المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يجوز للرجل أن يحجر على زوجته في مالها ؟


أبو الفداء الأندلسي
08-15-2008, 01:04 PM
هل يجوز للرجل أن يحجر على زوجته في مالها ؟

محمد مختار مصطفى المقرئ
وهل المال الذي تحصل عليه الزوجة من الدولة كمساعدة اجتماعية يعد من خاصة مالها الذي تملكه ؟ فإن كانت إنما تحصل على هذه المساعدة بسبب من قبل زوجها ، كونه هو الذي استقدمها إلى هذه البلاد لمقصد أو لآخر ، فهل تعد المساعدة ــ حينئذ ــ من حق الزوج ــ ولا حق للزوجة فيه ــ أم أنهما يشتركان في أحقيته ؟ أجيبونا مشكورين يرحمكم الله .



الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد ..

هذا السؤال مشتمل على مسألتين :

الأولى : حكم إنفاق الرجل على زوجته .

والثانية : حكم تصرف المرأة في مالها الذي تملكه ، وهل يجوز لزوجها سلبها إياه أو منعها من التصرف فيه .

المسألة الأولى : حكم إنفاق الرجل على زوجته .

ــ نفقة الزوجة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع ؛؛؛

أما الكتاب : فلقول الله تعالى : (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) (الطلاق : 7) ، وقال تعالى : (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) (الأحزاب : 50) .

وأما السنة : فلما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ([1] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn1)) .

وفي رواية الترمذي ــ بإسناده عن عمرو بن الأحوص ــ قال : " ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً ؛ فأما حقكم على نسائكم ، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " ([2] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn2)) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح . وجاءت هند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي . فقال : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ([3] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn3)) .

قال في "المغني" ــ : " وفيه دلالة على وجوب النفقة على زوجها ، وأن ذلك مقدر بكفايتها ، وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم ، وأن ذلك بالمعروف ، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه " ([4] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn4)) .

وأما الإجماع : فقد اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن ، إذا كانوا بالغين ، إلا الناشز منهن .

" وجملة الأمر : أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج ، على الوجه الواجب عليها ، فلها عليه جميع حاجاتها ؛ من مأكول ومشروب ، وملبوس ومسكن " ([5] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn5)) .

وكما يجب على الزوج النفقة لزوجته يجب عليه كذلك النفقة على أبنائه دونها ــ كما مر معنا في كلام ابن قدامة ــ ولا يلزم الزوجة شيء من ذلك وإن كانت غنية مقتدرة .

المسألة الثانية : حكم تصرف المرأة في مالها الذي تملكه ، وهل يجوز لزوجها سلبها إياه أو منعها من التصرف فيه .

ــ اختلف الفقهاء في كمال ولاية المرأة المالية ، ويروى أن ولايتها موضع إجماع، والأصح : رواية الخلاف ، وذلك على رأيين :

الأول ــ وهو رأي الجمهور ــ :

قالوا : المرأة البالغة الرشيدة لها الحرية التامة في كل مالها ، ليس لأحد عليها من سلطان ، سواء أكان ولياً أم زوجاً ، لأن الذكر والأنثى بالنسبة للأموال سواء .

الثاني ــ وهو رأي الإمام مالك [في رواية عنه] ــ :

إذ خالف ــ رحمه الله ــ الجمهور فيما تقدم من رأيهم ، وخلافه لهم في موضعين :

أحدهما : بالنسبة للبكر البالغة ، فهو يرى أن يحجر عليها [ أي أن يستمر الحجر الذي كان عليها في مالها وهي صغيرة وإن بلغت ] حتى تتزوج ويدخل زوجها بها، وهي بذلك مخالفة للغلام ؛ لأنه يرى أن رشدها لا يتم إلا بذلك ، لكونها في حال بكارتها محجوبة ، لا تعاني الأمور ، ولا تبرز للناس .

ويستمر الحجر على الفتاة ــ ما لم تتزوج ــ إذا كانت ذات أب أو إذا كانت يتيمة .

وحجة مالك في مخالفة الجمهور : أنه لم يعتبر البكر رشيدة ولا مؤنَساً رشدُها ، والله تعالى قد أناط ولاية المال بإيناس الرشد ، كما في قوله عز وجل : (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) (النساء : 6) .

ولا حجة للإمام مالك ــ رحمه الله ــ سوى هذا ، ولذا لا يعد رأيه راجحاً ، بل قد روي عنه موافقته لرأي الجمهور .

والموضع الثاني ــ بالنسبة للمتزوجة ــ : إذ يرى الإمام مالك أن المرأة المتزوجة الرشيد لها أن تعقد صفقات في مالها ، فلها أن تعقد عقود المبادلات ، ولكن ليس لها التبرع من مالها بغير إذن زوجها بأكثر من الثلث ، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، وعماد هذا القول : ما روي أن امرأة كعب بن مالك أتت النبي بحلي لها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يجوز لامرأة عطية حتى يأذن زوجها ، فهل استأذنت كعباً ؟ " فقالت : نعم . فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " هل أذنت لها أن تتصدق بحليها ؟ " قال : نعم ، فقبله . ولأن للزوج بعض الحق في مالها ، إذ العادة أن المهر يزيد وينقص تبعاً لزيادة مالها ونقصه ، فله بهذا الاعتبار فيه نوع من الحق ، فصارت كالمريض في تعلق حق الورثة بماله.

وهذه ــ كما نرى ــ حجج لا تقف أمام عموم النصوص التي جاءت بشأن الولاية والأهلية ، وشمولها للذكر والأنثى على السواء ، والحديث الذي يعتمد عليه أصحاب هذا الرأي ينكره أكثر العلماء ، ولقد رد ابن حزم على الإمام مالك رداً قوياً مظفراً في "المحلى" ، جاء فيه : " أما قول مالك ؛ فلا نعلم له متعلقاً ، لا من القرآن ولا من السنن ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ولا تابع ، ولا أحدٍ قَبله (إلا رواية عن عمر بن عبد العزيز) ، قد صح عنه خلافها ، ولا من قياس ، ولا من رأيٍ له وجه .

ثم يُردُّ قياسُ المرأة على المريض ، ويثبُتُ بطلانه من وجوه : أحدها : أن المرأة صحيحة ، ولا يصح قياس الصحيح على المريض . وثانيها : أنه لا علة تجمع بين المرأة الصحيحة والمريض ، ولا شبه بينهما . وثالثها : أنه لا تشابه بين تبرع المرأة ــ في زعمهم ــ وتبرع المريض ، لأن المريض ممنوع من أكثر من الثلث ، أما المرأة فيصح أن تتبرع ثلثاً بعد ثلث " ([6] (http://almuqri.com/index.php?catid=7&id=172#_ftn6)) .

على أني أنبه إلى أن هذا الرأي ــ على ضعفه ــ إنما هو في عطية المرأة من مالها بما يزيد على الثلث ، أما إنفاقها على نفسها فليس هو موضع هذا الرأي . وعليه فإن تصرف الزوجة في مالها ــ لا على جهة التبرع ــ هو محل اتفاق الأئمة الأربعة .

وتبقى ــ هاهنا ــ نقطة :

وهي أن غنى المرأة لا يُعفي الرجلَ من مسئوليته في الإنفاق عليها بحال ، فالإنفاق على الزوجة واجب بقطع النظر عن غناها أو عدمه . أما أن يعتمد الرجل على استغناء المرأة بمال تملكه ، فيمسك عن الإنفاق عليها ؛ فإن هذا لا يسقط عنه وجوب النفقة عليها ، وهو مسئول عن ذلك أمام الله تعالى ، والزوج إذا لم يدفع إلى زوجته ما يجب لها عليه من النفقة والكسوة ، أو دفع إليها أقل من كفايتها ؛ فلها أن تأخذ من ماله الواجبَ الذي يكفيها وولدُها ، بإذنه وبغير إذنه ، فإن لم يبذل الزوج لزوجته نفقتها ، ولم تقدر هي على مال له تأخذ منه كفايتها ؛ كان لها أن تقاضيه ، ويلزمه القاضي بالنفقة الواجبة لمثلها ، ويثبت في حقه ما تأخر من ذلك ديناً في ذمته ، اللهم إلا أن تتنازل المرأة عن حق النفقة ، فذلك شأنها كما تقدم .

هذا .. وإن من حسن العشرة أن يتعاون الزوجان على أعباء الحياة ، وأن تسود بينهما روحُ التسامح والعفو ، وقد قال الله تعالى ــ في سياق أحكام النكاح ــ : (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة : 237) .

وذلك من باب الإحسان ، ومكارم الأخلاق ، أردت أن أذكر به إشارة لا غير ، فإن هذا الجواب ينصب على بيان العدل الذي أمر الله تعالى به ، وما يجب من التزام الحدود واستيفاء الحقوق .

وبناء على ما سلف :

أقول : لا يجوز للرجل أن يعتمد على ما تبذله الدولة للزوجة ، ولا أن يحجر على عليها تصرفها فيه ، ولا أن يعد ذلك معفياً له مما فرض الله تعالى عليه من الإنفاق بمقتضى عقدة النكاح .

وهاهنا شبهة مردودة : إذ سمعت من بعضهم احتجاجه على أحقيته فيما تصرفه الدولة للزوجة بأنه إنما يصرف لها بسببه ، إذ إنها تمنح تلك المساعدة بناء على طلبه للجوء أو لتقاعده عن العمل أو لعجز أو نحوه ، وهذه شبهة ضعيفة متهافتة ، فإن ما تصرفه الدولة من مساعدات للأسر ، هو لسد حاجات الزوجة والأبناء ضرورة ، بالتبعية للزوج أو بدونه ، والدليل على ذلك أنه في حالة انفصال الزوجة عن زوجها تحصل على نفس هذه المساعدة ، وكذا بالنسبة للأطفال البالغين إذا ما انفصلوا عن آبائهم . فإن قيل : ولكن الزوج تسبب في مجيئها ، ومن ثم تحصلت على المساعدة بتسببه..

قلت : التسبب في التملك لا يُملك المتسببَ مما ملَّكه شيئاً ، كمن يوفر فرصة عملٍ لآخر ، أو يدله على مصدر اكتساب ، أو ييسر له باب ارتزاق ، فلا حق له فيما يكتسبه المرتزق ، اللهم إلا إن كان ذلك على سبيل العمولة ، كما الإجراء المتبع في مكاتب توفير العمالة ، وما يشترطه السماسرة ، علماً بأن هذه العمولة إنما تؤخذ بمقتضى عقد بين المكتب أو السمسار وطالب العمل ، مقابل الجهد المبذول لأجل توفير فرصة العمل ، لا لِتَمَلُّكِ جهةِ المكتب أو السمسار جزءاً من دخل العامل .

فلا وجه في الشرع لمنح الزوج سلطاناً على مال زوجته .

بل إن عطية الرجل لامرأته أو هبته لها شيئاً من خاصة ماله ــ إن قبضته ــ فلا سلطان له عليها فيه باتفاق ، وإن لم تقبضه ففيه خلاف .

وخلاصة المسألة : أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها في ماله ، لا يعفيه من ذلك استغناؤها بغيره أو استكفاؤها بما تملك . فلا يجوز له إلزامها بالإنفاق من خاصة مالها (سواء تملكته بسببه أو بسبب من غيره) على نفسها أو ولدها . ومن باب أولى أن لا يجوز أن يأخذ منها ذلك المال أو يحجر عليها التصرف فيه ، فإن منعها نفقتها الواجبة أو حجر عليه في مالها فقد ظلم ، وإن قهرها على مالها فسلبها إياه أو أجبرها على الإنفاق منه فيما هو واجب عليه ؛ فهو آكل لمالها بالباطل ، فليتق الله ربه ، ولا يبغ عليها في ذلك سبيلاً ، والله يهدي إلى سواء الصراط .

وصلى الله تعالى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين