المرابط المقدسي
06-01-2008, 08:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أتم الصلاة والتسليم ، أما بعد :
فاعلموا عباد الله أن الله تعالى خلق الخلق لحكمةٍ عظيمةٍ وهي عبادته وحده لا شريك له ، قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي : ليوحدون يقول الله تعالى : وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون : 3] فنفى الله عن المشركين عبادتهم له مع أنهم كانوا يقومون ببعض العبادات وذلك لعدم توحيدهم لله في العبادة .
والتوحيد : هو إفراد الله بحقوقه .
قال تعالى : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [ الجن : 18 ] .
وقد اصطلح بعض أهل العلم على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : توحيد الربوبية .
النوع الثاني : توحيد الألوهية .
النوع الثالث : توحيد الأسماء والصفات .
وقد اجْتَمَعت هذه الأقسام الثلاثة في قولِهِ تعالَى: رَبِّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [ مريم : 65 ] ، فقوله تعالى : رَبِّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فيه توحيد الربوبية ، وقوله : فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ فيه توحيد الألوهية ، وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فيه توحيد الأسماء والصفات .
النوع الأول : توحيد الربوبية :
وهو إفرادُ الله بأفعاله كالخلق ، والملك ، والأمر وغير ذلك من أفعاله .
فنعتقد بانفراده بالخلق والأمر كما قال تعالى : أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [ الأعراف : 54 ] .
ولا يملك الخلق إلا الله قال تعالى : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ النور : 42 ] .
وهذا النوع يُقرُّ به حتى الكفار ، فهم يؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ليس له شريك في ملكه ولذلك كان القرآن يستدل بتوحيد الربوبية الذي يُقرّون به على توحيد الألوهية الذي يُنكرونه قال تعالى : قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس:31].
النوع الثاني : توحيد الألوهية :
وهو إفراد الله تعالى بأفعال العباد كالدعاء والخوف والرجاء والمحبة والتوكل والإنابة وغيرها من أنواع العبادة .
قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ البقرة : 21 ] .
وتوحيد الألوهية هو دعوة جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ، وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [ النحل : 36 ] .
وهو الذي أنكره الكفار وكفَّر الله به المشركين ، وأباح به دماءهم وأموالهم ونساءهم كما جاء في الحديث المتواتر قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) أخرجاه في الصحيحين .
وهذا النوع هو معنى قول : لا إله إلا الله .
فمعناها : لا معبود حقٌّ إلا الله قال تعالى لكليمه موسى – عليه السلام - : إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [ طه : 14 ] ، وهي تشتمل على ركنين :
الأول : النفي في قوله : لا إله ، نافياً جميع ما يعبد من دون الله .
الثاني : الإثبات في قوله : إلا الله ، مُثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في مُلكه وربوبيته .
فلا يتم التوحيد إلا بهذين الركنين قال الله تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا [ البقرة : 256 ] ، وقال سبحانه : أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [ النحل : 36 ] ، وجاء في صحيح الإمام مسلم أن رسول الله قال : ( من قال : لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) .
والطاغوت : هو كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ .
فالمعبود : مثل الأصنام .
والمتبوع : مثل الكُهَّانُ ، والسحرة ، وعلماء السوء .
والمطاع : مثل الطواغيت المعاصرة كالمحاكم القانونية سواءً أكانت إقليميَّةً أو محليَّةً أو عالميَّةً ، وكالحكومات الطاغوتية ، وكالحكَّامِ المُشركين ، وكالمجالس التشريعية البرلمانية وأمثالها ، فإذا اتخذهم الإنسان أرباباً يُحلُّ ما حرَّم الله من أجل تحليلهم له ، ويُحرِّم ما أحلَّ الله من أجل تحريمهم له فهؤلاء طواغيت ، والفاعل عابدٌ للطاغوت قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:60] ، وقال سبحانه : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] عن عدي بن حاتم : أنه سمع النبي يقرأ هذه الآية: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا الآية ، قال : ( فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ) قال : ( أليس يُحرِّمون ما أحلّ اللهُ فتُحرِّمونَهُ ، ويُحلُّونَ ما حرّمَ الله فتُحلُّونَهُ ؟ ) فقلت : ( بلى ) قال : ( فتلك عبادتهم ) رواه الترمذي ، وقد أجمع أهل العلم على تفسير هذه الآية بما جاء في الحديث .
ويدخل في الكفر بالطَّاغوت معاداته و بغضه ، وعدم الرِّضى بعبادته بوجهٍ من الوجوه قال تعالى : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ الممتحنة : 4] ، وقال تعالى : وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [ الزمر : 17 ] .
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وكلُّ آيةٍ في القرآن ، فهي داعيةٌ إلى هذا التوحيد ، شاهدةٌ به ، متضمِّنةٌ له ؛ لأن القرآن :
- إما خبرٌ عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وهو توحيد الرُّبوبيَّة ، وتوحيد الصِّفات .
- وإما دعاءٌ إلى عبادته وحده لا شريك له ، وخلع ما يعبد من دونه ، أو أمرٌ بأنواعٍ من العبادات ، ونهيٌ عن المخالفات ، فهذا هو توحيد الإلهيَّة والعبادة .
- وإما خبرٌ عن إكرامه لأهل توحيده وطاعته ، وما فعل بهم في الدُّنيا ، وما يكرمهم به في الآخرة ، فهو جزاء توحيده .
- وإما خبرٌ عن أهل الشِّرك وما فعل بهم في الدُّنيا من النَّكال ، وما يُحِلُّ بهم في العُقبى من الوَبَال ، فهو جزاءُ من خرج عن حكم التوحيد ) .
وهذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه ، قال تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ آل عمران : 85 ] .
ويتضمن هذا التوحيد جميع أنواع العبادة ، فيجبُ إخلاصها جميعاً لله قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ البينة : 5 ].
النوع الثالث من أنواع التوحيد : توحيد الأسماء والصفات :
وهو إفرادُ اللهِ - عَزَّ وجلَّ - بما اختصَّ به مِن الأسماءِ والصِّفاتِ ، وهذا يتضمَّنُ شيئينِ:
الأول : الإثبات ، وذلك بأن نُثبتَ للهِ عزَّ وجلَّ جميعَ أسمائِهِ وصفاتِهِ التي أثبَتَها لنفسِهِ في كتابهِ أو سنَّةِ نبيِّهِ .
الثاني: نَفيُ المماثلةِ ، وذلك بأن لا نجعَلَ للهِ مثيلاً في أسمائِهِ وصفاتِهِ ، وذلك كما قال تعالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى : 11] .
فقوله : وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ فيه إثبات لصفتي السمع والبصر .
وقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه نفي مماثلته لأحدٍ من خلقه .
وقد ضلَّت في هذا طائفتان :
الطائفة الأولى سلكت مسلك التمثيل فشبهت الله بالمخلوقين فقالت : لله سمعٌ كسمعي ، وبصرٌ كبصري ، وهكذا غيرها من الصفات ، والرد على هؤلاء من الآية قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
الطائفة الثانية هربت مما وقعت فيه الطائفة الأولى من التمثيل فسلكت مسلك التعطيل فنفوا عن الله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله من الأسماء والصفات فيقولون : ليس لله سمعٌ ، ولا بصر ، أو نفوا علوَّه واستواءه على عرشه وغيرها من الصفات ، والرد على هؤلاء من الآية قوله تعالى : وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .
فالواجبُ : أن نؤمن بأسمائه وصفاته التي ذكر الله تعالى في كتابِهِ ، وعلى لسانِ رسولِهِ ، مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [ مريم : 65] ، وقال تعالى : وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [ الإخلاص : 4 ] ؛ فيقال : لله سمعٌ ليس كسمع المخلوق ، وبصرٌ ليس كبصر المخلوق .
* الشرك :
إذا تبيَّن هذا فاعلم أنَّ ضد التوحيد الشِّرك : وهو إشراك غير الله فيما هو من خصائص الله .
قال تعالى حاكياً ما يقوله المشركون لآلتهم في النار : تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97-98].
وهو نوعان :
1- شرك أكبر .
2- شرك أصغر .
النوع الأول : الشرك الأكبر:
وهو المخرج من الملة ، ولا يغفر الله لصاحبه إلا بالتوبة ، وصاحبه إن لقي الله به فهو خالدٌ مخلدٌ في النار ، قال تعالى : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء : 48] ، وقال تعالى : إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة :72 ] .
والشرك الأكبر أنواعه كثيرة ومدارها على أربعة أنواع :
الأول : شرك الدعاء :
قال تعالى : وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [ المؤمنون : 117 ] .
الثاني : شرك الطاعة :
وهي طاعة الأحبار والرهبان والعلماء والأمراء في معصية الله ، قال تعالى : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] وقد تقدم ذكر حديث عديِّ بن حاتمٍ عند هذه الآية ، وقال تعالى : يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [ الأحزاب : 66 ، 67 ] ، وقال تعالى : وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [ الكهف : 26 ] .
الثالث : شرك المحبة :
قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة :165] .
* أنواع المحبة :
قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وها هنا أربعة أنواع من المحبة ، يجب التفريق بينها ، وإنما ضلَّّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها :
أحدها : محبة الله ، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ، فإن المشركين وعُبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يُحبُّون الله .
الثاني : محبة ما يُحب الله ، وهذه هي التي تدخله في الإسلام ، وتخرجه من الكفر ، وأحبُّ الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة ، وأشدهم فيها .
الثالث : الحب لله وفيه ، وهي من لوازم محبة ما يُحبُّ ، ولا تستقيم محبة ما يُحبُّ إلا فيه وله.
الرابعة : المحبة مع الله ، وهي المحبة الشركية ، وكل من أحب شيئاً مع الله ، لا لله ، ولا من أجله ، ولا فيه ؛ فقد اتَّخذه ندَّاً من دون الله ، وهذه محبة المشركين ) .
الرابع : شرك النية والإرادة والقصد :
وهو أن يقصد بعمله غير الله ، قال تعالى : مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [هود : 15-16] ، وقال تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [ الزمر : 2 ، 3 ] .
وعن أبي هريرةَ قال : قال رسول الله : ( قال اللهُ تعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَركْتُه وَشِرْكَه ) رواهُ مسلمٌ .
النوع الثاني من أنواع الشرك : الشرك الأصغر :
وهو غير مخرج من الملة ، وصاحبه إن لقي الله به فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه ؛ ولكن لا يخلد صاحبه في النار ، وقيل : أنه لابد أن يطهر بالنار لعموم دخوله تحت مسمى الشرك في قوله تعالى : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [ النساء : 48 ] .
ومن أنواع الشرك الأصغر :
يسير الرياء : قال : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) فسُئل عنه ؟ فقال : ( الرياء ) رواه أحمد وغيره بإسنادٍ حسن .
وقال : ( الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة ) قالوا : كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال : ( قل اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ) رواه ابن حبان في صحيحه .
ومن أنواعه أيضاً : الحلف بغير الله إن لم يقصد تعظيم المحلوف به كتعظيم المعبود ، وأما إن قصد تعظيمه ومساواته بالله فهو شرك أكبر .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه .
ومن أنواعه أيضاً : قول الشخص لآخر : ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا ، فإن اعتقد أنَّه يُشارك الله عزَّ وجلَّ في التدبير والمشيئة فهو شركٌ أكبر ، وإن لم يعتقد ذلك واعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى هو القادر على كلِّ شيءٍ فهو شركٌ أصغر .
ودليله ما ثبت أنَّ النبي لمَّا قال له رجلٌ : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ ، قالَ : ( أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا ؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ ) رواهُ أحْمَدُ وابنُ أَبي شَيْبَةَ ، والبخاريُّ في ( الأَدَبِ المُفْرَدِ ) والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ( لاَ تَقُولُوا : مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
ولاشك أن قول : ما شاء الله وحده أكمل في الإخلاص وأبعد عن الشرك .
ومن أنواعه لُبْس الحلقة والخيط إذا لم يعتقد لابِسُها أنها مؤثرةٌ بنفسها دون الله أو مع الله فإن اعتقد ذلك فهو مُشركٌ شركاً أكبر ، لأنه اعتقد أن هذه تنفع وتضرُّ دون الله .
وأما إن اعتقد أنها سببٌ وليست مؤثرةً بنفسها ، فهو مشركٌ شركاً أصغر لأنه اعتقد ما ليس بسببٍ لا قدراً ولا شرعاً سَبَبَاً .
ودليله ما رواه عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ النَّبِيَّ رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ ، فَقَالَ : ( مَا هَذِهِ ؟ ) ، قَالَ : مِنَ الْوَاهِنَةِ ، فَقَالَ : ( انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لاَ بَأْسَ بِهِ ، وعن ابن مسعودٍ قال : سمعت رسول الله يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) رواه أحمد وأبو داود .
* بيان أركان الإسلام والإيمان والإحسان :
أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر , لا يرى عليه أثر السفر , ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه , وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام , فقال رسول الله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه , قال : أخبرني عن الإيمان قال : ( أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال : صدقت , قال : فأخبرني عن الإحسان , قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) قال : فأخبرني عن الساعة , قال: ( ما المسئول بأعلم من السائل ) قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال : ( أن تَلِدَ الأمةُ رَبَّتَها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ) ، ثم انطلق فلبثتُ مليَّاً , ثم قال : ( يا عمر , أتدري من السائل ؟ ) , قلت : الله ورسوله أعلم , قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
* الإيمان ونواقضه :
الإيمان عند أهل السنة اعتقادٌ بالجنان ، وقولٌ باللسان ، وعملٌ بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان .
ودليل ذلك قول الرسول : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان ) رواه مسلم .
فجعل قول : لا إله إلا الله من الإيمان ، وهو قولٌ فدلَّ على دخول الأقوال في مُسمَّى الإيمان .
كما أنه جعل إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان وهو عمل ، فدلَّ على دخول الأعمال أيضاً في مُسمَّى الإيمان .
وأيضاً قوله : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .
ودليلُ زيادة الإيمان ونُقصانه قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح : 4 ] ، وقوله تعالى : وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [ التوبة : 124] وإذا ثبتت الزيادة ثبت النقص ومن الأدلة على نقصانه أيضاً قوله كما في صحيح الإمام مسلم : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ) .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمدٍ عليه وعلى آله وصحبه أتم الصلاة والتسليم ، أما بعد :
فاعلموا عباد الله أن الله تعالى خلق الخلق لحكمةٍ عظيمةٍ وهي عبادته وحده لا شريك له ، قال الله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي : ليوحدون يقول الله تعالى : وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [الكافرون : 3] فنفى الله عن المشركين عبادتهم له مع أنهم كانوا يقومون ببعض العبادات وذلك لعدم توحيدهم لله في العبادة .
والتوحيد : هو إفراد الله بحقوقه .
قال تعالى : وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [ الجن : 18 ] .
وقد اصطلح بعض أهل العلم على تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول : توحيد الربوبية .
النوع الثاني : توحيد الألوهية .
النوع الثالث : توحيد الأسماء والصفات .
وقد اجْتَمَعت هذه الأقسام الثلاثة في قولِهِ تعالَى: رَبِّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [ مريم : 65 ] ، فقوله تعالى : رَبِّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فيه توحيد الربوبية ، وقوله : فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ فيه توحيد الألوهية ، وقوله : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا فيه توحيد الأسماء والصفات .
النوع الأول : توحيد الربوبية :
وهو إفرادُ الله بأفعاله كالخلق ، والملك ، والأمر وغير ذلك من أفعاله .
فنعتقد بانفراده بالخلق والأمر كما قال تعالى : أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [ الأعراف : 54 ] .
ولا يملك الخلق إلا الله قال تعالى : وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [ النور : 42 ] .
وهذا النوع يُقرُّ به حتى الكفار ، فهم يؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ليس له شريك في ملكه ولذلك كان القرآن يستدل بتوحيد الربوبية الذي يُقرّون به على توحيد الألوهية الذي يُنكرونه قال تعالى : قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [يونس:31].
النوع الثاني : توحيد الألوهية :
وهو إفراد الله تعالى بأفعال العباد كالدعاء والخوف والرجاء والمحبة والتوكل والإنابة وغيرها من أنواع العبادة .
قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ البقرة : 21 ] .
وتوحيد الألوهية هو دعوة جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ، وقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [ النحل : 36 ] .
وهو الذي أنكره الكفار وكفَّر الله به المشركين ، وأباح به دماءهم وأموالهم ونساءهم كما جاء في الحديث المتواتر قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) أخرجاه في الصحيحين .
وهذا النوع هو معنى قول : لا إله إلا الله .
فمعناها : لا معبود حقٌّ إلا الله قال تعالى لكليمه موسى – عليه السلام - : إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [ طه : 14 ] ، وهي تشتمل على ركنين :
الأول : النفي في قوله : لا إله ، نافياً جميع ما يعبد من دون الله .
الثاني : الإثبات في قوله : إلا الله ، مُثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في مُلكه وربوبيته .
فلا يتم التوحيد إلا بهذين الركنين قال الله تعالى : فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا [ البقرة : 256 ] ، وقال سبحانه : أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ [ النحل : 36 ] ، وجاء في صحيح الإمام مسلم أن رسول الله قال : ( من قال : لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) .
والطاغوت : هو كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاعٍ .
فالمعبود : مثل الأصنام .
والمتبوع : مثل الكُهَّانُ ، والسحرة ، وعلماء السوء .
والمطاع : مثل الطواغيت المعاصرة كالمحاكم القانونية سواءً أكانت إقليميَّةً أو محليَّةً أو عالميَّةً ، وكالحكومات الطاغوتية ، وكالحكَّامِ المُشركين ، وكالمجالس التشريعية البرلمانية وأمثالها ، فإذا اتخذهم الإنسان أرباباً يُحلُّ ما حرَّم الله من أجل تحليلهم له ، ويُحرِّم ما أحلَّ الله من أجل تحريمهم له فهؤلاء طواغيت ، والفاعل عابدٌ للطاغوت قال تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:60] ، وقال سبحانه : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] عن عدي بن حاتم : أنه سمع النبي يقرأ هذه الآية: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا الآية ، قال : ( فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ) قال : ( أليس يُحرِّمون ما أحلّ اللهُ فتُحرِّمونَهُ ، ويُحلُّونَ ما حرّمَ الله فتُحلُّونَهُ ؟ ) فقلت : ( بلى ) قال : ( فتلك عبادتهم ) رواه الترمذي ، وقد أجمع أهل العلم على تفسير هذه الآية بما جاء في الحديث .
ويدخل في الكفر بالطَّاغوت معاداته و بغضه ، وعدم الرِّضى بعبادته بوجهٍ من الوجوه قال تعالى : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ الممتحنة : 4] ، وقال تعالى : وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ [ الزمر : 17 ] .
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( وكلُّ آيةٍ في القرآن ، فهي داعيةٌ إلى هذا التوحيد ، شاهدةٌ به ، متضمِّنةٌ له ؛ لأن القرآن :
- إما خبرٌ عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وهو توحيد الرُّبوبيَّة ، وتوحيد الصِّفات .
- وإما دعاءٌ إلى عبادته وحده لا شريك له ، وخلع ما يعبد من دونه ، أو أمرٌ بأنواعٍ من العبادات ، ونهيٌ عن المخالفات ، فهذا هو توحيد الإلهيَّة والعبادة .
- وإما خبرٌ عن إكرامه لأهل توحيده وطاعته ، وما فعل بهم في الدُّنيا ، وما يكرمهم به في الآخرة ، فهو جزاء توحيده .
- وإما خبرٌ عن أهل الشِّرك وما فعل بهم في الدُّنيا من النَّكال ، وما يُحِلُّ بهم في العُقبى من الوَبَال ، فهو جزاءُ من خرج عن حكم التوحيد ) .
وهذا التوحيد هو حقيقة دين الإسلام الذي لا يقبل الله من أحدٍ سواه ، قال تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [ آل عمران : 85 ] .
ويتضمن هذا التوحيد جميع أنواع العبادة ، فيجبُ إخلاصها جميعاً لله قال تعالى : وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ البينة : 5 ].
النوع الثالث من أنواع التوحيد : توحيد الأسماء والصفات :
وهو إفرادُ اللهِ - عَزَّ وجلَّ - بما اختصَّ به مِن الأسماءِ والصِّفاتِ ، وهذا يتضمَّنُ شيئينِ:
الأول : الإثبات ، وذلك بأن نُثبتَ للهِ عزَّ وجلَّ جميعَ أسمائِهِ وصفاتِهِ التي أثبَتَها لنفسِهِ في كتابهِ أو سنَّةِ نبيِّهِ .
الثاني: نَفيُ المماثلةِ ، وذلك بأن لا نجعَلَ للهِ مثيلاً في أسمائِهِ وصفاتِهِ ، وذلك كما قال تعالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى : 11] .
فقوله : وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ فيه إثبات لصفتي السمع والبصر .
وقوله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه نفي مماثلته لأحدٍ من خلقه .
وقد ضلَّت في هذا طائفتان :
الطائفة الأولى سلكت مسلك التمثيل فشبهت الله بالمخلوقين فقالت : لله سمعٌ كسمعي ، وبصرٌ كبصري ، وهكذا غيرها من الصفات ، والرد على هؤلاء من الآية قوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .
الطائفة الثانية هربت مما وقعت فيه الطائفة الأولى من التمثيل فسلكت مسلك التعطيل فنفوا عن الله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله من الأسماء والصفات فيقولون : ليس لله سمعٌ ، ولا بصر ، أو نفوا علوَّه واستواءه على عرشه وغيرها من الصفات ، والرد على هؤلاء من الآية قوله تعالى : وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ .
فالواجبُ : أن نؤمن بأسمائه وصفاته التي ذكر الله تعالى في كتابِهِ ، وعلى لسانِ رسولِهِ ، مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ قال تعالى : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [ مريم : 65] ، وقال تعالى : وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [ الإخلاص : 4 ] ؛ فيقال : لله سمعٌ ليس كسمع المخلوق ، وبصرٌ ليس كبصر المخلوق .
* الشرك :
إذا تبيَّن هذا فاعلم أنَّ ضد التوحيد الشِّرك : وهو إشراك غير الله فيما هو من خصائص الله .
قال تعالى حاكياً ما يقوله المشركون لآلتهم في النار : تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 97-98].
وهو نوعان :
1- شرك أكبر .
2- شرك أصغر .
النوع الأول : الشرك الأكبر:
وهو المخرج من الملة ، ولا يغفر الله لصاحبه إلا بالتوبة ، وصاحبه إن لقي الله به فهو خالدٌ مخلدٌ في النار ، قال تعالى : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء : 48] ، وقال تعالى : إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة :72 ] .
والشرك الأكبر أنواعه كثيرة ومدارها على أربعة أنواع :
الأول : شرك الدعاء :
قال تعالى : وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [ المؤمنون : 117 ] .
الثاني : شرك الطاعة :
وهي طاعة الأحبار والرهبان والعلماء والأمراء في معصية الله ، قال تعالى : اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] وقد تقدم ذكر حديث عديِّ بن حاتمٍ عند هذه الآية ، وقال تعالى : يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [ الأحزاب : 66 ، 67 ] ، وقال تعالى : وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [ الكهف : 26 ] .
الثالث : شرك المحبة :
قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة :165] .
* أنواع المحبة :
قال ابن القيم – رحمه الله - : ( وها هنا أربعة أنواع من المحبة ، يجب التفريق بينها ، وإنما ضلَّّ من ضلَّ بعدم التمييز بينها :
أحدها : محبة الله ، ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه ، فإن المشركين وعُبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يُحبُّون الله .
الثاني : محبة ما يُحب الله ، وهذه هي التي تدخله في الإسلام ، وتخرجه من الكفر ، وأحبُّ الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة ، وأشدهم فيها .
الثالث : الحب لله وفيه ، وهي من لوازم محبة ما يُحبُّ ، ولا تستقيم محبة ما يُحبُّ إلا فيه وله.
الرابعة : المحبة مع الله ، وهي المحبة الشركية ، وكل من أحب شيئاً مع الله ، لا لله ، ولا من أجله ، ولا فيه ؛ فقد اتَّخذه ندَّاً من دون الله ، وهذه محبة المشركين ) .
الرابع : شرك النية والإرادة والقصد :
وهو أن يقصد بعمله غير الله ، قال تعالى : مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [هود : 15-16] ، وقال تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [ الزمر : 2 ، 3 ] .
وعن أبي هريرةَ قال : قال رسول الله : ( قال اللهُ تعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَركْتُه وَشِرْكَه ) رواهُ مسلمٌ .
النوع الثاني من أنواع الشرك : الشرك الأصغر :
وهو غير مخرج من الملة ، وصاحبه إن لقي الله به فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذَّبه ؛ ولكن لا يخلد صاحبه في النار ، وقيل : أنه لابد أن يطهر بالنار لعموم دخوله تحت مسمى الشرك في قوله تعالى : إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [ النساء : 48 ] .
ومن أنواع الشرك الأصغر :
يسير الرياء : قال : ( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ) فسُئل عنه ؟ فقال : ( الرياء ) رواه أحمد وغيره بإسنادٍ حسن .
وقال : ( الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة ) قالوا : كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال : ( قل اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم ، وأستغفرك لما لا أعلم ) رواه ابن حبان في صحيحه .
ومن أنواعه أيضاً : الحلف بغير الله إن لم يقصد تعظيم المحلوف به كتعظيم المعبود ، وأما إن قصد تعظيمه ومساواته بالله فهو شرك أكبر .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه .
ومن أنواعه أيضاً : قول الشخص لآخر : ما شاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا ، فإن اعتقد أنَّه يُشارك الله عزَّ وجلَّ في التدبير والمشيئة فهو شركٌ أكبر ، وإن لم يعتقد ذلك واعتقد أنَّ الله سبحانه وتعالى هو القادر على كلِّ شيءٍ فهو شركٌ أصغر .
ودليله ما ثبت أنَّ النبي لمَّا قال له رجلٌ : مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ ، قالَ : ( أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا ؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ ) رواهُ أحْمَدُ وابنُ أَبي شَيْبَةَ ، والبخاريُّ في ( الأَدَبِ المُفْرَدِ ) والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ .
وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: ( لاَ تَقُولُوا : مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
ولاشك أن قول : ما شاء الله وحده أكمل في الإخلاص وأبعد عن الشرك .
ومن أنواعه لُبْس الحلقة والخيط إذا لم يعتقد لابِسُها أنها مؤثرةٌ بنفسها دون الله أو مع الله فإن اعتقد ذلك فهو مُشركٌ شركاً أكبر ، لأنه اعتقد أن هذه تنفع وتضرُّ دون الله .
وأما إن اعتقد أنها سببٌ وليست مؤثرةً بنفسها ، فهو مشركٌ شركاً أصغر لأنه اعتقد ما ليس بسببٍ لا قدراً ولا شرعاً سَبَبَاً .
ودليله ما رواه عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : أَنَّ النَّبِيَّ رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ ، فَقَالَ : ( مَا هَذِهِ ؟ ) ، قَالَ : مِنَ الْوَاهِنَةِ ، فَقَالَ : ( انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لاَ بَأْسَ بِهِ ، وعن ابن مسعودٍ قال : سمعت رسول الله يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) رواه أحمد وأبو داود .
* بيان أركان الإسلام والإيمان والإحسان :
أخرج مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر , لا يرى عليه أثر السفر , ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه , وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام , فقال رسول الله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) قال : صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه , قال : أخبرني عن الإيمان قال : ( أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) قال : صدقت , قال : فأخبرني عن الإحسان , قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) قال : فأخبرني عن الساعة , قال: ( ما المسئول بأعلم من السائل ) قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال : ( أن تَلِدَ الأمةُ رَبَّتَها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ) ، ثم انطلق فلبثتُ مليَّاً , ثم قال : ( يا عمر , أتدري من السائل ؟ ) , قلت : الله ورسوله أعلم , قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
* الإيمان ونواقضه :
الإيمان عند أهل السنة اعتقادٌ بالجنان ، وقولٌ باللسان ، وعملٌ بالأركان ، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان .
ودليل ذلك قول الرسول : ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان ) رواه مسلم .
فجعل قول : لا إله إلا الله من الإيمان ، وهو قولٌ فدلَّ على دخول الأقوال في مُسمَّى الإيمان .
كما أنه جعل إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان وهو عمل ، فدلَّ على دخول الأعمال أيضاً في مُسمَّى الإيمان .
وأيضاً قوله : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم .
ودليلُ زيادة الإيمان ونُقصانه قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح : 4 ] ، وقوله تعالى : وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [ التوبة : 124] وإذا ثبتت الزيادة ثبت النقص ومن الأدلة على نقصانه أيضاً قوله كما في صحيح الإمام مسلم : ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ) .