المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال جديد للشيخ حامد العلي{زواج المتعة الثاني مع الشيطان الأكبر}


أبو الفداء الأندلسي
07-22-2008, 10:09 PM
زواج المتعة الثاني مع الشيطان الأكبر

حامد بن عبدالله العلي

لم تكد إيران تخرج من عدتها من زواج المتعة الأول ، أو ربما لايشترط التطهر من الحيضة عندهم !! وأعني هنا حيضة عار التعاون مع الشيطان الأكبر لإحتلال العراق ، وأفغانستـان ، في زواج المتعة الأول مع أمريكا.

لـم تكد تفعل ذلك ، حتى قبلت عرضا جديدا من الشيطان الأكبـر لتمتُّع جديد !

وقـد تمثَّل لي في ذهني لسانان يتجادلان على خلفية ما يجري من تطور مثير على العلاقــات بين طهران ، وواشنطن .

أحدهما يقول : إنَّه ثمـرة ما عرضته إيران على أمريكا من مدة طويلة أن يُستبدل الدور الخليجي السنّي برمته ، بدور إيراني شيعي في المنطقـة ، وأنها عملت على تحقيق هذا الدور طويلا ، حتَّى غدت متفاءلة جدا ، بأن المنطقة مقبلة على طور جديد تقوم فيه إيران بما كان يقوم به الخليجيون وغيرهم من دول عربية ، منذ نكبة 67م ، من رعاية المصالح الغربية ، وتسخير المقدرات لها، مقابل وضع إيران موضع البديل الكامل.

ويرى الإيرانيون أنَّ هذا الطور "الفاطمي" قادم لامحالة ، وسيشهد تحولا جذريا في كلِّ شيء ، وستقوم إيران ، والشيعة في كلَّ المنطقة في شرق الخليج وغربه تحت وصاية إيران ، بكلِّ ما يلزم لكي تتلاءم أطماع التحالف الصهيوغربي ، مع الخارطة الجديدة التي يحلمون فيها بنفوذ واسع ، يصبح فيه الفكر الشيعي هو المهيمـن ، سياسيا ، وثقافيا، وإجتماعيـا، وهو الراعي الجديد للمصالح الغربية.

وتحدث هذا اللسان عن شواهـد كثيرة منها :

أنَّ مؤتمر حوار الأديان الذي فاجأ الجميع في جرأته ، ليس له تفسير سوى أنه يأتي كاللعب في الوقت الضائع لإقناع الغرب بأننا نحن نستحق أن نبقى أوفياء لكم ، وحماية المنطقة مما يسمى التطرف إلى أبعد حد تريدون ، فلا تستبدلوا غيرنا بنا!

وهذه التهدئة الشاملة التي تحدث في العراق ، والمشهد اللبناني ، والتطورات المثيرة على الصعيد المفاوضات السورية الصهيونية ، وحتى في اليمن أعلن الرئيس اليمني مؤخـرا إنتهاء ثورة الحوثيين في صعـدة المدعومة إيرانيا ، فهذه كلُّها خيوط بيد النظام الإيراني ، تغيرت وتيرة التصعيد فيها إلى التهدئة ، وأتى ذلك في نسـق واحد ، مع تطور الخطاب الأمريكي تجاه إيران فجأة ، مما يدل على أنَّ ثمة صفقة كبرى تجري من وراء الكواليس.

كما من الملاحظ بوضوح تجنّب أمريكا ملاحقة الجمعيات الخيرية الشيعية ، ورموز الشيعة ، تحت طائلة ما يسمى "الإرهاب" ، مع أنها تدعم منظمات إيرانية مسلحة ، بينما يتم التركيز فقط على الجمعيات الخيرية الإسلامية السنية ، ورموز السنة .

كما أنَّه من الملاحظ أيضا ، أنَّ الشيعة يتحركون براحة في التوسُّع والنفوذ المجتمعي ، ويحصلون على مكاسب متسارعة في منطقة النفط الخليجي ، وعلى جميع الأصعـدة ، وأمريكا تغضُّ النظر عن ذلك كلَّه ، بل إنها تحميـه وترعاه أحيانا ، كما تؤكد ذلك مصادر مطلعة في بعض دول الخليج ، واليمن.

وقال هذا اللسان : إنَّ لسان حال الإيرانيين يقول للأمريكيين : إننـا وحدنا نملك القدرة على الإيذاء ، وعلى صناعة معادلات سياسية تزعج المصالح الأمريكية .

أما الدول السنية فلا تملك مشروعا ، ولم تعد قادرة حتَّى على خداع شعوبها ، فهي قد إنتهت صلاحيتها .

فإيران تملك جيشا ـ حزب حسن نصر ـ على حدود الكيان الصهيوني ، وهي وحدها القادرة على التحكّـم في النظام السوري ، وهي التي يمكنها التضحية بورقة المقاومة الفلسطينية ، بل يسرُّها ذلك جداً ، أعني أن تحرق ورقة المقاومة الفلسطينية في أي صفقـة مع أمريكا ، وهي التي تستطيع أن تجعل أسعار النفط تؤدي إلى كارثة إقتصادية عالمية ، أو العكس تماما .

وقبل ذلك كلُّه تملك جيشا متطوِّرا ، بصواريخ يصل مداها إلى تل أبيب ، وتسليحها برؤوس نووية وارد جداً .

وبما أنَّ عالم السياسة لايعرف الأصدقاء ، ولايعترف إلاَّ بالمصالح ، وتلك إنما هـي منوطة بمقدار قوة كلِّ من المتبادلين للمصالح ، فهذا العرض الإيراني يعد عرضا مغريا جداً ، وتلكم صفقـة يسيل لها اللعـاب الأمريكي.

وقال هذا اللسان : صحيح أنه قـد أدرج الرئيس بوش خلال خطاب ألقاه في يناير 2002 اسم إيران في ما وصفه بقائمة (محور الشر) الذي كان يضم العراق ، وكوريا الشمالية .

لكن بعد وقت قصير من الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، تقدمت طهران التي هزَّتهـا الحرب ، بعرض على أمريكا عُرف بـ (الصفقة الكبرى) ، كان من شأن هذا العرض ، أن يحلّ جملة من المسائل البارزة منها: برنامج إيران النووي ، وتأييدها لحماس ، وحزب الله ، بالإضافة لاستعدادها للتعاون في الحرب على القاعدة.

وكان بعض المراقبين قـد رأى في فشل واشنطن بالرد على هذا العرض ، إضاعـة فرصة كبرى ، وانحوْا باللائمة في ذلك ، على كلّ من نائب الرئيس ديك تشيني ، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد آنذاك.

وأما اليوم فقد تبين لأمريكا أنَّه خير لها أن تقبل العرض الإيراني ، وأن تنفخ الروح في تلك ( الصفقة الكبرى ) أعني الطور الشيعي الجديد ، الذي يُستبـدل الدور السنِّي بـه ، مقابل تنازلات إيرانية ، حتى لو كانت لاتشمل المشروع النووي الإيراني.

ويبدو أن الأمريكيين قبلوه ، وعقدوا زواج متعة جديد مع إيران ، ومع أنَّ عقد المتعة فاسـد لأنَّه مؤقـت ، لكن في عالم السياسة تُقبل العلاقات الفاسدة المؤقتة ، لأنه عالم فاسد أصلا ، كما أنه لايبقى فيه عدوّ دائم ، ولا صديق دائم .

وقد كان صنَّاع السياسة الأمريكية بين متخوِّف من هذه الخطوة لصعوبة الثقة بالإيرانيين ، مـع ضعف الضمانات ، ولأنَّ الغموض يكتنف هذا المتعامل الجديد ، خشية أن ينقلب ـ في عالم السياسة الذي لايعرف الإستقرار ، ولا يقيم وزنا للثقـة ـ الإيرانيون عليهم ، فيخسرون المنطقة برمتها .

بين هذا الفريق المتخوف ، وآخـر متشجـِّع لها ، لأنَّ البديل يعني بقاء حالة التحفـّز المستمر ، لأن الحسم العسكري متعذر ، كما يعني بقاء إرتفاع أسعار النفط ، واستمرار حالة الخوف في الكيان الصهيوني ، بسبب وجود من يأوي المقاومة ويمدُّها ، وهو النظام الإيراني ، بعد أن تخلى الجميع عنها .

ويبدو أن الرأي الأخيـر فاز على سابقه .

فها هي الولايات المتحدة تدخـل مباشرة على خط "سولانا – جليلي"، في مباحثات جنيف ، كما يأتي ذلك متسقا مع تصريحات أمريكية ، عن استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين العدوّين اللدوين ، وكذلك إقتراب افتتاح مكتب رعاية مصالح أمريكي في طهران . ويقال أنَّ ثمـَّـة خط آخر من قنوات حوار متعددة ، بين طهران والشيطان الأكبر ، و أن كمال خرازي، وزير خارجية إيران الأسبق ،كان أحد فرسان هذا الخط ، كما يقوم أكاديميون ، وسياسيون متقاعدون ، لكنَّهم مقربون من النظام ، على قنوات أخرى .

كما تتهامس مصادر أخرى ، أنَّ هذه التطورات العجيبة أصابت بعض الدول العربية المقرَّبـة من أمريكا بحالة فقدان التوازن ، فأبدت السعودية ضيقا خفيّا من التقارب السوري ـ الفرنسي ، أشار إليـه كوشنير بنفســه ، كمــا أشارت صحيفة روسية هــي ( كومرناست ) إلـى تأليب سعودي لروسيا على إيران ، ومثل هذا التململ يجري في النفس المصرية أيضا.وفي الختام قال لي هذه اللسان بحزم صارم :

ياحامد إننا أمام لحظة إقليمية ، ودولية ، بالغة الحساسية ، إنهـا تُؤذن بانفتاح أمريكي على ما أسمته بنفسها : "معسكر الشر" ، يأتي بعد أن مـرَّت فترة استطاع هذا المعسكر أن يفهم العقلية الأمريكية ، ويلعب نفس لعبتها ، فلم تعـدْ تنطلي عليه ، الحركات البهلوانية بالتهديد والتلويح بالعصا ، التي طالما ارتعدت فرائص الدول العربية منها ، بل أصبح يعارضها بمثلها ، ويضع بإزاء كلَّ خطة أمريكة ، خطة أخـرى ، حتى اضـطر أمريـكا أخيـرا أن تقول على لسان رايس : " ليس لأمريكا أعداء دائمون "!

أمـا الدول العربية التي تنظر إلى الطموح الإيراني بريبة مشوبة بالخوف والإندهاش : فإنها قرأت الشطر الثاني من قول رايس " وليس للولايات المتحدةأصدقاء دائمون" ! فإزداد خوفها !

وأما اللسان الأخـر فقـال :

كـلاّ ليس الأمر كما تقول ، فأنت مسكين ، وقعت تحت تأثير نظرية المؤامرة التي يتولَّع بها السذج من الناس في العادة ، فليس من المنطق في شيء ، أن يتحوَّل الغرب بهذه السهولة ، عن أنظمة حريصة على مصالحه أكثر من حرصها على مصالح نفسها ! نحـو نظام قائم على ثقافة ، وسياسة ، وأهداف ، مناقضة للغرب ، وقد بقي طيلة ثلاثين سنة في حالة عداء مع أمريكا ، كما أنّه نظام له أطماع إقليمية كبيرة ، لاتقبل المساومة عنده ، ومن المحال أن يتغير ذلك كلُّه ، هكذا فجأة إلى حالة من الإنسـجام والتوافق !
،
وأما نراه من مدّ ، وجزر في عالم السياسة ، فإنه هكذا هو هذا العالم المعقـَّد ، تحدث فيه بين المتنافسين ، خطوط إتصال ، وحالات إنقطاع ، وربما تُعرض الصفقات ، فتُعقد حتى بين الأعـداء ، ولكنَّها قـد لاتبقى طويلا ، وربما يتّخذ الأعداء مواقف تبدو أحيانا في صورة التهدئة لإهداف خفيَّة ، ثم لاتلبث حتى تنقلب إلى الضـدّ تماما.

ولهذا يصرح المقربون من البيت الأبيض أنَّ الإستراتيجية الأمريكية مع إيران لم تتغير ، لكن الجهود الدبلوماسية ستأخذ مداها .

وتعال لأذكر لك قصتين جرتـا مؤخـَّرا قريبا ، فمحطة إم بي سي السعودية ، قـد خصَّصت قناة للناطقين بالفارسية ، وهي إن تابعتها ، أمريكية الهوى ، والتوجُّه ، وهي تخاطب في الأساس إيران ، والجالية الإيرانية في الخليج ، ولاريب هذه القناة إنما تعزف على لحـن الأهداف الأمريكية ، بواسطة حلفاء أمريكا في المنطقة ، في إطار التركيز على عزل النظام الإيراني ، تمهيدا لطور تصعيدي جديد ستزداد وتيرته شيئا فشيئا .

القصة الثانية ـ وأنت ذكرتها آنفا ـ ولكن استشهدت بها على عكس ما أريد ، فالإتفاقيات التي وقعها الأمير بندر بن سلطان في موسكو ، وأشارت إليها صحيفة كومرسانت الروسية ، هدفها التأثير سلبا على مستوى التعاون الروسي ـ الإيراني ، لاسيما في المجال العسكري ، والنووي ، فهـي أيضا معزوفة جديدة في لحن الأهداف الأمريكية نفسها.

فهذان مثالان على أنَّ الإستراتيجية الأمريكية لاتتغير تجاه النظام الإيراني ، وهي قائمة على أنَّ الخسائر من تركه ينمو ويسيطر ـ حتى لو تـمَّ عقـد صفقة معه ـ أكبـر بكثير من خسائر مواجهته .

لكن تلك المواجهـة تحتاج إلى تغيير في التكتيك فقط ، ذلك أنَّ إشتعال المنطقة عسكريا ، لايتلاءم مع الحالة الراهنة البتة ، والانتخابات الأمريكية الرئاسية قريبة ، كما أنـَّه لا يحقق أهدافه إلاّ بعد مرور مراحل مهمة ، بحيـث يصبح بعدها تفكيك النظام الإيراني أيسـر ، وأقل كلفة .

فنحن إذن ياحامد أمام مرحلة جديدة .. نعم

ولكنها مرحلة لاتختفي فيها العداوات ، ولا يرتفع فيها الصراع على المصالح ، بل مرحلة تختلف فيها إدارة الصراع ، وطريقة إدارة تلك العداوات ، بوسائل دبلوماسية مؤقـَّتة .

ولاتنسى أنَّ مكتب رعاية المصالح الأمريكية كان قد فتح حتـّى في كوبا ، وغيرها من الدول الشيوعية ، في ذروة الصراع بين الغرب والمعسكر الشرقي، ولم يكن ذلك مناقضـا لتحقيق أهداف إلحاق الهزيمة بالمعسكر الشرقي.

وبالجملة فإنَّ هذا الصراع حقيقي ، وباق ، والغرب مصمِّم على إنهاء النظام الإيراني ، ومواجهتـه حتمية ، غير أنَّ تلك المواجهـة ، قد تتحقق بوسائل أقلّ كلفة من إشعال المنطقة عسكريا ، وقد يكون هذا هو المجازفة الأخيـرة ،

وفي كلا الحالتين ستؤدي إلى تغيير النظام جذريا .

وهذا معنى التصريح الأمريكي الأخير على هامش حضور وليام بيرنز للقاء جليلي ـ سولانا : أنَّ على إيران أن تختار بين التعاون أو المواجهـة.

أما ما ذكرت من إنتشار التشيع ..إلخ ، فلأنه برعاية نظام يسخـّر قدراته لنشر رسالته ، في مقابل أنظمـة تسخـِّر قدراتها لمحاربة رسالتها !

ثم ألقـى هذا اللسان الثاني إلى اللسان الأول ، بنظـرة واثقـة ، فوجـده مندهشا من قوّة الحجّة .

وعلى أية حال فإنَّ المهم هنا الإستفادة من دروس المرحلة التي نمـر بها في ظلال صراع حضاري هائل على مقدرات بلادنا ، ومستقبلها .

وهذا الصراع يجري ، ونحن بين أنظمة سياسية عاجزة ، وخائفة ، وعلماء ومثقفين غيَّبت المناهج الفكرية العقيمة عقولهم ، أو هـم غيَّبوا أنفسهـم بأنفسهـم ، عن التأثيـر في الأحـداث.

وطروء بعـض فوضى ، وشيء من القصـور، على الساحـة الجهادية ، سببهما إمـّا التقصير في إكتساب المعرفة النافعـة ، على مستوى الشرع ، وعلى مستوى قراءة الواقـع ، إغتراراً بالأنـا ، وتعصُّبـا للتنظيـم.

أو بسبب ضعف خلْقي في المدارك ، أوعيوب النفوس وحظوظها ، مما قصر بهـم عن مستوى التحدِّي ، في خوض المواجهـة الكبيرة ، وفي فهم الصورة الكبيرة ، فانشغلوا بالثانويات.

غير أنَّ هذا إنمـَّا يتنـزَّل على بعض تفاصيـل المشهـد الجهـادي ، وليس هـو في توجُّـه الأمة العام في مواجهتهـا أعداءها ، فالحالة الجهادية العامَّة لازالت تبشِّـر بخير ، على مستوى الفكر ، واللسان ، و السلاح .

هذا .. ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ، ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ، ويرزقنا إجتنابه ، إنه هو حسبنا ، عليه توكلنا ، وعليه فليتوكّل المتوكلـون