المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تهنوا في ابتغاء القوم


أبو الفداء الأندلسي
05-19-2008, 09:44 PM
لا تهنوا في ابتغاء القوم


الكاتب: أبو محمد المقدسي


.poem {font-size:14pt;font-family:'Simplified Arabic';color:rgb(0, 0, 0);}عندما كنت أخرج رأسي من طاقة باب زنزانتي بعد منتصف الليل - وهو شيء محظور طبعا - وكنت أرى الحارس نائما مسندا ظهره إلى الحائط وكأنه جالس خشية أن يتنبه لنومه أحد، إذ أن ذلك شيء محظور قد يدخله في زنزانة مماثلة للتي أنا فيها.. كنت أتذكر قول الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً).

ولذلك كنت أحيانا أسهر الليل واقفا إلى الطاقة أدعو بعضهم للبراءة من الشرك والتنديد وأشرح لهم حقائق التوحيد مستحضرا هذا المعنى الذي اسفتحه الله بقوله: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ).

وعندما كنت أرى أولئك العساكر الكادحين في سبيل الطاغوت لا يرجعون إلى أهليهم في أيام الأعياد التي كانت تمر علينا في الزنازن وتمر الأسابيع دون أن يرون أولادهم وأمهاتهم وزوجاتهم كنت أقول لبعضهم: "أنتم سجناء مثلنا إلا أن الفرق بيننا شاسع؛ أنتم تحرمون أنفسكم من أولادكم وصلة أرحامكم وأمهاتكم في العيد وفي غيره في سبيل مرضاة الطاغوت وفي سبيل راتب قليل لايكاد الواحد منكم يستلمه حتى يوزعه على دائنيه، ولذلك تملون وتتأفأفون وتشتكون؛ أما نحن فنحتسب عند الله كل دقيقة تمر بنا هاهنا سواء في العيد أم في غيره،وما نناله من نصب أو ضيق أو أذى وبعد عن الأهل والأولاد والأمهات نحتسبه في سبيل الله وننتظر ثوابه العظيم الذي لا يبيد من الله تعالى؛ فأنتم محرومون في هذا العيد ونحن محرومون ولكننا نرجوا من الله ما لا ترجون"..

وعندما كنت أطلب للتحقيق في أوقات متاخرة بعد منتصف الليل وأرى المحقق محمر العينين يتثاءب وقد أحرق العديد من علب السجائر كنت أستذكر الآية نفسها..

واليوم عندما أسمع بأنهم يأتون إلى بيتي مرارا وتكرارا بعد منتصف الليل أو قبل الفجر - وهم لا يعرفون صلاة الفجر - وأعلم أنهم يقفون في أوقات متعددة قريبا منه مساء أو في نحر الظهيرة وتحت أشعة الشمس الحارة ينتظرون عودتي أستذكر هذه الآية العظيمة؛ (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)..

وعندما كنت أرى الجنود اليهود يحصدون بأيديهم ثمرات عدوانهم على المسلمين فيبكون قتلاهم الذين يقتلهم المجاهدون.. كنت استذكر الآية نفسها عندما أستحضر ما ينتظر قتلى وثكلى الفريقين عند الله..وكذا عندما كنت أشاهد - في نشرات الأخار - وأسمع أن الجنود الأمريكان المخنثين يسيرون خلف قوات التحالف الملحدة الأفغانية مرعوبين يتحسّبون ويتخوّفون من طلقات المجاهدين وهجماتهم عليهم كنت أستذكر هذه الآيات..

فالله عز وجل يريد من الدعاة الموحدين والمجاهدين الصادقين الذين سلكوا منهج الأنبياء أن يعووا هذه الحقيقة وهي أن هذه الدار ليست دار قرار ولا نعيم دائم لأحد..

فالمسلمون وكذلك أعداؤهم على مختلف توجهاتهم وأجناسهم؛ الجميع يألم ويشقى ويتعب وينصب في هذه الدار..

(يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)..

لكن شتان بين كدح المسلمين وبين كدح الفجار، وشتان بين ما يرجوه المسلم في كدحه وبين ما يرجوه عدوه..

(فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبور ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور * بلى إن ربه كان به بصيرا).

شتان بين تعب المسلم وما يصيبه في سبيل دعوته من أذى وعذاب وخوف وجوع، ونصب المجاهد وسهره وما يصيبه في جهاده من كلم أوأسر أوقتل..

وبين سهر جند الطواغيت في حراسة قوانينهم الكافرة ونصبهم في تعقب الدعاة والمجاهدين أوموتهم في سبيل عروش أنظمتهم الكافرة وتعب جلاديهم ومحققيهم في تعذيب الموحدين وسهرهم لأجل التحقيق معهم..

(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوت)..

وشتان بين ما يرجوه هؤلاء وما يرجوه هؤلاء..

شتان بين من قال الله تعالى فيهم: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)..

وبين من قال سبحانه عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)..

الجميع سهروا وتعبوا ونصبوا..

ولكن الأبرار في مقعد صدق عند مليك مقتدر قد أعد الله لهم جنته وادخر لهم ثوابه ونماه حتى لقوه، ثم خلود في ذلك النعيم فلا موت..

والفجار نالوا بعض الفتات من طواغيتهم وساداتهم من رواتب حقيرة ورتب هزيلة، وما أسرع ما انقضى العمر وبليت الرتب وذهبت الرواتب وبقي الوزر والحمل الثقيل.. ثم ماذا (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ)..

وما قيمة أن يتنعم المرء أياما معدودة ثم يخلد في عذاب الأبد؟

يؤتى بأنعم أهل الأرض يوم القيامة فيغمس في النار غمسة، ثم يسأل: هل رأيت نعيما قط؟ فيقول: لا والله يارب..

أنساه هول تلك الغمسة نعيم حياته كلها؛ وقد كان أنعم أهل الأرض، فكيف بالخلود في ذلك العذاب؟؟

ويؤتى بأشقى أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسة، ثم يسأل: هل رأيت شقاء قط؟ فيقول: لا والله يارب؟ وهو أشقى أهل الأرض!!

فإذا عاين المجاهد الصادق ورأى الداعية الموحد ما أعده مولاه له من نعيم دائم لا يبلى ولا نقطع ولا يبيد، وعاين مصير أعدائه الأخسرين..

نسي كل سهر ونصب وتعب وأذى وبلاء ناله في سبيل مرضاة الله؛ بل لحقره وتمنى لو نال أضعافه..

يصدق هذا ما جاء في الحديث: (و أن رجلا يجر على وجهه في ذات الله منذ أن ولد إلى أن يموت هرما لحقره عند لقاء الله).


وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقاء ذا الكد يصبح زائلافما هي إلا ساعة ثم ينقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا

فهذه تذكرة لنفسي ولإخواني المجاهدين في بقاع الأرض والدعاة الملاحقين هنا وهناك والإخوة المأسورين في سجون الكفار..

(لا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً).


رجب 1423 هـ

مطوان
08-14-2008, 11:10 PM
بارك الله فيك موضوع أكثر من رائع.

أمّ يُوسُف
10-22-2008, 09:41 AM
وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة فعند اللقاء ذا الكد يصبح زائلا فما هي إلا ساعة ثم ينقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا

جــزاكم الله خيرا