المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن الحكم إلا لله


المرابط المقدسي
06-12-2008, 07:03 PM
إن الحكم إلا لله



يقول تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57].

ولقد قالها يوسف عليه السلام وهو في سجنه فكان حراً: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: 40]. وها نحن مستعبدون ولو كنّا خارج أسوار السجون، أرهبتنا عصا الطاغوت وأغرتنا مقاعد البرلمان!!!

أيها المسلمون:

دعوتكم دعوة انقلاب عالمي شامل، لا غموض فيها ولا إبهام؛ فليس لأحد من بني آدم فردا كان أو جماعة أن ينصب نفسه إلهاً يُشَرِعُ من دون الله يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يريد. والذين يرضون أمثال هؤلاء الطواغيت لهم ملوكاً وأمراء إنما يشركون بالله، {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا} [النساء: 60]، وذلك مبعث الفساد في الأرض، ومنه تنفجر ينابيع الشر والطغيان.


* * *

هل دخول البرلمان شهادةٌ أنَّ مع الله آلهة أخرى؟!!

هذا سؤال أجاب عنه الشهيد سيد قطب رحمه الله، وإليك أخي المسلم تلك الإجابة الشافية:

يقول تعالى: {أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى؟ قل: لا أشهد، قل: إنما هو إله واحد، وإنني بريء مما تشركون}.

(إن هذه القضية التي عرضها السياق القرآني في هذه الآيات.. قضية الولاء والتوحيد والمفاصلة.. هي قضية هذه العقيدة؛ وهي الحقيقية الكبرى فيها. وإنّ العصبة المؤمنة اليوم لخليقة بأن تقف أمام هذا الدرس الرباني فيها وقفة طويلة...

إن هذه العصبة تواجه اليوم من الجاهلية الشاملة في الأرض، نفس ما كانت تواجهه العصبة التي تنزلت عليها هذه الآيات، لتحدد على ضوئها موقفها، ولتسير على هذا الضوء في طريقها؛ وتحتاج - من ثم - أن تقف وقفة طويلة أمام هذه الآيات، لترسم طريقها على هداها.

لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية؛ وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم جاءها الإسلام مبينا على قاعدته الكبرى: "شهادة أن لا إله إلا الله".. شهادة أن لا إله إلا الله بمعناها الذي عبر عنه ربعي بن عامر رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس، وهو يسأله: "ما الذي جاء بكم؟"، فيقول: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

وهو يعلم أن رستم وقومه لا يعبدون كسرى بوصفه إلها خالقا للكون؛ ولا يقدمون له شعائر العبادة المعروفة؛ ولكنهم إنما يتلقون منه الشرائع، فيعبدونه بهذا المعنى الذي يناقض الإسلام وينفيه؛ فأخبره أن الله ابتعثهم ليخرجوا الناس من الأنظمة والأوضاع التي يعبد العباد فيها العباد، ويقرون لهم بخصائص الألوهية - وهي الحاكمية والتشريع والخضوع لهذه الحاكمية والطاعة لهذا التشريع - وهي الأديان.. إلى عبادة الله وحده وإلى عدل الإسلام.

لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله. فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان؛ ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن: "لا إله إلا الله"؛ دون أن يدرك مدلولها، ودون أن يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية "الحاكمية " التي يدعيها العباد لأنفسهم - وهي مرادف الألوهية - سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية - أي البرلمانات - أو كشعوب؛ فالأفراد، كالتشكيلات، كالشعوب، ليست آلهة، فليس لها إذن حق الحاكمية.. إلا أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلا الله؛ فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء...

البشرية بجملتها، بما فيها أولئك الذين يرددون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات: "لا إله إلا الله" بلا مدلول ولا واقع.. وهؤلاء أثقل إثما وأشد عذابا يوم القيامة، لأنهم ارتدوا إلى عبادة العباد - من بعدما تبين لهم الهدى - ومن بعد أن كانوا في دين الله!

فما أحوج العصبة المسلمة اليوم أن تقف طويلا أمام هذه الآيات البينات! ما أحوجها أن تقف أمام آية الولاء: {قل: أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم؟ قل: إني أمرت أن أكون أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين}؛ ذلك لتعلم أن اتخاذ غير الله وليا - بكل معاني "الولي".. وهي الخضوع والطاعة، والاستنصار والاستعانة.. يتعارض مع الإسلام، لأنه هو الشرك الذي جاء الإسلام ليخرج منه الناس.. ولتعلم أن أول ما يتمثل فيه الولاء لغير الله هو تقبل حاكمية غير الله في الضمير أو في الحياة [1].. الأمر الذي تزاوله البشرية كلها بدون استثناء. ولتعمل أنها تستهدف اليوم إخراج الناس جميعا من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده) [2].

وقد يُخيل لبعض المسلمين أنَّ الدخول في هذه التشكيلات التشريعية وسيلة للخلاص من الطاغوت؛ فبماذا يرد الشهيد عليهم؟

يقول رحمه الله: (إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي، ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي، والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع. هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع، ولحساب منهجه وتصوره) [3].

الانحراف بدأ طفيفاً حتى وصل إلى مشروعية الزنا، والمشاركة في حكومة علاّوي!!!

الانحراف يبدأ طفيفاً في أول الطريق ثمَّ ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة، لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! وهذا ما حصل مع أكبر الأحزاب الإسلامية حين ألغت عقوبة الزنا. {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65].


* * *

البرلمان خدمة للطاغوت:

إن تميز المسلم بعقيدته في المجتمع الجاهلي، لا بد أن يتبعه حتما تميزه بتجمعه الإسلامي وقيادته وولائه.. وليس في ذلك اختيار.. إنما هي حتمية من حتميات التركيب العضوي للمجتمعات.. هذا التركيب الذي يجعل التجمع الجاهلي حساسا بالنسبة لدعوة الإسلام القائمة على قاعدة عبودية الناس لله وحده؛ وتنحية الأرباب الزائفة عن مراكز القيادة والسلطان. كما يجعل كل عضو مسلم يتميع في المجتمع الجاهلي خادما للتجمع الجاهلي لا خادما لإسلامه كما يظن بعض الأغرار! أفلا يتدبرون قوله تعالى: { وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].

أيها المسلمون:

يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، لا أن نحكم بما تراه الأغلبية! فأي تمييع أكبر من هذا لكلمة لا إله إلا الله. { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]، وليس لنا إلا السمع والطاعة، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: 41]؛ فكل من لم يحكم بما أنزل الله كافر فاسق ظالم، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

والحكم بما أنزل الله فرض واجب، {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 48]، {وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49]؛ فهل يجوز لك يا مسلم أن تُوَكِّلَ رئيساًً أو مجلس تشريع يحكم بغير ما أنزل الله؟ فهذا حرام ستُحاسب عنه أمام الله يوم القيامة، يقول تعالى: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62]، فكيف نستبدل حكم خير الحاكمين وأحكمهم بحكم العبيد! {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 12].

{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وليس للأكثرية البرلمانية!

أيها المسلمون: نلفت انتباهكم أنَّ هناك دراسة صدرت عن الجماعة الإسلامية بعنوان (البدعة الكبرى)، سيتم نشرها عمّا قريب بعون الله.


الواثِقُونَ بِنَصْرِ الله...
نشرة دعوية، تُصدرها الجماعة الإسلامية


--------------------------------------------------------------------------------

[1] فماذا يقول الشهيد لو علم أنّ بعض المسلمين قد قبل التعدد السياسي، وقبل التداول على السلطة! وأصبح همّه أن يكون حزباً سياسيا مُعترفاً به من قبل الجاهلية، بل ودخل بعضهم في الحكومة العراقية المؤقتة، أي حكومة علاّوي!!

[2] 1057-1058الظلال.

[3] 2092الظلال.

أم الزبير محمد الحسين
01-01-2009, 02:53 AM
الله المستعان
جزاكم الله خيراً