المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل{وقفات في الحجاب و أصول وإعتقاد 2 / 4 }


أبو الفداء الأندلسي
05-15-2008, 12:30 AM
وقفات في الحجاب و أصول وإعتقاد 2 / 4




الوقفة الثانية

وهي نتيجة للوقفة الأولى، وذلك بأن ينظرَ إلى قضية الحجاب اليوم، وما يدورُ بينها وبين السفور من معارك، إلى أنَّها لم تُعد قضـيةً فرعية ومسـألةً خلافية فيها الراجح والمرجوح بين أهـل العـلم، ولكنَّهـا باتت قضيةً عقدية مصيرية، ترتبط بالإذعان والاستسلام لشرع الله عز وجل، في كلِّ صغيرة وكبيرة، وعدم فصلها عن شـئونِ الحياة كلها، لأنَّ ذلك هـو مقتـضى الرضى بالله ربًّا، وبالإســلام ديـنًا، وبمحـمد e نبيًّا.

إن التشنيعَ على تغطيةِ المرأة لوجهها، والتهالك على خروجها من بيتها، واختلاطها بالرجال، ليست اليوم مسألة فقهية فرعية، ولكنَّها مسألة خطيرةً لها ما بعدها، لأنها تقومُ عند المنادين بذلك على فصل الدين عن حياة الناس، وعلى تغريب المجتمع، وكونها الخطوة الأولى أو كما يحلو لهم أن يعبروا عنها بالطلقة الأولى.

وإنَّ لنا في جعلِ قضية الحجابِ اليوم قضيةً أصوليةً كلية، مع أن محلها كتب الفروع، إنَّ لنا في ذلك أسوة في سلف الأمة، حيث صنفوا بعض المسائل الفرعية مع أصول الاعتقاد، لمَّا رأوا أنَّ أهل البدع يشنعون على أهل السنة فيها، ويفاصلون عليها؛ من ذلك ما ذكره الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية، بقوله عن أهل السنة والجماعة : (( ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر )).

وعلَّق شارحُ الطحاوية على ذلك بقوله : (( وتواترت السنةُ عن رسول الله e بالمسح على الخفين، وبغسل الرجلين، والرافضة تُخالفُ هذه السنة المتواترة )) [1] .

ومعلومٌ أنَّ المسحَ على الخفين من المسائل الفقهية، ولكن لأنَّ أهل البدع أنكروه وشنعوا على مخالفيهم فيه، نص العلماء عليه في عقائدهم.

إذاً فلا لومَ على من يجعل قضية الحجاب اليوم قضيةً أُصولية مصيرية، وذلك لتشنيعِ مبتدعةِ زماننا ومنا فقيهم عليه، ولحملتهم المحمومة لنزعه، وجرِّ المرأة بعد ذلك لما هو أفسد وأشنع من ذلك، وأنَّها لم تُعد مسألةً فقهية يتناقشُ فيها أهلُ العلم المتجردون لمعرفة الراجح فيها، وجوانب الحاجة والضرورة فيه.

الوقفة الثالثة :

لو أنَّ المنادين اليومَ بكشف وجهِ المرأة أمام غير المحارم، وكانوا في مجتمعٍ يعجُّ بالسفور والتعري الفاضح لأحسنا الظنَّ بهم، وقلنا : لعلَّ قصدهم ارتكاب أهون المفسدتين، والتدرج بالنساء في ردهنَّ إلى الحجاب الشرعي والحياءِ والحشمة شيئًا فشيئًا، حيثُ إنَّ المرأة التي تكشف وجهها وكفيها فقط في مجتمعٍ متعرٍّ متفسخ، هي بلا شـك أحسنُ حالاً ودينًا ممن تتعدى ذلك إلى كشف ما هو أشد وأشنع.

أما وإنَّ الذين يُنادون اليومَ بنزع الحجاب عن الوجه، إنما يُوجِّهون نداءهم إلى مجتمعات محافظة، لم يعرف نساؤهُ إلاَّ الحشمة والحياء، وتغطيةَ الوجهِ والبعد عن الرجال الأجانب، فإنَّ هذا مما يثيرُ العجب، ويحيرُ العقل، ويضعُ استفهاماتٍ كثيرة على مطالبهم تلك، فماذا يريدون من ذلك؟ وماذا عليهم لو بقيت نساؤُهم وبناتهم وأخواتهم ونساءَ المسلمين على هذه الحشمة والعفة والحياء؟ ماذا يضيرهم في ذلك؟ ألا يشكرون الله عز وجل على هذه النعمة العظيمة؟ ألا يعتبرون بما يرونه في المجتمعات المختلطة المتبرجة، حيث ضاعت قوامة الرجل وظهرَ الفساد، وهُتكت الأعراض ؟!إنَّ زماننا اليوم زمن العجائب، وإلاَّ فعلام يشرقُ قومنا بالفضيلة والطُهر والعفاف.



--------------------------------------------------------------------------------


[1] شرح الطحاوية : ص 386 .