بالعالم الآخر، ولم يتمكن أحد قبلهم من إدراك هذا الواقع. ويبدو أن الإيمان بالله واليوم الآخر يتوارث من خلال جينات الوراثة في المصريين.
إن المعايير المزدوجة المتمثلة في اهتمام الناس بالحج عشرات المرات وأداء العمرة كل سنة تتناقض مع السلوك اليومي الذي يتواكب مع الكذب والرياء والمعاملة السيئة والجشع والطمع. صحيح أن التعميم هنا غير دقيق، لكن المؤكد أن الاعتدال في الطقوس والالتزام بالمحتوي هو صلب الإيمان.
إن أحد الأسباب الرئيسية في العجز عن الابتكار والسلبية الاتكالية وعدم القدرة علي التحديث والحياة في إطار سلفي هو الفهم الخاطئ للدين. إن الكثيرين لا يعرفون الفرق بين التواكل والتوكل علي الله.
http://farm3.static.flickr.com/2009/1947605872_ecdb26cc1e.jpg?v=0
إهمال الواقع المادي والانغماس في القرارات
أو ما نسميها بالعامية «شخصية ودنية»، وهي سمات تغلب علي كثيرين من المصريين والعرب، وعادة ما تكون قرارات هذه الشخصية حماسية، انفعالية، سريعة لأنها في الغالب تكون رد فعل غير محسوب، لكنها سرعان ما تخمد، وتهدأ الحماسة.
ولا نتخذ قرارات مصيرية مدروسة، بل دائماً تكون قراراتنا رد فعل لما يحدث: فعندما يرتفع منسوب المياه نبدأ في التفكير في عمل بالوعات، وعندما تندلع الحرائق نبدأ في إنشاء شبكات الإطفاء، وعندما تقع الزلازل نبدأ في التفكير بالبناء بطريقة خاصة، وعندما يأخذ د. زويل جائزة نوبل ننشئ جامعة للتكنولوجيا، يحترق القطار ونحضر ديزل جديد، تغرق العبارة فنهتم بالفحص والتفتيش. نحن دائماً نسلك كرد فعل، ونادرا ًما نبادر بسلوك استباقي.
الحاكم سمة من سمات المصريين منذ الفراعنة، الأمر الذي يعيق الإيجابية والمبادرة في اتخاذ القرار. الاتكالية السلبية.. الخنوع.. عدم المبادرة.. عدم المسؤولية.. الاعتمادية علي صاحب القرار، مما يهدر الكثير من القرارات الحكيمة التي تصدر عن أبناء هذا الشعب.
إن ثبات وصدق اللغة هما بعض من الأسس المهمة للثقافة الحية والتقدم العلمي. فلا يمكن أن يكون للمنزل لغة وللشارع لغة أخري وللأغاني لغة ثالثة ثم للجرائد لغة رابعة، وللقرآن لغة خامسة.
فهذه الفوضي تسبب تشتتاً في الفكر، وضحالة في الثقافة، وانهياراً في التذوق الأدبي والجمالي.
وإذا ما لاحظنا ما حدث في مصر في العشرين سنة الأخيرة من الفوضي في لغتنا العربية لوجدنا أن الطبقات الميسرة تزج بأبنائها في المدارس الأمريكية والفرنسة والبريطانية والألمانية، فيتكلمون هذه اللغات أفضل من العربية، ويصبح الطفل في تشتت فكري يجعله ينجح في الامتحان لكنه غير قادر علي الابتكار.
ولا نجد في الجامعات استثناء من ذلك. سأعطي مثلاً بدراسة الطب، التي تتم حتي الآن باللغة الإنجليزية. ينص ميثاق ممارسة مهنة الطب علي ضرورة أن يفهم المريض اللغة التي يتكلم بها الطبيب، فالطبيب والمريض الألمانيان يتكلمان الألمانية والطبيب والمريض السويديان يتكلمان السويدية، والطبيب والمريض الإسبانيان يتكلمان الإسبانية.
إن هذا المخ المتميز عن مخ الحيوان هو الذي صاغ طريق الإنسان في البحث عن المعرفة، ولو لم يكن عندنا ذلك العقل الأكثر قوة من أي حيوان لما كنا قد استطعنا أن نصل إلي ما وصلنا إليه من ابتكارات واختراعات. ولكن الإنسان لديه تميز آخر إنه الوعي أو الضمير، وهو أمر لا نعرف أساسه جيداً، وسوف تكون دراسات الضمير من الدراسات العلمية الأساسية في القرن الجاري وهي من الأشياء التي تمثل علوماً مهمة في بعض الجامعات.
إننا نتساءل في هذا السياق حول ما إذا كان الضمير الحسن أو السيئ.. الخير أو الشر هو علاقة جينية معقدة أم أنه أمر يعود إلي البيئة فقط؟! ومن ثم نتساءل عما إذا كان التفكير غير العقلاني القائم علي الحرب والإرهاب والتعصب ومجمل المتاعب الإنسانية يأتي من خلال وعي وضمير مأزوم جينياً.
وهنا أثمن ما قاله العالم الأمريكي جيمس كونانت «هناك وسيلة واحدة مؤكدة وثابتة لدعم ومساعدة تطوير العلوم وهي اختيار الموهوبين من الرجال والنساء ودعمهم بقوة، وتركهم يديرون أنفسهم بأنفسهم دون وصاية خارجية».
http://www.legaljuice.com/insane%20insanity%20plea%20straight%20jacket%20cra zy%20nuts-thumb.jpg
وتشير هذه القضايا إلي عدة احتياجات أساسية للتنمية:
١- تنمية بشرية تستهدف التخلص من الأمية.
٢- تأمين مشاركة فعالة للمرأة.
٣- تطوير الثقافة الاجتماعية.
٤- إطلاق حرية الفكر وتقليل حجم البيروقراطية مع رفع كفاءتها.
٥- القضاء علي الفساد أو تقليصه.
٦- تطوير نظام من الحوافز والترقيات في إطار لوائح وقوانين متزنة وقابلة للتطبيق.
٧- بناء قاعدة علمية تعمل علي الاستثمار في الموهوبين وإقامة مراكز للتميز وإيجاد الفرص للحصول علي المعلومات عن الأسواق الصناعية والاقتصادية داخلياً وخارجياً.
٨- تلاحم المعرفة العلمية مع القاعدة الصناعية.. ويجب أن يسير كل ذلك جنباً إلي جنب.
٩- خطة عامة شاملة لتطوير التعليم العام في مدارس الدولة وجامعاتها.
في الخمسين عاماً القادمة ستحظي المجتمعات القائمة علي العلم والمهارة بنصيب الأسد من السوق والمكانة في العالم. وبدون تقدم علمي ملائم، سوف يكون حديث العالم عن الجينوم والاستنساخ والطب الجزيئي والذكاء الاصطناعي ومعالجة المادة - حديثاً غريباً وبعيداً!
http://www.cagp.ca/en/newsletters/e_newsletter1/education.jpg
وهنا يمكننا أن نشير إلي النقاط التالية:
أولاً.. ليس صحيحاً أن الوضع العلمي لمصر والعالم العربي وضع مقبول، ذلك أن العالم العربي قد بات في أدني درجات السلم الدولي للعلم، ولا تقارن إسهاماته بأي إسهام لمنطقة أخري فاعلة في العالم، فنسبة الأمية تزيد علي ٥٠%، وتزيد النسبة بين السيدات إلي أكثر من ٦٠% في بعض البلدان وهي من أعلي النسب في العالم.
وإذا كان هذا علي صعيد القراءة والكتابة وحدها، فإن النسبة الباقية من غير الأميين لا تشكل قاعدة لمجتمع علمي فعال ولا يوجد إلا أولئك الأفراد المتميزون ونوابغ العلماء والمثقفون وهم عدد قليل من الباحثين والدارسين والخبراء وأساتذة الجامعات والمخترعين.. وجميعهم أفراد متفاوتو الموهبة لا يعملون ضمن نظام متكامل. أما إسهام هذه القلة المتميزة فإنه هو الآخر محدود إذا ما قورن بالوضع العالمي للعلم.
ثانياً.. إنه لمن المدهش أن ينسب البعض أسباب ذلك التخلف الشديد إلي نقص الموارد في العالم العربي، والأكثر إثارة للدهشة أن المرء يسمع ذلك في مصر، كما يسمعه في دول الخليج البالغة الثراء، ولا يستطيع المراقب أن يفهم كيف يري ذلك الثراء في الحياة اليومية للناس من سيارات فاخرة ومنتجعات وشواطئ وقصور ومن استخدام للسلع الاستهلاكية الحديثة تكنولوجيا.. ثم يجد ذلك الحديث الأيديولوجي الثابت والمكرر حول نقص الموارد.
والمؤكد أن العالم العربي يصنف من بين مناطق العالم الثرية أو غير الفقيرة، كما أن هناك دولا تفتقد الموارد إلي حد كبير، وبعضها يفتقدها تماماً ولكنها أنجزت وتجاوزت ولعل المثال الصيني والياباني والكوري والماليزي هو الأكثر حضوراً في هذا السياق، مما يجعل الحديث عن أسطورة نقص الموارد ضرباً من الاسترخاء.
ثالثاً.. ثمة أسطورة أخري حول أن التقدم العلمي يحتاج إلي قرون، وهي أسطورة لا تحتاج إلي جهد كبير للمناقشة، فالكثير من دول العالم القدم قد حققت انطلاقتها الراهنة في غضون سنوات أو - عقود لا قرن - أو يزيد.
إن التجربة الماليزية، هي نتاج حوالي عشر سنوات لا عقود طوال. كما أن التجربة الصينية نفسها لا يزيد عمر تألقها وامتيازها علي العشرين عاماً.
وكوريا الجنوبية قد صعدت من التخلف إلي صدارة الصناعات في آسيا وإلي موقع بارز في العالم في غضون سنوات، وليست شركة (سامسونج) إلا نموذجاً لذلك الصعود القوي والسريع إلي حد المفاجأة، واليوم يعمل معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا (كايست) في تطوير صناعة الإنسان الآلي ليسبق العالم.
وفي الهند الآن يندهش المرء من القلاع الصناعية العملاقة التي تنتج «السوفت وير» في بنجالور وفي سنغافورة التي تخطو إلي أفق غير منظور، وقد علق أحد الوزراء: عندنا الآن الأسواق العالمية الرئيسية للإلكترونيات الدقيقة، وقد خصصنا «٤٠» مليار دولار للتركيز علي «البيوتكنولوجي» في السنوات العشر القادمة. وأيضاً عندما ننظر إلي تجربة إيرلندا الحالية نجد نهضة وتقدماً ففي حوالي عشر سنوات أصبحت إيرلندا وعدد أفرادها ٤ ملايين من أكبر بلاد العالم تصديراً للتكنولوجيا الحديثة.
وأخيراً الديمقراطية، وهي كلمة غريبة، والمهم بالنسبة لي ليس كونها مفهوماً غريباً وإنما ما تحتويه من معني والشروط الأساسية لها. المعني الحقيقي هنا هو حرية الفرد والمشاركة الفعالة في الحكم، أما الشروط الأساسية فهي مسؤولية ومحاسبة الشعب للحكومة، الشفافية وهي الإطار الأساسي لمحاربة الفساد، والحكم بالقانون العادل علي الجميع.
http://www.ccdh-fr.org/pictures/psychiatrie-horreur.jpg
أما بالنسبة للإبداع فلا يمكن أن يبدع الخائفون.. لا في أمريكا ولا في مصر، والحرية ليست فقط هي حرية الكلمة. ولتحقيق هذه الأهداف لابد من وجود مؤسسات يؤمن بها الشعب وقادرة علي خلق الحوار الأمين والبناء.. وبناء المؤسسات ومناخ الحرية لعمل الإصلاح لا يجب أن يأتي من الخارج وإنما يجب أن ينبع من الشعب وبإرادة قوية لدفع التقدم وبناء الدولة الحديثة.
إن الحياة تبدأ وتنتهي والقوي العظمي تعلو وتهبط لكن الأمم عبر التاريخ هي التي تصنع المستقبل.. إما مستقبل مضيئاً أو مستقبلاً مظلماً.. الأمر يتطلب القيادة الحكيمة التي تملك البصيرة، حرية الفرد، والإيمان مع عدم الاستخدام الخاطئ للدين، والشعوب تقرر.. إما مستقبلاً فيه المحمول و«النيولوك» أهم الأساسيات، أو مستقبلاً يكون فيه الرخاء الاقتصادي والفكري والبحث عن المعرفة هي الأساسيات.
وبسبب حالة العالم العربي نلاحظ اتجاهات مقلقة في مجالات الإنتاجية، والديمغرافية، والقدرة التقنية تتمثل في الأغراض غير الصحية التالية.
١- يعتبر دخل الفرد العربي حالياً من أقل المستويات في العالم، أي أنه بات يقارب دخل الفرد في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
٢- نسبة الأمية في العالم العربي من بين أعلي النسب في العالم إذ تتجاوز ٥٠% في بعض البلدان.
٣- أكثر من ٢٥% من الشباب العرب، الذين يشكلون ما يزيد علي نصف سكان العالم العربي (البالغ عددهم الإجمالي ٢٨٠ مليون نسمة) عاطلون عن العمل أو يقومون بوظائف لا تناسب مؤهلاتهم.
٤- نسبة مشاركة الفرد العربي في العلم والتكنولوجيا علي المستوي العالمي هي من أدني المستويات في العالم.
وفقاً لمعهد المعلومات العلمية، بلغ مجموع الأوراق العلمية التي نشرت في جميع أنحاء العالم خلال السنوات الخمس الأخيرة، ٣.٥ مليون ورقة كان توزيعها بالنسب المئوية كما يلي: الاتحاد الأوروبي (٣٧%)، الولايات المتحدة الأمريكية (٣٤%)، دول أسيا علي المحيط الهادي (٢١%)، الهند (٢.٢%)، إسرائيل (١.٣%).
أما مساهمة العالم العربي الذي يبلغ مجموع سكانه ٢٨٠ مليون نسمة موزعين علي ٢٢ بلداً، فهي أقل من مساهمة إسرائيل التي لا يتعدي مجموع سكانها ٦ ملايين نسمة، إذ تتراوح مساهمة كل من البلدان العربية بين صفر في المائة (اليمن) و٠.٣% (مصر) و٠.٣% في معظم البلدان. ونسبة صفر في المائة هنا تعني أن عدد الأوراق لا يستحق الذكر في الإحصاءات.
وإذا قورنت هذه الأرقام بغيرها من دول أخري، نجد وضعنا في مجال العلم والتكنولوجيا أصبح يماثل وضع أنجولا ونيكاراجوا والصومال. وإذا قسمنا عدد المنشورات علي عدد السكان نجد أن العربي ينتج ما يتراوح بين ١ و٢% مما ينتجه الإسرائيلي، وهذا الرقم يشير فقط إلي عدد الأوراق دون أخذ تأثير البحث والتطوير في الاعتبار.
ومثل هذا الأداء أمر لا يثير الدهشة لأنه لا يوجد في العالم العربي بأكمله معهد يضاهي معهد وايزمان أو معهد التخيون في إسرائيل أو المعاهد المماثلة في الهند أو معاهد «ماكس بلانك» في ألمانيا والدول المتقدمة الأخري.
http://innovaclinicaltrials.com/yahoo_site_admin/assets/images/psychiatry.346185227_std.gif
والعرب تتوافر لديهم الموارد البشرية والمادية اللازمة للنهوض بالعلم والتكنولوجيا، والشيء الأول الذي يفتقرون إليه في الوقت الراهن هو نظام منطقي وفكري واضح يلبي الاحتياجات الجماعية للسكان ويقوم علي أساس المعرفة والحرية، علي اعتبار أن البشر يختصون بميزة التفكير، وبالتالي يجب إصلاح التعليم في جميع مستوياته في العالم العربي لتحويله من عملية تلقين للمعلومات إلي عملية تعليم التلميذ كيفية تشغيل عقله بصورة نا، قدة وتوفر له خبرة عملية مباشرة.
ويجب كذلك القضاء علي الأمية أو تخفيض نسبتها علي الأقل. ولا يمكن لقاعدة البحث والتطوير بشكلها الحالي أن تعمل بفاعلية، وهناك حاجة إلي رؤية جديدة كما سنبين فيما بعد.
أما الشيء الثاني، فهو يتمثل في إنشاء نظام قانوني جديد يعين بوضوح الحدود بين المجالات المدنية والثقافية والدينية وينطبق علي جميع المواطنين بدون استثناء وينبغي أن تكون الأهداف الرئيسية لهذا النظام ضمان حرية التفكير والقضاء علي البيروقراطية التي تعويق التقدم في جميع المجالات والشعوب العربية لا تقل ذكاء وكفاءة عن شعوب جنوب شرق أسيا وأعتقد أن الانتقال إلي مصاف الدول المتقدمة أمر ممكن شريطة أن تعالج هذه القضايا بشكل فكري ومتناسق بروح الفريق.
http://www.critpsynet.freeuk.com/Image56.jpg
يمكن القول إن للنهضة مستلزمات، وأنها شروط لازمة للتحقيق.. وهي في المستوي العام مستلزمات ثلاثة: ثقافية واقتصادية وسياسية.
فعلي صعيد الثقافة تتطلب النهضة إصلاحاً ثقافياً واسعاً، وأعني هنا بالإصلاح الثقافي.. إصلاح حالة النفس والعقل، أي ترميم الضمير العربي مع ترميم العقل العربي سواء بسواء.
فالعالم العربي يحتاج إلي نقلة، وإلي استعادة الثقة بالنفس، واستعادة الثقة في المجتمع، وهنا نأتي إلي قضية الانتماء، فالانتماء في الأصل شعور، ثم هو من بعد ذلك فعل وسلوك، واستعادة الانتماء جزء أساسي في ملف الإصلاح الثقافي وما لم يوجد ذلك الإحساس بأهمية الوطن والمجتمع في الضمير الخاص، يصبح الحديث عن النهضة حديثاً بلا عائد.
ولا يكون تجديد الانتماء ممكناً بغير الاستيعاب العاقل لفكرة الهوية، واحترام الانتماء إلي الثقافة العربية والإسلامية.
ذلك أن الثقافة التي ينبع منها العالم العربي هي ثقافة مميزة، وليست ثقافة متدنية أو مشينة، وهي ثقافة يمكنها التلاقي والتفاعل بل الإضافة إلي حركة العصر.
http://www.fabooks.com/dimages/Critical%20Psychiatry(S).jpg
وعلي ذلك فإن السلبيات التي يتسع نطاقها حالياً، من شيوع ظاهرة اللامبالاة، وضعف الثقة في النفس وفقدان الأمل في المجتمع، وما يترتب علي ذلك من مظاهر التسيب وعدم الانضباط والاندماج في الثرثرة والنميمة.. وغير ذلك من العادات السيئة هذه السلبيات في مجملها تكفي لإعاقة النهضة.
وهذا متصل بملف الحريات، فالحرية السياسية أمر أساسي في التطور السياسي باتجاه الديمقراطية، والحرية تحتاج إلي ضمانات بعدم انتهاك حقوق الإنسان أو أولئك الذين يمارسون هذه الحرية. فالحرية إذا ما أعقبتها مضايقات وضغوط أو منع وعقاب لن يمكن اعتبارها حرية حقيقية.
وهكذا اعتمد مهاتير في تجربته علي الوحدة الوطنية حتي لا يكون الجهد أو العائد مقصوراً علي طائفة دون الأخري، وحتي يشعر الكل بأن التجربة هي تجربتهم وأن النهضة تستهدف الرخاء للجميع.
غير أن الحزم والصرامة التي يتحدث بها مهاتير قد جعلت البعض ينظر إليه كرجل لا يكترث كثيراً بضرورات السياسة واعتبارات الدبلوماسية، أو أنه وإن كان أكثر كفاءة إلا أنه أقل ديمقراطية، وإنني إذ أميل للقول بأن مهاتير كان حازماً لا ديكتاتوراً بغيضاً، فإنما أدلل علي ذلك بما اتخذه هو نفسه من قرار تاريخي، حيث اختار راضياً وبمحض إرادته أن يترك السلطة وقد قال بأن أحداً لم يكن يعلم - حتي زوجته - وحين فاجأ الماليزيين في خطابه بقرار التنحي عن السلطة، كان ذلك صدمة للجميع، لكنه مضي في قراره.
وقال قبيل مغادرته السلطة «هذا قرار نهائي، وإذا كانت ماليزيا بعد أكثر من عشرين عاماً من تجربتي في الحكم غير قادرة علي أن تمضي بمفردها، يصبح كل ما فعلناه خطأ، وما لم تجد البلاد قيادات سياسية جديدة تكمل طريق ماليزيا إلي المستقبل، فالمعني الوحيد لذلك.. أنني قد فشلت».
http://www.appi.org/book_covers/PLC.gif
المراجع:
- إبراهيم شحاتة «وصيتي لبلادي» مكتبة الأسرة.
- أحمد عكاشة «ثقوب في الضمير» دار الشروق طبعة منقحة تحت الطبع ٢٠٠٧.
- أحمد زويل «عصر العلم» دار الشروق ٢٠٠٤.
http://www.meenakshimission.org/img/psychiatry.jpg