المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات الشيخ علي الخضير{حي على الجهاد}


أبو الفداء الأندلسي
05-16-2008, 02:42 AM
حي على الجهاد



الكاتب: علي بن خضير الخضير

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حي على الجهاد، حي على الجهاد، حي على الجهاد؛

يا نفسُ إِلا تُقْتَلِي تَمُوتِي هذا حِمَامُ المَوتِ فاستَمِيِتي

يقول الله سبحانه وتعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [سورة البقرة 216]، ويقول جل جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [سورة التوبة 73]، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [سورة الأنفال 65]، ويقول تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران 142]، ويقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [سورة التوبة 111]، ويقول تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [سورة التوبة 39].

الجهاد؛ ذروة وعلو وسمو ورفعة وعزة، كيف لا وهو سنام الإسلام، ومنار الإيمان، وفيه بذل المهج وبيع للأنفس وإحياء للشهامة فضلا عن نصر الدين وعز المسلمين، ثم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ... وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) [رواه أحمد برقم 4869]، ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (.. طُوبَى لِعَبْدٍ مؤمن آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ) [رواه البخاري برقم 2673].

في الجهاد تحيا الأمة ويقام العدل وينشر الأمن، ناهيك عن منازل الشهداء وخصالهم ومناقبهم.

يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (.. الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) [رواه البخاري برقم 2607].

لقد أختل لدى المسلمين مفهوم الجهاد، وحقيقته وغايته وأهدافه ودوافعه، حتى أصبح لدى كثير منهم عار، ووسم به بالتطرف والإرهاب وأصبحت الحكومات في العالم الإسلامي تسعى جاهدة في القضاء على شعيرة الجهاد وتطارد من نذر نفسه للموت في سبيل الله.

وإن من فقه السلف رحمهم الله إمضاء الجهاد واستمراريته مع كل إمام بر وفاجر وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ وَلَكِنْ لَا أَجِدُ حَمُولَةً وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ... وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ) [رواه البخاري برقم 2750]، ومن صفات نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم ماتخلف عن سرية ولاغزوة، وقد جاهد في سبيل الله.

إن كل دعوة باتباع الكتاب والسنة وسلف الأمة ليس فيها دعوة للجهاد وحرب للكفار والمنافقين لهي دعوة زائفة ناقصة لاتستند إلى دليل، وليعلم القائمون على أمر الله أنهم مطلوب منهم أن يعدوا العدة لإرهاب أعداء الله وأعداءهم وأن يحرضوا المؤمنين على القتال وأن يهيئوا أنفسهم للنفير في سبيل الله خفافا وثقالاً، وأن يصبروا على ما يلاقوا في طريقهم من الأذى والعنت والمشقة، وأن يتوكلوا على الله حق توكله ومع كل هذا فلابد من الصبر وسيأتي النصر من الله سبحانه وتعالى: يقول تعالى {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ...} [سورة الأنفال 60].

إن النَّصْرُ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، مهما بذلوا من الأسباب والوسائل.

هذه دعوة وإني أوجه دعوتي إلى العالم الرباني الصادق المخلص، لا المخذل والمنهزم، وإلى الداعية المفوه والخطيب المؤثر والكاتب القوي.

أخي الكريم:

إن منهج الله ثابت لايتغير ولا يتبدل، وهذه حقيقة يجب على كل مسلم أن يحافظ عليها، وأن يحافظ على هذا المنهج الذي (رسمه) الله لعباده وأتمه وأكمله، وإن من أهم الوسائل التي تحافظ على هذا المنهج وتحميه من العوادي أيا كانت، هي رفع راية الجهاد واستمراريته حتى تقوم الساعة وأن يتربى الأجيال على ذلك، فلو قصر المسلمون كما نراه ونشاهده في رفع راية الجهاد لما حل بهم من الوهن والضعف، فعلى الطائفة المنصورة القائمة بأمر الله تعالى أن تبادر للقيام بما قصر به المسلمون وترفع راية الجهاد وتقاتل في سبيله، ومرابطة تلك الثغور وتجهيزاً للغزاة وإعداداً للقوة وغير ذلك من المتطلبات.

أيها الدعاة والعلماء وطلبة العلم الصادقين:

إنه لا يحل قضايا العصر الشائكة وجراحاته النازفة وآلامه المتداخلة وكفره وكفرياته ونفاقه إلا الجهاد في سبيل الله، بالسيف والسنان والعلم والبيان، ومقاتلة الكفار المبدلين والطغاة {الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [سورة إبراهيم 28]، مهما كانت الظروف والعقبات والعوائق...

لقد كان للعلماء رحمه الله دورا بارزا في موازين المعارك وساحات الوغى، كابن المبارك [1] وأبي محمد عبد الغني المقدسي [2] وابن تيمية [3] رحمهم الله، فقد قال لقائد المعركة اجعلني في مكان الموت [4]، ومن قبلهم علماء الصحابة رضوان الله عليهم، ومن قبلهم الضحوك القتال [5] نبينا صلى الله عليه وسلم.

أخي المسلم:

هذه وسائل وأساليب لكل جادٍ وصادق للعمل لهذا الدين ونصرة إخوانه فمنها:

أولا: النصرة بالنفس أولاً إن كان ممن لم يعذره الله عز وجل.

وثانيا: الدعاء والقنوت لهم بصدق وإخلاص.

وثالثا: إصدار البيانات والفتاوى من قبل العلماء الراسخين كلما احتاجت الأمة إلى ذلك.

ورابعا: تبني قضايا الجهاد ونشرها بين الناس وتذكيرهم بها والذب عن المجاهدين.

وخامسا: بث روح الجهاد لدى الأطفال والشباب والرجال بل والنساء وتدريبهم وتهيئتهم على ذلك.

سادسا: القراءة المستمرة والتقديم الجيد في فكر الجهاد والتفقيه في ذلك والتحريض له.

وسابعا: جمع الأموال والتبرعات وإنشاء الأوقاف، وجعل ريعها للمجاهدين وللجهاد.

وثامنا: إصدار مجلة أو نشرة دورية في أخبار وقضايا المجاهدين، وتربية الناس عليها، فإن الإعلام هذه الأيام فقد مصداقيته المزعومة لدى الناس.

وتاسعا: إنشاء مجلس أو لجنة في كل دولة أو منطقة، تظم مجموعة من العلماء من أهل خبرة في الجهاد، لتدارس قضايا الجهاد وتبني الفتاوى في ذلك.

عاشرا: إحياء فقه الجهاد، وتعليمه وتدريسه في المساجد والمحاظرات والخطب.

والحادي عشر: دراسة سير الأبطال والقواد في المعارك والحروب والأبطال وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا: لمن لا يستطيع الجهاد ممن عذرهم الله كالأعمى والأعرج أن يخلفوا المجاهدين في أهليهم وذويهم بخير.

أيها الأخوة:

يقول الله تعالى: {...ِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة 249]، ويقول تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [سورة آل عمران 160]، وقال تعالى {.. وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ..} [سورة المدثر 31]، وقال تعالى: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [سورة الصافات 173]، وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [سورة غافر51].

لقد انتصر سلمة بن الأكوع وحده لما لحق.... الذين أغاروا على لقاح الرسول عليه الصلاة والسلام والقصة معروفة [6].

وإذا نظرت إلى المعارك التي دارت بين المسلمين وأعدائهم، لن تجد التكافئ بين الفريقين، وأظنه لن يكون والله أعلم حتى تقوم الساعة.

وأن الله سبحانه له الحكمة في ذلك: فالنصر مع القلة والضعف وليس النصر مع الكثرة والقوة، وإذا انتقلت من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام مع العلم أنهم هم القدوة في كل شيئ فإن الله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [سورة الأحزاب 21]، ولو انتقلت إلى العهود المتأخرة حتى وصلت إلى عهد القائد عماد الدين زنكي [7] وعهد نور الدين محمد زنكي [8] وعهد صلاح الدين الأيوبي ومقابلتهم لهؤلاء الصليبين، لما رأيت تناسبا ولا تناسقا ولا تكافئا في العدد والعدة ومع ذلك كتب الله لهم النصر.

إن أي معركة يدخل فيها المسلمون، لهي معركة منتصر ولاشك فإما النصر والظفر وإما الشهادة، وأنعم بها من منزلة طالما بحث عنها المؤمنون الصادقون.

بل إن في الهزيمة والضعف دروس وعبر ودواعي لا تتحقق زمن النصر والغلبة... منها:

1) أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، قال تعالى: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [سورة آل عمران 179].

2) ومنها؛ استقراء عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء فيما يحبون ويكرهون وفي حال ظفرهم.

3) ومنها أيضا؛ انه سبحانه لو نصرهم دائما وأظفرهم في كل موطن وجعل لهم التمكين والقهر لطغت نفوسهم وشمخت وارتفعت، فلا يُصلح عباده إلا السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقدر والبسط.

4) ومنها أيضا؛ أنهم إذا امتحنهم الله.. بالكسر والهزيمة ذُلوا وانكسروا وخضعوا واستوجبوا منه العز والنصر لهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} [سورة آل عمران 123]، وقال تعالى: {.. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا} [سورة التوبة 25].

5) ومنها أيضا؛ أنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته وهي شهادة في سبيله.

6) ومنها أيضا؛ أن النفوس، لقد كسبت العاقلة الطائعة، (وخسرت) التي طغت وتجبرت وركنت إلى العاجلة.

7) ومنها أيضا؛ أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعدائه ويمحقهم يهيئ لهم من الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم ومن أعظمها بعد كفرهم، بغيهم وطغيانهم يقول تعالى: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران 139 – 141].

ومهما كانت السجون والإعتقالات والتعذيب والأسر، فلقد حوصر محمد صلى الله عليه وسلم، وطرد من مكة، وكسرت رباعيته، وشج رأسه، وسلبت الدار، وعذب بلال وعمار، ومن قبلهم أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ...} [سورة البقرة 214].

ولست أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ جَنبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ [9]

إن المؤمنين الصادقين لا ينتظرون أن يؤذن لهم في أداء فريضة الجهاد، قال تعالى: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [سورة التوبة 45 – 44] و {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ...} [سورة التوبة 111]، إنها صفقة تشترى، وثمنها الجنة، والطريق هو الجهاد والقتل والقتال، والنهاية هي النصر والإستشهاد، وعونك اللهم، فإن العقد رهيب.

إنهما طبيعتان طبيعة النفاق والضعف (والاستخذال)، وطبيعة الإيمان والقوة والبلاء، إنهما خطوتان خطوة الإنخذال والتخلف والرضا بالدون، وخطوة الإستقامة والبذل والكرامة، فإذا أنزلت [سورة تأمر بالجهاد جاء أولوا الطول والمقدرة الذين يملكون وسائل الجهاد والبذل، جاءوا لا ليتقدموا الصفوف، فلا تستهويهم المقدرة التي وهبهم الله وإنما تخاذلوا واعتذروا وطلبوا أن يقعدوا مع النساء، لايذودون عن سبيل ولايدافعون عن سكن، إنهم طلاب السلام لايحسون بالعار فسلامهم هدفٌ، الراضون بالدون.

وهنا مسالة وهي الذب عن المجاهدين:

ولقد ظهر مشاع بين الناس أن بعض المنتسبين لأهل العلم قام بتجريم المجاهدين، ومنهم من نفى الأجر عنهم... ومنهم من أثمهم، ومنهم من نفى عن قتلاهم الشهادة، ومنهم من عدهم من الخوارج، ومنهم من قال إنهم أهل عجلة وغلو، ومنهم من خطّأهم، ومنهم من شك في نياتهم، ومنهم من نفى عنهم العلم والرجوع إلى العلماء، ومنهم من يقسم على إثم من ذهب إليهم، ومنهم من يقول بأنهم افتاتوا على الأمة، ومنهم من فرق بين جبهات المجاهدين ويجعل طائفة دون أخرى لحاجة في نفسه، ومنهم من احتقر بذلهم لأرواحهم وطلبهم للشهادة فشبههم بمن ألقى نفسه في أتون نار تلظى حتى ولو كان سيذهب شهيداً.

ألا يخشى أولئك النفر أن ينتقم الله منهم لأولياءه وأنصار دينه، ألايخشى أولئك من دعوة مظلوم من المجاهدين، حينما تنكسر قلوبهم إذا سمعوا تلك الأقاويل الكاذبة الجائرة، فقد جاء في الصحيحين من حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) [رواه البخاري برقم 1401]، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوة المجاهد تستجاب كما جاءت في ذلك الآثار، ألا يستحي أولئك أن يجرحوا شعور إخوانهم الذين باعوا أرواحهم لله، ألا يخشوا أن تزيغ قلوبهم أي تسوء خاتمتهم.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب 58].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال اللَّه تعالىَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) [رواه البخاري برقم 6021].

ألا يستحيون إذ لم يساعدوهم، أن يكفوا ألسنتهم عنهم، أين ابتغاء سبيل المؤمنين، أين التعاون على البر والتقوى، بدل من أن تساعدوهم وتسعوا في فك أسراهم اتهمتموهم بالعنف والإرهاب، وبأنهم أضاعوا مكاسب الدعوة وجروا الأمة إلى صراع غير متكافئ، وهل أعراض المجاهدين أُلعوبة إذا شاء يجعل الخوض فيهم قربانا يتقرب به إلى أهل الباطل ويزايد عليه ويقتات من نهش لحومهم.

وأما من منع عنهم الأجر... وحكم أن قتلاهم ليسوا شهداء، فيقال له هذه: افتراءة على الله وتطاول لمنع رحمة الله، وتحجير لواسع وتألٍ على الله، فعن جُنْدَبٍ بن عبد الله عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ فقال اللَّهَ عز وجل قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) [رواه مسلم برقم 4753]، وقال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ...} [سورة الزخرف 32].

ويقال أيضا - على وجه الإفتراض والتنزل - من زعم عن رد شهادة عمن قتل منهم لإنه أتى جهة معينة ترد عليهم وأن هذا من غرائب الإستدلال، إذ كيف يسلب اسم الشهيد عن العاصي على فرض إنهم قد عصوا، فإن المعصية لا تمنع من لحوق اسم الشهادة، فقد جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه قَالَ: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ) [رواه مسلم برقم 3498]، ويعلم من هذا الحديث أن لهم ذنوبا تغفر فدل على وجود الذنوب والمعاصي، ولا نعلم قائلا قال بإنه يشترط من لحوق اسم الشهيد ألا يكون عاصيا.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في "الدرر" في قصة أبي بصير رضي الله عنه: فرجع إلى الساحل لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل أمه مسعر حرب لو كان معه غيره) فتعرض لعير قريش من أكبر قوى الشر، يأخذ ويقتل واستقل بحربهم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا معه في صلح وهذه قصة معروفة [رواها البخاري برقم 2529]، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبطه في قتال قريش ولا قال أنت لست مع إمام.

سبحان الله ما أعظم غفلة الجهل على أهله، عياذا بالله من معاندة الحق بالجهل والباطل، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ..} [سورة الشورى 13].

ويقال أيضا: لهذا المتعنت هل اطلعت على نياتهم، فعلمت منهم عدم استحقاقهم للشهادة، وإذا كان أهل البيداء الذين يُخسف بهم يبعثون على نياتهم كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها - لما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجيش الذي يغزو الكعبة – [رواه البخاري برقم 1975]، فقالت: (إن الطريق يجمع الناس!)، قال: (لا فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، ويبعثهم الله على نياتهم)، وإذا كانوا يغزون الكعبة ظلما وعدوانا ومع ذلك علة خفيت في نياتهم، فكيف بهؤلاء المجاهدين الذين جاهدوا لإعلاء كلمة الله يريدون نصرة الإسلام، فكيف يستعدى على نياتهم.

ألا يسعهم السكوت إذ لم ينصروهم، بل شككوا في نياتهم، ولمزوهم، وتنقصوهم، وأثموهم، وجرموهم، بل وتألوا على الله وأفتوا بحرمة نصرتهم، وجعلوا شهدائهم منتحرين، وجعلوا جهادهم خروجا وفتنة، ومنعوا التعاطف، معهم والدعاء والقنوت لهم.

ولا يكفي أنهم قعدوا عنهم، حتى تسارعوا فيما بينهم وتنادوا وتعاهدوا في خطبهم، وبيانتهم، ومواقعهم، وفتاويهم، ودروسهم، ومجالسهم، سرا وعلانية، فهل هذه سمة أهل الإفتا والدعوة، أم هي سمة أهل الظلم والسوء، فيا من أطلقتم ألسنتكم في المجاهدين، اتقوا الله اتقوا الله ولاتكونوا عونا للشيطان على إخوانكم ولاتظنوا إن الله يغفل عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ الخاطئون الوالغون في أعراض أولياء الله، سلم منكم الكفار وأهل الظلال ولم يسلم منكم إخوانكم؟

ثم أنتم ماذا تنقمون على المجاهدين؟ وهل قاتل المجاهدون من ينتسب إلى الإسلام حتى تقوموا عليهم؟ بل قاتلوا من وقع الإجماع على كفرهم، كما قاتل الصحابة رضوان الله عليهم أصحاب مسيلمة.

وإن كنتم تقولون؛ إن هذا الجهاد ليس بفرض عين، فالأمر بخلاف ذلك والمسلمون أمة واحدة والإعتداء على بعضهم كالإعتداء عليهم جميعاً، وكل هذا من جهاد الدفع المتفق على فرضية عيناً عند جميع أهل العلم، فإن هذا من باب دفع الصائل عن الدين ومن أهم أنواع دفع الصائل، وإذا ثبت أن هذا الجهاد فرض عين فان الواجب على جميع أهل العلم ومن ينتسب إليه أن يكون هم الأسوة والسابقون إلى نصرتهم، لا أن يكونوا من متهجمين عليهم والوالغين في أعراضهم، وإنما نشبه حال هولاء ممن أجلب على المجاهدين بحال المخذل والمرجف.

بل حتى انتقادهم هذا غير سائر حتى على أصول اهل العلم، إذ كيف ينتقد من قام بما يجب عليه أو فيما أبيح له من دفع الصائل عنه، ومن رد الكفار عن دينه وعرضه وماله وبلده، فكيف يلام، بل هولاء في انتقادهم خالفوا الإجماع.

والواجب على المسلمين أن يغضبوا للمجاهدين المظلومين وينتصروا لهم ويذبوا عن أعراضهم إن انتهكت في المجالس، ويجب عليكم أن تنصروا من أثنى الله عليهم ومدحهم بقوله {... فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ..} [سورة المائدة 54].

وعليكم أيها المجاهدون بالصبر والثبات ولزوم المراكز والمعسكرات، وإياكم والضجر والسآمة والملل، وغير ذلك مما يؤل بصاحبه إلى الوهن والفشل، واحذروا التفرق والتنازع والتخالف والإنسحاب عن شيئ من تلك المقامات والمواقف، فإن النصر مع الصبر وإن الله ناصر جنده ومظهر دينه على الدين كله {... وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ...} [سورة محمد 4].

ثم أنتم أيها المجاهدون:

فاصبروا وصابروا ورابطوا ولا تختلفوا، فإنه لن يضركم من خذلكم ومن خالفكم، واعلموا أن ما أصابكم من ولوغ الألسنة في أعراضكم من كمال إتمام الأجر لكم لتخلصوا إلى ربكم وقد أكمل الرضا عنكم إن شاء الله فإن سلعة الله غالية.

نسأل الله أن ينصر المجاهدين في كل مكان، وأن يمكن لهم، وأن يقيض لهم من يحمي أعراضهم ومن يحمي أهليهم ودينهم لا يخافون في الله لومة لائم.


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


--------------------------------------------------------------------------------

[1] عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلى التميمى مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزى (أحد الأئمة الأعلام وحفاظ الإسلام)، ولد سنة 118 هـ توفي سنة 181 هـ، بـ هيت. قال ابن حجر: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، له كتاب الجهاد مطبوع، تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (5 /386).

[2] عبد الغني المقدسي الصالحي المتوفى سنة اثنتين وخمسين سنة تذكرة الحفاظ للذهبي (1432).

[3] بن تيمية الشيخ الإمام العلامة الحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر البارع شيخ الإسلام علم الزهاد نادرة العصر تقي الدين أبو العباس أحمد بن المفتي شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام الحراني أحد الأعلام ولد في ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مائة كان من بحور العلم ومن الأذكياء المعدودين والزهاد الأفراد حبس بقلعة مصر والقاهرة والإسكندرية وبقلعة دمشق مرتين وبها توفي في العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبع مائة في قاعة معتقلا التذكرة (1497).

[4] القصة في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، للحافظ البزار.

[5] ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا الضحوك القتال يعني أنه ضحوك في وجه وليه قتال لهامة عدوه، تفسير ابن كثير (2 / 403).

[6] أخرج البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ خَرَجْتُ مِنْ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قُلْتُ وَيْحَكَ مَا بِكَ قَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يَا صَبَاحَاهْ يَا صَبَاحَاهْ ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا فَأَقْبَلْتُ بِهَا أَسُوقُهَا فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ فَقَالَ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ (البخاري 2814).

[7] المك عماد الدين الأتابك زنكي بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر ابن عبد الله التركي صاحب حلب كان بطلا شجاعا مقداما كأبيه عظيم الهيبة مليح الصورة وكان يضرب بشجاعته المثل لا يقر ولا ينام فيه غيرة، عمر البلاد قصد حلب في سنة اثنتين وعشرين، دوخ الفرنج وكان أعداؤه محيطين به من الجهات وهو ينتصف منهم ويستولي على بلادهم.. قُتل في خامس ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين وخمس مئة فتملك ابنه نور الدين بالشام وابنه غازي بالموصل، وزاد عمره رحمه الله على الستين سير الأعلام (20/ 189).

[8] صاحب الشام الملك نور الدين محمود بن زنكي التركي توفي سنة (569) عن بضع وخمسين سنة سير الأعلام (21 / 46).

[9] الشعر لخبيب رضي الله عنه (البخاري 2818).

المرابط المقدسي
05-19-2008, 11:15 PM
اللهم احفظ لنا شيخنا
اللهم فك اسر الشيخ من براثن الطغاة وجميع اسارى المسلمين